أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح العالمي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح العالمي. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 17 مايو 2017

إيفو فان هوفا ومسرحية "الملعونون" الكتابة الإخراجية الخلاقة

الأحد، 14 مايو 2017

المسرح الجديد في‮ ‬القرن العشرين

مجلة الفنون المسرحية

المسرح الجديد في‮ ‬القرن العشرين

 ‬داجمار كاس


أرضية هذا المقال هي‮ ‬التكنولوجيا التي‮ ‬تم تهميشها من خلال رغبتنا في‮ ‬اكتشاف العالم والإنسان،‮ ‬والمسرح الذي‮ ‬لا‮ ‬يحتاج بالضرورة إلي‮ ‬القاعات،‮ ‬والذي‮ ‬ينتشر بعيدا عن الكلمة،‮ ‬ويقول‮ »‬مايكل هاكسلي‮« ‬و»نويل ويتس‮« ‬في‮ ‬كتابهما‮ »‬قارئ المسرح في‮ ‬القرن العشرين‮« ‬إن التكنولوجيا ابتكرت رؤية جديدة للعالم،‮ ‬وأننا‮ ‬يمكن أن نتوقع أن‮ ‬يتعامل المسرح مع المعالجة المركبة للموضوعات والاستجابات المركبة في‮ ‬القرن العشرين‮.‬
وسوف أقدم عدة أشكال للمسرح الجديد‮ (‬علي‮ ‬أساس تصنيف العروض وليس الفرق المسرحية أو الفنانين‮) ‬مع بيان ثلاث طرق مختلفة في‮ ‬استخدام الإنترنت‮.‬
1‮- ‬الإنترنت كأداة‮: ‬وسوف نقدم من خلالها مختلف الأشكال المسرحية التي‮ ‬تقدم الحقيقة الفعلية مقابل الحقيقة الافتراضية من خلال استخدام الإنترنت‮.‬
2‮- ‬الإنترنت كمخرجات‮: ‬المسرح الذي‮ ‬يستخدم الحقيقة الافتراضية لكي‮ ‬يصبح جزئيا آلة وإنسان وآلة‮.‬
3‮- ‬الإنترنت كأداة ومخرجات‮: ‬أشكال المسرح التي‮ ‬تعتبر البيئة أهم من المساحة الخالية‮.‬
وهدفي‮ ‬هنا ليس تقديم تحليل عميق،‮ ‬بل تقديم المصطلحات والشروط‮.‬
‮< ‬الإنترنت كأداة‮:‬
حظي‮ ‬المسرح التفاعلي‮ ‬باسمه من العوض التفاعلي‮ »‬فندق الجحيم‮« ‬الذي‮ ‬أخرجه‮ »‬كيلي‮ ‬ديبل‮« ‬والذي‮ ‬استخدم فيه البرمة الموجهة‮ ‬Max/Msp‮ ‬متتبعا حركة المؤدي‮ ‬البشري،‮ ‬ويرسل المعلومات عبر شبكة وسيطة لكي‮ ‬يتحكم في‮ ‬المستوي‮ ‬السمعي‮ ‬لشكل الصوت وإطار الزمن لإعادة تشغيل الفيديو كليب‮. ‬والنص كوسيلة توضيحية‮ ‬يتم استبداله بصوت جمهور حقيقي‮ ‬بعض الجيران مسجل مسبقا،‮ ‬وصور فيديو تخلق فراغ‮ ‬إيهامي‮ ‬يفهم باعتباره فراغًا حقيقيًا من جانب المتلقين‮. ‬ولدينا صيغة لسلسلة متنوعة ومتكررة تربط الفراغ‮ ‬وحركة الشخص وتقنية الكمبيوتر والإنترنت،‮ ‬ولابد أن تعمل هذه المكونات الثلاثة وإلا سوف تنهار السلسلة ويتلاشي‮ ‬ذلك العالم‮.‬
‮< ‬مسرح الوسائط المتعددة‮:‬
وهو‮ ‬يقوم علي‮ ‬عرض‮ »‬معدل سرعة الهروب‮« ‬الذي‮ ‬قدمته فرقة المسرح الأسترالي‮ ‬في‮ ‬الفراغ،‮ ‬وهذا العرض‮ ‬يخلق حوارا بين مفاهيمنا البصرية والشفاهية والحركية باستخدام الفراغ‮ ‬الحقيقي‮ ‬والفراغ‮ ‬الافتراضي‮ ‬المبتكر بواسطة‮ »‬خدمات الشبكة الرقمية المتكاملة‮ ‬ISDN‮« ‬والفيديو كونفراس‮ (‬أو اللقاء عبر الفيديو‮). ‬وتستخدم الفرقة المفهوم الذي‮ ‬يقول إن الفراغ‮ ‬المسرحي‮ ‬يفهم علي‮ ‬أنه‮ ‬غير مرئي‮ ‬ولا محدود ومرتبط بمستخدميه،‮ ‬وكما‮ ‬يقول‮ »‬باتريس بافيس‮« ‬إن الفراغ‮ ‬لا‮ ‬يمكن ملئه بل‮ ‬يتم توسيعه،‮ ‬ويمكن تجاوز الحقيقة عندما‮ ‬يصحب الممثل الحقيقي‮ ‬ممثلاً‮ ‬افتراضيًا‮ ‬يتم احضاره إلي‮ ‬خشبة المسرح باستخدام وسائل تقنية،‮ ‬ويمكننا أن نصف حقيقتين الفراغ‮ .. ‬الذي‮ ‬يحدث فيه العرض حيث تتم مشاهدة الراقصين بواسطة الكاميرا،‮ ‬وهاتان الحقيقتان تخلقان حقيقة ثالثة مشتركة بين كلا الراقصين‮ (‬الحقيقي‮ ‬والافتراض‮).‬
ويستفسر مسرح‮ »‬الحركة عن بعد‮ ‬Telematic theates‮« ‬عن مفاهيم مثل الهوية والفراغ‮ ‬والزمن،‮ ‬ومفهوم الحقيقة الطبيعية والاصطناعية،‮ ‬وفي‮ ‬عرض‮ »‬جنون الملائكة‮« ‬(1994)‮ ‬لفرقة كوربسندايس الكندية‮ ‬يحظي‮ ‬كل راقص بحضور مزدوج،‮ ‬الأول حقيقي‮ ‬ومباشر،‮ ‬والآخر حضور حركي‮ ‬عند بعده ويمتلك كل راقص إشارة مشفرة علي‮ ‬جسمه تولد البيانات وترسل هذه المعلومات المنظمة إلي‮ ‬موقع آخر وتولد فراغًا موسيقيًا،‮ ‬وفي‮ ‬هذه الدائرة الإبداعية التفاعلية‮ ‬يمكن لكل راقص أن‮ ‬يعي‮ ‬نتيجة أفعاله وحركاته‮ - ‬فالصوت الصادر من مكان له تأثير علي‮ ‬الصوت في‮ ‬مكان آخر،‮ ‬ويضع نظام الفيديو كونفراس‮ ‬(ISDN)‮ ‬الزمن في‮ ‬مركز الأداء ويوسع معانيه،‮ ‬وربما‮ ‬يتصادف أثناء تحول الراقص أن تختلط وحدات الزمن ومناطقه‮ - ‬أو الزمن من حيث تضافر الماضي‮ ‬والمضارع والمستقبل هو الزمن الذي‮ ‬أسميه‮ »‬الزمن الحجمي‮ ‬Dinensional Time‮«. ‬فالمسرح لم‮ ‬يعد‮ ‬يتعامل مع الأشياء بل المادية،‮ ‬بل أصبح‮ ‬يتعامل مع الإشارات الرقمية المتوائمة والمتناسقة مع الزمن الحقيقي‮.‬
والأداء التجسيدي‮ ‬Avatar Performance‮ ‬هو المعمل الذي‮ ‬يلعب فيه الممثل دور فأر التجربة ويلعب فيه المخرج دور العالم،‮ ‬ففي‮ ‬عرض‮ »‬موفاتار‮« ‬الذي‮ ‬قدمته الفرقة الأسترالية‮ »‬ستيلارك‮« ‬هو تجربة‮ ‬يتم من خلالها تحريك الجسم البشري‮ ‬باستخدام كمبيوتر ثلاثي‮ ‬الأبعاد‮ ‬يولد جسما افتراضيا‮. ‬والعرض‮ ‬يقوم علي‮ ‬التحريك العكسي‮ ‬لنظام تحكم،‮ ‬بدلا من التحريك المجسم لجوهر الكمبيوتر،‮ ‬فالنموذج المجسد‮ ‬يمتلك جسما ماديا موجودًا في‮ ‬الفراغ‮ ‬الحقيقي،‮ ‬إذ‮ ‬يمكن التحكم في‮ ‬ذراعي‮ »‬ستيلارك‮« ‬والجزء العلوي‮ ‬من جسمه بواسطة العموض الفقري،‮ ‬بينما تظل رجلاه‮ (‬قدماه‮) ‬حرتي‮ ‬الحركة،‮ ‬وتلامسا الأرضية التي‮ ‬تهدئ من حركته،‮ ‬وهذا العرض‮ ‬يوضح أن التطور التقني‮ ‬أوصلنا إلي‮ ‬نقطة أن خيالنا حول موائمة الإنسان ليست محصورة فقط في‮ ‬استخدامنا العادي‮ ‬للأشكال‮ (‬الملابس‮) ‬والألوان‮ (‬المكياج‮).‬
‮< ‬الإنترنت كمخرجات‮:‬
يسمح عرض‮ »‬التميز في‮ ‬مساحة السيطرة الآلية‮« ‬الذي‮ ‬قدمته فرقة‮ »‬سايبر ثياتر‮ ‬Cyber theater‮« (‬عام‮ ‬1997‮) ‬للمشاهدين باستخدام‮  ‬الإنترنت والكمبيوتر أن‮ ‬يظلوا في‮ ‬البيوت،‮ ‬فالعرض‮ ‬يعكس الزمن الذي‮ ‬نعيشه‮. ‬إذ‮ ‬يمكننا أن نقابل الذين لم نقابلهم ولم نراهم أبداً‮ ‬عن طريق الإنترنت،‮ ‬ومن خلال النصوص المتبادلة بينهم سوف تولد الشخصيات،‮ ‬ولكن سوف‮ ‬يظل هذا الشخص مجرد معلومات نصية حتي‮ ‬نقابله شخصيا،‮ ‬ومسرح التحكم في‮ ‬الاتصال هو وسيط إدراك المشاهدين‮ - ‬فالحواس الرقابية محدودة،‮ ‬وتحرك خبرة العمليات العصبية في‮ ‬بيوت المشاهدين،‮ ‬ويري‮ »‬جاي‮ ‬ديبور‮« ‬التكنولوجيا ووسائل الاتصال أنها آليات قوية تجعل الأفراد طائعين بلا إحساس‮ ‬يشاهدون ويستهلكون فضلا عن العمل والتفاعل،‮ ‬وأن الأداء عبارة عن ترفيه‮ ‬يسيطر علي‮ ‬المشاهد،‮ ‬مع أنه‮ ‬يوضح من الناحية الأخري‮ ‬أن الحياة ليست في‮ ‬جانب والمسرح في‮ ‬جانب آخر‮.‬
وعرض‮ »‬هامنت‮ ‬Hamnet‮« ‬الذي‮ ‬قدمته فرقة‮ »‬IRC‮ ‬دراما‮« ‬باستخدام الحضور العام للناس والمشاهدين‮ ‬يستعرض فيه المؤلف‮ »‬ستيوارت هاريس‮« ‬مداعباته اللغوية من خلال مزج الشخصيات الأساسية في‮ ‬نص شكسبير مثل‮ »‬هاملت‮« ‬و»أوفيليا‮«... ‬إلخ باستخدام افتتاحية معاصرة،‮ ‬ودور المشاهدين في‮ ‬هذا العرض هو أداء النص وليس المسرحية نفسها،‮ ‬فـ»هامنت‮« ‬يتلاعب باللغة ويبتكر فكاهات لفظية تغير كل شيء‮ - ‬الأنشطة والشخصيات والأصوات‮ - ‬إلي‮ ‬نص،‮ ‬ومن أجل الاستمتاع بالنكات من الضروري‮ ‬نكون ملمين بنص شكسبير واللغة الإنجليزية ولغة الإنترنت المشفرة والأسماء المختصرة وأوامر برنامج‮ ‬IRC‮ ‬جيداً‮. ‬كما‮ ‬يتم إثراء النص بواسطة ارتجالات الممثلين الذين‮ ‬يظهرون براعة في‮ ‬الاستخدام اللغوي‮.‬
ويؤكد‮ »‬هاريس‮« ‬أنه‮ ‬يمكننا أن نمتلك زمام النص عندما تكون موسيقي‮ ‬الممثل فقيرة،‮ ‬لأن النصوص خالدة ولا‮ ‬يهم الزمن التي‮ ‬تقدم فيه‮.‬
وقدمت مؤسسة‮ »‬يلسان‮« ‬الإيطالية نص‮ »‬ماكبث‮« ‬وأضافت له أصواتًا وصورًا عن طريق وسيط جديد هو‮ »‬النص المتوالد‮ ‬hypertext‮« ‬في‮ ‬عرض بعنوان‮ »‬هايبر ماكبث‮« ‬(2001)،‮ ‬يروي‮ ‬القصة بشكل متزامن بالإنجليزية والإيطالية،‮ ‬وتم تزويد المسرح التقليدي‮ ‬بالشخصيات التي‮ ‬وقفت جميعها علي‮ ‬خشبة المسرح معا في‮ ‬وقت واحد وبشكل متساوي،‮ ‬والعرض ترك لكل مشاهد الحرية في‮ ‬ابتكار حكايته،‮ ‬والعمل علي‮ ‬تطويرها حتي‮ ‬تكون فريدة بشتي‮ ‬الوسائل،‮ ‬باعتبارها شبكة احتمالات مماثلة لحياتنا اليومية المليئة بالبدائل والنتائج،‮ ‬والنص المتوالد في‮ ‬عرض‮ »‬هايبر ماكبث‮« ‬هو عرض مميز لأنه مبتكر بواسطة برنامج من تصميم الفرقة‮ ‬يقرر أي‮ ‬الكلمات والرسوم هي‮ ‬التي‮ ‬تصل،‮ ‬رغم أن المشاهدين‮ ‬يصنعون اختيارتهم بأنفسهم‮. ‬وقد ابتكرت الفرقة مسرحًا رمزيًا كاملاً‮ ‬وطبقت الفكرة التي‮ ‬نادي‮ ‬بها‮ »‬آرتو‮« ‬أن الكلمة‮ ‬يجب أن تعامل مثل الشيء الجامد لكي‮ ‬نستخدمها في‮ ‬تحريك الأشياء،‮ ‬فالمسرح مثل الحياة اليومية لا‮ ‬يهتم الناس بالكلمات كثيرا‮.‬
ومن خلال‮ »‬التحكم الآلي‮ ‬في‮ ‬الأداء الثنائي‮ ‬البعد‮ ‬The two dimenstonel cybesformance‮« ‬الذي‮ ‬ابتكرته‮ »‬هيلين فاليري‮ ‬جايمسون‮« ‬لوصف الفعاليات التي‮ ‬تقدمها فرقة‮ »‬سايبر بودي‮ ‬كوليجين‮«‬،‮ ‬إذ قدمت الفرقة أربعة عروض في‮ ‬مدة‮ ‬12‮ ‬ساعة لمسرحية‮ »‬تجميل الأمة‮« ‬(2003)‮ ‬والتي‮ ‬تم ابتكارها من خلال تطبيقات الدردشة‮ ‬Chat Applicatiore‮ ‬القابلة للتحميل،‮ ‬فالقصر المذكور في‮ ‬النص والممثلين والمشاهدين كانوا جميعا حاضرين علي‮ ‬الإنترنت،‮ ‬بأشكال مجسدة ثلاثية الأبعاد،‮ ‬مع أن حوارهم كان مكتوبا بطريقة مجلات الرسوم المتحركة في‮ ‬شكل فقاعات الرسوم الكرتونية‮.‬
‮< ‬الإنترنت كأداة ومخرجات‮:‬
قدمت الفرقة الإنجليزية‮ »‬نظرية الصخب‮« ‬في‮ ‬عرضها‮ »‬اختطاف‮« ‬(1998)‮ ‬لعبة الرقابة اللصيقة،‮ ‬إذ عرضت الفرقة ورقة‮ ‬يانصيب‮ ‬يحصل الفائز بها علي‮ ‬فرصة الاختطاف،‮ ‬ثم‮ ‬يتم اختيار عشرة فائزين للتصفية النهائية بشكل عشوائي‮.‬
وهذه العملية تعرض مباشرة باستخدام كاميرا فيديو داخل المقر للاتصال الحي‮ ‬بالخاطفين،‮ ‬وتعكس لعبة الرقابة الواقعي‮ ‬صورة المجتمع الذي‮ ‬يعامل أفراده كحيوانات تجارب،‮ ‬وجوهر عرض‮ »‬الخطف‮« ‬يقوم علي‮ ‬أسلوب ستانسلافسكي‮ ‬التجريبي،‮ ‬فالعرض له قواعد ثابتة ومؤدين وبداية ونهاية ووسط مرتجل وشكل مفاهيمي‮ ‬وزمن ومهمة محددة‮.‬
وبذلك‮ ‬يحمل المسرح الجديد نفس تقاليد المسرح القديم،‮ ‬ويروي‮ ‬أهم القصص التي‮ ‬تدور حول العلاقات الإنسانية ومشكلات المجتمع،‮ ‬ولكن العملية نقلت إلي‮ ‬دائرة الاتصال المعاصر،‮ ‬وأكدت الرؤية القائلة إن المسرح لا‮ ‬يقف بعيداً‮ ‬عن المجتمع،‮ ‬بل هو جزء منه،‮ ‬يتوظف باعتباره مكونًا كاسحًا،‮ ‬والمعني‮ ‬الذي‮ ‬تعلو فيه الحقيقة باعتبارها اتصال دون عوائق‮ ‬يقدم احتمالات كامنة لأحياء فعال في‮ ‬أساسيات مسرح القرن الحادي‮ ‬والعشرين،‮ ‬سواء ظل هذا المسرح الجديد‮ ‬يوتوبيا أم لا،‮ ‬فإن هذا الأمر متروك لرؤية المسرح والمشاهدين‮.‬

-----------------------------------------------------------
المصدر:  ترجمة‮: ‬أحمد عبد الفتاح  - مسرجنا 

الجمعة، 12 مايو 2017

أساسيات لغة الجسد

مجلة الفنون المسرحية

أساسيات لغة الجسد

مارسيا جيد

يكوّن الناس انطباعات عنك في ظروف دقيقة، وغالبا من غير تدخل الوعي. وبتأمل لغة الجسد، بمقدورك أن تقدر إذا كانت هي أو هو " ليس في القلب تماما " أو أنه بالفعل في حبة القلب، ولديه الرغبة بمزيد من التقارب والتعمق. باستطاعتك أن تعطي انطباعات شخصية عن ذاتك بامتلاك زمام لغتك الجسدية، و بتوظيفها إلى أن تتطابق بمشاعرك مع الشخص المعني، أو حتى تنقل رسائل عن حالتك إليه.
تقول آن ديماريس(1): "إن الرجال و النساء يستخدمون لغة جسدية واحدة لإبداء الاهتمام: البسمة، التواصل بالعين، الانحناء إلى أمام، واللمسات الرقيقة. وتضيف: " لو لديك ميول إلى التصلب، قد تعطي انطباعا مغلوطا عنك. حتى الناس المصابين بالخجل الذين لا يحبون الثرثرة يميلون أحيانا إلى الأمام ويهزون برؤوسهم لزيادة مقدار الإعجاب بهم".
و تقول خبيرة الاتصالات ليل لونديس(2): إن التواصل بالعين طريقة مؤثرة لإظهار الاهتمام. وتفصح النساء للتواصل مع الرجل، على وجه الخصوص، بطريقة العين في العين بصمت إلى أن ينتهي من كلامه. وتلفت الانتباه إلى أن ردة الفعل البيولوجية تبدأ حينما نفعل ذلك. وتضيف قائلة: "التواصل المستفيض بالعين قد يرسل إشارة جنسية جذابة و ينقل طبيعة اهتمامك ".
و تنصح ديماريس بالانتباه إلى مستوى التواصل بالعين. فالرجال على وجه الخصوص، كما تقول، يتمتعون بعادة تحريك بؤبؤ العين، و التلفت فيما حولهم خلال الحديث مع أحد الأشخاص. "والناس يلاحظون ذلك و قد يتسبب لهم هذا بالتشتت".
إن الأبحاث تؤكد أن الناس يؤثرون إيجابيا على نحو أعمق إذا منحوك نظرات أطول، دون أن تطرف لهم عين. وبالعكس، إن التفاعل العاطفي مع الناس يكون أقل إذا كانت نظراتهم إلى شريكهم في الكلام أقصر، مع طرفات متعددة بالعيون.
وعند كلا الجنسين قد تحقق اللمسات الخفيفة الحدود القصوى من التأثير فيما يتعلق بطريقة التجاذب وإن الرجال، تحديدا، يستجيبون لذلك. تقول ديماريس: "يتوهج الناس بعاطفة دافئة إذا ما تلامست معهم عفوا بالذراع أو اليد ولو لمقدار نصف ثانية". و في أحد البحوث عن قوة اللمسات، وجه الباحثون للمشترين أسئلة بشكل استفتاء. في بعض الظروف، لمس الباحثون المشترين بشكل خفيف. وحينما أسقط الباحثون أوراقهم على الأرض، كان المشترون الذين تلامسوا معهم الأسرع في المساعدة لجمع الأوراق المبعثرة. أما المشترون الرجال الذين لامستهم نساء باحثات فقد كانوا أشد نشاطا في تقديم يد العون.

هل شعر بالاهتمام ؟
أنت التقيت به و تحدثت معه باختصار. و لكن هل أثار ذلك اهتمامه ؟. كلا الكاتبتان تؤكدان أن لغة الجسد، الإيماءات ضمنا مثل الرمش بالعين أو التمسيد على ربطة العنق والسروال، تؤشر على الاهتمام. و كذلك الاستغراق بالاستماع. وتقول ديمارياس: " قد يفقد الرجال أحيانا الفرصة للتوقف عن كلام له نمط خطابي وتوجيه السؤال إلى الشريكة عن رأيها ". و تقول لونديس: " لو أن مشاعره تحركت و شعر بالطمأنينة، سوف يمنحك نظرات أطول. وسوف تكون لصوته نبرة متأثرة. ويصبح أكثر حيوية، وعصبيا قليلا، إنما في حدود اللياقة ". من جهة أخرى، قد لا تصدر عن الرجال الخجلين إشارات منفتحة مع بادرة تؤسس للتواصل العميق بالعين. وتنصح لونديس قائلة: " ابتسم بامتنان بعد أن تنتهي الامرأة من كلامها. 
استخدم الضحكات، و وزع النكات الخفيفة، إنما أظهر تقديرك و ثقتك التامة".
و تؤكد الكاتبتان أن قوة الكلمات والصور الإيجابية التي نحيط أنفسنا بها تذهب إلى حدود مؤثرة بعيدة. وتشير لونديس إلى دراسة جامعية كانت تفحص ردود أفعال الرجال بعد التحدث معهم عن أمور تخص مظهر امرأة، وفجأة ترى أنك تتحدث معها على الهاتف. تقول لونديس: "حينما ينمو إلى علم التلاميذ أن تلك الامرأة غير جذابة يصيبهم الامتعاض. وحينما تخبرهم أنها جذابة جدا، ينهضون على أقدامهم ويذرعون أنحاء القاعة بالمشي".

هل كانت مهتمة ؟
أنت معجب بها، و لكن هل هي مهتمة بذلك ؟. تلجأ النساء، غالبا، في حالات اجتماعية معينة إلى قراءة لغة الجسد وتوظيف قدر مرتفع من الرموز الإيحائية لإبداء حقيقة مشاعرهن.  تقول لونديس: "حينما يدخل الرجل أول مرة إلى الغرفة، تصبح الامرأة المهتمة به أكثر حيوية وتفرد قامتها، ويصل الأمر إلى أن تدفع صدرها إلى الأمام". و لكن الامرأة المحتشمة قد تنظر بحياء إلى الأسفل أو بعيدا. ثم تنظر إلى أعلى مجددا في غضون أقل من دقيقة.
و تضيف لونديس قائلة: "أي سلوك عرائسي غامض يعتبر إشارة أساسية بأنها مهتمة، و كذلك إذا كانت ترطب شفتيها بلسانها". لمحات أخرى تدل على الاهتمام تتضمن نظرات طويلة بطرف العين، تحريك لمعصم اليد، لمسات قوية لأنحاء من جسمها، أو تمشيط الشعر أحيانا باليد لإبعاده عن وجهها.

بعض الحيل بهذا الخصوص 
تقول الكاتبتان إن الرجال يسهل إغراؤهم بالنساء عن طريق النظرات السريعة، ولكن ديماريس تشير إلى دراسة تعتقد أن الرجال بحاجة إلى جرعات مضاعفة من التواصل بالعين مع الابتسامة لتحريضهم على الاقتراب. و تقول أيضا: "أنت بحاجة إلى حيلة إضافية مع الرجال قبل اتخاذ إجراء فعلي". و تنصح بمحاكاة حركات جسد الشخص المقصود أو تقليد معدل حديثه لتقريبه إليك. وتضيف لونديس قائلة: "على المرأة أن لا تقلق إذا كان مهتما بها أم لا. وتنصح النساء بأخذ زمام المبادرة والاقتراب. تقول عن ذلك: "لو انتظرت طويلا، سوف تفقدين فرصتك". 
و تقول أيضا: " أحيانا أنت ترغبين بإرسال إشارة تدل على عدم اهتمامك، ومع ذلك حاولي أن تلتزمي جانب الحياد الفطري. أن تكوني على طرف الحياد، سواء بالتنحي بظهرك إلى الخلف، وعدم تحريك الرأس أو أطراف الجسد، وحتى بالامتناع عن الابتسام فهذا يعني فقدان الاهتمام ".


هوامش:
1 - دكتوراه فلسفة، اشتركت بتأليف كتاب الانطباعات الأولية: ماذا تجهل عن الطريقة التي ينظر بها إليك الآخرون – بانثام ديل – 2004.
2 - مؤلفة كتاب المعاصرة: كيف تحصلين على رجل أو تحصل على امرأة مستحيلة ظاهريا (ماكرو هيل – 2002).

-------------------------------------------------------------------
المصدر :ترجمة: صالح الرزوق موقع  msn - تاتوو

الخميس، 11 مايو 2017

تراجيديات سينيكا تخاصم خشبة المسرح

مجلة الفنون المسرحية

تراجيديات سينيكا تخاصم خشبة المسرح

«لوكيوس أنايوس سينيكا» فيلسوف وخطيب وكاتب درامي روماني، كتب أعماله باللغة اللاتينية، وقد ولد في قرطبة بإسبانيا سنة 4 قبل الميلاد، ويلقب بسينيكا الفيلسوف الأصغر، تمييزاً له عن والده الخطيب الشهير، الملقب بسينيكا الأكبر، وقد ذهب كاتبنا في صغره إلى روما، حيث تعلم هناك البلاغة والفلسفة، وأقام مدة في مصر ضيفاً لدى خالته زوجة حاكم مصر الروماني، وقد أجبره الإمبراطور الروماني «نيرون» على الانتحار، وتوفي سنة 65 ميلادية بالقرب من روما، وحاولت زوجته أن تلحق به، لكن محاولتها الانتحار لم تنجح.
تعلم سينيكا في صباه النحو والخطابة، وتتلمذ على يد الفلاسفة الفيثاغورثيين، وبوحي منهم أصبح نباتيا، لذلك ظل نحيف الجسد حتى مات، وتعلم الفلسفة الرواقية، وظل مؤمنا بها حتى نهاية حياته، وقد اشتهر باعتباره كاتبا وخطيبا في عهد الإمبراطور كاليجولا، الذي حقد عليه لذكائه الشديد، وفي عام 41 ميلادية نفاه إلى جزيرة كورسيكا، وظل بها لمدة ثماني سنوات، إلى أن عفا عنه الإمبراطور كلاوديوس الذي طلب منه تعليم ابنه نيرون الذي كان عمره وقتها 12 عاماً.
علم سينيكا نيرون مبادئ أخلاقية كثيرة، وزرع فيه حب الفضيلة، وبعد وفاة الإمبراطور كلاوديوس تولى نيرون الحكم، ولم يترك معلمه سينيكا، وإنما أخذه معه، ليستفيد من نصائحه، وصار مستشاره الأول حتى عام 62 ميلادية، وكان كثيراً ما يقبل نصائحه، لكنه كان يشعر في كثير من الأوقات بأنه مقيد، ولا يملك حريته الكاملة، لأن أمه كانت تسيطر على الحكم، وتتدخل فيما يقرره، ولذلك قرر أن يستقل بحكم روما، ويخلع أمه عن الإمبراطورية، بل عن الحياة بأكملها.

لكن سينيكا بوصفه معلما رفض أن يقتل نيرون أمه، وكتب إليه خطابا يبرئ نفسه من تلك الجريمة البشعة ثم شعر سينيكا بعد ذلك بالاشمئزاز من فساد نيرون وانحرافه الأخلاقي، وقرر أن يتركه واستأذن في اعتزال الحياة السياسية، والتخلي له عن ممتلكاته، فقبل نيرون اعتزاله السياسي، وأبقى له ممتلكاته إلا أنه في عام 65 ميلادية اتهمه بالتآمر عليه، وبالفعل حكم عليه بالموت وأجبره نيرون على الانتحار، وصادر ممتلكاته، فأنهى سينيكا حياته على الطريقة الرواقية، حيث قطع شرايينه وسط أهله وظل ينزف حتى مات.
يوضح كتاب «ثيستيس» وقد ترجمه إلى العربية أحمد حمدي المتولي، أن سينيكا كان ينادي بضرورة خلع الإمبراطور نيرون من الحكم من خلال رمزية أسطورة «أويدبيوس ملكا» لأنه كان يرى أن خلاص طيبة من الشرور والأمراض يكمن في خلع أويدبيوس وطرده بعيدا عنها، وكذلك خلاص روما يكمن في نفي نيرون بعيدا عنها، فهو يرى أن أويدبيوس مثل نيرون تماما، حيث يعتبر كلاهما مذنبا، فقد انتهك كلاهما قوانين الأخلاق، ولذلك يذكر سينيكا قومه بأن عاقبة روما ستكون مثل عاقبة طيبة، إن تركوا ذلك الوحش بداخلها على قيد الحياة (يقصد نيرون).
كان سينيكا مثل كبار مثقفي عصره ضليعا في اللغة اليونانية وثقافتها، لا سيما على صعيد الفلسفة والأدب والمسرح، وكتب تسع مسرحيات تراجيدية، ولم يكن في نيته أن تعرض بل أن تقرأ في الصالونات الأدبية، ولم يكن أحد كتاب التراجيديا في العصر الروماني يتوقع أن يتم عرض مسرحياته أمام الجمهور، وبالمثل فإن سينيكا لم يكن يخطر بباله أن تقدم تراجيدياته على خشبة المسرح، وذلك الذي جعل أغلب الدارسين يقولون إن تراجيديات سينيكا كتبت لتقرأ، وليس لتمثل على المسرح، إلا أن هناك من يرى أن سينيكا كان يفكر في عرض مسرحياته للجمهور، وقيل أن إحدى رسائله تكشف عن اهتمامه بالعروض المسرحية، كما أن شخصياته كانت تغري في وقتها الممثلين الكبار، ليقوموا بتمثيلها على خشبة المسرح. كان غرض سينيكا الأساسي من كتابة مسرحياته هو تجسيد أفكاره الفلسفية والأخلاقية الرواقية في شخصيات تخوض صراعات درامية حادة بين قوتين، العقل والحكمة من طرف، والعاطفة الجامحة والغريزة من طرف آخر، والتعبير الأدبي يؤثر بشدة في الأذن، ويعتبر أشد نفاذا إلى العقل وأعمق تأثيرا في القلب من النصوص الفلسفية الجامدة التي لا يصل إلى معناها إلا الضالعون في لغتها، وكان سينيكا لا يهتم بهؤلاء قدر اهتمامه بعامة الناس.
وقد اختلفت مصادر تراجيدياته، لكنها في كل الأحوال مأخوذة عن اليونانية، فكانت إما مستمدة من الملاحم والأساطير، وإما عن النصوص التراجيدية مباشرة، واختلف سينيكا في مسرحياته عن المسرح الإغريقي، حيث كان يترك لشخصياته حيزا كبيرا للتعبير عما يكمن بداخل شخصياته الدرامية، كي يبرز ما يحدث بداخل النفس من مشاعر متضاربة ومنفصلة، فيوضح للمستمع خطر الانفعال إذا تجاوز حد الاعتدال، وأفلت من زمام العقل، ولم يكن سينيكا يسعى إلى التأثير الفني في أعماله المسرحية بقدر ما كان يسعى إلى إيضاح عمق المفاهيم وتغلغلها في النفس والعقل لكي يوصل إلى المتلقي مفهومه عن الكلمة، يبالغ سينيكا في تراجيدياته في إظهار نتائج تحكم الانفعال في الإنسان مما يولد الجرائم الدموية التي تتجاوز الخيال في عنفها، وهنا يركز على إبراز الأفعال العنيفة على المسرح عيانا، الأمر الذي كانت المأساة اليونانية تتجنبه كليا.
-----------------------------------------------------------
المصدر : الخليج 

الأربعاء، 10 مايو 2017

“زنوج” جان جينيه والحديث عن ثقافة اللّون

مجلة الفنون المسرحية

“زنوج” جان جينيه والحديث عن ثقافة اللّون

يارا بدر

كتب جان جينه (1910-1986) في مُقدمة مسرحيته “الزنوج” سنة (1955):
“ذات مساء، طلب مني أحد الممثّلين كتابة مسرحية تقوم بأدائها فرقة من السّود. فتساءلت ترى من هو، بل وما هو اللون الأسود؟ وقبل كل شيء، أيّ لونٍ هذا؟”( 1) وهكذا كانت المسرحية.

فرقة من السّود يقودها المدير وتستحضر الراوي، تقدّم عرضها إلى مجموعة ملكية من البيض. العرض أشبه باحتفال طقسيّ يؤدّيه الزّنوج وهم يقتلون البيض، والآن في هذا العرض سيُعيدون تمثيل جريمة قتل أحد الزنوج “فيلاج” لامرأة بيضاء “ماري” لكي يحاكمهم البيض، الممثّلون على المستوى الملكي، وجمهور البيض في الصالة. ولكن يجب الانتباه إلى أنّ هذا العرض هو إعادة تقديم لأفعال تجري يومياً، وفي رحلة انتقال الحدث من الواقع إلى الخشبة تلوّنت التراجيديا فاتخذت في العرض الذي يرويه النص طابع المحاكاة الساخر. ومنذ البداية سنفرّق بين عرض المسرحية (فعل العرض المتكرّر لمسرحية “الزنوج”)، وبين عرض النصّ (سنسمّيه العرض الداخليّ). إذ أنّ الحديث عن هذا النصّ هو حديث عن عدّة مفاهيم مسرحية: المَسرحَة، الكرنفالية، التمثيل واللعب، وأخيراً وليس آخراً ثقافة اللون، وكلّ من هذه المفاهيم يقوم بالاستناد إلى مجموعة نقاط في النصّ، تترابط لتعكس ثقافة الزّنوج وتؤسّس لشكل بناء دراميّ جديد، قلمّا نراه خارج مسرحيات جينيه، العصيّ على التصنيف داخل حدود مذهب أو تيّار مسرحيّ محدّد بذاته، من المسرح الطقسيّ وحتّى العبث سنجد ملامح لجينه.

الطقس من الرقص إلى القناع:

يغلب على العرض الداخليّ الطابع الطقسيّ بما ينسجم وثقافة الزنجيّ الممزوجة بالتّاريخ والأرض، فهناك حلقة الدخان حول النعش المُفترض، وهناك اللّغة والمفاهيم التي ترسم نمط الحياة وأساس الفعل، كذلك الأغاني والرقص، حيث كلّ ما في هذا الطقس يرسم ملامح بدائيّة الزنجيّ المرتبطة أساساً بالطبيعة، بأفريقيا. ويغدو الطقس نفسه احتفالاً باللون الأسود. يقول “فيلاج”: «لقد علّمني الرقّ، وعلّمتني العبودية الرّقص والغناء»( 2).

الرقص في النصّ وسيلة فنية يُعيد جينه توظيفها، إذ يغدو هذا الرقص بمجمله حركة فاعل على الخشبة، عبر الأثر الذي ترسمه في سياق تطوّر الحدث. فحين يبدأ العرض الداخليّ للفرقة، طقس الزنوج العنيف، ترتفع وتيرة الحركة لدى الممثلين وتغدو رقصاً، هو رقص حتى الإثارة- التي تصل حدود التوهّج، والغناء. هو غواية، وسيلة، لحظة قوّة ولحظة ضعف. يقول “فيلاج” في موقع مختلف:
«لقد كان عليّ لكي أغويها وأجعلها تقع أسيرة حبّي أن أرقص رقصة ليلة العرس حتى تهاويت من الرقص في النهاية ومتّ. ربما تخلّلت هي جسدي في تلك اللحظة التي كنت أستريح فيها من رقصتي أو أثناءها»( 3).

بذات الإيقاع الموسيقيّ لأجساد الراقصين، حيث تتناوب السكينة والصخب، تناوب الزنوج لعب الأدوار، فهذا الممثل الذي مثّل الشخصية “س” لا يلبث أن ينتقل إلى دور الشخصية “ع” من شخصيات الحكاية التي يعاد استحضارها في زمن العرض الداخليّ. مما يسمح لكل ممثل أن يلعب أكثر من شخصية، وأكثر من دور، وصولاً إلى ألعاب الاحتفال الكرنفاليّ القروسطيّ، أو المسرح الإليزابيثي، حيث يلعب الرجل دور امرأة. بما تتضمنه هذه اللعبة من إعلان مباشر عن المسرحة في الأداء. فلإعداد الرجل الزنجيّ الذي يؤدي دور “ديوف” للعب دور امرأة بيضاء، تحضر الفرقة الأدوات اللازمة بأمر من “فيليستيه”: “منضدة عليها باروكة شقراء وقناع كرنفال مصنوع من الورق المقوّى، يُمثّل وجه امرأة بيضاء ممتلئة الوجنتين ومبتسمة الشفتين، وإبرتيْ “تريكو” بهما جزء مشغول من “بلوفر” ورديّ اللون، وبكرتيْ صوف وإبرة “كروشيه”، وقفّازين أبيضين»(4 ).

يتمّ على الخشبة إلباس “ديوف” كلّ الزينة اللازمة لتمثيل دور ماري أمام الجمهور، الذي يُطلب من أحد أفراده لاحقاً الصعود والمشاركة في الطقس المسرحيّ، وهي العملية التي تكشف الكواليس المسرحية ومُجمل اللعبة التي يتم بواسطتها إعادة استحضار الشخصية من الماضي إلى حاضر الخشبة (هنا… والآن).

في الوقت ذاته الذي يُغيّر فيه “ديوف” هيئته ليزدوج في أدائه المسرحي، تقوم “بوبو” بإحضار علبة الطلاء وإعادة دهن وجه “فيلاج” باللون الأسود، وهو ما يعيد على القارئ والمتلقّي صرخة النص وسؤاله الأساسيّ: من هو الأسود؟
يُحدّد جينه ومنذ البداية – عبر ملاحظاته الإخراجية- جميع الشخصيات في النصّ من السّود، إلا أنه يعود مرّة ثانية إلى التراث المسرحيّ، ليُعيد استخدام تقنية القناع المعروفة من أيام الاحتفال الكرنفالي، حيث تتنكر بعض الشخصيات بهيئة حاشية البلاط البيض وهم جمهور العرض الداخلي، أمّا البعض الآخر أي ممثلو هذا العرض، فإنهم يظهرون بلونهم الأسود، وهو لون الصبغة أو الجسد. هذا التنكر باستخدام القناع، يحوّل العرض إلى احتفال طقسيّ تنكّريّ، حيث يُساعد التنكّر الممثل على إخفاء شخصيته الحقيقية لينتقد ما يُريد بحريّة داخلية أكبر من جهة، ولكي يُعبّر- من جهة ثانية- عن كل سًُفليته أو دونيته المرتبطة بالفكر الأوروبيّ لأولئك الذين يُقدّم لهم العرض (الحاشية أو جمهور الصالة).

المستويات اللغوية:

أمام تقسيم حادّ كهذا، لا يبقى سوى اللغة عاملا وحيدا قادرا على إضفاء التميّز اللونيّ والدّلاليّ لكلّ شخصية من الشخصيات، ولكلّ مجموعة على حدة.
تظهر فاعليّة اللغة في انتقال مهمّة الرّاوي من شخص إلى آخر، ممّا يؤكّد معرفة الجميع للحكاية مُسبقاً. إذ حتى أفراد الحاشية يُشاركون في هذه العمليّة. في البداية يكون “فيلاج” هو الراوي لما حدث معه، ثم تطالبه “بوبو” بأن يدخل غرفة “ماري”- المفترضة خلف ساتر تقود إليه مجموعة من السلالم- ليقوم بواجبه، ولاحقاً يُخبر الحاكم صديقه القاضي ما يُفترض أنه يحدث في غرفة “ماري”، وهو ما لا يُرَى على الخشبة إذ تخفيه الكواليس.
وهكذا يُنتج شكل الكتابة بتلويناته المختلفة تعددّية في الأصوات، وتنوّعاً في أشكال الخطاب. إلا أنّ طبيعة اللغة التي تختلف جذرياً بين خطاب الممثلين الزنوج وخطاب ممثلي البلاط تنحو باتجاه دلالات أكثر تميّزاً. إنّ ارتباط لغة الزنوج القويّ بصور أفريقيا الجمالية يُحيل إلى روحية عميقة لدى الزنوج، وهي لغة تحمل مفردات قاسية وشتائم ولكنها تنجح في رسم طقسيتها الخاصة:

في خطاب شعريّ تتلوه “بوبو” نجد ما يختصر جوهر الفرق بين الزنجيّ والأبيض، ولكن من ثقافة الزنجيّ، كما تكشف اللغة القادمة من عوالم الشخصية الداخلية ووطنها الأصليّ عن قوة وحرارة لا يُمكن تجاهلهما، هي قوة وحرارة مرتبطة بإفريقيا وبالإنسان الإفريقيّ.
بوبو: العفن والنتانة يُخيفان الآن، أليس كذلك؟ إنها “الأبخرة التي تتصاعد من أرضي الإفريقية. أودّ أنا بوبو، أن أطفو بمؤخّرتي فوق أمواجها المتلاطمة! لتحملني بعيداً روائح الجيفة والرمم! (لأفراد البلاط) وأنت أيها الجنس الباهت اللون المعدوم الرائحة، أنت أيها الجنس المحروم من روائحنا الحيوانية، المحروم من نتانة مُستنقعاتنا…”)(5).
كذلك، تبوح الأغاني بكم ٍ من الحزن والوجع المخبّإ خلف الكلمات القذرة والصلابة الوحشية التي يحاول الزنجيّ حماية نفسه بها، ولكنها – كاللغة- تحافظ على شعريتها العالية حتى وهي ترسم صورة صراع لأجل البقاء. على سبيل المثال، نجد في الصلاة التي تتلوها “فيرتي” و”نيج”، إعادة إنتاج للمُقدّس الذي يتمّ تكسير صورته السابقة، لصالح مُقدّس نابع من قسوة الألم، ومن اللون الأسود، هي صلاة تتلو تفاصيل حكاية كل زنجيّ وتختصر عالماً كاملاً من الذكريات التي عرفها الزنوج:

“- فيرتي: أيها الشاحبون: كمخاط مسلول.
 أيها الشاحبون: كلون براز المصاب بالصفراء.
 أيها الشاحبون: كالمحكوم عليه بالإعدام.
 أيها الشاحبون: كالإله الذي يعظمونه كل صباح.
 أيها الشاحبون: كالسكين الذي يشق ظلام الليل.
 أيها الشاحبون: بلون الغيرة.
 إنني أحييكم جميعاً، أيها الشاحبون”(6 ).

هكذا يُمكننا أن نقرأ في صيغة هذه اللغة حضور الروحيّ وامتزاج التفاصيل الصغيرة، حتى الأعماق، بالطبيعة الإنسانية المتلونة بروائح أفريقيا. صور مُجرّدة تحيل إلى أمور مَعيشة، لينتج هذا المزيج شعرية عالية وقدسية خاصة بهذه اللغة. لغة تلائم، قبل كل شيء، طبيعة الطقس الذي يتمسك به الزنوج كشكل ثقافيّ فنّيّ يُعبّر عن خصوصيتهم.
في مقابل هذا الثقل الروحيّ تحضر لغة البيض كلغة أرقام، تدور حول استثماراتهم وثرواتهم في الأراضي الأفريقية، تعبر فيها بعض كلمات الجمال أو الورود، ولكنها كلمات باردة، حيادية لا تكتسب أيّة خصوصيّة. هي لغة تعكس بالدرجة الأولى الفكر الاستعماريّ للأبيض، بمنظوماته الأيديولوجية، الدينية منها والاجتماعية، التي بررت له التفوق على الزنجيّ الأدنى مرتبة إنسانياً وفكرياً حسب وجهة نظر الآخر، لأنه وكما يقول المبشّر الدينيّ الأبيض:
“- المبشر: لا تفقدي الثقة يا سيّدتي. إنّ الله أبيض.
 – الخادم: تبدو واثقاً من نفسك وأنت تقول ذلك..
 – المبشر: لو لم يكن كذلك أكان سمح بالمعجزة الإغريقية؟ منذ ألفي عام والله أبيض. يأكل فوق غطاء مائدة ابيض، يمسح فمه الأبيض بمنشفة بيضاء، يلتقط اللحم الأبيض بشوكة بيضاء. ويُشاهد الثلوج البيضاء وهي تتساقط.” )(7).
 تعكس هذه الصورة نموذجاً للفكر الأوروبي الاستعماري، الذي يتصوّر الفكرة الإلهية (الله) كرجل أبيض أرستقراطي من جهة، ومن جهة ثانية فإنّ الرجل الأبيض الأوروبي هو مؤسّس الحضارة الفكرية وهو مشابه لله – المعبود والخالق- باللون. لينسحب السؤال من : ما هو اللون الأسود؟ حتى حدود: ما هو اللون الأبيض؟
 البنية الفكرية للنص:

المسافات بين اللونين، والثقافتين، يبرزها جينه في تفاصيل الطقس، القناع، اللغة، وهي جميعها عناصر لعب مسرحيّ يعيد ترتيب التفصيل والحكاية في شكل قراءة جديدة، المسرحة التي تتيح للمتلقي بناء رؤيته النقدية أو إيجاد المسافة النقدية ممّا يقدّم له. ليستطيع التساؤل فعلاً عن ماهيّة كلّ لون وكلّ ثقافة!
يقوم هذا النص على اللعب المتداخلة، مُحطّماً أيّ وهم يقينيّ بالحقيقة، طارحاً أسئلته الإشكالية حول خصوصيّة المسرح، وطبيعته وماهيّته. وهنا ينوس الجواب بين الكلمة والفعل، وصولاً إلى البنية الفكرية التي تعكس المسَرحة الموجودة في النص إشكالياتها. فهذه المسرَحة التي أسسّت لشكل البناء الدراميّ الذي رأيناه تفترض علاقة داخل بخارج، حيث يمثل الداخل الخشبة المسرحية، والخارج هو الكواليس، والجمهور، وعالم البيض الذي يُنكر عليهم إنسانيتهم. في لعبتهم هذه ينجح الزنوج في سحب البيض إلى فضائهم المكانيّ- المفترض- ليقوموا في الوقت ذاته بشكل من أشكال الفعاليّة في الخارج.

كذلك فإنّ المسَرحة التي تبدو كشكل كتابة وبناء مسرحي، تعكس مفهوم القتل كشكل وجود بالنسبة للزنجيّ، الذي فقد كل حقوقه وأشكال وجوده الأخرى، باستثناء ما سمح له المستعمر الأبيض بالاحتفاظ به، وهو قليل جداً، كالكراهية بديلاً عن الحبّ المحرّم

على الزنوج، كالبدائية والعنف والتشبه بالحيوانات التي يتسلى البيض باصطيادها. وهكذا لم يبقَ للزنجي إلاّ الإعلاء من شأن هذه الملامح البشرية البسيطة، ليُنتج قوة يستمدّ بقاءه واستمراره منها. الإعلاء من شأن وحشيته وعنفه، وحيوانيته، ليمتزج أكثر باللون الأسود والعنف حتى غدا القتل شكل وجود إنسانيّ في سعيّ الزنجي للامتزاج بالظلام النهائيّ المشعّ، ليشكّل ثقافةً مضادّة يستطيع من خلالها مواجهة المستعمر العنصريّ الأبيض على أرض أفريقيا.
“- فيليستيه: ما أدراني، بل ومن أنا؟
إنّ الألوان تضنيني… أأنت هنا يا إفريقيا بأردافك المتقوّسة وسيقانك الطويلة. إفريقيا المستاءة المتذمّرة المحكومة بالحديد والنار. إفريقيا ذات الملايين من العبيد الملكيين. إفريقيا المنفية. أيتها القارة التي يجرفها التيار، هل أنت هنا؟ إنك تتلاشين رويداً رويداً وتتقهقرين نحو الماضي وروايات الغرقى ومتاحف المستعمرات وأعمال العلماء، ولكنني أستدعيك الليلة لحضور حفل ٍ سرّيّ (تنظر داخل أعماقها) إنها كتلة من الظلام الدّامس والكثيف والخبيث تحبس أنفاسها وإن كانت رائحتها النفّاذة تفوح رغماً عنها. هل أنتم هنا؟ لا تغادروا خشبة المسرح دون أن آمركم بذلك. ليُمعن المشاهدون النظر إليكم. ينساب منكم خدر عميق شبه مرئيّ ينتشر ليسحر من حولكم ويبهرهم تماماً…”)(8).

قليلة هي النصوص في تاريخ المسرحي العالمي التي طرحت الثقافة موضوعاً لها، وجينه في العديد من نصوصه يطرح هذه الإشكالية، إنما يتفوّق هذا النص في دقة توظيف تقنياته من جهة، وفي كثافته من جهة ثانية، فهو واحد من أصغر نصوصه عموماً.
سؤال جينه عن اللون الأسود هو سؤال عن هذا الإنسان وعن هذه الثقافة، ثقافة اللون الأسود التي تواجه ثقافة اللون الأبيض، تاريخياً في ظل منظومات الاستعمار وحاضراً في ظل مفاهيم العولمة وما بعد الكولونيالية. هذا التصادم بين الثقافتين ليس خفياً كما في معظم نصوص الغرب – المُستعمِر- وإنمّا هو تصادم صريح يعلن شكلياً وفكرياً عن الثقافة الاستعمارية، إذ يختار للطبقة الحاكمة مستوى ًَ على الخشبة أعلى من مستوى الزنوج، الذين يواجهون بيض الصالة من الجمهور في مأساتهم وروائح ثقافتهم، وجوهر هذه الثقافة هو الطقس ولغته. إلا أنّ الطقسيّة التي يعمد جينه إلى الإيحاء بها طوال وقت العرض، تتكشف في النهاية عن طقسية زائفة، وكأنها- في حدّ ذاتها- محاكاة ساخرة لقداسة الطقوس الدينية. وما يقُدّسه العرض هو الإنسان الذي يستمدّ وجوده وماهيته من لونه، عندما يكون اللون هوية وثقافة، وليس من الله. اللون هنا تحديد ماهيّة وجود بالنسبة للزنجيّ، “نيج: (في انتشاء) لوني! ما أنت إلا نفسي!”(9).


الهوامش:

 1 – جان، جينه: الزنوج، ص 62.

 2- المرجع السابق نفسه، ص 70.
 3 – المرجع السابق نفسه، ص 71.
 4 – جان، جينه: الزنوج، ص 72.

5- جان، جينه: الزنوج، ص 65.
 6 – المصدر السابق نفسه، ص 73.

 7- جان، جينه: الزنوج، ص 66.

 8- جان، جينه: الزنوج، ص 76.
 9 – جان، جينه: الزنوج، ص 64.

المصدر : موقع الأوان

الاثنين، 8 مايو 2017

مقاربة بين سيد البنائين والآنسة جوليا

مجلة الفنون المسرحية

مقاربة بين سيد البنائين والآنسة جوليا

صباح هرمز 

إذا كانت تجمع بين هاتين المسرحيتين بعض الصفات، فهي أثنتان . جنوح الشخصيات فيها لحب العظمة.. والحلم.ولنبدأ من الصفة الثانية التي هي الحلم. إذ بدون استثناء تحلم كل الشخصيات في كلتا المسرحيتين، ابتداءً من سولنس وهيلدا وآلين والطبيب والمهندس وراجنر وكايا ، في سيد البنائين لأبسن، الى الآنسة جوليا وجان الخادم وكريستين الطباخة، في الآنسة جوليا لسترندبيرغ. وإذا كانت كريستين تحلم الزواج بخطيبها جان، فإن جوليا تحلم بالرقص معه، وجان الطائش ببلوغ المرتبة الاجتماعية التي تتبوأها جوليا. وسولنس ببناء الأبراج في أعلى البنايات، وهيلدا في تحقيق حلم سولنس، وراجنر في إيجاد عمل مستقل، يقوم هو بإنجازه، وهكذا بالنسبة للشخصيات الثانوية الأخرى.
وحلم جوليا وجان، يناقض الطبقة التي ينتميان إليها، ذلك أن جوليا الأستقراطية لا تستمتع بأيّ سلام، ولن تحس بأية راحة إلا بعد أن تستقر على الأرض، بعكس جان الخادم الذي يريد أن يصل الى أعلى، الى القمة تماماً، حيث يمكنه أن ينظر متطلعاً الى الريف تحت نور الشمس. ما معناه أن جوليا، ترغب أن تنسلخ من طبقتها وترتمي في أحضان الطبقة الفقيرة، وجان أن ينسلخ هو الآخر من طبقته، ويرتمي بعكسها في أحضان الطبقة الأرستقراطية، وهذا الحوار الدائر بينهما حول الحلم أدلّ نموذج على ذلك.
الآنسة جوليا: ها أنا أثرثر معك عن الأحلام! تعال – لنصل الى الحديقة.
جان: يجب أن ننام على تسع زهرات من أزهار منتصف الصيف الليلة يا آنسة جوليا وحينذاك ستتحقق أحلامنا. 
وسولنس البناء قبل أن يمتلك مكتباً لرسامي الخرائط، لم يكن ثرياً، عندما كان يعمل في نفس هذا المكتب، تحت إمرة المهندس المعماري (بروفك)، والد راجنر الرسام الذي يأبى سولنس أن يبني (راجنر) البيت الريفي للأسرة التي راقت لها الرسومات التي أعدّها لهذا الغرض. 
إن منحى سولنس الطبقي، يختلف هنا كلياً عن منحى جان وجوليا، ذلك أنه في الوقت الذي كان يحلم فيه أن يتخلى عن طبقته، وينتمي الى الطبقة البورجوازية، وتحقق له ما أراد، يقف كالمرصاد أمام راجنر، حائلاً دون تحقيق هدفه الحلمي، بشطريه المهني – التقني – والاقتصادي. خوفاً من أن تهيمن الأفكار الحديثة في الفن المعماري على الأفكار القديمة، وهو بذلك سوف يفقد الموقع والمكانة اللذين كان يتمتع بهما، لأصحاب الفكر القادم. ويتضح هذا المعنى أكثر في هذه الجملة التي يطلقها سولنس لهيلدا التي تمثل الجيل الجديد: (لا، لا، لا، الجيل الجديد، أنه يعني القصاص، أنه يأتي كأنه يمشي تحت راية جديدة، مبشراً بتحول الحظوظ).
ولكن سرعان ما أنفرط عقد هذا الوئام بين جان وجوليا ليتحول الى صراع الدم الأرستقراطي، ضد دم العبيد. مثله مثل الصراع القائم بين سولنس وبروفك حول منح الأول، حرية العمل لراجنر أن يشتغل بصورة مستقلة، ولم يدع أن يتحقق حلم الأثنين معاً، حتى عندما كان الأب يلفظ أنفاسه الأخيرة.
ومثلما تتجاوز هذه الأحلام حدها عند جوليا وجان الى ممارسة العملية الجنسية، بتقديم جوليا ذراعها الى جان، ويسيران باتجاه الحديقة، في إشارة الى حدوث هذه العملية، وتعزيزها بدعوة جوليا لترى ما في عينيّ جان، كذلك يحدث نفس الشيء بالنسبة لسولنس وهيلدا.
هيلدا: هل جئت وطوقتني بذراعيك؟
سولنس: نعم جئت.
هيلدا: ثم أدرت رأسي للخلف؟
سولنس: للخلف جداً. 
هيلدا: وقبلتني؟    
سولنس: نعم. . لقد فعلت.
هيلدا: مرات كثيرة؟
سولنس: كما تشائين.
وكما أن سولنس لم ينتبه الى هيلدا في أول لقاء بها، لأنها كانت صغيرة وفي الثانية عشرة من عمرها، كذلك لم تنتبه جوليا الى جان، عندما كان يأتي مع والده الى مزرعة والدها التي كان يعمل فيها، لأنه كانت صغيرة كهيلدا أيضاً. وكلاهما جان وهيلدا يذكران شيئاً عن جوليا وسولنس، ولكنهما لا يبوحان به.
سولنس :هل تحلمين كثيراً؟
هيلدا: نعم ! ! أكاد أحلم على الدوام. 
 سولنس : وبماذا تحلمين أكثر الليالي؟
هيلدا: لن أنبئك هذا المساء.. وربما نبأتك عن ذلك في وقت آخر.
جوليا : أوه قل لي – أريدك أن تقول لي.
جان: لا، لعلي لا أستطيع. في وقت آخر ربما.
مرض جان بسبب عدم استطاعته نيل الفتاة التي أرادها مرة، تتقارب حكاية هيلدا التي راحت تلوح بعلمها المرفرف لسولنس، وهو في أعلى البرج، حتى أوشكت أن تسبب اختلالاً في توازنه. وجوليا لأنها لا تعرف الفتاة  التي مرض جان من أجلها، وعندما تسأله عنها، يرد : أنت. وتباغت هيلدا سولنس بنفس أجابة جان، بأنها كانت هي تلك الفتاة الشيطانة التي كادت تفقد توازنه.كما تتقارب شخصية سولنس مع شخصية الأب في مسرحية بنفس العنوان لسترندبيرغ،  من حيث ذكائهما، ودفع زيجاتهما لهما نحو المرض، أو سعيهما ليشعرا بذلك، ولكن زوجة الكابتن (الأب) بطريقة خبيثة، وزوجة سولنس بحسن نية. وبقصد إشعاره بأنها ليست غبية وعلى علم بكافة علاقاته. أما زوجة الكابتن فبدافع سوقه الى الجنون، لفرض سطوتها مثل هيدا جابلر لأبسن على أفراد أسرتها والمحيطين بها. وكلتا الشخصيتين يتمتعان بذكاء خارق في المهنة التي يمارسانها، سولنس في بناء الأبراج للبنايات العالية، والكابتن كرجل من رجال العلم الموهوبين.
ولعلَّ الذكاء الذي يتمتع به سولنس، مقابل الشيطنة التي يتحلى بها جان، يقودانا الى السمة المشتركة الثانية التي تجمع بين مسرحيتي سيد البنائين والآنسة جوليا، ألا وهي سمة العظمة. (والقرن التاسع عشر كان زمن العظمة الفردية، كما يقول صلاح عبدالصبور، والرجل العظيم هو الذي يمتاز على الآخرين . .)(9).
وقد أكتسب الأثنان هذه العظمة من خلال قدرة سطوتهما على الآخرين، سطوة سولنس على المكتب الهندسي لبروفك الذي كان فيما مضى، يعمل مساعداً له، ثم سطوته على مشاعر (كايا) خطيبة راجنر أبن بروفك، ومن بعدها على هيلدا. لتدفعه كل هذه النجاحات، لأن يضاعف تفوقه، في المجال الذي يعمل فيه، وهو بناء الأبراج في البيوت ألأكثر ارتفاعاً من السابق. 
أما جان عبر سطوته على جوليا، هذه السطوة التي لم يتخيلها حتى في ألذ وأمتع لحظات أحلامه، لا لأنه خادمها ويطيعها كالكلب فقط، وأنها تنتمي الى الطبقة الأرسقراطية، وهو الى العبيد، وإنما أيضاً، وكما يصفها سترندبيرغ: (بأنها  نصف إمرأة، وكارهة للرجال، إنها فتاة عصبية، تشعر بكبرياء وإن كانت على استعداد لكبت هذا الشعور في سعيها المحموم وراء إشباع ولعها بالأثارة الحسية)(10). وهاهي تقر نفسها بذلك في أجابتها على سؤال جان: ألم تحبي أباك يا آنسة جوليا؟ 
جوليا: نعم كثيراً جداً. لكن كان عليّ أن أكرهه أيضاً، لا بد أنني كنت أكرهه دون أن أدرك هذا. أنت تعلم أنه علمني أن أكره جنسي – أن أكون نصف أمرأة ونصف رجل.
فسطوة جان على مثل هذه النمرة، ليس بالأمر الهيّن، وأي كائن كان سوف يشعر بالتفوق، وتميزه عن الآخرين، سيما إذا عرفنا بأنها هي التي تقوده الى مغازلتها وممارسة الجنس معها.(وأحد الخدم هو الذي أوحى لسترندبيرغ بشخصية جان، لأنه أظهر له بوضوح بأنه لا يفكرفيه كشخص أفضل منه شخصياً)(11)، موظفاً إياها على لسان جان وهو يخاطب جوليا على هذا النحو: نعم، بالنسبة إلي. فأصلي أفضل من أصلك..

-------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

مقارنة بين مسرحيتي الأشباح والبجعة لأبسن وستنبيرغ

مجلة الفنون المسرحية

مقارنة بين مسرحيتي الأشباح والبجعة لأبسن وستنبيرغ

صباح هرمز 

اذا كانت مسرحية البجعة، قد كتبت عام 1907، فان مسرحية الأشباح، كتبها أبسن عام 1881، أي قبل البجعة بستة وعشرين عاما. وكلتا المسرحيتين يدور موضوعها حول السقوط في أحضان الرذيلة. ففي الأشباح الأب مع الخادمة، وانتقال هذه اللوثة الى الابن، وفي البجعة الأم مع صهرها.

وعلى الرغم من أن الرذيلة في البجعة، أقوى من الأشباح، أو هكذا تبدو للوهلة الأولى، لممارستها من قبل شخصين، تحرم عليهما هذه العلاقة،  وقوتها تظهر في هذا الجانب فقط الذي لا يخلو من المراوغة والتلاعب بالمشاعر ودغدغة العواطف، فان هذه القوة في الأشباح، تتسم بمصداقية أكثر، لنأيها عن غلو سترندبرج في ربط العلاقات. وتصويرها من قبل أبسن، اتساقا والنهج الذي يتبعه  في مسرحياته الأخرى، ألا وهو الأسلوب الاسترجاعي، هذا الأسلوب الذي يعيد الأم والقس الى ماضي الأب، عبر الرذيلة التي يمارسها الابن ( الآن)، أي ظهور صورة  الأب في ابنه.  
يقول عبدالله عبدالحافظ بهذا الخصوص: وقد وضع أبسن هذا الصراع في اطار فني رائع اعتمد فيه سواء في تسلسل الأحداث أو المناظر على الطريقة الاسترجاعية (6).  
رجينا:أوزفولد! أجننت! اتركني!
مسز الفنج:( تجفل في فزع) آه!
ماندرز: (غاضبا) ما الذي يحدث يا مسز؟  ما هذا؟
مسز الفنج: (بصوت أجش) الأشباح. الاثنان في المشتل- يعودان! 
هذه الواقعة هي ذاتها  التي حدثت عندما كان الكابتن الفنج يغازل خادمته (والدة رجينا). كما أن الأب في الأشباح، يأتي ذكره،( بالرغم من عدم ظهوره)، على لسان  الشخصيات على امتداد المسرحية، محتلا مساحة لابأس بها، وموقعا مؤثرا لا، وبل فاعلا وجوهريا في نمو وتطور أحداث المسرحية، بعكس الأب في البجعة، فقد ترك سترندبرغ هذين الدورين، ( احتلال المساحة، والموقع المؤثر للأم).
كما يبدو لي ثمة تناص بين الأشباح والبجعة، وأن تأثيرات الأولى واضحة في الثانية، وتأتي أولى هذه التأثيرات في حصر شخصيات البجعة بخمس مثل الأشباح. واذا كان قد أجرى سترندبرغ من تغيير في مسرحيته، مقارنة بالأشباح، فان هذا التغيير لم يتعد حدود الشخصيات، وذلك بالاستعانة بشخصيتي الصهر والابنة، بدلا عن شخصيتي القس ماندرز والنجار أنجستراند. ليلعب شخصية الصهر الدور الذي لعبه الأب  في الأشباح مع الخادمة جوانا، وهو مع أم زوجته. واضافة الابنة في البجعة، لم يأت بجديد، وجاء بسبب ايجاد المسوغ لاقامة الصهر في منزل الأم، وبالتالي ربط علاقة معها. وأقول لم يأت بشيء جديد، ذلك أن دورها لم يقتصر أكثر من شكواها على تصرفات والدتها، واكتشاف خيانة والدتها لها مع زوجها، وهذان الأمران، أداهما الابن كذلك، ولكن ليس كشقيقته  متأخرا، وأنما رغم المرض الذي يعاني منه، منذ صغره، من بداية المسرحية. وهذا يعني أن اضافة هذه الشخصية، لم تأت الا تابعا لزوجها.
أما الاختلاف الجوهري الذي أجراه سترندبرغ  على شخصية الخادمة في مسرحيته عن مسرحية أبسن، في ظهورها بمظهر المربية العجوز، وليس اللاهثة وراء نزواتها، جعلها أقرب الى شخصية القس ماندرز في الأشباح، وهي تبدي حرصها واهتمامها بصحة وسلامة الابن والابنة، وتفضح تقصير الأم تجاههما وتجاه زوجها، مذكرة الأم بين حين وآخر بماضيها الكالح معهم. ولكنها، بعكس القس تغادر المنزل قبل نهاية المشهد الأول، وغادره القس قبل نهاية المسرحية بقليل. ولكن رغم قصر دورها، فقد استطاع المؤلف، أن يمنحها التأثير الذي لعبه القس في الأشباح.
وبقدر ما استطاع الصهر أن يلعب الدور الذي لعبه الأب في الأشباح، بنفس القدر لم يستطع أن يلعب دور الابن في نفس المسرحية، ذلك أنه مثل الأب، كان غرضه خسيسا، بينما غرض الابن نبيل. والأغراض النبيلة، كما يقول غوتيه، لا تؤخذ بالوسائل الخسيسة. لذا فقد أناط سترندبرغ دور الأب بالأشباح للصهر، ودور الابن في نفس المسرحية للابن (فريدريك). ولعل قول الأم لصهرها:( لكم تشبه الآن زوجي، وأنت تجلس على كرسيه الهزاز)، أدل نموذج على ذلك، بينما تأتي هذه الجملة، أو ما يقاربها على لسان القس ماندرز وهو يخاطب مسز الفنج، ردا على قول أوزفولد، عثوره على غليون والده:( عندما ظهر أوزفولد في المدخل والغليون في فمه بدا لي وكأن والده عاد الى الحياة من جديد). وكلتا الجملتين، جملة الأم في البجعة، وجملة القس في الأشباح، يستحضران ماضي الأب في صورة الابن والصهر، أي أن كليهما يسيران على خطاه الآن، في هذه اللحظة.  
ومثلما أحدث ستريندبرغ، تغيرا جذريا في شخصية الخادمة، كذلك فقد أحدث نفس التغير في شخصية الأم، من رزينة وهادئة وحكيمة في الأشباح، الى ماكرة ومتهورة وخائنة في البجعة. وجعلها أقرب في نرجسيتها، واستبدادها برأيها، الى شخصية (هيدا) في مسرحية (هيدا جابلر) لأبسن. وهي بعد أن تبلغ درجة اليأس، تطلب من ابنتها أن  تعيش معها ومع شقيقها كخادمة، ويعد هذا الانحدار السريع والمباغت من برجها العالي،  بمثابة انتحار هيدا، أن لم يكن أسوأ منه، بعد انسداد كل الأبواب بوجهها.
وليس من باب الصدفة، أن تبدأ كلتا المسرحيتين بجو عاصف وومطر. وتوحيان من خلال جوهما العاصف والممطر الى نفس المعنى. فاذا كان في الأشباح، توحي جملة رجينا: ( أنه مطر شيطاني لعين)، الى موقفها السلبي من زوج أمها ( أنجستراند)، ولا تطيق رؤيته، لما يرافقه من شر. فان جملة:( أغلقي الباب رجاء، من الذي يعزف الموسيقى؟) التي تلفظها الأم في البجعة، توحي هي الأخرى الى موقفها السلبي من ابنها، ولا تطيق رؤيته. ليعمد المؤلفان هنا الى التعبير عن نزعة  الشخصيات من المعنى الكامن وراء الكلمات. فهدف رجينا من ايقاف أنجستراند، حيث هو، ليس لتساقط المطر منه على أرضية الغرفة، وانما لعدم ازعاج أوزفولد، لايقاظه من نومه، وهو يحدث صوتا نشازا بقدمه العرجاء، وهذا الصوت النشاز يوازي صوت الموسيقى الذي تسمعه الأم في البجعة، الصادرة من عزف الابن، والمنبعثة من رائحة الكربونيك والأغصان المحروقة التي تكرهها، لا لأنها قد حرمتها على ابنها وابنتها فحسب، وانما أيضا في نهاية المسرحية، تختنق برائحة الكربونيك والأغصان المحروقة. 
وتمتد هذه المقاربة الى اصابة كلا الابنين، في الأشباح والبجعة بلوثة الأب، وليس من باب المصادفة أيضا، مثل بداية المسرحيتين بجو عاصف وممطر، أن يعاني كلاهما من هذا المرض، بعد عودتهما من الخارج. فردريك نادبا حظه العاثر الذي بفعل الخلافات العميقة بين أبيه وأمه، ساقه هذا الحظ الى مربية، يرافقها الى منزل أختها التي كانت تتعاطى الدعارة، ليشاهد هناك كل شيء بأم عينيه. وأوزفولد مثل فردريك، بعد عودته من باريس، يشكو من نوبة صداع في رأسه. 
فردريك: أنا لم أرضع أبدا من حليب الأم، كنت بعهدة احدى المربيات، وكان علي أن أرضع من قنينة. وحينما كبرت قليلا، صرت أرافقها الى منزل أختها التي كانت تتعاطى فيه الدعارة، حيث رأيت مشاهد حافلة بالأسرار يستبيحها للصغار مربو الكلاب فقط. . .
أوزفولد: بعد زيارتي الأخيرة هنا وعودتي ثانية الى باريس بفترة قليلة – عندئذ بدأت أشعر بآلام غاية في العنف في رأسي – غالبا في مؤخرة رأسي، على ما يبدو، كما لو أن حلقة حديدية محكمة قد ثبتت بمسمار حول عنقي وفوقه تماما.
ونتيجة الخوف الذي يقع فيه أوزفولد، جراء تحذيره الطبيب من مواجهته للنوبة مرة ثانية، لأنها ستؤدي الى نهايته، يفضي به هذا الخوف الى الجنون. وفردريك لا يقل جنونا عن جنون أوزفولد، ولكن لافساح أبسن مساحة أوسع لحركة أوزفولد، قياسا بحركة فردريك المحدودة، حدا لأن تبرز هذه العاهة لدى الأول أكثر من الثاني. وعلى الرغم من ذلك، فانها تظهر من بداية المسرحية لدى  فردريك، ويتأخر ظهورها لدى أوزفولد.

وعملية التناص بينهما هذه، تتضح أكثـر، في اقتباس البجعة جملة من الأشباح،  تعبر عن لب المسرحية، ان لم تكن هذه الجملة كل المسرحية، وهذه الجملة تأتي في الأشباح على لسان مسز الفنج، وفي البجعة على لسان الأم. ومع أن الجملة الأولى طويلة، والثانية قصيرة، غير أن كلتيهما تعبر عن نفس المعنى، وما يضاعف ذلك هو بالاضافة الى ذلك ورود كلمة الأشباح على لسان الأم في مسرحية سترندبرغ، مع أن هذه الكلمة هي عنوان مسرحية أبسن.

مسز الفنج: أنني خائفة لأنه في أعماق نفسي شيء أشبه بالشبح لا أستطيع الفكاك منه أبدا.عندما سمعت رجينا وأوزفولد هناك بدا لي وكأنني أرى أشباحا. أنني أكاد أظن أننا جميعا أشباح. . .
الأم: احذري (بعد برهة) أثمة شخص يمشي هناك؟
مارجريت(الخادمة): لا ليس هناك أحد.
الأم: أترينني كمن يخاف الأشباح؟
والأشباح هنا، وفي كلتا المسرحيتين، رمز للماضي الذي  تخشى منه مسز الفنج، وكذلك تخشاه الأم، لأنه امتداد للحاضر، فما كان يحدث بالأمس، يحدث اليوم. وكلتاهما تشاهدان صورة ابنيهما في شبح أبويهما، وقد عادا الى الحياة من جديد. ويهدف أبسن من الماضي، كل تراكمات العادات والتقاليد البالية والسائدة في المجتمع النرويجي. 
ويعلق عبدالله عبدالحافظ على حوار مسز الفنج قائلا: (هذه صرخة عقل يحتج على كل أشكال الاعتقاد التي لا تقوم على المنطق، وعلى الأشباح التي تعيش في الظلام وتبطش بالضحايا الأبرياء)(7). 
ويستطرد:( ولعل هذا التزمت في هذا المجتمع النرويجي الصغير هو الذي دفع كثيرا من النرويجيين الى الهجرة لباريس والى أمريكا حيث جو الحرية وحيث ينعم الأنسان ببهجة الحياة).  
في كلتا المسرحيتين أيحاءات كثيرة، تأتي  في البداية، وتتحقق في النهاية، وأبرزها ما يحل بفردريك وأوزفولد، لاصابتهما بمرض الزهري الذي ينتقل بالوراثة الى الأبناء عن طريق الأب. ولكن كليهما لم يلقيا حتفهما، أو بقيا على قيد الحياة،  فسيان كلا الأمرين، عن طريق هذا المرض، وأنما كان هذا المرض سببا لجنونهما، وهذا الجنون هو الذي آل ما آل اليهما . فردريك  بإحراق المنزل، وأوزفولد سعيه في شرب السم. اذن أن هذا المرض، وأن يبدو وراثيا، غير أنه لايخص فردا واحدا، وأنما كل المجتمع. بدليل أن كل الناس من وجهة نظر مسز الفنج والأم، تتحول الى أشباح، لذا فإن هذا المرض، ما هو الا وسيلة لبلوغ الغاية الأسمى، وهي رفض كل الأفكار والعادات والتقاليد البالية للمجتمع النرويجي جملة وتفصيلا. هذا بالنسبة لمسرحية الأشباح. أما بالنسبة لمسرحية البجعة، فان الغاية الأسمى، هي التصدي لخيانة المرأة لزوجها وابنتها، وظلمها لأسرتها ككل، وابراز هاتين الحالتين، عبر حرمان ابنها وابنتها وقبلهما والدهما من الأكل والملبس الجيدين، ودفء الحطب في برودة الشتاء الجليدية، وتوظيفهما في احراق المنزل.
وبالتعويل على وصف الفصل الأول لمسرحية الأشباح، والمشهد  الأول لمسرحية البجعة، وبتفكيك رموز هذين الفصلين، وجدنا بدلا من أن يسود التقارب بينهما، يشطرهما التباعد الى خطين متوازيين، يبدو من الصعب، أن يلتقيا في نقطة معينة، الأول بانفتاحه على المستقبل، يشوبه بقسط وافر من التفاؤل، والثاني بالولوج في دهاليز الأغصان المحروقة ورائحة الكربونيك الطافحتين بالتشاؤم. فغرفة حديقة فسيحة لها باب في الحائط من جهة اليسار، وبابان في الحائط من جهة اليمين، بالاضافة الى انفتاح الغرفة على مشتل للزهور، وله حيطان زجاجية كبيرة، وفي الحائط الأيمن للمشتل باب يفضي الى الحديقة، فمثل هذا المنظر المنفتح بأبوابه ونوافذه على العالم الخارجي، لا بد أن يحتوي، أو يريد أن يحتوي على شخصيات، تتسم ولو بجزء ضئيل من الأمل في الحياة. وشخصية أوزفولد هو هذا النموذج.  بدليل أن الكلمة الأخيرة التي أطلقها في نهاية المسرحية، كانت : الشمس. 
بينما المنظر الذي يتكون من باب واحد للشرفة، وصالة جلوس تفضي الى صالة أخرى للطعام، وأريكة مغطاة بغطاء أحمر، وكرسي هزاز... فكل مفردة من هذه المفردات، تشكل بحد ذاتها علامة من علامات التشاؤم التي تنتظر مستقبل شخصيات المسرحية. ولعل احتراق الثلاثة في نهاية المسرحية، الأم وابنها وابنتها في آن، يؤكد ذلك. لنفهم أن أبسن يتبع في الفصول الأولى في مسرحياته طريقة العرض، مع تقنية اقتران البداية بالنهاية. وسترندبرغ يتبع التقنية الثانية أيضا، ولكن ليس  بتجزئة العناصر الدرامية الثلاثة كلا على حدى، كما يفعل أبسن، وانما بخلطها في تركيبة متماسكة معا.
وفي المنظر الثاني للأشباح، تجري الأحداث في نفس الغرفة. الا أن تعزيزه بجملة ( لا يزال الضباب يخيم على المنظر العام)، جعل المؤلف ينحو هذا الفصل، منحى (العقدة)، وأغلب الظن، أن هذه الجملة جاءت، امتدادا للفصل الأول، حيث كان المطر يهطل.
بينما يخلو  المشهد الثاني للبجعة من أي وصف أو شروحات. وهذا يعني أنه كالمشهد الأول، أن عناصره الدرامية تسير على نفس الوتيرة. ولكنه في المشهد الثالث، ومع صوت ارتجاج الباب، وطرقات متسارعة عليه من قبل الصهر، هذه الطرقات التي تذكرنا بمسرحية ماكبث لشكسبير، نفهم من خلالها، أن عقدة مسرحية البجعة قد بدأت. وفي المشهد الرابع أن هذه العقدة تتطور، عبر هبوب رياح عاتية، يسمع صفيرها من النوافذ والمدفأة، والباب الخلفي ينصفق، ليذكرنا هو الآخر بمسرحية الملك لير لشكسبير أيضا. وفي المشهد الخامس والسادس، عزف موسيقى في الخارج، وفي السابع، يدخل الصهر وفي يده عصا غليظة، أشارة واضحة الى أنه سيتعامل مع أم زوجته بشكل فظ. وفي المشهد الثامن، توقف الأم الكرسي الهزاز، ويدخل الابن ثملا، لتوحي المفردة الأولى على القلق، والثانية على جرأة التطرق للمواضيع الحساسة، وتوجه الأم نحو النافذة في المشهد التاسع، وتفتحها تنظر بعيدا، تتراجع بعد وهلة الى الغرفة حيث تأخذ مسافة استعدادا للقفز، لكنها تعدل عن قرارها حين تسمع ثلاث طرقات على الباب، وأذا كانت النافذة تشكل عالمها الخارجي الذي تتوق من خلاله أن تعيش بحرية، فأن الغرفة التي هي في داخلها ، تشكل عالمها المحاصر بقيود محكمة.
وهي بين الاثنين، بين ضميرها الذي يؤنبها، ويدفعها الى الانتحار، وبين توقها للحرية، المتمثلة بطرقات على الباب، لتنقذ هذه الطرقات حياتها، تختار الأخيرة.
وهنا يلجأ سترندبرغ الى استخدام تقنية الاسترجاع كأبسن، من خلال استحضار  صورة الابن على هيئة والده، وهي تقول: من هناك؟ ما الذي يجري؟ ( تغلق النافذة) أدخل ! هل هناك أحد . أنه نفسه وهو يعدو في حقل التبغ، ألم يكن ميتا؟
. . . . 
وفي منظر الفصل الثالث للأشباح، يعود المؤلف، مانحا أياه مواصفات الفصل الأول نفسها تقريبا، أقول تقريبا لأن شابته بعض روح التشاؤم، ولكن ليس بغلبة هذه الصفة على التفاؤل، بل بالعكس، بغلبة الأخيرة على الأولى. وجاء هذا الفصل كذلك، اتساقا مع تطورات أحداث المسرحية التي قادت أوزفولد المحب للحياة، التفكير في الانتحار. مثله مثل الأم في البجعة، واقعا تحت وطأة الشعوربتأنيب الضمير في أصابته بهذا المرض، ظنا منه أنه المسؤول الوحيد عنه والذي ألحق الأذى، ليس برجينا فقط، وأنما بالمجتمع ككل. 
وتكمن روح التشاؤم في هذا الفصل فقط في جملة ( في الخارج ظلام)، وتعقبها جملة، تحتوي على قدر ضئيل من الأمل: (باستثناء وميض خافت من النار ينبعث من خلفية المسرح).
أما التفاؤل فيمكن ملاحظته في هاتين الجملتين: ( كل الأبواب مفتوحة) و( لا يزال المصباح مضيئا على المنضدة.)

--------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

«الغرفة الحمراء» لسترندبرغ: الكاتب الشاب يفضح الأساتذة

مجلة الفنون المسرحية

«الغرفة الحمراء» لسترندبرغ: الكاتب الشاب يفضح الأساتذة

أبراهيم العريس 

ترى مَنْ مِن البشر، والمثقفين خصوصاً، لم يحلم بأن ينتفض يوماً في وجه رؤسائه أو أصدقائه، أو في وجه عدد كبير من الناس ليقول لهم رأيه فيهم، بكل صراحة ومن دون خوف على عمل أو قلق من رد فعل؟ لقد كُتبت روايات وحُقّقت أفلام حول هذا الموضوع أو ما يدنو منه، لكن الواقع ظل بعيداً جداً من هذا: إذ نادراً ما نسمع حكاية من هذا النوع. لكنّ في تاريخ الأدب السويدي، كتاباً ربما يكون منسياً بعض الشيء اليوم، خطّه قلم شاب في الثلاثين من عمره، سيحقق لاحقاً في حياته شهرة كبيرة ويصبح الأب الشرعي للمسرح السيكولوجي الحديث، ليس في السويد - وطنه - وحده، بل في أوروبا والعالم كله. إنه أوغست سترندبرغ، صاحب المسرحيات الكبيرة التي أثّرت في ابسن وتشيكوف ثم في سينمائيين كبار من أمثال انغمار برغمان ووودي آلن. أما الكتاب فعنوانه «الغرفة الحمراء»... وهو ليس مسرحية، مع أن معظم كتابات سترندبرغ كانت مسرحيات. وليس رواية، حتى وإن قُدّم غالباً بوصفه رواية، بل إنه كتاب أدبي شاء المؤلف الشاب - في ذلك الحين - أن يقدم فيه صوراً أدبية لعدد كبير من أعلام الفكر والصحافة والمجتمع في مدينة استوكهولم. فأتت الصور قاسية ساخرة، لتثير زوبعة في وجه الكاتب، لم تهدأ إلا لاحقاً حين بدأت مسرحياته تُمثل وصار، بدوره، علماً من أعلام الكتابة في بلده. وعلى رغم مسرحياته وشهرته، ظل سترندبرغ يقول دائماً أنه إنما يدين الى تلك «الغرفة الحمراء» بالاعتراف العام الذي قد صار من نصيبه.
> إذاً، أصدر سترندبرغ ذلك الكتاب وهو في الثلاثين. وهو كان قبل ذلك، ومنذ تجاوز سنوات مراهقته وقرر أن يمتهن الكتابة، كان خاض كل أنواع الكتابة، من صحافة وقصة ومسرحية ونقد، لكن دائماً من دون طائل... والأهم من هذا - طبعاً - أن تلك التجارب التي خاضها وضعته على تماس تام، مع الكثير من شخصيات تلك البيئة وذلك الزمن... وهو إذ اكتشف أن أياً منهم ليس على استعداد لدعم أي موهبة أدبية شابة تحاول أن تستعين به، كشف عورات أولئك الناس... فاستخدم قلمه اللاذع لشن حرب ضدهم. وكان كتاب «الغرفة الحمراء» «مدفعيته» الثقيلة في المعركة. وقد زاد من فاعلية كتابه أن كل الذين كتب عنهم فيه وصورهم، إنما كانوا ملء الأسماع والأبصار، وكان ذكر اسم أي واحد منهم على غلاف الكتاب كافياً لانتشار الكتاب. وهكذا بضربة معلم، تمكن أوغست سترندبرغ من أن يضع اسمه مع الكبار: بل في موقع الساخر من الكبار.
> في «الغرفة الحمراء» إذاً، صفحات وصفحات تصور الرسامين والكتّاب والمسرحيين وحتى العلماء، كاشفاً أسرار شخصياتهم، متوقفاً عند نقاط ضعفهم... حتى من دون أن يلجأ الى أي أكاذيب وافتراءات، ما أنقذه من أن يصل الى القضاء. كل ما في الأمر هنا، أنه جمع الحقائق المعروفة ليلقي الضوء الساخر عليها وعلى خلفياتها، من دون أن يأبه بمكانة أي من الذين كتب عنهم... ومن هنا، انفجر الكتاب كالقنبلة، وصار الكاتب أشهر شخصية أدبية في استوكهولم بين ليلة وضحاها... وكان ذلك بعد أسابيع من التقديم الفاشل لواحدة من أولى مسرحياته، «المعلم أولوف»، التي - مع هذا - ستظل واحدة من مسرحياته الأكثر فشلاً، حتى وإن كان النقاد والباحثون سينظرون إليها لاحقاً على أنها الأكثر قوة في أعماله.
> في الوقت الذي كان سترندبرغ منهمكاً في كتابة «الغرفة الحمراء»، كان يعيش موزعاً بين رغبته في أن تعترف الأوساط الأدبية به - وهو اعتراف كان يرى أنه تأخر كثيراً! - وبين شعوره بأن اهتمامه الأول في حياته يجب أن يكون اهتماماً فنياً وذا مستوى. ومن هنا، حين صاغ صفحات ذلك الكتاب وفصوله، حرص على أن يجعل من موضوعه وسيلة لفرض مكانة لنفسه في استوكهولم الثقافية، ومن أسلوبه دليلاً على تميزه في البعد الفني لعمله. وإذا كان حرص على شيء منذ البداية، فإنه حرص على أن يبتعد من أي نفحة عاطفية أو «ذاتية المنحى» في ما يكتب... وهو نجح في هذا أيضاً، حتى وإن كان الكتاب كله ذاتياً في نهاية الأمر. ولعله يكفينا هنا، أن نقف عند بعض تعبيراته كي ندرك درجة السخرية المرّة التي تملأ هذا الكتاب. فمثلاً، حين يتحدث سترندبرغ عن الصحافة، يقول أنها لا تفتأ «تحطم القلوب مثلما يحطم المرء البيض»، وهو يتحدث عن المسرح بصفته قناعاً يخفي خلف أبهة الملابس والديكورات بؤس الممثلين وجوعهم. وإذ يذكر الأحزاب السياسية في طريقه، يقول أن «الأحزاب، من أجل الائتلاف في ما بينها، تتنازل وتتنازل حتى تندمج جميعاً، في نهاية الأمر، في لون رمادي لا طعم له ولا لون». أما حين يصل الى الحديث عن الرسم بصفته الأول بين الفنون الجميلة، فإنه يبرهن كيف أن رسامي زمنه يزعمون، بادعاءاتهم الضحلة، أنهم يقفون فوق السلة التي يتجابه في داخلها، و «في شكل ودي للغاية»، أكاديميون ومضادون للأكاديمية قطعت رؤوسهم جميعاً من قبل.
> على رغم أن سترندبرغ لم يكتب «الغرفة الحمراء» كمسرحية في البداية، فإنه مع ذلك حرص على أن يعطي النص عنواناً ثانوياً هو «مشاهد من حياة الأدباء والفنانين»... ومن هنا، ما نلاحظه من أن هذا العمل قد قدم لاحقاً، على شكل مشاهد مسرحية... ولقد ساعد على هذا أن الكاتب، أصلاً حين كتب العمل، ملأه بالحوارات، حيث أن معظم النصوص والانتقادات جاءت في حواريات تخيل وجودها بين أصحاب العلاقة أنفسهم... حوارات إذ كان في الإمكان تشبيهها بشيء فإنما بالحوارات التي تملأ مسرحيات أوسكار وايلد ويسودها تصوير مدهش للجهل والنفاق الاجتماعي والتكاذب المشترك بين البشر... ذلك النوع من البشر. إنها، هنا لدى سترندبرغ، حوارات حادة قاطعة، تصور على الفور، ومن دون الحاجة الى عودة لقراءة ثانية، نساء متحذلقات، صحافيين لا وازع ولا ضمير لديهم، بوهيميين كاذبين، يجعلون لأنفسهم صورة خارجية فوضوية لكنهم يعيشون حياة مترفة. ولا ينسى الكاتب في طريقه أن يتحدث عن قساوسة جشعين ليس الدين بالنسبة إليهم سوى طريق الى المكسب والجاه... أما الناشرون فحدث عنهم ولا حرج: إنهم مجرد تجار، في رأي الكاتب، لا يقرأون حتى الكتب التي ينشرونها وتدر عليهم أموالاً طائلة. الكل تحت قلم سترندبرغ كاذب مدّع... ولأنهم كذلك لا يريد الكاتب أن يرحمهم. إنه هنا أشبه بالمغني - الشاعر جاك بريل، وقد آل على نفسه أن يقول الحقيقة في وجه من تعنيهم، مع فارق أساس يكمن في أن بريل، كثيراً ما جمل نفسه بين الذين يوجه إليهم الانتقادات، بينما نلاحظ كيف أن سترندبرغ ميّز نفسه بتغييبها عن ذلك الحفل الكتابي الفاضح. مهما يكن، حجة الكاتب في ذلك هي أنه، حين صاغ ذلك النصّ الفريد، في زمنه، كان لا يزال نكرة... مجرد موظف بسيط في المكتبة الوطنية يحاول جاهداً أن يشق لنفسه طريقاً.
> صدر «الغرفة الحمراء» عام 1879، ومنذ صباح اليوم التالي صار أوغست سترندبرغ (1849 - 1912) واحداً من أشهر الكتّاب في استوكهولم. طبعاً أحس يومها، بأن شهرته لم تأته من الطريق الذي كان يفضّل: أي من طريق مسرحياته، لذلك نراه من فوره ينصرف، إذ أحسّ بأنه صار مقبولاً، الى كتابة مسرحياته الكبرى وإصدارها واحدة بعد الأخرى، من «سوناتا الأشباح» الى «الطريق الى دمشق» و»الأب» و»الآنسة جوليا»، وغيرها من أعمال كبيرة كان أهم ما فيها أنها مكنت أوغست سترندبرغ من فرض حضوره ككاتب مسرحي كبير، ودفع الكثيرين الى الكف عن الحديث عن «الغرفة الحمراء»، ذلك الكتاب الذي لعنته الحياة الثقافية في استوكهولم لعنة أبدية، وكان لا بد لها أن تنساه قبل أن تجعل لصاحبه مكانة أساسية وكبرى في رحابها.


----------------------------------
المصدر :  الحياة 

السبت، 6 مايو 2017

مسرحية هاري بوتر تعرض في نيويورك عام 2018

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية هاري بوتر تعرض في نيويورك عام 2018


تعرض مسرحية “هاري بوتر آند ذي كورسد تشايلد” التي تسجل نجاحاً كبيراً جدا في لندن، في ربيع العام 2018 في برودواي، على ما أفاد المنتجون على موقعهم الإلكتروني.
ويبدأ عرض المسرحية في نيويورك في 22 أبريل (نيسان) 2018 في “ليريك ثياتر” أحد مسارح برودواي، الذي سيرمم للمناسبة.

وتعرض المسرحية التي تظهر هاري بوتر وقد أصبح أباً لثلاثة أطفال وموظفاً في وزارة السحر، في مسرح “بالاس ثياتر” في لندن راهناً.

ومسرحية “هاري بوتر آند ذي كورسد تشايلد”، مؤلفة من قسمين يستمر كل واحد منهما ساعتين ونصف الساعة تقريباً ينبغي أن يشاهدا في اليوم نفسه.

وحازت المسرحية في مطلع أبريل عدداً قياسياً من جوائز المسرح البريطانية، بنيلها 9 مكافآت “أوليفر أواردز”.

ورحب النقاد بالمسرحية التي تلقى نجاحاً جماهيرياً أيضاً، وبطاقاتها محجوزة بالكامل حتى نهاية يوليو (تموز) 2018.

وتحدث مجريات المسرحية بعد 19 عاماً على الأحداث الواردة في كتاب “هاري بوتر اند ذي ديثلي هالوز” الجزء السابع والأخير من السلسلة الناجحة التي ألفتها البريطانية جاي كاي رولينغ.

وبيعت أكثر من 450 مليون نسخة من الأجزاء السبعة لسلسلة هاري بوتر منذ صدور الكتاب الأول في العام 1997، وترجمت أجزاء السلسلة إلى 79 لغة وحولت إلى 8 أفلام.

----------------------------------------------
المصدر : موقع 24

انظر إلى الوراء بغضب: كيف حرر جون أوزبورن اللغة المسرحية



مجلة الفنون المسرحية
جون أوزبورن (يمينا) وكينيث هايج أمام المسرح الملكي سنة 1956


جون أوزبورن 




انظر إلى الوراء بغضب: كيف حرر جون أوزبورن اللغة المسرحية

ترجمة :  فيصل كريم

  هذه مقدمة للطبعة الجديدة من مسرحية أوزبورن “انظر للوراء بغضب” والصادرة من الكلاسيكات الحديثة لدار نشر فابر في الثالث من أبريل/نيسان 2015. كتاب مايكل

بيلينجتون “أعظم مائة مسرحية ومسرحية: منذ القدم وحتى الزمن الراهن” وصدر في الثالث من سبتمبر 2015.


العرض الأصلي لمسرحية “انظر للوراء بغضب” في المسرح الملكي في لندن سنة 1956، ويبدو كينيث هايج (يمينا) بدور جيمي بورتر ثم هيلينا هيوز وآلان بيتس وأخيرا ماري أوري
نشرت شركة المسرح الإنجليزي إعلانا مبوبا في “جريدة المسرح” صيف سنة 1955 يعلن فيه عن فتح باب التقدم لعرض مسرحيات جديدة. وكان الإعلان يمهد الطريق لتدشين نشاط الشركة في خشبات المسرح الملكي، الذي لا يتصف بالفخامة، والواقع في ميدان سلون في لندن. فانصبّت العروض المسرحية كاستجابة للإعلان بأعداد هائلة، حيث انهمر ما لا يقل عن سبعمائة وخمسون نصا مسرحيا.

مايكل بيلنجتون 
غير أن المشكلة أن معظم تلك النصوص لم تكن سوى محض هراء: فكانت إما نصوصا مبتذلة من مؤلفين هواة، أو، حسب وصف طوني رتشارد، الذي شغل منصب المدير المساعد لشركة المسرح الإنجليزي، “مجرد نثر فارغ وتافه”.


لكن برز فقط نص على سطح تلك الكومة المتراكمة من النصوص، وهو العنوان الذي أثار كثيرا من الفضول: “انظر للوراء بغضب” لممثل شاب مغمور يدعى جون أوزبورن. قرأ جورج ديفاين، مؤسس الشركة وأول مدرائها، المسرحية على مكتبه في منزله المطل على ضفة النهر في منطقة هامرسميث وشعر فورا بأهميتها الواعدة. فأخذها إلى رتشاردسون الذي كان يستأجر شقة في الطابق العلوي، وقد أُعجب الأخير كثيرا بالنص. فالتزم الرجلان بإنتاجها كمسرحية في الموسم الأول للمسرح الملكي سنة 1956.

لكن من هو جون أوزبورن بالضبط؟ اتخذ ديفاين قرارا غير مألوف بأن يكتشف هوية أوزبورن على حقيقتها، فعزم على تتبعه حتى مخبأه. فتبين له أن المؤلف عاش في صندل بحري متهالك يتخلله التسريب ويرسو قرب جسر تشيزويك، وتشارك فيه مع زميل له بالتمثيل يدعى أنطوني كرايتون. وهكذا، اضطر ديفاين إلى استعارة قارب وتجديفه بنفسه حتى يصل إلى مسكن أوزبورن حيث كان المد مرتفعا في عصر ذلك اليوم من شهر أغسطس/آب سنة 1955. فطفق يطرح عليه الأسئلة بحماس غامر، فعلم أن أوزبورن ما هو إلا ممثل يبلغ من العمر 26 عاما ومعسر شق طريقه بعناء بين المسارح المحلية، وقد كتب جزءا من مسرحيته “انظر للوراء بغضب” جالسا على مقعد قابل للطي عند مرفأ موركامب بعيد انفصاله عن زوجته الممثلة باميلا لاين. عرض ديفاين لأوزبورن بنهاية تلك العصرية مبلغ 25 جنيها استرلينيا كعقد اختياري لمدة سنة كحقوق لعرض مسرحيته. وما لم يدركه أيا من الرجلين أنهما بذلك ساهما بصناعة تاريخ المسرح.

بيد أن أوزبورن كان عليه أن ينتظر فرصته، فشركة المسرح الإنجليزي لم تتولَ إدارة المسرح الملكى إلا في أبريل/نيسان من سنة 1956. أما مهمة الشركة فتمثلت بكل وضوح في تكوين كتلة مسرحية موازية لتلك العروض الصغرى المتكدسة التي تُقدم في الجانب الغربي من لندن (وست إند) لمسرحيات بريطانية جديدة يُماط عنها اللثام والكشف للجماهير عن أفضل الأعمال القادمة من الخارج. وقد أراد ديفاين أيضا، بعد أن زار قبيل ذلك مسرح بريخت “برلينر إنسيمبل”، أن يغير طابع المسرح البريطاني وأسلوبه تغييرا شاملا. فنمط المشاهد التصويرية الباذخة كان في طريقه إلى النبذ.

أما المكانة التي قُصدت لهذا المسرح فكانت، على غرار نموذج بريخت، تنضح بالإضافة والحدة والجمال. كما أنها أخذت توجها جنسيا مبطنا وسعيا لتخليص المسرح البريطاني من طابعه المتعارف عليه في التكلف والتفخيم؛ وهو إنجاز حققه فريق من المخرجين المساعدين الذين تصادف أن جميعهم من مثليي الجنس سرًا. إلا أن المسرح الملكي لم يحدث ثورة بين ليلة وضحاها.

 قُدم العرض الافتتاحي في أبريل/نيسان 1956 لمسرحية لأنجوس ويلسون بعنوان “أحراش التوت” The Mulberry Bush وهي مسرحية لائقة بالطبقة الوسطى لروائي موقّر ولم تترك كثيرا من الإثارة المرجوة. أما المسرحية الثانية فكانت لآرثر ميلر بعنوان “البوتقة” The Crucible ونالت نجاحا أكبر من سابقتها لكنها لم تكشف كثيرا عن سياسة المسرح الملكي. ثم في الثامن من مايو/آذار 1956، قُدّمت مسرحية “انظر للوراء بغضب” Look Back In Anger في عرضها الأول. ويعدّ هذا يوما سطرته كتب التاريخ لكنه، طبقا لشهادة أوزبورن في مذكراته “شبه رجل محترم”، لم يكن ثمة سوى شعور قليل آنذاك أن أمرا هائلا قد حدث. ولم يحز ذلك اليوم على مكانته كتاريخ أسطوري إلا لاحقا. وفي حقيقة الأمر، لم تنحُ التقييمات النقدية للمسرحية في الصحف اليومية نحوا كارثيا كما تشير الحكايات الخرافية المسرحية. فتقييمات الجرائد المسائية للتايمز والديلي تلغراف ولندن كانت جميعها سلبية تجاه المسرحية حتما. إلا أن فيليب هوب والاس، في جريدة مانشيستر جارديان، استحسن العمل بشيء من التحفظ فقال “أرى أنهم أخيرا يمتلكون كاتبا مسرحيا ذو إمكانيات مبشرة”، أما جون باربر في جريدة الديلي إكسبريس فأخذه الحماس الكبير (فوصف المسرحية بأنها “انفعالية وغاضبة ومحمومة وعصيّة” لكنها أيضا “صغيرة، صغيرة، صغيرة”)، أما ديريك غرانجر في جريدة الفانينشال تايمز فاتسم رأيه بمزيج من الإعجاب والفطنة حيث صرح قائلا “يجب أن يتجاوز تأثيرها إلى أبعد من حالة التحول الفردي المعزول والشاذ كما في مسرحية (في انتظار غودوه)”. غير أن الورطة تمثلت بعدم ترويج أو بيع جريدة الفانينشال تايمز لتذاكر كثيرة. وقد شعرت بلمسة تعاطف مع نقّاد النسخ المسائية، فأنا أعلم مدى صعوبة مسرحية غيرت معادلات اللعبة المسرحية واستيعابه ووصفها وتقييمها أمام المواعيد النهائية للنشر التي لا ترحم. لكن في يوم الأحد التالي، تغير الاتجاه العام تماما. حيث كتب كينيث تينان تقييما نقديا باقتباسات كثيرة في جريدة الأوبزيرفر يجعل من أوزبورن بوضوح تام ناطقا باسم الشباب الساخط وأعلن إعلانا مدويا قائلا “إنني أشك أن بإمكاني أن أحب أحدا لا يرغب برؤية مسرحية انظر للوراء بغضب”. أما هارولد هوبسون في جريدة صنداي تايمز فكان أكثر تحفظا، لكنه لقب أوزبورن بأنه “كاتب ذو مستقبل واعد ورائع”.

ومع أن تينان وهوبسون أطلقا تصريحاتهما الإيجابية، إلا أن المسرحية لم تنل مكانتها كأكثر المسرحيات بروزا فورا. لكن حدثان اثنان منحا المسرحية زخما جديدا. أولهما أن تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عرض ملخصا مدته 18 دقيقة للمسرحية وهو ما جعل شباك التذاكر يُحاصر ويكتظ. أما ثانيهما فكان بقرار مدير تحرير دار نشر فابر الشاب تشارلز مونتيث بأخذ إذن أوزبورن لنشر المسرحية مجزّأة ومن النادر أن تنال نصوص مسرحية مثل هذا النوع من المنزلة والرسوخ. بل إن مونتيث كتب لأوزبورن بعد مضي فقط شهر من ليلة العرض الافتتاحي قائلا “لم أتمتع كثيرا في المسرح كما تمتعت بتلك الأمسية منذ وقت طويل”، ومضى طالبا منه إن كان مهتما بالتأليف الروائي. لم ينجم عن ذلك الاستفسار أدب قصصي، لكن كانت هذه هي البداية لعلاقة طويلة ومتواصلة جمعت بينهما، حيث استمرت فابر بنشر جميع أعمال أوزبورن التالية. واتسمت تلك اللحظة بالأهمية الكبيرة كذلك إذ نشأت من خلالها فكرة احتلال النصوص المسرحية دورا حيويا في مشاريع دور النشر. أستطيع أن أدافع عن أهمية ذلك بحكم أنني مازلت أمتلك نسخة مطوية الصفحات من الطبعة الورقية الأصلية لمسرحية “انظر للوراء بغضب”. ويمكنني أيضا أن أشهد بالتأثير الذي تركته المسرحية. كنتُ طالبا بمدرسة ميدلاندز وأبلغ السادسة عشر من عمري حين عرضت المسرحية أول مرة، لكني أصبحت مشغول البال جدا بالعمل نفسه وكذلك بظاهرة مؤلفي “مسرح الغضب الشبان” الذين يفترض أن تلك المسرحية مثلتهم. لقد كتبتُ سابقا عن وقوفي خارج المسرح الملكي للتفرج على المسرحية في أحد عروضها الجديدة سنة 1957، وكيف أنني حدّقت بوجوه المغادرين من أول عروض يوم السبت لملاحظة مدى التغيير الذي قد يظهر على محياهم إثر تلك الفعالية المسرحية.



أدى رتشارد بيرتون دور جيمي بورتر في النسخة السينمائية من مسرحية “انظر للوراء بغضب” سنة 1959 التي أخرجها طوني رتشاردسون

لكن ما هي أسباب ترك مسرحية “انظر للوراء بغضب” كل ذلك التأثير الذي أحدثته؟ السبب الأول، والأبرز وضوحا، أنها وضعت قدرا كبيرا من إنجلترا الخمسينيات على خشبة المسرح. فمن خلال ذروة التعبير العاطفي البليغ لشخصية جيمي بورتر –و”ليس التعنيف اللفظي” كما يصرّ أوزبورن- تعالج المسرحية مسائل الجنس والطبقية والدين والسياسة والصحافة وذلك الشعور لبلد يختنق بثقافة سلطوية رسمية. وما أدركه قليل منا آنذاك أن أوزبورن، إلى جانب التسليم بتذمرات جيمي وبكائياته، يشعر بتعاطف خفي مع والد زوجته العقيد ريدفان، وهو من الطبقة العليا وبقايا رجالات الحكم البريطاني للهند. فأليسون، زوجة جيمي، تخبر أباها “إنك مجروح لأن كل شيء قد تغير، وجيمي مجروح لأن كل شيء ظل على حاله.” أظنها نصف محقة في ذلك، فبينما يحزن العقيد الاستعماري على الجنة المفقودة للحقبة الإدواردية، يتسم جيمي بالغضب والرومانسية والحنين لعالم لم يعرفه قط. لقد اُحتفي بالمسرحية في الخمسينيات من القرن العشرين على أنها وثيقة اجتماعية بالدرجة الأولى، فهي بمثابة برهان معبر خير تعبير عن شباب يشعر بالاغتراب. ثم نُظر لها على أنها دراسة ستريندبيرغية* عن الزواج المنغمس بمتاهة الحب والكراهية. لكنني أميل أكثر فأكثر إلى أن الثورة الحقيقية التي حققها أوزبورن تكمن في تحرير اللغة المسرحية. فأوزبورن قد كتب بنفسه عن اليأس الذي انتابه كممثل شاب عند محاولة فهم حوار سومرست موم واستيعابه فقال عنه إنه “حوار بليد وميت لا يُحفظ، ومتزعزع كمطاط صناعي،” وهي عبارته النموذجية عندما يريد أن يكيل اللعنات. ومن الناحية الأخرى، نجد أن لغة أوزبورن تنضح بالحياة بكل تشويقها وتستلهم مصادر متنوعة، بدءا من الصرامة الأخلاقية على نمطية بونيان** (لاحظ التشديد على كلمات مثل “النار” و”الدم”)، مرورا بتكرار الأصوات المنتظمة والرتيبة لقاعة الموسيقى والصراحة الجنسية لـ دي إتش لورنس. لقد برهن أوزبورن أن النثر المسرحي قابل لتحقيق شاعريته الغريزية، ومن بين الكتّاب المنتفعين من ذلك التنوع هارولد بينتر وجون آردن وبيتر غيل. وقد نشأ واقع فوري جراء النجاح الذي منحته مسرحية “انظر للوراء بغضب” إلى المسرح الملكي، حيث أسبغت عليه مركزا محوريا في الثقافة البريطانية، وشجعت الأجيال المتعاقبة للتحول نحو التأليف المسرحي. فثمة أسماء لامعة كانت معاصرة لأوزبورن، كآرنولد ويسكر وآن جيليكول.

وفي المقابل ظهرت أسماء أخرى كانت ثمارا لعقود أحرقها الطموح المسرحي الذي أشعله أوزبورن بيده، مثل كرستوفر هامبتون وهاورد برنستون. من اليسير السخرية من المفهوم الصحفي “شباب غاضبون” أو “مسرح الغضب”، (وهي عبارة عفوية صاغها بازدراء مسؤول الصحافة في المسرح الملكي). لكن مما لا جدال فيه أن مسرحية “انظر للوراء بغضب”، عبر بداهتها المتوهجة وحدتها القاسية وثرائها اللغوي، عملت على تغيير المسرح البريطاني. وأقتبس هنا كلمات آلان سيليتول الذي يقول “لم يسهم جون أوزبورن بالمسرح البريطاني؛ بل أعدّ قنبلة كبرى اسمها “انظر للوراء بغضب” ثم فجّر معظم أجزائها علينا. أما شظاياها فقد استقرت كل منها في مكانه بطبيعة الحال، لكن هذا المكان لن يعود على وضعه الذي كان عليه أبدا.

* نسبة إلى أوغست ستريندبرغ: وهو كاتب وروائي مسرحي سويدي هام في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين

** نسبة إلى جون بينان: وهو كاتب وواعظ إنجليزي عاش في القرن السابع عشر .
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption