أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح العربي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح العربي. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 21 أغسطس 2017

الهيئة العربية للمسرح في بيان لها تنعى الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن يرحل جسداً و يبقى إبداعه محفوظاً في الناس

مجلة الفنون المسرحية

الهيئة العربية للمسرح في بيان لها  تنعى الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن يرحل جسداً و يبقى إبداعه محفوظاً في الناس


في رحيل الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن، تميل صواري النيل حزناً على فتاها. يرحل رمز آخر من رموز ثقافتنا، يتوالى الرحيل، و رحيل الكبار له طعم مر، لكن عزاءنا دائماً في أن أجساد المبدعين ترحل، فيما يمكث في الأرض و ذاكرة الناس و صفحات التاريخ ما أبدعوه، كل إبداعٍ هو محفوظ، و محفوظ عبد الرحمن كان من أولئك الذين ينقشون بدأب النساك حروفهم في الصخر أو الذاكرة بنفس الجمال، إنهم يحفظونه من الضياع، من التماهي في متاهات الحياة،
هكذا كان محفوظ عبد الرحمن، في كل ما أبدع من مسرح و دراما تلفزيونية أو سينمائية، يبني قلاعاً للذاكرة عصية على المحو، و شواطئ لمراكب تبحر خلف الحقيقة، يجعل الإنسان هرماً شامخاً، و يجعل الأرض إنساناً، و يغوص في أعماق الفنان ليكشف جمال السريرة و السر، محفوظ عبد الرحمن، بحفظه لكل هذا الإرث الإنساني و الفكري ، أفسح لنفسه مكاناً في قلوب من قرأوه، من شاهدوا إبداعه، من عملوا معه و من اقتربوا منه، يرحل جسداً و يبقى إبداعه محفوظاً في المكتبة الإنسانية إلى جوار ما تركه السابقون من مبدعي الأمم المختلفة.
إن رحيلك أمر جلل، فنم قرير العين بسلام روح من لم يبخل بعلمه و معرفته على الناس، فهو لا بد محفوظ.


الخميس، 17 أغسطس 2017

مسرحيات صلاح عبد الصبور الشعرية..(حدود الريادة والكم الشعري..)

مجلة الفنون المسرحية

مسرحيات صلاح عبد الصبور الشعرية..(حدود الريادة والكم الشعري..)


ريسان الخزعلي - ملاحق المدى 

لم يلتفت  الشعراء الرواد في العراق (السياب، نازك الملائكة، عبد الوهاب البياتي،  بلند الحيدري) الى كتابة المسرحية الشعرية لاسباب يبررها الانشغال في موضوع  التجديد الذي شكلوا علاماته الاساسية، ومع تصاعد زخم اندفاعهم الشعري  المعروف لم يتوفر أي منهم على كتابة مسرحية شعرية خالصة..الا ان اهتماماً  لاحقاً قد حصل...حيث كتب البياتي (محاكمة في نيسابور)


 غير ان هذه المسرحية لم تكن ذات بناء درامي ملموس، كما حصل في النسيج الشعري عند بلند الحيدري وذلك باعتماد تنويعات درامية في بعض قصائد (اغاني الحارس المتعب) وبوضوح كمي/ فني في (حوار عبر الابعاد الثلاثة)..ومثل هذه الاشتغالات لم تؤشر اتجاهاً في كتابة مسرحية شعرية عراقية وبقيت في حدودها المتحققة.
ومن شعراء الجيل اللاحق للرواد.. اهتم الشاعر (سعدي يوسف) في كتابة المسرحية الشعرية وبمساحة ضيقة تقع ضمن مجاميعه الشعرية (قصائد مرئية، نهايات الشمال الافريقي) وغيرها. وللشاعر (خالد الشواف) اسهاماته المعروفة في هذا المجال غير انها لم تكن ذات فاعلية فنية مؤثرة تكسبها التوصيف الدرامي الكامل.و كما ان شعراء عراقيين من الاجيال اللاحقة قد كتبوا في المسرح الشعري وعلى فترات متباعدة غير ان هذه الكتابات ظلت هي الاخرى في حدودها المتحققة ولم تشر الى اتجاه واضح لاسباب متعددة منها..تجريبية المحاولات وتشعب عناصر التأسيس الفني المتشكلة من مدرسيات ومنهجيات مختلفة، اضافة لابتعاد المخرجين المسرحيين العراقيين عن اظهار هذه المحاولات على منصات المسرح لاسباب مجهولة وغامضة، لا نعرف عنها شيئاً البتة!
ومن الشعراء العرب في كتابة المسرحية الشعرية الخالصة..هناك تجربة الشاعر يوسف الخال في مسرحية (هيروديا) وهي تجربة فنية متميزة..حيث كتبت عام 1954 باستعادة تاريخية معروفة الجذور، كما ان تجارب الشاعر (ادونيس) في كتابه (المسرح والمرايا) هي الاخرى تشكل استدراكاً اضافياً نوعياً في كتابة المسرحية الشعرية الخالصة وللعديد من الشعراء العرب اسهامات متنوعة في هذا الحقل الابداعي غير ان اياً منهم لم يتواصل في تأسيس مشروعه، وبقيت المحاولات تراوح في انتشار محدود..حيث سرعان ما يعود الشاعر الى هاجسه الشعري الألصق بتجربته ويعتد بأن (القصيدة) هي الرهان الاكيد في مضمار الكتابة الشعرية.
غير ان اهتمام الشاعر (صلاح عبد الصبور) كان هو الاوضح والارسخ في تاسيس كتابة مسرحية شعرية وبانفرادات فنية وجمالية وسمت تجربته التي اضاء حدودها في كتابه (حياتي في الشعر)... ويمكن تلمس هذا الرسوخ حتى في الرنين الايقاعي لعبارة (حياتي في الشعر) وليس حياتي مع الشعر.
ان مسرحيات صلاح عبد الصبور تقوم على فهم متجذر لفاعلية وجدوى المسرح في الشعر والحياة، وليس تنويعاً آنياً في الكتابة الشعرية.. وهكذا تنوع (الصراع) ايضاً في مسرحياته بحيث لم يعد هنالك تشابهاً مكروراً في طبيعة الصراع من مسرحية الى اخرى...، وحتى قراءة الشاعر عبد الصبور للشعر العربي القديم قد جاءت قراءة مسرحية هي الاخرى في كتابه (قراءة جديدة لشعرنا القديم) وعلى خلاف مع الكثير من القراءات الشعرية. ان الالتفات لكتابة المسرحية الشعرية قد جاء مبكراً وبتواز مع الاصدار الشعري.. حيث اصدر الشاعر مجموعته الشعرية الاولى عام 1957 ومسرحيته الشعرية الاولى (مأساة الحلاج) عام 1964 ثم توالت الاصدارات بالتناوب كما سنوضحها احصائياً في الفقرات اللاحقة للتدليل على جذور في كتابة المسرحية الشعرية الخالصة على مستوى الكم والنوع وتراجع في (الكم) الشعري مقارنة بما يليه حيث انتصفت الكتابة المسرحية نشاطه الشعري وشغلته بهم فني-درامي شعري- يكمل التجربة الشعرية كوحدة متجانسة وليس تنويعاً لاحقاً يقترن بصفة الاضافة التكميلية.

صلاح عبد الصبور..المجاميع الشعرية..
1- الناس في بلادي.. 1957م.
2- اقول لكم...1961م.
3- احلام الفارس القديم..1964م.
4- تأملات في زمن جريح...1970م.
5- شجر الليل...1973م.
6- الابحار في الذاكرة...1980م.

صلاح عبد الصبور..المسرحيات الشعرية,,,
1- مأساة الحلاج...1964م.
2- مسافر ليل...1970م.
3- الاميرة تنتظر...1970م.
4- ليلى والمجنون...1971م.
5- بعد ان يموت الملك...1972م.

ويتحليل احصائي نستطيع تلمس (كثافة) كتابة المسرحية الشعرية مقارنة بكثافة كتابة المجموعة الشعرية لنجد الترابط الابداعي-رغم الانتصاف الذي اشرت اليه- في فهم الشاعر صلاح عبد الصبور المتناوب بين كتابة الشعر والمسرحية الشعرية على حد سواء.

ان مثل هذا التحليل نجده مبرراً كافياً لوصف تجربة عبد الصبور بالريادة في المسرح الشعري العربي بعد اضافة العناصر الفنية (الجمالية) وتنوع الصراع في مجمل ابداعه في المسرح الشعري..فمن (ماساة الحلاج) ودراميتها المتحققة اساساً في التاريخ وقد اضفى عليها الكثير شعرياً الى الاخريات (مسافر ليل، ليلى والمجنون، الاميرة تنتظر، بعد ان يموت الملك)، حيث يكون التأمل الشعري -الدرامي (صفة عالية) في الوجود ومصير الانسان المجهول، برع عبد الصبور في تأسيس كتابة مسرحية شعرية مثلت تفرده وانفراده في هذا الابداع.

ان (الدراما) وبإضافة نوعية وادراك فني تتسلل الى معظم قصائد الشاعر عبد الصبور التي تقيم تاسيسها على الحوار، وتعدد الاصوات، مما يجعل الانتباه جازماً بان المسرح الشعري لب (القضية) التي تشغل الشاعر في تأكيد خصوصيته الابداعية. وبذلك تكون مسرحيات هذا الشاعر بين حدود الريادة والكم الشعري اشارة عالية التردد في الشعرية العربية وبأطياف متسقة الالوان، يشع فيها المسرحي والشعري..ولنكرر قوله..(ويبدو جسمها الذهبي متكئاً على الصحراء، يكون الشاهدان عليكما، النجم والانداء، ويبقى الحب للاباء موصولاً).

انه المسرح..انه الحياة..انه الحب الموصول بين ماضي تحقق وحاضر يطمح في ان يتحقق ومستقبل في نية ان يقدم نفسه ممسرحاً...هكذا عللت الوجود مسرحياً..يا صلاح!!

السبت، 12 أغسطس 2017

جمعية المسرحيين : عبدالحسين عبد الرضا، قامة فنية شاهقة له حضوره الإنساني في الوسط الفني

مجلة الفنون المسرحية


جمعية المسرحيين : عبدالحسين عبد الرضا، قامة فنية شاهقة  له حضوره الإنساني في الوسط الفني

أصدرت جمعية المسرحيين في الأمارات العربية المتحدة بيان تأبين الفنان الكويتي المرحوم حسين عبد الرضا  
وقد جاء في البيان : 

خسارة ثقيلة ضربت الأوساط الثقافية والفنية في الخليج والوطن العربي ليلة أمس الحادي عشر من أغسطس 2017 بخبر وفاة الفنان الكويتي القدير عبدالحسين عبد الرضا بعد صراع مع المرض في إحدى مستشفيات لندن، هذا الرحيل الذي اختار قلوبنا وقلوب أجيال كبرت على محبة "بو ردح" و"حسين بن عاقول" و"عتيج" و"أبو الملايين" ليغرس فيها سهاماً من الألم والوجع، ويرسم فوق الوجوه دروباً من زلق دمع العيون، بحجم ومقدار تاريخ الراحل الكبير وقدر عطائه لما يقترب من ستة عقود من الزمن.
وإذا ما أراد باحث أو دارس الكتابة عن التجربة المسرحية والتلفزيونية في الخليج، فإن صفحات عبدالحسين عبدالرضا ومحطاته الفنية التي مشى في دهاليزها، كفيلة بمدّ الباحثين بكل ما يحتاجون إليه، بما حوته من أصالة وعمق وثراء وغنى وتنوع، وبما طرحه الراحل من مواضيع وقضايا شاكست الواقع والمسكوت عنه عبر بوابة الكوميديا في شتى أشكال القضايا الإنسانية التي رافقت نشوء دولة الكويت ومنطقة الخليج العربي والوطن العربي منذ ستينات القرن المنصرم وحتى آخر أيام الفارس الذي ترجل رحمه الله.
عبدالحسين عبد الرضا، قامة فنية شاهقة، له حضوره الإنساني في الوسط الفني، وله أدواره الاجتماعية الكبرى في أيام المحن، واحد من أهم مؤسسي الحركة الفنية في الخليج، حيث شارك في صنع ملامح البدايات الفنية في الكويت والخليج، عبر تأسيسه لفرقة المسرح العربي في العام 1961 وفرقة المسرح الوطني في العام 1976 وأسس مسرح الفنون في العام 1979، وتعود بداياته إلى أول عمل مسرحي باللغة العربية الفصحى تحت عنوان "صقر قريش" في العام 1961.
عبدالحسين عبدالرضا قدم للمسرح الكثير من الأعمال المسرحية التي ستظل عالقة في ذاكرة كل مشاهد خليجي وعربي، وكذلك له صولاته وجولاته التلفزيونية التي ستظل شاهدة على جمال ما قدمه الراحل من عطاء ومنجز يحق لنا أن نفخر به على طول المدى، كرمته العديد من المؤسسات والجهات والهيئات الثقافية والفنية في معظم الدول العربية، وحفظت الإمارات قدره وكرمته في أكثر من مناسبة، من بينها مهرجان أيام الشارقة المسرحية ومهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما ومهرجان المسرح العربي.
وإنا إذ نعزي أنفسنا ونعزي أهلنا في الكويت بوفاة صانع الإبتسامة القدير عبدالحسين عبد الرضا، نعبر عن وقوفنا وتضامننا مع فناني الكويت في مصابهم الجلل، سائلين العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
جمعية المسرحيين
12 أغسطس 2017

الاثنين، 7 أغسطس 2017

اسماعيل عبد الله: الهيئة العربية للمسرح تسعى للخروج بالندوات الفكرية من الأطر الضيقة إلى توسيع المشاركة و الاقتراح.

مجلة الفنون المسرحية

مائة و اثنان و ثلاثون طلب مشاركة في المؤتمر الفكري

اسماعيل عبد الله: الهيئة العربية للمسرح تسعى للخروج بالندوات الفكرية من الأطر الضيقة إلى توسيع  المشاركة و الاقتراح.

تكريساً لتوسيع آفاق مشاركة اسماء جديدة من الباحثين العرب في الشأن المسرحي، خطت الهيئة العربية للمسرح خطوة جديدة في اتجاه تنظيم المشاركة في المؤتمر الفكري، الذي سيعقد ضمن فعاليات الدورة العاشرة من مهرجان المسرح العربي التي ستنظم في تونس من 10 إلى 16 يناير 2018، و قد وضعت عنواناً عاماً للمؤتمر (السلطة و المعرفة في المسرح) الذي انبثق عنه أربعة من المحاور، تم الإعلان عن فتح باب المشاركة للباحثين العرب، لتقديم ملخص مقترح لمداخلة يناء على أحد المحاور الأربعة، على أن يرفق الملخص بإثبات الشخصية و السيرة الذاتية، حيث ستقوم لجنة من الأساتذة المختصين باختيار من سيشارك في المؤتمر الفكري الآنف الذكر؛ هذا و قد انتهت المهلة بنهاية شهر يوليو 2017، و وصل عدد طلبات المشاركة التي تندرج بشكل سليم تحت العنوان العام و المحاور الأربعة 132 طلباً جاءت من 14 دولة عربية، و قد سجلت طلبات المشاركة من مصر و العراق أعلاها، فبلغ عدد طلبات المشاركة من كل منهما 31 طلباً، فيما جاءت طلبات المشاركة من الجزائر و المغرب  بواقع 19 طلباً لكل منهما، و سجلت من تونس 10 طلبات، كما سجلت من سوريا 6 طلبات، فيما سجلت من الأردن و السعودية و لبنان 3 طلبات لكل دولة، و سجلت من اليمن و موريتانيا طلبين لكل منهما، فيما سجلت طلباً واحداً من كل من ليبيا و السودان و سلطنة عمان.
هذا و قد صرح الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ. اسماعيل عبد الله أن  الإعلان عن المشاركين في المؤتمر سيتم في النصف الثاني من شهر أغسطس 2017، وبأن الهيئة تسعى إلى توسيع المشاركة مع كل المعنيين بالمسرح العربي، و توسيع المسؤولية حول مضامين و مخرجات المؤتمرات الفكرية التي تكتسب أهمية كبرى، بحيث يتم في الدورات القادمة، العمل على فتح باب الاقتراح للعناوين الناظمة و المحاور القائمة، و الآليات الأنجع لزيادة فعالية هذه المؤتمرات و الخروج بها من إطار ضيق و مغلق إلى انفتاح و تواصل أوسع و بالتالي زيادة التأثير.

الخميس، 27 يوليو 2017

تونسيون وسوريون وأفارقة في رحلة مسرحية إلى الموت

مجلة الفنون المسرحية

تونسيون وسوريون وأفارقة في رحلة مسرحية إلى الموت

محمد ناصر المولهي

يواصل مهرجان الحمامات في نسخته الثالثة والخمسين تقديم عروض مميزة، تمازجت بين العروض الموسيقية المنتقاة التونسية والعالمية وبين العروض المسرحية، في رهان على الفن والجودة الجمالية وعلى التنوع الثقافي للمادة المقترحة، لا على العروض التجارية كما بات رائجا في العديد من المهرجانات التونسية.


ضمن فعاليات الدورة الـ53 من مهرجان الحمامات الدولي قدمت مساء الأربعاء 19 يوليو الجاري مسرحية “الشقف” لسيرين قنون ومجد أبومطر، وهي العمل الذي كان من بين آخر مشاريع المسرحي الراحل عزالدين قنون قبل أن يباغته الموت.

“الشقف” هو لفظ يطلقه التونسيون على مراكب الصيد التي تتحول إلى مراكب هجرة سرية، خالية من كل مقومات الرحلة، أو ضمانات الوصول، متهالكة تماما كمن يقامرون بحياتهم لأجل بلوغ ضفة أخرى يكون فيها الحلم متاحا.

تبدأ المسرحية على ظهر “الشقف” (القارب)، رحلة هجرة سرية يؤديها تونسيون وسوريون وأفارقة إلى سواحل إيطاليا، يختضون داخل المركب، لكل منهم هدفه، شاب تونسي يريد الفرار من مجتمعه الذي يسمه بالمجرم، شابة تونسية تهرب من حياتها اليومية كبائعة متجولة ممن يمثلون ظاهرة لافتة في تونس ألا وهي الانتصاب الفوضوي أو ما تطلق عليه الدولة تسمية التجارة الموازية، أيضا نجد امرأة أفريقية تحمل طفلها الرضيع وحالها لا يختلف عن حال الأفريقيين الآخرين، الهاربين جميعهم من حروب القارة السمراء العقيمة.

نجد أيضا امرأة سورية تحاول اللحاق بابنها الذي هاجر على نفس المركب سريا إلى إيطاليا وتحمل إليه طبخة سورية، فيما تحاول العودة وإياه إلى سوريا، ونجد أيضا شابة لبنانية، تدعي أنها سورية إلى أن نكتشف الحقيقة، حيث أنهكها جواز سفرها اللبناني، في إحالة على وضع المرأة اللبنانية، وشاب تونسي آخر تخلت عنه حبيبته، ختاما بقائد المركب.

الشخصيات تمثل نسيجا متكاملا يجسد حالات جنوب المتوسط، بشكل إيحائي، حيث لم تتطرق المسرحية إلى سرد فج عن الفقر أو الإحباط أو غيرهما، إذ تنقد الأوضاع العامة من خلال جزئيات حياتية بسيطة، فيكفي مثلا حديث المرأة السورية الباحثة عن ابنها، والتي ستكتشف أنه غرق ومات لاحقا، للحديث عن أوضاع سوريا، ويكفي حديث اللبنانية عن شوارع بيروت للحديث عن حال لبنان وعلاقته بالجار السوري.

المسرحية لم تقدم عملا يصور الهجرة السرية بشكل مكرر، بل غاصت في حيوات الشخصيات من خلال تفاصيلهم البسيطة
ويكفي غناء الأفارقة لنسمع أنين المهمشين، يكفي حديث شاب تونسي أنه لا ينام لنفهم ما وراء ذلك من ألم، ويكفي حديث تونسي آخر عن حبيبته لنفهم واقع الشباب التونسي الذي مازال يعاني البطالة والتهميش وسطوة التقاليد والعادات، كما يكفي حديث التونسية الأخرى عن عملها كبائعة على الطريق وأحلامها بسيارة ومنزل لنفهم إلى أي مدى بلغ تهميش الإنسان. فحتى قائد المركب يقرر أن رحلته هذه هي الأخيرة، وبعدها سيحرق المركب.

ونلفت إلى أن التطرق إلى تفاصيل الرحلة كان بذكاء كبير، حيث لم تهتم المخرجة التونسية بالصورة النمطية عن رحلات قوارب الموت، بل تطرقت إلى تفاصيل منسية ربما حول المهاجرين السريين، مثلا كيف يقضون حاجاتهم في عرض البحر، كيف ينامون، كيف يتعايشون.

الشخصيات تتقلب مع البحر، إلى أن تكتشف أنها تائهة فيه منذ يومين، هنا تواجه كل شخصية الموت، لأول مرة، حيث تتحول رحلة الحلم بالوصول إلى الضفة الأخرى إلى رحلة حياة أخيرة، تحاول كل شخصية أن تحكي عن أحلامها وعن عالمها البسيط، لا شكوى، بل استذكارا، وكأن الذكرى تميمة ضد الموت المحدق.

تحول آخر يشهده مسار الرحلة، إذ بعد عاصفة بحرية شديدة يتعرض المركب إلى التلف ويتسرب إليه الماء، مهددا الجميع بالغرق بعد الضياع، لذا يقرر قائد المركب أن عليهم تخفيف الحمل، بدأوا بالأغراض، ثم قرروا أن عليهم أن يلقوا أحدهم في البحر، هنا يبدأ منعرج جديد في مواجهة الموت، من منهم سيلقي بنفسه؟

لكن جميعهم متشبث بقليل من الأمل، متشبث بحياته على علاتها، لذا يحاولون الاختيار من بينهم والاتفاق حول من سيلقي بنفسه. لكن لا أحد يقبل بذلك، لكل منهم مبرر لبقائه على قيد الحياة، مبررات قد تبدو بسيطة جدا، لكنها كافية للتشبث بالحياة، أملا في غد أفضل، إلى أن تقرر المرأة السورية الإلقاء بنفسها بعد أن فقدت الأمل تماما إثر معرفتها خبر موت ابنها في البحر، وفقدت الأمل في عودة وطنها سوريا كما كان، لكن الآخرين يمنعونها. هنا يتوحد المصير، إما حياة للجميع وإما موت للجميع.

على هذه الحال مع لعبة الضوء، مع هدير الموج الحقيقي الذي وفرته ظروف العرض في الهواء الطلق وصوت البحر القريب من المسرح، تكتمل الرحلة على صوت المروحيات، وحرس الحدود المتكلمين بالإنكليزية، فيلقي كل فرد بنفسه من ظهر المركب إلى البحر، ولا يبقى إلا اثنان واقفان مبهوتان كتمثالين.

الاشتغال كان ذكيا من قبل المخرجين؛ فالمسرحية لم تقدم عملا يصور الهجرة من الموت إلى الموت بشكل سطحي ومكرر، بل غاصت عميقا في حيوات الشخصيات من خلال تفاصيلهم البسيطة، لتقدم مشهدا حيا، وحكايات من لحم ودم، حيث أن بعض الشخصيات التي قدمتها كانت حقيقية وموجودة في الواقع مثل شخصية البائعة التونسية.

ونلفت إلى الأداء المميز الذي قدمه الممثلون على الركح وعلى ظهر المركب الرخو الذي لا يثبت في محاكاة لحركة البحر، ولتقلبه بشكل مميز.

ونذكر أن مسرحية “الشقف” نص لسيرين قنون ومجد أبومطر وسعاد بن سليمان، وتمثيل كل من عبدالمنعم شويات وريم الحمروني وبحري الرحالي وأسامة كشكار ومريم دارا وغي أنصونوصي وصوفيا موسى وندى الحمصي، وإخراج سيرين قنون ومجد أبومطر.

----------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

'مغامرة رأس المملوك جابر' تكشف خبايا الصراع على السلطة

مجلة الفنون المسرحية

'مغامرة رأس المملوك جابر' تكشف خبايا الصراع على السلطة

شريف الشافعي

يحفل المسرح السياسي العربي بقضايا مصيرية تخص حياة المواطنين وعلاقة الشعوب بالحكام، كما يكشف هذا المسرح في جانب منه خبايا الصراع الدامي على كراسي السلطة، ويفضح انتهازية المتملقين والوصوليين، ويزيل أوراق التوت معرّيا سلبية الكثيرين ممن يحترفون الثرثرة ولا يملكون الفعل، وعلى رأسهم النخبة ومثقفو الصالونات.

 “مغامرة رأس المملوك جابر”، مسرحية سياسية جادة تبرز جنون السلطة وانسحاق الشعب، كتبها السوري الراحل سعدالله ونوس (1941-1997) منذ سبعة وأربعين عاما بعد نكسة 1967، وشهدتها القاهرة منذ أيام قليلة بملامح ونكهات مصرية حديثة، حيث قدمتها فرقة كلية الآداب بجامعة القاهرة على مسرح ميامي، ضمن فعاليات “المهرجان القومي العاشر للمسرح” المنعقد بمشاركة 36 فرقة خلال الفترة من 13 إلى 27 يوليو الجاري.

“أن يبيع الإنسان رأسه مقابل مصلحته”، مدخل مفتاحي لقراءة مسرحية سعدالله ونوس، التي أعدها وأخرجها للعرض القاهري الجديد مصطفى طه، وألف موسيقاها عمرو عبدالحكيم، وصمم ديكورها حسن نبيل، وشارك في بطولتها كل من أحمد مصطفى كامل وسعيد سمير وعمرو سامي ويوسف علي ودنيا عبود وسارة عثمان وغيرهم.


بيع الرأس والأفكار

يدور الحدث الأساسي للمسرحية الذي يرويه “الحكواتي” لزبائن المقهى في بغداد القديمة، حيث يتعمق الخلاف بين الخليفة الحاكم وكبير وزرائه الذي يفكر في الانشقاق عنه، ويحاول الوزير الاستعانة بملك العجم ليمده بجيش خارجي ليتمكن من العرش.

يُحسن المسرح العربي تصوير الصراعات المتصاعدة، خصوصا المجتلبة من التاريخ، مُسقطا أحداثها وتفاصيلها على ما يجري على أرض الواقع من تكرار للمآسي ذاتها
وفي صراعهما المحموم على السلطة يغلّب الخليفة والوزير مصالحهما الشخصية متناسيين تماما أن هناك شعبا له حقوق ومطالب، حيث يقولان “يكفي التلويح للشعب بالعصا لكي يرتدع”، ويستكين الشعب بالفعل ولا يصدر منه صوت اعتراض، ويظل مستسلما لكل صنوف القهر وكافة مذاقات الحرمان، ويعبر أحد أفراد الرعية في المسرحية “اللي يتجوز أمنا نقول له يا عمنا”، وهي إحدى العبارات التي أدخلها معد المسرحية كـ”قفشات مرحة” بالعامية المصرية ولم تكن في النص الأصلي لمسرحية ونوس.

ويزداد الصراع يوما بعد يوم بين القطبين: الخليفة والوزير، ولا يجرؤ أحد من الرعية على الخوض في تفاصيل الخلاف بينهما، وهنا تبدأ خيوط سيناريو “بيع الرأس” في التشكل، إذ يرغب الوزير في إرسال رسالة إلى ملك العجم للاستعانة به وبجيوشه لإزاحة الخليفة، وفي ظل إجراءات التفتيش المشددة على كل خارج من المدينة “حتى الهواء، لا يكاد يمر من بين أيدي الجنود”، يقترح المملوك الانتهازي جابر على الوزير الخائن حلا عجيبا، هو أن يمنحه رأسه كي يكتب عليه رسالته بعد حلق شعره، ثم ينتظر فترة حتى ينمو شعره من جديد فيخرج من المدينة آمنا، ليصل إلى ملك العجم بالرسالة التي سيكون من الممكن قراءتها بسهولة عندما يحلق شعره من جديد.

والمملوك جابر، كما يصوره سعدالله ونوس، ومثلما يشخّصه العرض المصري: شاب تجاوز الخامسة والعشرين من عمره، معتدل القامة، شديد الحيوية، يمتاز بملامح دقيقة وذكية، وفي عينيه يتراءى بريق نفاذ يوحي بالفطنة والذكاء.

وتنجح الخطة، ويقرأ ملك العجم رسالة الوزير المنحوتة على رأس المملوك جابر الذي كان يطمع في أن يكافئه الوزير بمنحه كيسا من الذهب ومكانة مرموقة في المجتمع وتزويجه الجارية زمرّد بعد تحريرها، لكن شيئا من ذلك لم يحدث بطبيعة الحال، فالوزير كتب على رأس المملوك جابر في نهاية رسالته لملك العجم حاشية صغيرة “لكي يظل الأمر سرا بيننا، اقتل حامل الرسالة من غير إطالة”.


وهكذا تُبرز مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر” أن الموت هو الجزاء الوحيد الذي تمنحه السلطة الغاشمة لأبناء الشعب، مهما كانت انتماءاتهم وتباينت حظوظهم من الوعي والثقافة واختلفت أفعالهم بين صون الكرامة أو بذل الدناءة، فما يعيشه المواطنون المقهورون على الأرض يشبه ما يسمعونه من الحكواتي، ولا أحد يقدر على تغيير الواقع مثلما أن أحداث التاريخ لا يمكن تعديلها، أما النخبة والمثقفون، على وجه التحديد، فمن الكلام تبتدئ رحلتهم الدائرية وإليه تنتهي.

ويترحم زبائن المقهى على زمن “الظاهر بيبرس” ويطلبون سماع سيرته المليئة بالبطولات والانتصارات والأمان والعز والازدهار، لكن الحكواتي الذي يدور بالمقهى يرفض قراءة سيرة بيبرس، لأن “دور الظاهر لم يأتِ بعد، ولم يحن بعد الزمن الذي يغلب فيه الحق الباطل وينتصر العدل على الظلم”.

ثم يشرع الحكواتي في تلاوة سيرة الاضطراب والفوضى والهم “كان في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان، خليفة في بغداد يدعى شعبان المنتصر بالله، وله وزير يقال له محمد العبدلي، وكان العصر كالبحر الهائج لا يستقر على وضع والناس فيه يبدون وكأنهم في التيه يبيتون على حال ويستيقظون على حال، تعبوا من كثرة ما شاهدوا من تقلبات وما تعاقب عليهم من أحداث، تنفجر من حولهم الأوضاع فلا يعرفون لماذا انفجرت، ثم تهدأ حينا من الزمن فلا يعرفون لماذا هدأت، يتفرجون على ما يجري، لكنهم لا يتدخلون فيما يجري”.


تمصير المفردات

تمصير مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر”، لم يكن باللعب في القصة الأساسية ولا الحدث التاريخي في نص السوري سعدالله ونوس، لكن بإدخال مفردات وعبارات، كوميدية أحيانا، بالعامية المصرية، على أحاديث زبائن المقهى والحكواتي، وأبرز الشخوص: المملوك جابر، الخليفة، الوزير والمملوك منصور، ومثل هذه الإضافات جاءت مقحمة لابتعادها عن النسق اللغوي للعرض وعن الطقس النفسي السائد بجديته وقتامته.

واقتصر العرض المصري على تقديم الحدث التاريخي المحوري بمسرحية ونوس (واقعة كتابة الرسالة على رأس المملوك جابر التي تنتهي بقتله)، في حين لم يتعمق العرض التعمق الكافي في بقية الشخوص الذين قدمهم كمجرد مسامرين لجابر، ومنهم المملوك منصور، صديق جابر، ذو الخامسة والثلاثين، و”صاحب القامة القصيرة والبنية القوية والملامح التي تشف عن وداعة وطيبة”، كما في مسرحية ونوس.

المملوك جابر، كما يصوره سعدالله ونوس، ومثلما يشخّصه العرض المصري: شاب تجاوز الخامسة والعشرين من عمره، معتدل القامة، شديد الحيوية، يمتاز بملامح دقيقة وذكية
هذا المملوك منصور يشكل ملمحا شديد الخصوصية في النص الأصلي لمسرحية ونوس، فهو رمز المثقفين في ذلك العصر الذي دارت فيه المسرحية وفي عصور أخرى لاحقة بالتأكيد، حيث القدرة على فهم وتحليل الأمور، لكن بقدر من التعالي على البسطاء والعاديين والتكاسل عن تقديم أية مبادرة إيجابية على أرض الواقع، الأمر الذي يهدر كل فرص النجاة أمام الشعب القابع في ظلام الجهل والفقر وقلة الحيلة.

على هذا النحو الذي فصّله سعدالله ونوس في مسرحيته وأهمله عرض فرقة كلية الآداب المصرية، يبدو رأس مثل هذا المثقف معادلا لرأس المملوك جابر، فكلاهما مبتور في الحياة ومقطوع بعد الممات، وكلاهما رأس لا يعمل لصالح الشعب، وكلاهما تمكنت السلطة من تحييده واحتوائه ثم القضاء عليه في النهاية.

“مغامرة رأس المملوك جابر” هي مغامرة مسرحية أيضا بامتياز، حيث الثيمة الجديدة التي يتماهى فيها رواد المقهى مع جمهور المسرحية، في حين يأتي الحدث الدرامي من الخلفية التاريخية التي يرسمها الحكواتي لبغداد القديمة وخليفتها ووزيرها ومماليكها وشعبها، وتقود هذه الآليات إلى لعبة اجتذاب الجمهور إلى قلب الحدث ليشارك فيه بشكل تفاعلي، ثم تطغى ألاعيب السياسة على المشهد تدريجيا، ومع تلاحق الأنفاس تفرض بغداد القديمة نفسها عنوانا لمدن العرب الراهنة، وما أكثرها.

ويُحسن المسرح العربي تصوير الصراعات المتصاعدة، خصوصا المجتلبة من التاريخ، مُسقطا أحداثها وتفاصيلها على ما يجري على أرض الواقع من تكرار للمآسي ذاتها، إذ تبدو العلاقة بين الشعوب العربية والحكام بمثابة مأساة وملهاة في الآن ذاته، يشاهدونها صامتين على طول الخط ويكتفون بأن يضربوا كفًّا بكف عند كل زلزلة أو بركان، وتبقى الحال على ما هي عليه، أو تزداد سوءا.

-------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 


الجمعة، 21 يوليو 2017

البطوسي يصدر بيانا بشأن المخرج فاروق صبري

مجلة الفنون المسرحية

  البطوسي يصدر بيانا بشأن المخرج فاروق صبري


أصدر الشاعر والكاتب المسرحي عادل البطوسي بيانا الى المسرحين بِشان المخرج فاروق صبري وقد جاء في البيان :


أيُّها المسرحيُّون الأحبَّاء : أخونا المخرج "فاروق صبري" الذي ـ كما لا يخفى على حضراتكم ـ سبق أن أكرمني ـ أكرمه الله ـ هو وأعوانه ـ وطوَّبني بإدعاءاتٍ باطلةٍ ومزاعمٍ كاذبةٍ تهدف لتشويه سمعتي قام ـ فجأةً ـ بتغيير إسم النص الذي يشتغل عليه من "أسئلة الضحية والجلاد" ـ الذي قرأته في صورته الأولى عبر أحد المواقع الإلكترونيَّة ـ إلى "مانيكانات" أي "دمى" وشتان ما بين العنوانين في الإيحاء والمحاور الدرامية ..
هذه "الدُّمى" ـ أحبائي ـ هي شخوص مسرحيتي الشعرية "الدُّمى" المطبوعة عام 2005م والتي حصلت بها على جائزة الدولة المصريَّة 2006/2007م في المسرح الشعري، والدُّمى ـ أيضاً ـ هي السياق السينوغرافي والدرامي والشخوص في نصي المونودرامي الشعري المزدوج (ياراجويا) ـ مفجِّر الإشكاليَّة بيننا ـ والتي وصلته مخطوطة ـ أكرِّر مخطوطة ـ حيث كتب على صفحته "عندما قرأت ياراجويا قبل طباعتها" فقد أرسلها إليه أحدهم ـ أو إحداهن ـ مثلما تم إرسالها ـ عبرهما أو أحدهما ـ "مخطوطة" لناقد كريم ليهاجمها، وفعل، وتأكَّد لي أن سعادة الناقد الأكاديمي إطلع عليها مخطوطة من قوله في سياق مقاله "الهجومي" الذي قام موقعٌ إلكترونيٌّ بنشره ثم عمل "إعادة نشر" له (يقول المؤلف ص:8) وهذه الصفحة بالكتاب المطبوع بها إضاءة كريمة تكرَّم بكتابتها أستاذنا الجميل "فائق حميصي" والمنشورة مع صورة عنايته ضمن إضاءاتٍ رائعاتٍ لنخبةٍ رائعةٍ من أشهر المبدعين العرب ـ والمبدعات ـ والنص في الكتاب المطبوع يبدأ من ص : 38
أغلب الظن ـ أيها الأحبَّاء ـ أن الأخ الكريم فاروق صبري يسعى بذلك لتأكيد مزاعمه بهذه الإضافة "الدمياتية" والإستفادة في رؤيته الإخراجية ـ أيضا ـ من السياق السينوغرافي والدرامي ورؤيتي الإخراجية لكل دميةٍ المكتوبة بدقَّةٍ وتجديدٍ في "ياراجويا" ومع ذلك فأنا لن أتهمه بسرقة الفكرة أو السطو أو اللصوصيَّة طالما كانت رؤيته مُغايرة تماماً ـ ولا أظنُّها ـ وليس وراء هذه الإضافات مقصداً داعماً لمزاعمه السابقة ـ عن السبق ـ وهذا ما أرجوه ـ إن شاء الله ـ حسب نيته وضميره ..
وعلى ذلك أؤكد لحضراتكم أن هذا البيان للعلم والإحاطة وحسب وليس محاولة مني لرشق الإتهامات، فهذا ليس أسلوبي ـ لأني ببساطةٍ لا أجيد ذلك ولن أفعل مثله ـ حيث أساء لي ـ عمداً ـ في العديد من المنابر بشكلٍ أقل ما يوصف به أنه غير متزن ـ ولن أقول غير أخلاقي تأدُّباً ـ حد أنه تفرَّغ لإقتحام خصوصيَّة المئات من أصدقائي الأفاضل الذين لا يعرفونه ـ وصديقاتي الفضليات ـ "على الخاص" بالفيسبوك لتشويه سمعتي عندهم ـ ولم يفلح ـ بصرف النظر نهائياً عمن ما جاء الإدِّعاء على هواه، فـ كتب ونشر له ووالاه، ومن آثر مقاطعتي من المسرحييِّن الأحبَّاء ..
إلا أني رغم كل ما جرى لم أتوقَّف ـ بفضل الله ـ عند هذه المعوِّقات وواصلت مشروعي المونودرامي الشعري الهادف لتحديث الإطار المونودرامي وتطبيقاته النصيَّة وأطلقت ـ بنعمة الله وتوفيقة ـ في فترةٍ وجيزةٍ المصطلحات النقديَّة الجديدة وكتبت نصاً مونودرامياً شعرياً مواكباً لكل مصطلح (المزدوجة ياراجويا ـ الثلاثية دزديموليا ـ المركَّبة موناريتا ـ الوثائقيَّة كليوبطره) ولم يبق سوى مصطلح واحد وتطبيق نصي له أعمل عليه حالياً ليكتمل المشروع بمشيئة الله تماماً ..
كما أني ـ والحمد لله ـ لست ممن يسعون لتشويه سمعة الأبرياء وسيرتهم ومسيرتهم إفتراءً وضغينةً فرغم ما تمَّ من تغيير ـ بقصدٍ أو دون قصدٍ ـ مواكبة للسياقات السينوغرافيَّة وربما الإطار المونودرامي، ورغم أن التصميم الدعائي لعرضه فكرته مأخوذة من التصميم المنشور بالصفحة الأولى من نصي "ياراجويا" والتي صمَّمته لنا الفنانة اللبنانية شانتال، فإني أبارك له ولفريق عمله وأتمنى لهم من الموفقيَّة والنجاح أكثر مما أرجوه لنفسي، نفسي التي أنأى بها عن المهاترات والصغائر والأساليب غير النظيفة التي لا تصدر إلا عن نفسٍ مريضةٍ بعيدة كل البعد عن التنشئة التربويَّة السليمة، وأربأ بنفسي ـ أيضا ـ تأدُّباً واحتراماً لذاتي ولحضراتكم أن أملأ الدنيا ضجيجاً باتهاماتٍ وعباراتٍ بعيدة كل البعد عن لغة الإنتماء لفنٍّ شديد الرقي إبداعاً وإنسانيةً ألا وهو فن المسرح ..
لم يبق ـ أحبائي ـ سوى أن أرجوكم إيجاد العذر لي عند وجود أي تجاوز لفظي أو أسلوبي وأن تسامحوني لأني أثقلت على عنايتكم بموضوع قد ترون أنه لا يعنيكم إلا أنه ـ عفوا ـ يدخل في سياق حياة المسرح الذي أنتم ـ أيها الأنقياء ـ أهله ورواده ولآليء مشهده، كما ينطوي أيضاً تحت ظلال صداقتنا الجميلة القائمة على المحبة القوبة الثابتة، المحبة التي بلا رياء، المحبة التي تتأنَّى وترفق، المحبة التي لا تسقط أبداااااااااااااااااااااااا
عادل البطوسى
شاعر ومؤلف مسرحي     


الأربعاء، 21 يونيو 2017

دعوة للمشاركة في المؤتمر الفكري للدورة العاشرة من مهرجان المسرح العربي - تونس 2018

مجلة الفنون المسرحية



دعوة للمشاركة في المؤتمر الفكري
للدورة العاشرة من مهرجان المسرح العربي

دأبت الهيئة العربية للمسرح على تنظيم ملتقى فكري ضمن كل دورة من "مهرجان المسرح العربي"، واستعدادا لدورته العاشرة بتونس من 10 إلى 16 يناير 2018، يسعدنا أن نعلم الراغبين في المشاركة في الملتقى الفكري الذي سيخصص لموضوع "السلطة والمعرفة في المسرح"، أنه سيحتوي على المحاور الأربعة التالية:
- المسرح في علاقته بالمعرفة: المعرفة في المفهوم الفلسفي والأنتربولوجي والعملي، وعلاقتها بالفنون بصفة عامة، وبالظاهرة المسرحية على وجه الخصوص، إعتماداً على أمثلةٍ من تاريخ المسرح العالمي ومن تجارب مخصوصة.
- المسرح في علاقته بالسلطة: تحديد مفهوم السلطة باعتبارها متعددة ومتغيرة على الدوام، وكذلك في علاقتها بمفاهيم الحرية والخصوصية، إعتماداً على مرجعيات ونماذج من النظريات والممارسات المسرحية العالمية والعربية.
- سلطة المؤلف ومعارفه: الدور التاريخي والجمالي للمؤلف المسرحي، ومسار السلطة لديه من الهيمنة إلى التلاشي التدريجي، بالاعتماد على نماذج عالمية وعربية. مواصفات ثقافة المؤلف المسرحي الراهنة، وموقعه ضمن مجالات الكتابة.
- سلطات ومعارف صناع العرض (الممثل، السينوغراف، المخرج): سيرورة تحول السلطة في المسرح إلى أكثر من صانع، وانعكاساتها على بناء العرض المسرحي، ومن ثمّ على الثقافة المسرحية والفرجوية بصفة عامة من خلال تأثير التطور الفكري والتكنولوجي في أشكال الفرجة، وتأثيرها في التلقي والذوق الجمالي.
طريقة المشاركة:
- المشاركة مفتوحة لكل المسرحيين والباحثين العرب.
- يفضل التركيز على نماذج من الممارسات المسرحية العربية دون إغفال السياق العالمي.
- ترسل طلبات المشاركة على العنوان الإلكتروني التالي المدرج أدناه وذلك قبل 30 يوليو 2017، على أن يحتوي مطلب المشاركة على:
·       عنوان وملخص المداخلة في صفحة واحدة، ما بين 200 إلى 300 كلمة.
·       سيرة ذاتية مختصرة.
- هذا وستنظر اللجنة المكلّفة بالإشراف على الملتقى وتنسيق أعماله، في مطالب المشاركة، وتعلن عن المشاركات المقبولة منها بداية من 15 أغسطس 2017.
- تتعهد الهيئة بتوفير تذاكر السفر والإقامة ومكافأة قدرها 500 دولار أمريكي لكل مشارك.
- للهيئة فقط الحق بنشر أعمال الملتقى.

عنوان المراسلة

لعناية منسق المؤتمر الفكري 2017


الثلاثاء، 2 مايو 2017

السياسة‭ ‬والدين‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬أبي‭ ‬خليل‭ ‬القباني

مجلة الفنون المسرحية

السياسة‭ ‬والدين‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬أبي‭ ‬خليل‭ ‬القباني
دلع الرحبي

كان‭ ‬«أبو‭ ‬خليل‭ ‬القباني»‭ ‬رجلاً‭ ‬وحيداً‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أتقنت‭ ‬إنكاره،‭ ‬إذ‭ ‬تجسد‭ ‬سيرة‭ ‬حياته‭ ‬العبارة‭ ‬القائلة‭: ‬لا‭ ‬كرامة‭ ‬لنبيّ‭ ‬في‭ ‬وطنه،‭ ‬وهذا‭ ‬قدر‭ ‬المبدع‭ ‬حين‭ ‬يقترف‭ ‬ذنباً‭ ‬ويسبق‭ ‬عصره،‭ ‬ولقد‭ ‬سبق‭ ‬«أبو‭ ‬خليل‭ ‬القباني»‭ ‬عصره‭ ‬وربما‭ ‬عصرنا‭ ‬أيضاً‭ ‬إذ‭ ‬يبدو‭ ‬المشهد‭ ‬اليوم‭ ‬وكأن‭ ‬قرناً‭ ‬ويزيد‭ ‬لم‭ ‬يمرّ،‭ ‬وكأننا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬المضطربة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬مازلنا‭ ‬نقف‭ ‬مشدوهين‭ ‬وفاغري‭ ‬الأفواه‭ ‬أمام‭ ‬الأسئلة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬طرحها‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مئة‭ ‬عام‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نقنع‭ ‬بجواب‭.‬

ينتمي »أبو خليل القباني» (1833-1903) إلى زمن بواكير النهضة العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهو واحد ممن ترجموا هذه النهضة إذ كان أول من أسس فن المسرح في دمشق، ليكون بديلاً عن فنون أخرى كانت شائعة آنذاك كالحكواتي وعروض الكراكوزاتي التي تحوي من الفحش والبذاءة الكثير.
إنها الشام أواخر القرن التاسع عشر

شام الحارات والأزقة الضيقة والزوايا والتكايا والفوانيس اليدوية المضاءة بالزيت. شام المقاهي والحكواتية والكركوزاتية والزكرتاوية. شام المآذن وحلقات الذكر والإنشاد والموالد ودروس الأموي. شام البيوت الدمشقية المتوارية خلف حيطان الحارات العتيقة. شام العربات والخيول والجنود العثمانيين والطرابيش واللفات والعمامات والملاءات والقمبازات والشالات. شام الأبواب والبوابات التي تغلق عند كل مساء.

في تلك الأجواء نشأ «أبو خليل» وضمن هذه الظروف ولد مسرحه. وحكاية مسرح «أبي خليل» تقتضي بالضرورة التطرق إلى حكايتين أخريين لتشكلا في الحصيلة ضلعي مثلت العلاقة بين المسرح والسياسة والدين.


المسرح والسياسة

لا يمكن أن يجري الحديث عن «أبي خليل القباني» دون أن يتم ذكر الوالي «مدحت باشا» (1822-1884) ومازال سوق «مدحت باشا» هو من أهمّ معالم مدينة دمشق، وهو سوق مغطى على غرار موازيه «سوق الحميدية» الذي تعود تسميته إلى السلطان «عبد الحميد» (سلطان البرين وخاقان البحرين) «بادشاهم جوق يشا».

وحكاية الوالي «مدحت باشا» مع الشام بدأت قبل أن يأتيها والياً، بل إن القدر الذي ساقه إلى دمشق وجمعه مع «أبي خليل» كانت قد بدأت فصوله الأولى في الآستانة عاصمة الخلافة، حيث كان هو «الصدر الأعظم» و»أبو الدستور» «وأبو الأحرار»، وقبل كل شيء «خالع السلاطين». وحكاية خالع السلاطين تلك كانت شوكة تنغز السلطان «عبدالحميد»، الذي لم ينس أبداً أن «مدحت باشا» السياسي البارع والداهية المحنك، هو الذي خلع السلطان عبدالعزيز -عمه- والسلطان مراد الخامس -أخاه- وقد يأتيه الدور فيخلع على يديه كسابقيه. وعليه، فإن العلاقة بين الرجلين كانت شائكة ومضنية، محورها الصراع الذي عنون وقتها في كونه صراعاً بين «الدستوريين» و»الحميديين» أو بين «المابين» «والباب العالي» أو بين «الأحرار والمستبدين» أو بين «الإصلاحيين والمستغلين»… وأياً كانت التسمية فإن السلطان «عبدالحميد» في إسناده منصب الصدارة العظمى إلى «مدحت باشا « بداية، ثم في إصداره المرسوم السلطاني بإعلان الدستور لاحقاً، لم يكن حراً تماماً، بل كانت الظروف الدولية والمخاطر المحيقة بعاصمة الخلافة بعد وصول المسألة الشرقية حداً أصبح يهدد بقاء الدولة العثمانية ومصيرها هي التي دفعت السلطان إلى تعيين هذا الرجل صدراً أعظم.

أما إعلان الدستور، فقد جاء نتيجة منطقية لتولي «مدحت باشا» منصب الصدارة العظمى، فالدستور كان قضية حياته، ولولا الدستور لما أقدم أساساً على عزل السلطان «عبدالعزيز″ ولما وصلت الخلافة إلى «عبدالحميد» الذي كان يؤرقه سؤال: هل يحدد الدستور سلطة السلطان أم لا؟ خاصة وأن واحدة من أهم البنود التي تحفظ عليها «عبد الحميد» هي تلك التي كانت تقضي بتغيير لقب الصدر الأعظم وتحويله إلى لقب رئيس الوزراء، اقتداء بالحكومات الدستورية في أوروبا، وهذا ما رأى فيه السلطان توسيعاً لصلاحيات هذا المنصب وانتقاصاً من سلطته المطلقة.

لم يكن السلطان وحده متخوفاً من مسألة الدستور، بل كان معه العلماء والمشايخ الذين كانت تؤرّقهم إمكانية دخول المسيحيين إلى مجلس النواب بعد منح البلاد الحياة النيابية، لا سيما وأنهم يعرفون حق المعرفة أن غاية أماني «مدحت باشا» هي التأليف بين العناصر المسلمة والمسيحية في البلاد العثمانية وإيجاد كتلة واحدة تعيش تحت سماء وطن واحد. لذا لم يكن مستغرباً أن يقوم المشايخ بتملق السلطان بقولهم إنّ «لا حاجة إلى دستور، بعد أن تولى العرش سلطان عاقل حكيم». وأيضاً فإن النفعيين من أرباب الرشوة رأوا في «مدحت باشا» عقبة تمنعهم من نهب خيرات البلاد، وها هو واحد منهم يصرح قائلاً «إذا كان كل شيء سيجري البحث فيه علناً في مجلس النواب، فلا سبيل عندئذ إلى التهام شيء!».

ورغم ذلك فقد نجح «مدحت باشا» في دفع السلطان إلى إعلان الدستور (12 كانون الثاني 1876). وكان يوم الإعلان يوماً من أيام العثمانيين المشهودة، زار فيه «مدحت باشا» بطريركية الروم والأرمن ليصبح بذلك أول صدر أعظم في التاريخ العثماني يزور فيه رؤساء الطوائف المسيحية في مراكزهم. ثم أتبع خطوته تلك باستصدار عفو من السلطان عن المبعدين السياسيين.

هذا هو «مدحت باشا» الذي كان يعارض إدارة الولايات العثمانية بالقوانين الموضوعة في الآستانة، والذي كان يحبذ توسيع صلاحية حكام الولايات ومنحهم شيئاً من الاستقلال. هذا هو «مدحت باشا» الذي حين استرد منه السلطان بعد ذلك الخاتم الهمايوني، عازلاً إياه من منصب الصدارة العظمى، تلقى الخبر برباطة جأش متفوهاً بعبارة وحيدة «أعان الله وطني». هذا هو «مدحت باشا» الذي حين وصل إلى دمشق والياً -بعد أن تم نفيه إلى لندن ردحاً من الزمن- استحق كل ما أقيم لأجله من احتفالات وزينات إذ ابتهجت لمجيئه القلوب واستبشرت بقدومه النفوس، وتفاءل الناس بخير عميم لا بد آتيها، طالما أن المصلح «مدحت باشا» واليها.

القباني القادم من باحات المسجد الأموي معتليا منصة المسرح التي ابتناها في باحات البيوت الدمشقية كان يحطم في الوقت نفسه الصورة النمطية لشيخ عبوس يفتي بتحريم الفنون
في ظل هذه الظروف المعقدة على الصعيدين العام والشخصي، وصل هذا الوالي المغضوب عليه من قبل السلطان إلى دمشق التي استمرت ولايته عليها (1878-1880). وما كان قرار تعيينه والياً بعد أن كان منفياً ومبعداً إلا ذريعة وحيلة لجأ إليها السلطان لتسكيت الرأي العام الدولي في الخارج، وأيضاً أنصار «مدحت باشا» في الداخل. وكان الأخير يدرك حق الإدراك أن السلطان «عبدالحميد» يضمر له ما يضمر وأن ولايته على الشام لن تطول.

لهذه الاعتبارات كان الوالي الجديد المفعم بالرغبة في اللحاق بركاب التطور والتجديد مصمماً على تحويل طموحاته الإصلاحية واقعاً ملموساً، وترجمة ميوله التنويرية إلى فعل حقيقي وممارسة عملية دون أن يأبه بالسلطان. لذلك حين وصل إلى «دمشق» كان كمن أحرق سفنه كلها في «الآستانة»، إذ وجد في الشام ضالته، وصارت على أيامه مدينة تمور بانبعاثات الصحوة والإصلاح والتجديد، إذ بدأ بتأسيس الجمعيات وتأمين الطرق والمواصلات وتطهيرها من الشقاة، والضرب على أيدي الخونة واللصوص، وإصلاح المحاكم، ونشر العدل، والقضاء على الرشوة، وفتح المدارس للذكور والإناث، إلى آخر ما هنالك. ولما كان ذات يوم يقوم بجولة يتفقد فيها أحياء دمشق، لفت نظره كثرة المقاهي التي تمثل فيها عروض «الكركوزاتية»، فراعه ما رأى وانتقد وجهاء دمشق وعلماءها على هذا المستوى المنحط، ولامهم على مشاهدة المناظر المخلّة، والاستماع إلى الألفاظ البذيئة التي كانت ترد في بابات وفصول كراكوز. وحين سأل عما إذا كان يوجد في المدينة من يقوم بتمثيل الروايات الأدبية سمع اسم الشاب «أحمد أبو خليل القباني» فأمر بإحضاره والتقى الرجلان، والرجال عند لقائها تلتقي أقدارها وهذا ما كان.


المسرح والدين

يسبق اسم «أحمد أبو خليل القباني» لقب الشيخ، ذلك أنه قد جنى ثمار العلوم على أفضل علماء زمانه، وجهابذة عصره، من أمثال الشيخ العالم «بكري العطار». كان التدريس في ذلك العهد يجري في الجوامع، حيث تقام حلقات الدراسة لشتى العلوم العربية من نحو وصرف وبيان وبديع ومنطق وفقه وفرائض. وفضلاً عن أن أبا خليل قد اعتاد أن يؤذن على مأذنة عيسى القائمة في جانب من جوانب الأموي، فإن ذلك الفتى الشاغوري -نابغة آل آقبيق قبل أن يكنى بالقباني- كان قد بلغ في علمه حداً جعل أحد الشيوخ من أساتذته يقول فيه «لو ظل هذا الفتى مثابراً على الدرس لتحدثت الشام عن علمه زمناً طويلاً».

وعلى ذلك فإن الشيخ «أبا خليل» القادم من باحات المسجد الأموي، ليعتلى منصة المسرح التي ابتناها في باحات البيوت الدمشقية لأقاربه ومعارفه، ثم في خانات دمشق «كخان الجمرك» «وخان العصرونية»، كان يحطم في الوقت عينه الصورة النمطية لشيخ عبوس متجهم يفتي بتحريم الموسيقى والتمثيل والغناء، منطلقاً من الثوابت الدينية نفسها التي يمتح منها معارضوه من الشيوخ وعلى رأسهم «سعيد الغبرة».

وهنا تماماً مكمن الخطر الذي جعل المؤسسة الدينية المتمثلة «بالغبرة» وأمثاله، يعلنون حربهم الشعواء ضد المسرح الذي أسسه، والذي لم يجرؤوا على مسّه أو النيل منه طيلة فترة ولاية «مدحت باشا»، ذلك أن الشيوخ على دين ولاتهم، وبالتالي فإن الدعم الذي قدمه الوالي «لأبي خليل» كان بمثابة حصانة سياسية له حمته من كل أذى أو سوء يمكن أن يطاله من أعدائه المتمشيخين. وحين دعا الوالي «مدحت باشا» مشايخ الشام ومن بينهم مفتي الديار الشامية والشيخ واعظ السجدة وكبار العلماء لمشاهدة التمثيل، امتثلوا.

إن لقب الشيخ الذي لا ينفصل عن اسم «أبي خليل» يرسم صورة مغايرة وجديدة كل الجدة لشيخ تقيّ يحب الفن ويستمع إلى الموسيقى ولا يحرّم التمثيل؛ شيخ يعتبر أن من حسبوا أن التقوى هي عبوس الوجه والتجهم، نسوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا»، وأن الذين جعلوا الحرام أصل التشريع، نسوا أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن الذين قالوا بأن كلّ ما سر به قلبك فهو حرام، نسوا بأن القلب بين يدي الرحمن، يقلبه كيف يشاء، وأن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله. لم ترق تلك الصورة الجديدة لرجل متدين يمتهن الفن للمشايخ الذين لم ترق لهم أصلاً إصلاحات الوالي «مدحت باشا» وعلى ذلك فِإن الرجلين كانا محط أنظار الفئة نفسها ممن كانوا يتحينون اللحظة التي سيرحل فيه الوالي «مدحت باشا» عن الشام، كي يوقعوا «بأبي خليل» وينقضّوا عليه انقضاض الوحش على الفريسة.

الفتى الشاغوري- نابغة آل آقبيق قبل أن يكنى بالقباني- كان قد بلغ في علمه حدا جعل أحد الشيوخ من أساتذته يقول فيه لو ظل هذا الفتى مثابرا على الدرس لتحدثت الشام عن علمه زمنا طويلا
وإذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار مدى توسع النشاط المسرحي «لأبي خليل» مستفيداً من دعم «مدحت باشا»، وتحديه للتحفظات الدينية، والرفض المجتمعي للمشتغلين بالمسرح من الرجال، والنظرة الدونية إليهم، يمكن فهم مدى خطورة الخطوة السباقة التي خطاها «أبو خليل» بعد ذلك، حين استعان بممثلتين من النساء لتقفا على خشبة المسرح أمام جمهور واسع، في مدينة تحتجب نساؤها خلف حيطان البيوت، ووراء سواد الملايات.

إن عمل المرأة كممثلة على خشبة المسرح، يفترض الظهور المادي لا الاختباء، والحضور المباشر لا الاحتجاب، وهذا يتطلّب تحدياً مضاعفاً من أجل خلق وعي مجتمعي، يميز بين المرأة الممثلة التي تبدع، وبين المرأة الساقطة التي تستعرض.

فإذا كان المجتمع قد اعتاد أن ينظر إلى المرأة عموماً نظرة احتقار وهي معتكفة في خدرها، فأيّ تحدٍ صعب ذاك الذي خاضته أولئك الممثلات القلائل اللواتي كن السباقات في الصعود على خشبة المسرح، وبأيّ ألفاظ كن يوصمن؟ إن العلاقة بين حركة تحرير المرأة وحركة المجتمع، هي علاقة جدلية، ولقد ساعد موقف بعض المفكرين النهضويين من أجل ترسيخ المسرح، ومن أجل التأكيد للناس وللسلطات الدينية والأنظمة السياسية والتربوية والثقافية، بأن دور المسرح لا يقل أهمية عن دور المدرسة الموجهة. إلا أنه بين الدعوات لتحرر المرأة وبين الإصرار على بقائها في البيت، كان هناك نضال من نوع آخر، توجب علي المرأة الممثلة أن تخوضه للوصول إلى الخشبة، ولتحقيق المعادلة التي تجيب عن سؤال جوهري وعميق:

كيف تكونين ممثلة ومحترمة في الوقت نفسه؟

في مذكراتها كتبت «مريم سماط» -وهي إحدى الرائدات الأوائل من ممثلات المسرح والتي عملت مع «أبي خليل القباني» في عدد من عروضه- تقول «إنما كانت التبعة في ذلك على إفراط الأوانس في تبرّجهن، ومغالاتهن في سفورهن وزينتهن، مما يلقي الشك والريبة في خلد الصالحين من الأدباء، ويولج البشر والسرور في أفئدة ذوي القلوب المريضة من عشاق الغزل وفُساق النظر».

وبالعودة إلى الشيخ «أبي خليل» فإنه قد قبل التحدي بشكل مضاعف.

أولاً- لم يكتف بتقديم عروض مسرحية بين الفينة والأخرى، بل أسس فرقته التمثيلية التي ضمّت عدداً ضخماً من ذوي المواهب المتنوعة من مسلمين ومسيحيين، والتي تعرض بانتظام وبشكل محترف، وفق ريبرتوار وبرنامج مسرحي مستمر وغنيّ، يجذب إليه جمهوراً غفيراً وجد في المسرح ضالته المنشودة.

ثانياً- لم يأبه لكل المخاوف التي قد تأتي بما لا يُحمد عقباه، حين استعان بممثلتين وقفتا على خشبة مسرحه، وفي ذلك مغامرة وخيمة العواقب، لا على المرأتين وحسب، بل عليه هو شخصياً بوصفه صاحب فرقة تمثيلية هزت سكون المدنية مرتين: حين أسس فيها مسرحاً وحين جعل المرأة تقف على خشبته.

لقد قارب الشيوخ الأزهريون قبل ذلك فن المسرح، منذ بداية القرن التاسع عشر، إبّان الحملة الفرنسية على مصر، وكانت هناك محاولات دائبة من أجل أسلمة الأفكار المنشورة كي لا يشعر المصريون بالذنب الذي دائماً ما يؤرق عواطفهم الحساسة إزاء الدين.

وصف «الجبرتي» (1825-1756) في كتابه «عجائب الآثار» (1801) المسرح بأنه مجرد «فرجة على ألاعيب» «واللعب» كما جاء في قاموس «محيط المحيط» هو «العبث» «وترك ما ينفع بما لا ينفع″. إلا أن «رفاعة الطهطاوي» (1873 – 1801) خطا خطوة أبعد في كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز″ والذي أنجزه خلال إقامته في فرنسا، التي أرسل إليها بوصفه شيخاً أزهرياً وإماماً على طلاب البعثة العلمية التي أوفدها الوالي «محمد علي» إلى فرنسا (1826). تحفّظ الطهطاوي على فعل التسمية الأول «اللعب» لقصوره ولعدم وفائه بالمحتوى الدلالي للمسرح واستخدم عوضاً عن ذلك دال «الخيال» ليصنع بذلك فارقاً جوهرياً بين ألعاب «التسلي والملاهي» وبين «ألعاب الخيال» التي يقوم عليها التياتر. وعلاوة على ذلك فإن «الطهطاوي» أدخل مترادفات جديدة إلى اللغة العربية، نقلها من الفرنسية مباشرة مثل «سبكتاكل» و»تياتر» وكان لديه انطباع إيجابي عن المسرح، وأقرّ بأن دروساً في الأخلاق يمكن أن تعطى من خلال العروض المسرحية، إذ «بالعوائد ينصلح اللعب». ومع ذلك لم يشأ الطهطاوي أن يرتبط اسمه بترجمة نص مسرحي هو «أوبرا هيلين الجميلة» والتي كانت العرض الافتتاحي لمسرح الكوميدي بالقاهرة (1869). لقد كان هذا هو العمل الدرامي العربي الأول، الذي نشر بمصر والترجمة الحرفية الأولى لعمل درامي أوروبي باللغة العربية. امتثل «الطهطاوي» لأوامر «الخديوي إسماعيل» وترجم النص. لقد عمل بشكل فعال كمترجم ومراجع لترجمات مئات الأعمال العسكرية والتاريخية والقانونية والفلسفية والاجتماعية والعلمية والطبية والجغرافية، وكان يستند بقوة إلى سلطة تفويض من كل من المؤسستين السياسية والثقافية، لكنه حين اقترب من النص المسرحي، عاب على نفسه أن يكسر صورته النمطية المرسومة كشيخ حين يدرج اسمه على ترجمة عرض مسرحي يؤديه ممثلون وممثلات. لقد رأى في ذلك انتقاصاً من اسمه فضن به وأغفله.

لم تذون الكتب وجع الرحيل عن "دمشق" التي ترك فيها مسرحا احتلته العتمة بعد أن التهمه الحريق. لم توثق الكلمات وقفته الأخيرة أمام باب بيته مطاردا بمساخر الصبيان
من هنا يمكن قراءة الشيخ «أبي خليل القباني» الذي مزق الصورة القديمة، ليقدم صورة جديدة لشيخ لا يخجل من المسرح، يحترم المرأة، ويعرف كيف يصالح بين الدين والحياة.

لقد كان وحيداً في مدينة أتقنت إنكاره مرتين:

الأولى: حين استفرد به خصومه بعد رحيل الوالي «مدحت باشا» عن الشام، إذ تمت فبركة المضبطة التي رفعها «سعيد الغبرة» إلى السلطان «عبد الحميد» بعد أن ركب البحر، وشد رحاله إلى الأستانة، معترضا موكب السلطان المتجه إلى الجامع ليصلي صلاة العيد، وصارخا أن: «أدركنا يا أمير المؤمنين، فإن وجود التمثيل في البلاد السورية مما تعافه النفوس الأبية»….الى أخره . ومهما يكن من أمر مدى صحة هذا المشهد المسرحي المصطنع، فإن النتيجة كانت صدور القرار بإغلاق المسرح، ومنع «القباني» من عمله، وتضييق الخناق عليه، ومحاربته في رزقه، وإهانته وطعنه في كرامته و دينه بعد أن تم تأليب صبيان الحارات والأزقة، ليرددوا قرادياتهم المشينة بحق الرجل، مما دفعه إلى الاعتزال في بيته، ثم إلي مغادرة دمشق بعد أن ضاقت عليه بما رحبت.

والثانية : حين نشر نعي ابنه «خليل» المتوفى سنة 1940 والذي ورد في جريدة «الإنشاء» الدمشقية، خاليا من أية اشارة تفيد بأن المتوفى هو ابن الشيخ «أحمد أبو خليل القباني» رائد المسرح السوري.

هل انتصر المتزمتون اذن؟

في احدى رسائله إلي صديقه «يحيى أفندي تللو» كتب الشيخ «أبو خليل» يقول:

«أستودعكم الله أشواق قلبي الأسيف الحزين، ولعن الله الغبرة وأسكنه حضيض غور جهنم».

وفي ترجمة « سعيد الغبرة « جاء أنه فى أواخر أيامه:» أقبل على الدنيا ففتر أمره وتنزل قدره بين الناس.

بكى «أبو خليل القبانى» حين غادر الشام.

لم تحك المراجع عن اللحظة التي ضبضب فيها حياته في بقجة ورحل عن مدينته مكرها».

لم تدﱠون الكتب وجع الرحيل عن «دمشق» التي ترك فيها مسرحأ احتلته العتمة بعد أن التهمه الحريق.

لم توثق الكلمات وقفته الأخيرة أمام باب بيته مطاردا» بمساخر الصبيان وزعيق من أسروا المدينة وادعوا الغيرة على الدين.

ءالا أن التاريخ الذي يعيد نفسه لا يحتاج ءالى تدوين ، و لحظة» أبي خليل» تلك صار يعرفها كل من غادر مدينتة مكرها بعد أن احتلتها العتمة و التهمتها الحريق.

لم يخبرنا أحد كم بكى «أبو خليل « حين غادر الشام, لكننا نعرف جيدا أنه بكى كثيرا وفي بكائه ناداها : يامال الشام .

كل من غادر ذاق , وكلﱡ من ذاق نادى , وكلﱡ من نادى عرف.

ختاما: اعتمد المقال على أبحاث وضعها أو ترجمها: يوسف كمال حتاتة، قدري قلعجي، أدهم الجندي، عادل ابو شنب، فوزية حسن، فيليب سادجروف، سيد علي اسماعيل، سامح فكري حنا.

--------------------------------------------
المصدر : الجديد 

السبت، 22 أبريل 2017

المسرح العالمي ضرورة والمسرح العربي ترف لا غير

مجلة الفنون المسرحية

المسرح العالمي ضرورة والمسرح العربي ترف لا غير


عماد المي 

بات المسرح اليوم أكثر الفنون انفتاحا على عالم التقنية والأدب ومواكبا لما يطرأ فيهما، ولما يطرأ حتى على الفكر العالمي، محاولا بذلك تجديد مشاربه وحتى طروحاته وتقنياته، حيث لم يعد حكرا على الخشبة أو الممثل أو الخرافة وغيرها من ركائزه التي وسّع في تشكّلاتها هذا الفن العريق. ومن بين المسرحيين الساعين إلى التغيير المخرج التونسي علي اليحياوي الذي كان لـ”العرب” هذا الحوار معه حول راهن المسرح التونسي والعربي والعالمي:

في بداية الحديث مع المخرج علي اليحياوي، سألناه لماذا بقي مدة عشر سنوات لم يقدم شيئا بعد تقديمه لمسرحية “حذاء زهران” العرض الموجه للأطفال سنة 1996، ليعود سنة 2005 من خلال عمل مسرحي للكبار بعنوان “سباحة حرة”.

يوضح اليحياوي غيابه ذاكرا أن الأسباب كانت موضوعية جدا؛ إذ يقول “نظرا إلى تواجدي بحكم المهنة كأستاذ مسرح بمحافظة قبلّي لم أجد فضاء وظروفا مشجعة للقيام بتجربة احترافية كما أن المتطلبات البسيطة للإبداع لم تتوفر حيث كنت تقريبا الأستاذ الوحيد للمسرح في المحافظة، ومع توافد بعض الرفاق الأساتذة إلى الجهة كأساتذة مباشرين لتدريس مادة المسرح توفّرت لنا الفرصة لنجتمع حول مشروع ‘سباحة حرة’، وكانت ظروف إنتاجه خاصة جدا أي بمبادرة مادية وفنية من قبل المجموعة المشاركة”.

الذاكرة والحداثة

علي اليحياوي يرتكز في اشتغاله على الحفر في الذاكرة الإنسانية وعلى دقة منابع الاستلهام وكونيتها وطرافتها
استفسرنا اليحياوي عن تغييره لمساره المسرحي من عالم الأطفال إلى عالم الكبار، وعن رهانات اشتغاله، ليوضح بأنه يعتقد أنه ليست هنالك حدود أو اختصاصات يلتزم بها المبدع أو المخرج المسرحي، ويقول “أنا لست مختصا أو مكلفا بنمط أو شكل مسرحي محدد. أنا تحركني رغبات فنية مرتبطة بالزمان والمكان؛ فللمبدع مجال وحدود خاصة به يتحرك داخلها ورهاناتها واضحة بالنسبة إليه في نشاطه الإبداعي والفني. وأنا مشروعي أساسا في علاقة بالمكان بمعنى الجمهور والذاكرة الجمعية وما تحركه فيّ كإنسان وفنان، وهو نوع من الجدل المشاكس بيني وبين هذه الذاكرة التي انتميت إليها جسديا وروحيا وما زلت أنتمي”.

ويضيف اليحياوي “السؤال الجوهري الذي كان يحركني هو ‘كيف أستدعي هذه الذاكرة إلى المسرح بعمقها الوجداني والإنساني دون السقوط في السطحية والفولكلورية؟ ومن هذا المنطلق توجهت إلى غابريال غارسيا ماركيز وإبراهيم الكوني وجورج بوشنر، لإعادة تفكيك هذه الذاكرة وتجربتها على المحك الإنساني، فكل هؤلاء بصموا الذاكرة الإنسانية بالمخزون التخيلي المحلي، فتوصلت إلى أنه ليس ثمة مسافة بين الأدب الكولومبي وأدب الطوارق والأدب الألماني والذاكرة المحلية التي أنتمي إليها رغم التباعد في الزمان والمكان. الفرق يكمن فقط في تلك اللحظة الشعرية التي يمتلكها كل فنان؛ فكل يعبر بطريقته وبخصوصياته الثقافية، لكن في النهاية يبلغ الفنان الجاد والصادق مصاف الإنساني والكوني”.

يرتكز اليحياوي في اشتغاله على الحفر في الذاكرة الإنسانية وعلى دقة منابع الاستلهام وكونيتها وطرافتها. ومن ناحية أخرى يرتكز على المقاربة الجمالية حيث كان هاجسه دائما هو خلق فرجة مسرحية شعبية. نسأل المخرج هنا عن قصده من قوله “فرجة مسرحية شعبية”، ليجيبنا بأنه على مستوى شكل الفرجة التجأ إلى أشكال وأنماط السرد الشفوي الشعبية من ذاكرة الرواة المتجولين.


علي اليحياوي: تحركني رغبات فنية مرتبطة بالزمان والمكان
يستشهد هنا بمسرحيته “نوارة الملح” التي كان فيها هذا السرد هو الخيط الدرامي الأساسي الرابط للأحداث والأزمنة، فالعلاقة بين المتقبل والعرض انبنت، كما يقول، على الرواية الشفوية. وهذا الشكل له عمقه المتجذر في الذاكرة الشعبية التونسية، ولكن في مشروعه لم يكتف اليحياوي باستدعائه كما هو، بل اشتغل عليه من حيث الشعرية والغنائية والأداء، فقدمه بشكل فرجوي سحري عبر سفر من الذاكرة البعيدة إلى الحاضر في شكل فرجوي حديث.

كذلك استفاد علي اليحياوي من أهم التعبيرات المسرحية الشعبية العالمية منها الأقنعة المشتغل عليها في الكوميديا ديلارتي الإيطالية والرقص وفن السيرك لصياغة وحدة فرجوية مشهدية، لا تكتفي بالملفوظ بل تعمل على الانتقال بالمتقبل من اللحظة الواقعية التي يعرفها إلى اللحظة السحرية، فهذه المسافة التخيلية، كما يراها، هي ذات البعد الأسطوري المشبع بالذاكرة البعيدة وهي المحرك الأساسي لمعنى مسرح شعبي متجذر وحديث في الآن ذاته.

يهتم علي اليحياوي بالحفر في الذاكرة والاشتغال على مادتها، نسأله هنا عما تغير في الإنسان اليوم لينتهج هو طريق الذاكرة في عمله المسرحي، ليقول “بحكم اشتغالنا في محافظة مدنين بالجنوب التونسي، نسعى إلى تأسيس قاعدة فنية بجهتنا وأساس هذه القاعدة هو الجمهور، فهو الذي يرسخ التجربة المسرحية أو يرفضها. فكان السعي إلى الذاكرة المحلية بتعبيراتها المختلفة من شعر ورواية ومظاهر احتفالية نستلهم منها عناصر الفرجة المسرحية حتى تكون هذه التجربة متأصلة في محيطها المكاني”.

ويضيف “وبذلك تحول مشهد الصيد الأسطوري بين الإنسان والحيوان إلى مشهد واقعي بين الإنسان والإنسان، وأصبح الإنسان اليوم يعاني تشظيّا في الذاكرة. نحن هنا للتذكير والدعوة للعودة إلى الإنسانية الصرفة للإنسان الحق. فالذاكرة هي ذلك الوعاء الوجداني الجمعي الإنساني المشترك وليست مجرد قيم محلية جامدة، وليس هناك أفضل من المسرح كتمرين على الذاكرة بأشكالها المتعددة والمتنوعة”.


تجربة ديمقراطية

علي اليحياوي باعتباره فنانا بجهة الجنوب التونسي تحركه مسؤولية إنتاج الخصوصية الثقافية المحلية بمعانيها الرمزية والجمالية، لذلك التجأ إلى الذاكرة من هذا الباب. غير أن هذا لا يعني التفرد بشكل مسرحي واحد فلتطوير التجربة وإثرائها التجأوا إلى أشكال مسرحية أخرى أهمها ما يقوم به أنور الشعافي من اشتغال بالتجريب المسرحي، فالتعدد في الذوق والشكل والمضمون والكيف من شأنه أن يخلق تجربة مسرحية أكثر ديمقراطية وانفتاحا. يقدم لنا اليحياوي عمله المسرحي الأخير “ريونو سيتي”، وهي مسرحيته الثالثة في مشروعه المتواصل، بمضمون حديث ومعاصر، حيث طرح من خلالها ظاهرة الهامش الاجتماعي والتهميش المتعمّد المسلّط على الإنسان اليوم.

علي اليحياوي استفاد من أهم التعبيرات المسرحية الشعبية العالمية منها الأقنعة المشتغل عليها في الكوميديا ديلارتي الإيطالية والرقص وفن السيرك لصياغة وحدة فرجوية مشهدية
يحدثنا علي اليحياوي في جانب آخر عن رأيه في المسرح اليوم سواء منه التونسي أو العربي أو العالمي عموما، يقول “المسرح التونسي في رأيي يشكو من قلّة التنوع في الشكل والطرح؛ إذ حكم المسرحَ التونسيَّ نوعٌ من الدكتاتورية الجمالية. فقليلة هي المحاولات التي خرجت عن النسق العام للمشهد المسرحي التونسي، فالأغلبية تراوح مكانها في المقترح البريشتي السائد منذ السبعينات من القرن العشرين، وكذلك ارتبطت أغلب العروض المسرحية التونسية بالعلبة الإيطالية. ورغم ما حدث في البلاد من زلزال اجتماعي ضد النمط في رمزيته السياسية وخروج بعض الحركات الإبداعية للشارع، فإن جذوتها سرعان ما تلاشت وعدنا إلى سقف المسرح وحيطانه”.

ويتابع المخرج “هذا ينطبق أيضا على المسرح العربي الذي ما زالت تحكمه النزعة الأدبية ذات البعد التاريخي والتراثي؛ إذ لم يغادر النص والمنطوق إلى أشكال تعبيرية أخرى بخلاف المسارح العالمية التي نراها هنا وهناك قد قطعت مع شكل الفرجة التقليدي إلى دراما حديثة وما بعد حديثة، منفتحة على أشكال التعبير شبه المسرحية كالرقص والصورة. فالمشكلة تكمن في الذهنية المبدعة التي ظلت تحكمنا باعتبارنا مبدعين. والتخلص من هذه الذهنية مقرون بعلاقة المجتمع وعلاقة المثقف بالسلطة وحضور الفن المسرحي في هذا المجتمع ومدى فعاليته، فالمسرح العالمي ضرورة بينما المسرح عندنا ترف لا غير”. يختتم اليحياوي حديثه لـ”العرب” برسالة إلى المسرحيين التونسيين يقول فيها “على المسرحيين التونسيين إعادة النظر في المهنة برمتها، فما نراه اليوم من تشتت وعدم وضوح تصورنا للمهنة من شأنه أن يعرضها للاندثار”.

--------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption