أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 17 مايو 2018

المسافـــة الجماليــــة والرؤيــــة الفلسفيـــــــة لـ الإخراج المسرحي

مجلة الفنون المسرحية




المسافـــة الجمالية  والرؤيــــة الفلسفيـــــــة لـ الإخراج المسرحي

حمبد صابر

في ضوء تطور الفكر الانساني، واتساع آفاق المعرفة في البحث عن ماهية الوجود والذات وسبر اغوارها في مدى ارتباطها بأحداث عصرها وظواهر واقعها المتغير برزت مفاهيم بعلاقة الفن والفلسفة والمجتمع تحاول الربط بين التجربة الابداعية وفلسفتها وأثر المجتمع والاحداث فيها.
 فثقافة المخرج وفلسفته هي جزء فعال من ثقافة بيئة انسانية وهي في الواقع حصيلة اجتماعية للأفكار والفلسفات والمعتقدات فالتراث الفلسفي له القدرة على الحركة والتطور، ولا بد في مثل هذه الحالة من وجود منهج فلسفي يؤطر التجربة الاخراجية والابداعية، ان نسق العمل الفني  هو في الواقع نسيج التجربة من الناحية الفنية والنسيج هذا هو جزء من خبرة المبدع .... وظهرت دراسات وبحوث تهتم بعلاقة الاثر الابداعي بالمجتمع والمتلقي وبرزت نظريات حديثة منها نظرية جمالية التلقي ومدرسة المتفرج واستجابة القارىء ومفهوم التأويل للعمل والاثر الفني والقراءة المنتجة للنص وتحاول هذه النظريات التمييز بين النص الادبي من حيث هو علاقة ملموسة والموضوع الجمالي مجسماً وقد قادنا هذا الى ولادة مصطلح جديدة هو المسافة الجمالية وهي تلك العلاقة بين المتلقي وفعل التقويم وافق الانتظار ويعني هذا المفهوم البعد القائم بين تقديم الاثر الفني نفسه وبين تلقيه والاستجابات الخاصة للمتلقي. ان تلك المتطلبات هي جزء من الثقافة والمعرفة التاريخية التي تؤسس بنية الاتصال الجمالي بين فلسفة المخرج واسلوبه في العمل وجماليات التلقي ان هناك علاقة بين التجربة الفنية الخلاقة وما يسمى بالفكرة الفلسفية وهذه العلاقة بلا ريب هي محور رئيسي من محاور فلسفة الفن وعلم الجمال ويجب ألا يغرب عن البال ان الحديث عن الفكرة الفلسفية لا يعني ربطها بالمفهوم الخاص الضيق للفلسفة وتاريخها فبين الفلسفة والفن اختلاف يرتبط بالمنهج واللغة والاسلوب والتطور والنتيجة علماً ان هناك توافقاً وانسجاماً ما بين الذهن الفني لدى المخرج والذهن الفلسفي مع حتمية وجود الاختلاف في الوظيفة العقلية والنظرة الى الكون مع ان الفنان يستقي من الفلسفة جوهرها وماهية الجوهر والوجود .
 لاشك ان مثل هذا التوافق والتركيب بين هاتين الذهنيتين هو جزء من الفكرة الفنية الفلسفية التي تبدو جوهرية في اي عمل ابداعي فالتجربة الفنية تعامل التركيب والتحليل والمفاهيم في موضوعات شتى يستمدها الفنان المبدع من تأملاته الخاصة ببيئته واتساع معرفته ونظرته الى الكون والحياة، فهو المخلوق الوحيد الذي يستطيع ان يصوغ ويصور ويجسد بوسائله الفنية مجموعة من الافكار والقيم كفكرة التردد عند هاملت والغيرة عند عطيل والغطرسة عند كريولانس والطموح الدموي والطغيان عند مكبث والحمق عند لير.
 وتخرج هذه الافكار من التجربة احساساً من وجدان خاص لتعانق وجدان المجتمع على شكل عمل ففي دراسي له رموزه الخاصة والمؤثرة في المتلقي فتطور الفكرة في العمل الفني لايأتي الا عن طريق الدراسة والتأمل العميق والانغماس الشديد في اعماق روح التجربة قولاً وفعلاً والتعبير عنها بلغة ذات خصائص فنية متميزة فالحركة في اللغة المسرحية لا تستطيع امتلاك أية دلالة وحدها إلا عن طريق نسق التواصل والاسلوب وبنية العمل وتركيبه اي وضوح الوظيفة الدلالية للعلاقة القائمة بين اللغة والحركة والمعنى اي الكيفية الاخراجية للوحدة الكلية في نسق وانسجام فني فكري دلالي معبر ومؤثر.
 ان العملية الاخراجية هي رؤية فنية للنص أي قراءة جديدة لعملية التأليف وبصورة أدق هي خلق حياة جديدة وجمع مجموعة من المحاور داخل مناخ خاص محدد بزمن معين فهي فعل حقيقي لمعنائية المسرح الذي يحدد وجود اشخاص يتحركون داخل بنية لغوية بحضور محاورين مشاركين وعملية لازمة للنص وملتصقة بأسس التمسرح.
 ان الاخراج كتابة صورية داخل الفضاء فهو حوار حسي، حوار مع النص الادبي وحوار ينتهي في الاخير باعطاء تركيبات ابداعية فيها شيء آخر من الصياغة والصناعة وهو حوار مع الممثل وحوار مع المتلقي فهو شرط العرض المسرحي ووجوده بالفعل فالمخرج مركب للنص لا مجرد مفسر بصري لبنائه وحواره وحركة الشخوص ضمن الحيز الادبي انه جهد استقرائي فالمخرج المسرحي يبدع صورة كلية لاتترجم الحوار الى فعل حركي انتقالي، بل يقوم بعملية كيميائية شاملة لخلق الخطاب المسرحي فالمرور من الادب الى المسرح هو عملية فضائية تسبح في المخيلة حيث يكون لفاعلية الخيال دور في الرسم والبناء الصوري الذي يشغل المساحة الخالية لا بوصفها ساحة للعب بل حيز تتكثف فيه صور العرض كقيم درامية تقود الى بنية وجوهر الصورة باعتبارها علامة تحول ودلالة تتغير في ضوء البعد الفلسفي والجمالي للعرض المسرحي يفجر كوامن النص وتلعب فجواته على رأي (ان اوبر سفيلد) المجال الواسع لفعل المخرج الابداعي لسد وملء اشغال تلك الفجوات وصولاً الى نص العرض، حيث يكون الدور الفاعل لعملية التلقي وفعل الاتصال المسرحي فالاخراج المسرحي هو الصيرورة والانتقال بالأشياء من داخلها وليس من خارجها الى فضاء التصور الخيالي الذي يحيل الواقع الى واقع فني آخر لا يعمل على النسخ والانعكاس للأشياء والعلاقات اذ يؤسس جسر الحلول ويدفع اللغة لتحل في أجساد الممثلين والتشكيل الحركي فالكتابة المسرحية هنا كتابة عبر الجسد والتشكيل أي حالة التمسرح والاسلبة بمنطق يحكم العلاقات المرئية بوصفها ( الكل المعطى) والتشكيل النهائي لصورة العرض المسرحي باعتباره (مفهوم الشيء في ذاته) دون الركون الى مرجعية اللغة ذلك لأن العودة الى ثنائية الشكل والمضمون والنص والعرض تجعل من الاخراج مجرد تابع الى أدبية النص وسلطته فالاخراج في ضوء ذلك يعد خلقاً وتأسيساً يعيد للإخراج المسرحي دوره الفلسفي متجاوزاً المفهوم الحرفي التنفيذي لمكونات النص الادبية وعناصره الدرامية.

الثلاثاء، 15 مايو 2018

مسرح اللحظة

مجلة الفنون المسرحية

مسرح اللحظة

عز الدين جلاوجي - الجمهورية 


المسرح ابن الفنون المدلل ، لأنه نتاج تلاقح عدد كبير من الفنون التي نشأت قبله، إنه فن يتخلق من هذا التلاحم الجميل و البهي بين الكلمة المبدعة والرقص و الإيقاع و الموسيقى و الرسم و النحت وغير ذلك مما قد يتمرد على الحصر .
ومادامت هذه الفنون هي ابنة الإنسان، وبمعنى أدق هي ابنة الحياة،لأنها ولدت من رحم الإنسان، الحي المتفاعل مع الحياة،فهي فنون حية، وهي إذ تشكل المسرح، تجعل منه النموذج الأرقى للحياة،  فلا مسرح دون حياة، ولا حياة دون مسرح، ونكاد نجزم أن الإنسان مسرحي بطبعه،  وهو أي المسرح أقرب إلى وجوده وحقيقته، ولك أن تتأمل تصرفات الصبيان في لعبهم، فلا يحلو لهم ذلك، إلا إذا تقمصوا الأدوار وتماهوا معها حد نسيان ذواتهم، ولا يعدو أن يكون هذا الكون إلا خشبة مسرح كبرى ونحن فيه ممثلون تارة ومتفرجون تارة أخرى . 
وبمثل أن الحياة كلها هي مسرحية كبرى فإن كل لحظة فيها يمكن أن تكون مسرحية أيضا ، نعم تكاد تكون كل لحظة فعل بشرى مسرحية قائمة بذاتها، إن الإنسان يفكر ويحلم ويندفع للفعل، وهو حينما يفعل فإنما هو يمسرح أحلامه و أفكاره، وقد تقول اللحظة واللحظات القليلة ما لا يمكن أن تقوله الأزمنة الطويلة، كأن هذه مضغوطة في تلك ، وكأن لا بلاغة إلا في الإيجاز على  حد قول أسلافنا . 
من هذا المنطلق راودتني فكرة كتابة ما أسميته" مسرح اللحظة" أو مسرديات قصيرة جدا، المصطلح الأول للفعل ، والثاني للقراءة، حتى نزيل إشكالية مصطلح مسرحية، و الذي يربكنا ويوقعنا في اللبس فلا نعرف أن ننصرف إلى النص المكتوب أم إلى العرض على الركح، مع ما أقمته بينهما من فروق في الكتابة ، الأولى تجنح إلى اعتماد الإرشادات  الإخراجية، مخاطبة الدراماتورج و المخرج و الممثل ، بمعنى أنها ترتبط بالركح، والثانية تنصرف إلى القارئ، وقد سميتها الإرشادات القرائية، ثم استعضت عنها بتوسعة في تقنيتي الوصف والسرد، دون أن أجرح كبرياء المسرح، فكانت المسردية مصطلحا قائما بذاته يجمع بين السرد و المسرح، ويهيئ النص للقراءة ابتداء من المستوى البصري ، إلى استحضار تقنيات السرد، مع مراعاة خصوصية المسرح وبهذا يكسب المسرح أيضا قراءه وقد خسرهم لقرون من الزمن، في ظل دكتاتورية مارستها الخشبة على النص، ومارسها المخرجون على الأدباء.
ولا عجب، فالفنون كالكائنات الحية، بمثلما يمكن أن تعمر طويلا يمكن أن تنقرض سريعا، وعن بعضها تتوالد.
إن الرواية التي صار لها اليوم شأن عظيم ولدت من رحم الملحمة و الحكاية الشعبية، في حين انقرضت الأولى وكادت الثانية، و القصيدة الحرة ولدت من رحم القصيدة العمودية، و معا مازالا تصارعان  البقاء، و المقامة التي أبدعتها عبقرية بديع الزمان الهمذاني وجدت بعده شيوعا كبيرا ودخلت حتى حضارات ولغات أخرى،  ثم انقرضت اليوم كأن لم تكن، ومع الانفجار الإلكتروني الذي حققته حضارة اليوم صار المسرح في خطر، كما السينما قبله، أو على الأقل خبا وهجهما الذي تمتعا به قرونا من الزمن، فلا مانع مطلقا من أن نبحث عن أشكال جديدة للتعبير عن الإنسان و الحياة .
ومن هنا يمكن أن نشير إلى أن " مسرح اللحظة " مسرديات قصيرة جدا دافعان الأول ذاتي وهو رغبتي الملحة والدائمة في خوض تجارب إبداعية جديدة، وهو هاجس كلن له حضوره في كل أشكال الكتابة لدي، قصة ورواية ومسرحا، إيمانا مني أن الإبداع الحق هو ما كان تجريبا أي تجاوزا للمألوف، إنه إضاءة مستمرة للمظلم في مجاهيل التخييل لدى الإنسان، ومساءلة دائمة لجهود الأسلاف في هذا المضمار، كما أن له أسبابه الموضوعية التي منها وجوب البحث عن فتوحات جديدة في فن المسرح، وقد صار مهجورا من أكثر الناس،ليس من المنطقي أن تصرف على مسرحية مئات الملايين ثم تعرض المرة و المرتين ، ويطويها النسيان إلى غير رجعة، الواجب يدعونا اليوم أن نقدم مسرحا يظل مرتبطا بنا ونظل مرتبطين به دون أن يرهقنا ودون أن نرهقه، ومن هنا جاءت فكرة المسردية من قبل، وجاءت فكرة مسرح اللحظة/ مسرديات قصيرة جدا بعد ذلك. 
مسرح اللحظة " هو مسرح يقتنص اللحظة التي يمكن أن تقول الزمن الطويل، محاولا أن يختصر كل ما يقيمه أيضا، إن عل مستوى الشخصيات أو على مستوى السينوغرافيا ،ومعنى ذلك فهو مسرح يتمرد على الخشبة يمكن تقديمه في أي مكان، في الشارع و البيت و المقهى و الشاطئ وحتى القطار و الطائرة، كما يمكن أن يقوم به كل من امتلك شيئا من الجرأة و الموهبة، إنه مسرح الإنسان كيفما كان و أينما كان .
ومعنى ذلك أن من خصائصه التي يجب أن يقوم عليها التكثيف مكانا وزمانا ولغة ومشهدا وعرضا، وشخصيات لا تتعدى الثلاثة في أقصى تقدير مع إمكانية الإستعانة بالمؤثرات الصوتية ، يجب أن يتحول إلى هاجس الجميع، بمعنى لا يفترض مختصين احترافيين أو هواة، إذ يمكن أن يقدمه افراد الأسرة في البيت و الطلبة في مدارسهم وجامعاتهم، و الأصدقاء في تجمعاتهم، وحتى المتعبدون مراكز تعبدهم و المصطافون في مرافقم السياحية،   

الاثنين، 14 مايو 2018

تقنية المنجز المسرحي الحديث .. جمالية البناء وتقنية التقديم

مجلة الفنون المسرحية

تقنية المنجز المسرحي الحديث .. جمالية البناء وتقنية التقديم


د. صفاء الدين أحمد فاضل - مجلة فكر 


للنهوض أسرار وللهبوط أسباب ولكل فن نسيج فكري مأخوذ من فكرة الحياة وتفاعل الإنسان بما حوله، فالحياة ومطالبها تصنع مصانع عدة معتمدة على قاعدة فكرية تنطلق منها ثقافات متلونة ترسم لنا لوحة شاملة معرفية يكون بطلها الإنسان وهو يجول بعالم بيئته ومجتمعه.

يستخدم المسرح الحديث آليات الخطاب المتقدمة الحداثوية لنشر الفكر لدى طبقات المجتمع فيقيم علاقات بين العقل والنقل من أجل المحافظة على الثقافة والفكر أساسها الحوار المعتمد على تقنيات التقديم والعرض والنقد الحضاري الدال على أخلاقيات التفكير الابداعي وإمكانيات التوصيل المعرفي العصري، الذي يصور تفاعل العصر مع الفرد بمسرح أصبح جزءًا من حياة الفرد بصفته وسيلة إعلامية هادفة إلى تحقيق الوعي المعرفي لطبقات المجتمع وهذه الوسيلة الاعلامية تتم على ثلاثة أوجه هي الوجه المرئي والمسموع فضلاً عن النص المكتوب فهذا العمل تبدو فيه المهارة الحرفية واضحة المعالم لتزيد من تلقي الجمهور وتفاعلهم ولا يخفى على القارئ أن المسرح الحديث تقدم تقدمًا ملحوظًا إثر دخول التقنيات الحديثة وإقامة العلاقات المتشابكة في مضمونه، مراجع عدة تناولت حضور المسرح الحداثوي من تلك الدراسات دراسة الأستاذ عبد الفتاح قلعجي في دراسته (المسرح الحديث الخطاب المعرفي وجماليات التشكيل) برغم الانتقادات التي وجهت إلى هذه الدراسة إلا إنها تعد خطوة أكثر تقدمًا في مجال الانفتاح المسرحي الحديث وتسليط الضوء على قواعده الأكثر حضورًا.... فضلاً عن دراسة د. باسم الأعسم (مقاربات في الخطاب المسرحي) الذي ركز فيها على القيم الجمالية المنبعثة من الأنساق البصرية والسمعية والحركية التي يعتمد عليها الشكل المسرحي.

نواحي المسرح وجمالياته كثيرة وآفاقه رحبة وواسعة تستحوذ الأفكار وتبادلها على قيمة المسرح ومن ثم هي قيمة انسانية منتجة ....

هذه القيمة ترتبط بالوظيفة التداولية التي تحدد استعمال النص وآليات توصيلية على وفق لغته المشروعة في المسرح والتي تبني علاقات مركبة داخل المنجز اللغوي أو السياق المقدم على المنصة من تلاحم الوحدات الصغيرة وتشابك مكوناتها اللسانية لتصبح علامة ثقافية واضحة تنطلق من أفعال خارجة من شفاه الممثلين إذ المشاركة الجماعية لإنتاج دلالة معينة لموضوع معين أي علاقة الحضور المرئي. 

الكل يعلم إن المسرح ومشاهديه لديهم مستويات عدة وقدرات متفاوتة للفهم أو بمعنى قدرات الاستيعاب الحدثي فلا بد من الكاتب ان يجسم الصور المشهدية التي تسد الفجوة أو مسافة الترك بين المتلقي والممثل وهي عملية استدعاء مشاهد تطعيمية (ملء الفراغات) ليحقق التفاعل بين الطرفين فلو عدنا إلى الكاتب الإغريقي  ارستوفانيس (444 ق.م – 380 ق.م) لوجدنا مسرحية  (السُّحُب) من أروع النماذج الكوميدية التي تستهوي فكر القارئ من خلال رسم المشاهد المتتالية الواحدة تلو الأخرى بروح كوميدية لا تجد فراغات نصية أو حركية داخلها وقدمت لطبقات المجتمع الاثني آنذاك وهو يتحدث عن شخصية سقراط وتصرفاته .... 

وارستوفانس برغم قدمه وبداياته إلا إنها الشرارة الأولى التي وهجت الروح المسرحية بالآداب الغربية فبنائه الهندسي وأضح وهو يبني أحداثها وصراع شخصياته بحركة ديناميكية متكاملة من الصعب حذف أي مشهد أو حركة من فصول المسرحية إثر التناغم والانسجام والتكامل النصي في أثنائها كما حافظ على الائتلاف المشهدي والتكامل الحركي، تتابع جملي بحركة استعراضية على طول وقت المسرحية زادت من التفاعل مع الجمهور وجمالية البناء لم تنته لهذه النقطة فخصائص البناء المسرحي متعددة وعلى الكاتب أن يحافظ على جوانب المسرح الداخلية والخارجية ويحافظ على جماليات الصوت والصدى والحوار الذي يثير الانفعال التقبلي لدى الجمهور فضلاً عن أسلوب  حداثوي هو محمولات إضافية تطعم النص وهنا لعبة المسرحية.

مسرحيات عدة أجادت بتلقين شخصياتها الأدوار المهارية الحركية الجديدة لتغني آليات المسرح بفن يتناسب مع روح العصر… ومجال المسرح الحداثوي ليس نفسيًا وإنما جسدي وتشكيلي ويرى انثونان ارستو الذي أسس مسرح الفظاظة عام 1932 أن المسرحية تهز بقوة راحة الحواس، تحرر اللاشعور المضغوط وتدفع إلى نوع من الثورة المضمرة، وهذا يحتاج إلى تصرف ضد النص لإثارة تلك الحواس التي توجد الفضاء المسرحي المناسب وهي تروي الأحداث في مسرحية الكلام ثم المشهد الدرامي المؤثر وهو يتطور رويدًا رويدًا يرافقه تغيرات على مستوى الشكل وحسب طبيعة الكلام المتأني الذي صنعته التجربة الجسدية، فالكتابة المسرحية أو العمل المسرحي هو عبارة عن عملية بناء وهندسة وأيضًا عملية توزيع موسيقى وخاصة الشكل الدرامي المستفيد من اليات تقنية التجزئة كالأماكن المغلقة (البيت) (المكتب) والأماكن المفتوحة (الشارع ) (الحديقة ).

الكاتب الحديث يعتمد تقنيات متطورة لمسرحه ويتذوق النصوص ويوفر الشروحات المناسبة النصية فيصبح النص لوحات منقسمة لميادين مختلفة تعتمد على لغة ولهجات مختلفة حسب المواقف التي يحتسبها العرض المسرحي وأهمها اللقطات المأخوذة من واقع الحياة وجوانبها الإنسانية ويبدو لي الكتابة واحدة في العمل الأدبي بأجناسه المتعددة إذ يجب أن يرتبط النص بعضه ببعض كنسيج متداخل واحد وهو يسرد الأحداث ويضفى عليها بعدًا وثائقيًّا نتج من سيناريو متقن وأعمال مسرحية عالمية أثبتت وجودها الحداثوي وهي تمثل مسرحياتها على خشبات عالمية.

الحداثة المسرحية أو المسرح الحداثوي ارتبط بعلم النفس وميادينه الواسعة فمثلاً موضوع التصالح مع النفس أو مع العالم أو مع الأم والأب أو مع هوية الفرد نفسه أو التصالح مع الزمان أو المكان ..ألخ والمونولوج الداخلي الذي يتحدث على لسان الشخصية نقل عالم باطني إلى عالم خارجي تخرج فيه أفكار الشخصية وأحلامها وآمالها وتطلعاتها وكل ما يجيش في داخلها تطعمها الجمل الشعرية الأكثر تعاطفًا مع الحالة النفسية، إذ جوانب علم النفس والعلوم الأخرى ساهمت بهذا التحديث لتقنيات المسرح، فالمسرح في الختام ما هو إلا تحويل المكتوب إلى حركة سينمائية مشهدية وحداثة العصر تطلبت إبداع خطوات متقدمة أكثر مما احتفظ به أصحاب  المسرح التقليدي.

أنطونيو باييخو.. دراما مسرح السلم - بالحُجَّة والدليل

مجلة الفنون المسرحية

أنطونيو باييخو.. دراما مسرح السلم - بالحُجَّة والدليل


 الخليج


في سَنَة 1934 التحق أنطونيو بويرو باييخو بكلية سان فرناندو للفنون الجميلة في مدريد، غير أن اندلاع الحرب الأهلية في يوليو سَنَة 1936، التي استمرت ثلاث سنوات، أجبر باييخو على العودة إلى بلدته للمشاركة مع الجمهوريين بجيشهم المدعوم من قوى اليسار الإسباني والعالمي، وقد كتب «أندريه مالرو» روايته ذائعة الصيت «الأمل» عن مشاركته في المقاومة، دفاعاً عن الجمهورية الوليدة آنذاك، في مواجهة جيش الجنرال فرانكو القائم بالانقلاب على الحكم الجمهوري وكان مدعوماً من قيادات المحور هتلر وموسوليني، حيث دمرت طائرات الأول قرية «جرنيكا» بإقليم الباسك أقصى شمال إسبانيا سَنَة 1937 وخلّدها بابلو بيكاسو في جدارية ضخمة.
انضم باييخو إلى الجيش الجمهوري، ملتحقاً كجندي احتياط لكتيبة مشاة تابعة للجيش، متعاوناً بالرسم والكتابة في جريدة «صوت الشفاء» التي أصدرها الجيش الشعبي للجمهورية، وفي مدينة بني قاسم في بالنيثا تعرف إلى الشاعر ميجيل أرناندث، أحد أبرز رموز جيل 1936، وفي الأيام الأخيرة من سَنَة 1937 وصلت قوات فرانكو إلى الجنوب الإسباني واعتقلت والد باييخو، الضابط المعلم بأكاديمية الهندسة العسكرية وأعدم رمياً بالرصاص، ما دفع الابن إلى الانخراط أكثر في الحرب، فقبض عليه، وقضى نحو شهر في المعتقل، وأفرج عنه، شريطة أن يقدم تقريراً عن تحركاته للسلطات، وهو الأمر الذي لم يفعله.
وفي مايو 1939 تم القبض عليه مرة أخرى، وحكم عليه بالإعدام، ثم تم تخفيف الحكم إلى السجن لمدة 30 سنة، وفي السجن يرسم عدة بورتريهات لزملائه وأصدقائه ورفاقه في السجن، وبعد سبع سنوات أفرج عنه، ونفي إلى العاصمة مدريد، وبدأ نشر رسوماته في أَغْلِبُ المجلات، وعقب ختم الحرب العالمية الثانية، بدأ في كتابة المسرح، الذي يقوم على ركائز تشكل عالمه الدرامي، فالواقعية تتمازج بالرمزية، ويتداخل ماذا تعرف عن وجودي مع ماذا تعرف عن اجتماعي قبل الانتقال لمرحلة الكتابة التاريخية والنقدية في الخمسينات.
مسرحيات باييخو تعود بنا إلى السياق التاريخي كي ندخل منه إلى السياق الثقافي بركائزه الثابتة والمتغيرات التي طرأت عليه، والذي عاشه باييخو وتأثر به وأثر فيه، وحضر بالضرورة في أعماله المسرحية، تأثراً فكرياً وبنائياً بالسياقات الاجتماعية والسياسية التي حكمت المجتمع الإسباني في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، ثم في ستيناته وسبعيناته، وبعدها خَلْف موت الجنرال فرانكو سَنَة 1975 وعودة الملكية للبلاد ودخولها في مرحلة تحول نحو الديمقراطية، حتى استقرت مع سَنَة 1982 بوصول الحزب الاشتراكي الإسباني إلى الحكم.
عُلِيَ الْجَانِبُ الْأُخَرَ تَعْتَبِرُ مسرحيته «حكاية سلم» معلماً بارزاً في مسرح ما بعد الحرب الأهلية، ويمكن تصنيفها بأنها دراما الإحباط الاجتماعي التي سادت المسرح بعد هزيمة اليساريين وتجري وقائعها على «بسطة سلم» صاعد من أدوار سفلية، ومؤد إلى أدوار عليا، ويتناول فيها حال تِلْكَ الطبقة الإسبانية في نهاية أربعينات القرن الماضي، بعد ختم الحرب العالمية الثانية التي مزقت الدول العالمية، عاملاً على الكشف عن الأكاذيب التي سيطرت وقتذاك على هذا المجتمع، آخذاً عينته الإنسانية من شريحة مجتمعية تعيش في بيت واحد كالمجتمع متعدد الطوابق والشرائح، وتلتقي شخصياته ببعضها بعضاً صعوداً وهبوطاً، وتحركاً على «بسطة السلم».
أعمال باييخو تبدو ظاهرياً تعالج موضوعات الانتظار اللامجدي والحلم المحبط والواقع المقيد لحركة الإنسان اعتماداً على واقع إسبانيا القائم بعد الحرب الأهلية، وقد تزامن هذا مع مسرح بدأ يبرز بقوة في دور العرض الفرنسية بتأثير الدمار الذي لحق بفرنسا وأوروبا أَثْناء الحرب العالمية الثانية، وهو مسرح العبث الذي قاده صمويل بيكيت ويونسكو وفرناندو أرابال، غير أن أعمال باييخو كانت تحمل رسالة تفاؤل لمتلقيها، مع رسالة تحفيز بعدم السير في نفس طريق الشخصية الدرامية حتى لا يهلكوا، ومن ثم عليه بالبحث عن مَسَارَاتُ افضل لا تؤدي إلى الموت.
في شهر إبريل سَنَة 2000 رحل باييخو عن عمر يتجاوز الثالثة والثمانين، فقد ولد في سبتمبر سَنَة 1916، وعايش أحداثاً تكاد تعصف بالعالم أُجَمِّعُ، وعاصر توهج تيار الواقعية الأدبية والفنية، وصاغ مسرحاً ذا بناء تراجيدي وأسلوب واقعي، يتخذ فيه موقفاً واضحاً تجاه حرية الإنسان، وقد أنتصر بجائزة سيرفانيتس، التي تعد بمنزلة جائزة نوبل، إذ يتنافس عليها أدباء الدول العشرين الناطقة بالإسبانية، وهو الكاتب المسرحي الوحيد الذي حاز تِلْكَ الجائزة فِي غُضُون تأسيسها سنة 1976 إلى الآن.

الجمعة، 11 مايو 2018

المسرح الرحال وتجاوز المسافات

مجلة الفنون المسرحية


المسرح الرحال وتجاوز المسافات 

الإعلامية غادة كمال - الحدث 

ضمن برامج مجموعة المسرح ثقافة اختير موضوع شيق يحمل أبعادًا فنية ونقدية مهمه شارك فيه مجموعة متميزة من المسرحيين العرب كلًا في مجاله ولكن من خلال تجربتي كإعلامية تعمل في مجال المسرح حيث قدمت مع زميلي وائل الدمنهوري برنامج “مسرح الشباب” الذي استعرض على مدار سنتين العديد من التجارب المسرحية في وطننا العربي بالإضافة إلى تجربه رائدة في مجال “مسرح الفرجه ” أو المسرح الرحال والذي تمنيت كثيرًا أن أشاهده وعندما شاهدته وجدت أنه فاق كل توقعاتي “سأموت في المنفى” للفنان والكاتب والمخرج الفلسطيني غنام غنام المسرحية التي جابت عواصم العالم وفي كل عاصمة تترك أثرًا يختلف عن سابقتها وأذكر عندما عرضت في سلطنة عمان أن أحد المشاهدين ترك مقعده وتوجه إلى أستاذ غنام مشاركًا إياه في الوقوف على أرض العرض.
أكتب رأيي هنا كمشاهدة وأنا أعلم أن العديد من النقاد كتبوا عنها ولكن بالتأكيد ستكون كلماتي مختلفه لأني هنا كمشاهدة و لست بناقدة.
“سأموت بالمنفى ” جاءت تتويجًا للعديد من الأعمال التي تنتمي إلى المسرح الرحال ومنها “عائد إلى حيفا” وغيرها ولكن هذا العمل استوقفني كثيرًا ودفعني إلى أن أتأمل ما أحاط به من عناصر فنية بداية من مكان العرض وهو حجرة مربعة لا يوجد بها أي ديكورات سوى مصباح معلق في سقف الغرفة البيضاء وكراسي المشاهدين والتي وضعت في شكل مربع يتناسب مع طبيعة الحجرة كما لم يكن هناك أي شكل من أشكال الإضاءة ولا الديكور مما دفعني للتساؤل ؟؟ كيف يمكن لفنان أن يحمل على عاتقه أداء عمل يختزل كل العناصر الفنية في شخصه فقط مهمه صعبة.
جاء أستاذ غنام حاملًا كل أدواته في حقيبة صغيرة يحملها على كتفة وواضعًا كوفية على عنقه وهناك وكرسي وحيد في منتصف الغرفة وكان هو كل أدوات العرض المستخدمة.
بدأ العرض وسط سكون الجمهور الذي تحول بعد لحظات إلى إنبهار يزداد تدريجيًا مع كل لحظة تمر علينا ونحن نتابع العرض.
بطل العرض استخدم كل إمكانيات الفنان الشامل من صوت رخيمًا يحمل عده طبقات تارة يأخذك إلى ماضي مؤلم وطفولة في الذاكرة الحية تباين في الصوت يحمل الألم كل مرحلة على حدة ومرونة في الأداء تجعلك منبهرًا بالمتابعة لأنها لم تنفصل عنه ولو لحظة ولم يترك لنا مجالًا طوال العرض للخروج من دائرة المتابعة.
أنت تنفصل تمامًا عن العالم الخارجي وتنغمس في هذه الدائرة التي أصبحت جزءًا منها ومنتميًا إليها.
الحكي هذا هو سر هذا العمل والذي تفوق فيه الفنان غنام غنام ببراعة يحسد عليها.
أصبحت أنت جزءًا لا يتجزأ من هذه الحكاية التي تربطك بخيوط الخيال إلى الفنان الإنسان الذي يقف امامك تعيش معه التجربة تقفز من مرحلة تاريخية إلى أخرى دون أن تشعر ويظل صوته يترد في ذهنك بكل ما يحمل من ألم ومعاناة.
قضيت وقتًا تمنيت أن يتكرر عشرات المرات رغم ما شعرت به من حزن لمعاناة الأب والابن والوطن وأنا واثقه بأنني في كل مره سأكتشف بعدًا جديدًا وإضافة جديدة في هذا العمل الذي أدعوكم لمشاهدته نقلت لكم بعيون المشاهد جزءًا بسيطًا من رؤيتي التي ستكتمل مؤكدًا ولكن بعيونكم.

الجمعة، 4 مايو 2018

بيتر فايس والمسرح التسجيلي الوثائقي

مجلة الفنون المسرحية

بيتر فايس والمسرح التسجيلي الوثائقي

وضاء قحطان حميد

بيتر فايس هو كاتب مسرحي ورسام الماني , ولد في برلين عام 1916 توفي في السويد عام 
1982 , هاجرت عائلته عام 1939 من سويسرا الى السويد , ومنذ عام 1945 اصبح فايس
مواطناً سويدياً .
يعد بيتر فايس هو مؤسس المسرح التسجيلي في العالم بأسره حيث طبق أفكاره ونظرياته على
مسرحه التسجيلي الوثائقي الذي يعتمد على تقارير حقيقية والوثائق الصحفية التي تخاطب الطبقة العاملة , ويجد ( سمير عبد الرحيم الجلبي ) في كتابه معجم المصلحات المسرحية "
ان المسرح الوثائقي ( التسجيلي ) هو تقديم مسرحية تتناول شريحة مقتطعة من التاريخ من 
خلال رؤية عصرية باستعمال الحيل الدرامية , ويستفيد المسرح التسجيلي من المزج بين  العناصر الدرامية والملحمية معززة بالوثائق " (1) .
ومن أهم المسرحيات التي كتبها بيتر فايس هي مسرحية ( البرج ) التي نشرت عام 1962
وبطلها لاعب سيرك وهو يتخيل نفسه كذلك وقد حبس في برج ويحاول أن يحرر نفسه من 
العادات والتقاليد العائلية . ومن مسرحياته الوثائقية والتي حازت على شهرة عالمية هي مسرحية ( مارا صاد ) والتي تتحدث عن الثورة الفرنسية وما أصابها من اخفاقات وقدمت
في برلين في مسرح ( شيللر ) عام 1964 , ومن مسرحياته الوثائقية ( التحري ) , ومسرحية
( أنشودة أنجولا ) التي يتحدث فيها عن مساوئ الاستعمار الفرنسي  في افريقيا , ومن أنجح مسرحياته  هي ( تخليص السيد مونكينبوت من الامه ) . ان " المسرح التسجيلي هو مسرح تقريري , فالسجلات والمحاضر والرسائل والبيانات الاحصائية ونشرات البورصات والتقارير السنوية للبنوك والبيانات الحكومية الرسمية والخطب والمقابلات والريبورتاجات الصحفية 
والاذاعية والصور والافلام وشواهد العصر الحاضر هي التي تكون أساس العرض " (2) .
اذ يعتمد المسرح التسجيلي على تقارير حقيقية  التي تعالج موضوعات سياسية واجتماعية
ويستخدم المجموعات وليس الافراد في استحضار الاجواء والتقارير الحقيقية  البعيدة  عن الميتافيزيقيا او ما وراء الطبيعة أو الخيال . 

ويقول : محمد عبد المنعم  في مقال منشور عبر الانترنت ان " العروض التسجيلية تعود للوراء
فتتناول الظاهرة التأريخية بكونها حدث يتكرر في الماضِ وما زال فاعل في الحاضر لذا تتناول هذه العروض الظاهرة التاريخية التي تتكرر عبر العصور كالحروب والثورات والاستعمار ثم
تعيد تصويرها بهدف مناقشتها وتحريضاَ على مناهضتها ورفضها ومن ثم تغييرها  وان هذه 
العروض لا تتوقف عند البطل الفرد بل تتجاوزه الى الشكل الجماعي اذ تحل الجماعة محل الفرد ؛ فلم يعد الفرد في مقدرته المحدودة ان يقوم بما تستطيع به الجماعة ؛ لذلك هذه العروض
هي تخاطب الضمير الجمعي وتشتبك مع الارادة الجماعية الواعية الذين يمثلون مختلف فئات الشعب " (3) .
وتتفق عروض المسرح التسجيلي مع عدة روافد فنية عندما تجسد فوق خشبة المسرح مثل مسرح بريشت الملحمي , والارتودية ومسرح القسوة والجروتوفسكية المسرح الفقير , والمسرح الشعبي والمسرح الاحتفالي والكوميديا المرتجلة كوميديا ديلارتي . " أو من الناحية
الفلسفية فقد أصر كتاب المسرح التسجيلي على الجمع في وقت واحد بين قضية الانسان 
كونه كائناً اجتماعياً  يحدد مصيره التأريخ ومتطلبات النظام  وبين قضية الانسان كفرد محاولين الغوص في أعماق وجوده الفردي والتوسيع من نطاق حريته الفردية بتعبير آخر فان كتاب المسرح التسجيلي حاولوا الجمع بين العنصر الدرامي والملحمي في وقتٍ واحد لخلق رؤية
أكثر شمولاً للإنسان ووفقوا في ذلك الى حدٍ بعيد  " (4) .
تحليل مسرحية مارا صاد 1964
ان ( جان مارا ) هو أحد وجوه الثورة الفرنسية ويعمل كصحفي , حيث كان شخصية عنيفة
وله الكثير من الاعداء أصيب بمرض عضال , فأودع ( جان ) في مصحة للأمراض العقلية
ويقتل ( جان ) صديقته ( شارلوت كورداي ) بسبب جرائم ( جان ) بحق فرنسا وقتل الابرياء
, وبسبب الحرب الاهلية  التي أشعل فتيلها , ان مسرحية بيتر فايس أعطت درساً حول كيفية
التعامل مع مفهوم المساواة والعدالة والحرية الفردية . اما ( دي صاد ) فهو محرض على الثورة الاجتماعية لغايات سياسية ويدعو الى الشغب وخلق الفوضى ويمارس الاضطهاد الفكري
والجسدي ضد المرضى , ان شخصية ( شارلوت ) تحب النوم كثيراً حيث أدت الدور ( نادية فايس ) ابنة بيتر فايس اما شخصية ( دوبيرت ) الذي يمارس الاندفاع الحسي نحو ( شارلوت )
 ويمنعه ( صاد ) , ان اغتيال الاخير بطعنة ( شارلوت ) ل ( مارا ) بالسكين وقد امتلئ البانيو
بالدماء وساد العنف والفوضى والصراخ والضرب والعراك بين عامة نزلاء المشفى .

ان( مارا ) هي مادة تحريضية للغرب المتحضر , والمسرح التسجيلي امتداد للمسرح الملحمي من خلال استخدام التقنيات من صور فوتوغرافية ووقائع تاريخية ومساحة الاحداث قريبة من مسرح بريشت الملحمي وهذا هو مسرح بيتر فايس , وفي المشهد شخصية ( صاد ) تتحكم في
"شخصية ( مارا ) وتفجر التناقض بين مفهومي الثورة والحرية , ان الشخصيتان تنتميان الى التأريخ الا ان سر وجودهما التأريخي من نسج مخيلة وابتكار بيتر فايس . 
في المشفى نجد الخارجين على القانون والمتهمين سياسياً والمعتوهين من الناحية السايكولوجية
والبايولوجية ؛ ف ( مارا ) أحد وجوه الثورة و ( دي صاد ) يمثل الطبيعة البشرية الضعيفة  ونجد شخصيات متنوعي الطباع هم وقود الثورة ما بين انتهازي ومتحرر ومصاب بعقدة الانطواء وداء العظمة والغرور مثل نموذج مدير المشفى " (5) .
ان مسرحية ( اغتيال مارا ) مسرح تجريبي ومسرح معاصر ومتطور  بحيث يخاطب المتلقي 
بكل الوسائل المثيرة والارتجال لتجاوز مشكلات المسرح .
وعلى الرغم من اعتماد فايس على وقائع تأريخية ومواد وثائقية الا انه لم يكتب مسرحية تأريخية عن الثورة الفرنسية بل لجأ الى اسلوب المسرح داخل مسرح ليقدم وجهة نظره في
مسرحية حياة ( مارا ) ومقتله الذي كان يرى فيه مفكراً وسياسياً وثورياً سبق وقته وعصره
وجيله .ويتمحور الصراع الفكري بين الافكار الثورية المرتبطة بمصالح الشعب والمتمثلة 
بشخصية ( مارا ) وبين أقصى درجات التطرف في شخصية ( صاد ) وتنتهي المسرحية دون أن يحسم المؤلف من موقفه لمصلحة أحد الطرفين أين يقف ومع من . والمسرحية أخرجها 
( بيتر بروك )المخرج  الانكليزي المعروف صاحب كتاب المساحة الفارغة ؛ لمصلحة فرقة 
شكسبير الملكية  وعرضت في لندن ونيويورك وحققت نجاحاً مذهلاً على صعيد  المضمون
والشكل الفني الطليعي وصوَرَ  (بروك ) العرض سينمائياً فأنتشر عالمياً وكان مؤثراً على بداية المسرح التسجيلي  أو الوثائقي . 
كان لمسرح بيتر فايس أثره البالغ  في تبلور المسرح السياسي في البلدان العربية وحركات التحرر في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين وغدا بماركسيته عنصر جذب عند الكثير من المسرحيين واليساريين العرب .


قائمة المصادر 
 1- سمير عبد الرحيم الجلبي , معجم المصطلحات المسرحية , ط1, بغداد , 1993, ص71 _ ص72 .
2- بيتر فايس , مقدمة : مسرحية  : أنشودة أنجولا , ترجمة : د. يسري خميس , الكويت وزارة الارشاد والانباء , 1970 , ص 19 .
3- محمد عبد المنعم ومقالة في الادب والفن في الفرق بين المسرح التسجيلي والمسرح
   السياسي في 25/ 11 / 2010, الحوار المتمدن .
 4- د . يسري خميس , مصدر سابق , ص 13 .
5-  راجع : بيتر فايس , مسرحية  : اغتيال جان بول مارا , ترجمة : د . يسري خميس 
, القاهرة : المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر , 1967, ص 50_ص65.

نــســوك يــا شيـــخ المسرحيين!!

مجلة الفنون المسرحية

 نــســوك يــا شيـــخ المسرحيين!!

 نــجيـب طــلال

نــسَـوك ؛ ومــا نـعَـوْك ؛ في وبـعْـد مثواك الأخير: يا شـيـخنا ! لأنـك لم تـكن مـنافقا ولا استغلاليا؛ ولابـهتانيا ؛ بـل كنت متواضـعا بسيطا في علائقـك ومعاشـك ؛ صـادقا مع ذاتك ومنسجما مـع مواقـفك وتصوراتك ؛ ويكفي أنـك كـنت أيها الراحل عـنا نارا على عـلم في محـيطـك وخارجه ؛ بحكم حـركيتـك  المتفردة ؛ ووجودك المتميز؛ فتاريخه العـريق بين أهـل وساكنة المدينة القديمة بفاس؛ منذ ولادته 1910 إلى يوم أن غادرنا لدار البقاء– عبد العزيز الساقوط –  الذي امتهن الخرازة التي كانت من أرقى الحـرف في الثلاثينات من القرن الماضي؛ لأسباب يدخل فيها حتى الجانب الاستعماري أنذاك؛ وبعدها تحول كمستثمر محلي  في بيع الجلود. ومن طبيعة مرحلته التاريخية التي فرضت عليه أن ينخرط في المقاومة والدفاع عن استقلال بلاده ؛ التحـق بصفوف الحركة الوطنية؛ واستقـر به الأمر فيما بـعـد في  جناح – حزب الاستـقلال –  من هـنا هـب عليه ريح – المسرح- ليعشـقه ؛ويهيم في رحابه ومنجزاته (آنـذاك) بحكم الأعمال المسرحية التي كانت تـنـجز وتـقدم في المدارس الحرة التابعة للحـزب ؛ وإن كان يمـيل للبســاط الذي كان سائدا في القصور والمنازل والرياض والحقول المسيجة ... ومن خلال مساره في معـمعان – المسرح- الذي يفرض قراءة تاريخية لذلك؛ ومما يؤسف لـه؛ لا أحـد حاول أو فـكر أن يخترق عـوالم مساره المسرحي؛ وخاصه الذين كانوا بجواره ؛ بل كانوا يفكرون في استغلاله :كيف ؟ فمن سياق المتن سنعرف الجواب . ولكن شاءت لحظة البوح أن يحكي بعضا من مساره ؛ لأنه أصلا كان قليل الكلام ؛ ويستظهـر كتابه في دواخله ؛ لأنه لم يكن ممثلا ولا مؤلفا ولا مخرجا؛ بل كان رجلا مهـووسا بالمسرح وملسوع به ؛ مما حقق دينامية وجوده وقربه للفعل المسرحي؛ في عملية التسيـير والتدبير للجمعيات المسرحية . وإن كان مارس (البساط) والذي ليس هو المسرح كفعل إبداعي له خصائصه وقواعده وأنماطه الفكرية والتعبيرية ؛ وبالتالي يُـعَــد وسيلة لتحقيق غاية لحظية تتمثل في تواصل روحي شبقي بعوالم إنسانية ؛ ثم من خلال مضمون رسالته التي تعد غاية بعدية؛ أما البساط  فبعضهم أراد أن يؤطره كشكل مسرحي ؛ من خلال موجة تأصيل المسرح العربي ؛ الذي لم يـتأصـل ؛ بقـدرما تأزم ؛ من كثرة التخريجات الوهمية منها ( البساط) صحيح إنه يعتمد على ممثل وجمهور؛ وصحيح أنه يحمل فرجته معه ؛ ولكنه لا يحمل فكرا ولا جمالية ؛ لأنه يندرج ضمن المسليات أو الهـزليات.
ففي سنة 1947 أسس الحـزب ( الاستقلال) تحت إشراف “السلوي أبـو عـزام” جمعية (العلم ) فاستدعي لكي ينخـرط فيها؛ لكنه تهَـيَّب من طلبة القرويين الذين كانوا اعضاء فيها؛ ولاسيما أن طبيعة حضوره تكمن بين الصناع التقليديين والحرفيين ؛ فساهـم الراحل – الـساقوط - في تأسيس جمعـية( التواضع الفني) في أواخر الأربعينات من القرن الماضي؛ والتي كانت تضم/محمد بنمنصور/ /محمد الحياني/ ع الحق الجامعي/ حماد الصفريوي/ الطاهرالغياتي/ عبدالرحيم الأزرق/ حماد بن جلون/ مصطفى بلامين/ محمد باحسين/..../ فانطلقوا بالارتجال والمقالب والقفشات؛ ذات فـرجات شعبية؛ يغلب عليها طابع الإضحاك والبهجة ؛ ففي هذا القالب أو النمط؛ ظهرت بجانبهم جمعية [ المستقبل المسرحي ] رفقة كمال بنسودة / بلحاج بنجلون/ ع السلام الإدريسي/ محمد الحمومي/ حماد الصفريوي/ عبد العزيز الغرناطي/ محمد الفيلالي/عبدالحق الزموري/.../  فكانت المنافسة شرسة وأخوية في آن؛ في مجال (البساط/ الإضحاك) بين الجمعيتين؛ بحيث كان جموع الحرفيين وغيرهم يتهافتون على عروضهما مساء الخميس والجمعة أنذاك؛ والمثير أن الجمعيتين آمنا بممارسة الفـن من أجل الفن؛ بعـيدين عن المجال السياسي الذي كان سائدا آنذاك؛ مؤكدين أن النشاط السياسي لا مناص أن يمارس خارج الجمعية؛ وإن كان أغلبهم ينتمون لحـزب الاستقلال؛ وجزء من إيرادات عـروضهما (كان) يرسل ويسلم من طـرف عبد العزيز الساقوط وحماد الصفريوي. كمكلفين بإيصال تلك الحصيلة ؛ لصندوق الحزب من أجـل المقاومة ؟ 
لكن بعـد سنوات من النشاط أي في 1952اندمجا كجمعية واحدة اطلق عليها – المسرح الشعـبي- واسندت الرئاسة لعـبد الحق الجامعي وأمين المال لعبد العزيز الساقوط ؛ فتطور نشاطهم لأعمال لها مقومات مسرحية ك- رواية – وهذا المفهوم كان يؤمن به الراحل ( الساقوط) ويتلفظ به. فما سمعنا يوما منه يتلفظ بمسرحية بل رواية ( الإيمان) لمحمد الإدريسي ؛ الذي كان آنذاك رئيس مدرسة النهضة التي تعد إحدى أقدم المدارس الحرة بفاس؛ وفيها كانوا يتدربون ويقدمون عروضها؛ وهناك رواية(محو الأمية) للعربي بنشقرون الذي بدوره كان رئيس مدرسة- عقبة الفيران- ورواية ( كيف المعمول) للعربي الدغمي و(المال والجاه) لحماد بن جلون... لكـن حينما شعر الراحل – ع العزيز الساقـوط- باختراق الفعل السياسي في الجمعية؛ انسحب منها سنة 1960 ليؤسس جمعية [ الاتحاد الفني] رفقة محمد العلمي وعبد الرحيم الأزرق ومحمد المرادي وأحمد البورشدي وأحمد الأزمي وعبدالحق بنعظيم ومحمد الحجامي.... إذ تم إعادة بعض السكيتشات والأعمال التي تم تقديمها في( المسرح الشعبي) بعـدما التحق بهم  إبراهيم الدمناتي وعـزيز صابر وصالحة الجزائرية ونورالدين السباعي/.../ بحيث تم استغلال قاعة سينما (لامبير)عـدة مرات لتقديم أعمالهم ؛ والتقليد الذي نهجه المسرح الشعبي؛ بالقيام بجولات في القرى والمدن المجاورة لفاس وكذا المستشفيات ودور المسنين ؛ نفسه سلكـه ( الاتحاد الفني) بحيث قام بعدة جولات في بعض المدن والمداشر القريبة من فاس؛ ومن ضمن الجولات؛ كانت لهم جولة لمدينة وجـدة سنة 1961 رفقة جوق إذاعة فاس آنذاك والعجيب أن هاته الجمعـية  كانت بمثابة جـسرا يَمُـرُّ ومـرَّ منه أغلبية المسرحيين ؛ والمسألة كانت تندرج في عملية تمويل ودعم العمل المسرحي؛ ماديا فكان الراحل – عبد العزيزالساقوط – كرئيس للجمعية وممول لأعمالها بكل ثقـله المادي والمعنوي؛ فعلى يده ظـهر أول عمل مسرحي لمحمد تيمد- النكران – والتي  شاركت بها في إقصائيات مسرح الهواة الدورة ( السادسة/1962) وقبل هـذا العمل التحق الفنان نبيل لحلو وأخيه حميد و زكي الهواري؛ فانطلقوا في التداريب حول رواية( يوليوس قيصر) وأنفق الراحل أموالا طائلة على الديكور والملابس؛ لكنه أوقـف العمل بعدما؛ كـذب عليه أحد المسرحيين ! بأن العمل ذو طابع سياسي ضد السلطة ؟ 
وبحكم طبيعة حياة الصناع التقليديين؛ الذين( كانوا) يمسرحون طبيعة حياتهم وعلائقهم بكل تلقائية - فعبد العزيز الساقوط قيد حياته؛ ليس استثناء؛ فكان بدوره يمارس مقالب مع الصناع والمسرحيين؛ فكانت قفاشاته مريبة جـدا؛ مما كان يتخوف منها العديد ممن انخرط في الجمعية؛ وحينما يصاب أحدهم  بمقلب  ينسحب لجمعية أخرى؛ وفي هـذا المجال الحديث يطول؛ مما انخرط العديد من الفعاليات المسرحية في الجمعية؛ مما أضحى شيخ المسرحيين بدون منازع ؛ ولاسيما رئاسته مجلس دار الشباب السياج بالمدينة القديمة؛ وكانت في زمن الاستعمار الفرنسي مـقرا( للمجلس البلدي) وبقربها دار (بوعلي) التي كانت مجلس حكم الباشا البغـدادي آنذاك؛ ففي هذا الفضاء كان يتحرك الراحل؛ بعدما ينهي عمله بباب عجيسة؛ ويملأ حافظته بما تيسر من رزق يومه؛ جزء منه كان ينفقـه على المسرح؛ وليس هو الوحيد الذي كان كذلك بل كان (محمد عادل) ما أنفقه على [اللواء المسرحي] فمن الصعب حصره؛ وهناك المرحوم ( زكي العلوي) ما أنفقه على [ الطليعة ] حتى أنه باع بعض اثاث منزله ؛ بهوس المسرح؛ وهناك المرحوم( محمد العلمي) تجاه جمعية (التجديد المسرحي) والمرحوم (عبدالله مراني العلوي) في حق (جمعية نادي الفنون) (وووو) فـإشكاليتنا لا أخلاقية ؛ بحيث لا نؤمن بتضحيات الآخر ولا نضعها في ميزانها؛ ولم نترب على ثقافة الاعتراف.
ففي1972  قـدمت رواية الأموات لمحمد المرادي الدباغ؛ الذي كان طاقة خارقة في المجال الشعبي؛ بحيث كان الراحل يفرض عليه البقاء ضمن الجمعية؛ بحيث قدم لها عـدة أعمال  ؛ لكن بعد عام أي: 1973 التحق أحمد العراقي ومحمد خشلة وادريس الجاي لتقديم رواية( حسب تعبير الراحل) – حزيران شهادة ميلاد- والتي شاركت في المهرجان الوطني(الدورة14) وبعـدهـذا التاريخ  أمست أفواج من الشباب تتقاطر على الجمعية ؛ وبعـد التمرس فيها يؤسسون جمعية مسرحية موالية لها؛ حتى أن بعضهم؛ حاول ممارسة الانقلاب على الراحل؛ وإزاحته من رئاسة الجمعية؛ بأساليب ملتوية؛ والسبب يعود؛ بأن ( الاتحاد الفني) كان لها تاريخ وصيت في المحيط الفاسي؛ ولها رصيد مالي جـد محترم؛ انطلاقا من المنح والمساعدات المالية ؛ ودعـم خاص من المجلس البلدي في عقود خلت؛ ومادام لم يفلح الانقلاب؛ التجأوا لتأسيس جمعية؛ أطرت نفسها آنذاك في اليسار؛ ولم تكن يسارية ؛ إلا لإخفاء ما كانت تخطط له ضد الراحل؛ الذي كان له حضوره القوي في حياة الصناع التقليديين؛ إذ كان أمينا للتجار بباب عجيسة ( سوق الجلود) ورئيس جمعية الشبيبة الصناعية وعضو إنساني في جمعية المعاقين جسديا وعضو فعال في نادي الصناع التقليديين؛ ولكن هنالك شباب ظلوا في كنف الجمعية سنوات وسنوات ؛ ولم يتمردوا على الراحل بل دعموه بكل عطائهم الفني كالمرحوم: محمد الشيكي/ المرحوم: محمد التاج الدين/المرحوم:المريني أبو العينين/المرحوم:  ادريس الذويب/ عبدالله مفيد/محمد فارس/ عبدالله الدوردي المدغري/عبدالواحد المرابطي/ خالد فايز/ سعيد العامري/ادريس العطار/ أحمد اليعقوبي/ محمد سليم/ محمد التسولي/ محمد الخمليشي/...../                                                   
ومن أجمل ما فـكر فيه الراحل إنجاز رواية ( مولاي ادريس) من تقديم وإنجاز [الاتحاد الفني ] وإشراف الاتحاد الاقليمي للمسرح آنذاك ؛لإعطائها الصبغة الإقليمية؛ وفكرة الراحل كانت  محاولة تقديمها في فضاء [ باب الماكنة] تيمنا بمؤسس المدينة ؛ فاختيرلها محمد خشلة للقيام بالإخراج؛ فكانت بحق ملحمة؛ بخلاف التصور الذي قدمها به – الطيب الصديقي- بحكم مشاركة عناصر من كل الجمعيات المسرحية.  
فبحق فالراحل عنا – ح /عبد العزيزالساقوط: كان شيخ المسرحيين بامتياز؛ بعدما ساهم بكل ثقله في الميدان المسرحي؛ ومساهما في التنظيم والإشراف والتواصل مع الجهات المسؤولة؛ لدعم الفعل المسرحي ماديا ومعـنويا؛ ومن جانبه لقد ضحي بالغالي والنفيس من اجل الارتقاء بالإبداع المسرحي ؛  وشحن همم الشباب على الممارسة المسرحية الحـقة . فرغم تضحياته وديناميته ؛ فالأغلب الأعم تنكروا له؛ ونسوه حتى في مماته؛ علما لم  ينصفه الزمن أويعوضه ولو عُـشر ما قـَدمه للمسرح وللشبيبة الصناعية !!

الأربعاء، 2 مايو 2018

برناردشو ومسرح الفكر الاجتماعي

مجلة الفنون المسرحية

برناردشو ومسرح الفكر الاجتماعي

وضاء قحطان حميد

ولد جورج برناردشو في ايرلندا في 26 / تموز / 1856 بشارع سنج رقم 23 بمدينة دبلن عاصمة ايرلندا . " ينتمي ابوه لاسرة من النبلاء أما امه فهي ابنة رجل من اهل الريف , كانت

امه تدرب صوتها على الغناء وقد اثر ذلك في برناردشو بحيث أصبح ناقداً موسيقياً في لندن ,

وان بعض النقاد في تحليل مسرحية شو ( الاسلحة والرجل ) بانها اوبرا شعبية " (1) . درس في مدرسة مع الصبيان الكاثوليك من ابناء الطبقة العاملة . " وما بين عامي 1876و

1885 استطاع ان يربح ست جنيهات وخمسة عشر شلناً ثمناً لكل مقال يكتبه , وقد اشتغل 

لمدة شهور قليلة عام 1879 في شركة اديسون للتليفونات في لندن " (2) .واصبح المبدأ الاول لمسرحيات شو بحيث ان كلماته تجري دائماً بسهولة على السنة الممثلين .

واصبح خطيباً عالمياً حيث قال ان الحياة احوج الى رجل شجاع ومفكر ورجل شجاع في السلم والحرب كالنبي محمد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه الطيبين الطاهرين وهي شهادة مهمة من كاتب غربي معروف بحق النبي الامين ." وكانت كلماته تتداول في الميترو بوليتان في نيويورك عام 1933 , وقد اصيب شو في عام 1881 بالجدري ومنذ ذلك الوقت اطلق لحيته وشاربه " (3) .

وفي عام  1891 كتب شو كتاباً اثار ضجة كبيرة وهو كتاب ( جوهر الابسنية ) وهو" كتاب

نقدي كتبه عام 1891 وهو يتناول هجوماً صارخاً لاثنين من عمالقة الدراما في العالم الا وهما

شكسبير وابسن " (4).

حيث ان بعد ظهور شكسبير لم يظهر كاتب مسرحي بقيمته أي شيكسبير الا عند ظهور

الكاتب ( اوليفر جولد سميث ) و ( ريتشارد شرايدن ) حيث ان اشهر مسرحياته  ( مدرسة

الفضائح ) التي اثرث في المسرح العربي ونقلها الى العربية ( علي سالم ) في المسرحية

الكوميدية الشهيرة ( مدرسة المشاغبين ) , بعد ذلك ظهر شو الذي يعد مرحلة مهمة من تاريخ المسرح في العالم  عامة ً وتاريخ المسرح الانكليزي بخاصة ً .

كان يكتب شو مقالاته  في مجلة الساتر دي رفيو , وعندما قرأ شو كتاب ماركس الشيوعية تاثر

بها ؛ حتى انه اعد مسرحية عن الشيوعية  والراسمالية وهي مسرحية ( المليونيرة ) .

وكان كاتباً وناقداً اجتماعياً وكان يمزج الكوميديا بالتراجيديا حيث كان يقول ان اهم المسرحيات التي تستدر ضحكة مع دمعة أي أشبه بالميلودراما , كما انه يهتم بموسيقى مسرحياته  بحيث انه كان يضع موسيقى مسرحياته بنفسه  , توفي في الثامن عشر من نوفمبر عام 1950.

فلسفته *
كان شو في حياته يحارب الفقر وينبذ الحرب ويدعو الى السلام وكان يدعو الى تحديد حد ادنى للاجور " وقد انعكست اراء شو الاشتراكية في نظرته للمجتمع الذي تذوب فيه الفوارق بين طبقات المجتمع , ان مسرح شو من ناحية البناء يتميز بوضوح الشخصيات

التي تعرف نفسها بنفسها وترى الحياة من خلال الاخرين , ان مسرح شو مسرح فكر اشتراكي يصعب فهمه دون دراسة اهداف المسرحية وشخصياتها , ان الانسان في مسرح

شو أهم من الديكور  والمناظر ومن الاداء التمثيلي " (5) .

ان شو كان يعتنق مذهب الفابية , وهو مذهب يؤمن بالاشتراكية بين أفراد المجتمع والمساواة بين أفراد المجتمع والابتعاد عن الحروب ونبذها والابتعاد عن اراقة وسفك الدماء دون سبب مبرر , واعتماد سياسة الجدل والنقاش كلغة بديلة عن الحروب .

وهذا الشيء أنعكس في مسرحياته اذ كان عنصر الجدل الفكري المتاثر بفلسفة هيجل

الجدلي قائم في معظم مسرحياته  حيث كان يقول ان مسرح الفكر أهم من مسرح الجسد .

كان يقول شو : ان المال مهم في الحياة وهو ضروري مثل القوة والصحة , حيث كان في

مسرحياته يعالج قضايا اجتماعية في بداية حياته المسرحية مثل مسرحية (بيوت الارامل )

و ( بيت محطم القلب ) و ( مهنة السيدة وارن ) . " وكان يستخدم في مسرحياته بعض

المشاهد الكوميدية حتى ان الملك هنري الثامن حينما شاهد مسرحية شو ( جزيرة جان

بول الاخرى ) اراد ان يكسر المقعد الذي كان يجلس عليه من الضحك بسبب المشاهد

الكوميدية  في المسرحية  " (6) .

كان يؤمن شو بنظرية الانسان السوبرمان وهي نظرية ترتكز على ان بعض الناس لديهم قدرات ذهنية وعقلية وجسمانية خارقة , وقد ظهرت هذه الفكرة جلية في مسرحية ( الانسان والانسان الفائق ) , كما ان شو أدان الحروب ورفضها ونبذها كما في مسرحية

( الاسلحة والرجل ) , وكتب ايضاً مسرحيات سياسية مثل مسرحية ( عربة التفاح ) , وكتب مسرحيات تأريخية مثل مسرحية  (انطونيو وكليوباترا ) , كما كتب مسرحية تتحدث

عن بدأ وتطور الخليقة  مثل مسرحية ( عودة ميتوشالح ) , وكتب ايضاً مسرحية خيالية هي ( بيجماليون والقديس جون ) و مسرحية ( الانسان والانسان الفائق ).



جوهر الابسنية *
اصدر شو عام 1891 كتاباً نقدياً أسماه ( جوهر الابسنية ) وفيه هجوماً صارخاً على

أكبر أثنين من كتاب الدراما وهما شكسبير وابسن , فكان يصف شكسبير بأنه شاعر

وقصاص وعلم من أعلام البيان وكاتب فكاهي لكنه لم يصفه ككاتب درامي , وكان يقول

عن شيكسبير : بأنه لم يبني مسرحياته على أساس علمي في رسم شخصيات مسرحياته وأحداثها , وكان يقول عن ابسن : ان مسرحياته  مسرحيات عائلية منزلية لا تستحق العرض وانما هي خاصة للقراءة فقط , وكان يقول : ان ما يستحق العرض هو محاربة

الاقطاع ومناهضة الحروب ونبذ اوهام المهن ومحاربة  مرضى الضمير وهذا هو ما يجب

ان تتضمنه  الدراما على حد قول برناردشو .

" ان كتاب  الكاتب الاتكليزي الاشهر شو ( جوهر الابسنية ) فقدم فيه ابسن بكونه منشأ

مسرح القضية الاجتماعية ويتحدث في الكتاب عن أفكار شو نفسة بالنسبة للمسرح الاجتماعي " (7) .

ان فكر شو فكر ماركسي اشتراكي فابي مؤمن بالمساواة بين أفراد المجتمع والحصول على أبسط الحقوق من حقوق الناس وهو توفر المال حتى نتخلص من الامراض الاجتماعية في الحياة , واعتماد سياسة الفكر والجدل بديلاً عن سياسة الحروب

واراقة الدماء  , ويدعو الى مسرح الفكر والابتعاد عن الامور السطحية واللاأخلاقية

في المسرحية . كما انه يهتم بالتهريج والكوميديا والكوميديا السوداء في جل مسرحياته.

كما ان مسرحياته تعالج قضايا اجتماعية وسياسية وخيالية , كما انه يهتم بالموسيقى والاوبرا الشعبية الموجودة في الكثير من مسرحياته . " ان مشهد في مسرحية (الانسان والانسان الفائق ) أشبه بمسرحية اريستوفانيس ( الضفادع )؛ فالمشهد في مسرحية شو

حيث تجري مناظرة بين الشيطان ودون جوان وهذا بالتحديد في مسرحية شو ( الانسان

والانسان الفائق ) او الانسان السوبرمان ؛ وفي مسرحية اريستوفانيس ( الضفادع )

بحيث تجري مناظرة بين اسخيلوس ويوربيدس بحضور الاله زيوس ؛ اذن أستفاد شو

من طرق المسرح الاغريقي ومن مسرح شكسبير في المناظر الخلابة ,ومن ابسن اجتماعياً

كما في مسرحية ( بيوت الارامل _ وسوء الزواج _ والاستعداد للزواج _ ومهنة السيدة

وارن _ وبيت محطم القلب ) " (8) .

مسرحياته *
1_ استعداد للزواج 2 _ سوء الزواج 3 _ بيوت الارامل 4 _ القديس يوحنا

5_ بيجماليون والقديس جون 6 _ حيرة طبيب 7 _ جزيرة جان بول الاخرى

8 _ بيت محطم القلب 9 _ مهنة السيدة وارن 10 _ الاسلحة والرجل او الاسلحة والانسان 11 _ كانديدا 12 _ عربة التفاح  13 _ الانسان والانسان الفائق أو السوبرمان

14 _ عودو ميتوشالح 15 _ الميجور باربرا 16 _ المليونيرة  17 _ البلايين المبتهجة

18 _ سانت جون 19 _ اندروكليس والاسد 20 _ انطونيو وكليوباترا 21 _ الايام الذهبية للملك تشارلز الطيب 22 _ زير النساء 23 _ لا تستطيه أن نتكهن أو نظن .

قائمة المصادر

1_ راجع : مقدمة مسرحية المليونيرة , تأليف : جورج برناردشو , ترجمة : عبد المنعم شميس . بيروت , ص 5 _ص 10.

2 _ المصدر نفسه ص 14 .

3 _ المصدر نفسه ص26 .

4_ راجع : د . محمد زكي العشماوي , دراسات في النقد المسرحي , بيروت و 1980, ص  155_ص 164 .

5 _ راجع : د. سمير سرحان , دراسات في الادب المسرحي , العراق : بغداد , ص73_ص 83 .

6 _ راجع : د . علي الراعي , مسرح برناردشو , القاهرة : مصر , ص 228_ ص234 .

7 _ المصدر نفسه , ص 234 .

8 _ راجع : لويس فارجاس , المرشد الى فن المسرح , ترجمة : أحمد سلامة , مشروع النشر المشترك , بغداد : القاهرة , ص193 _ ص 200 .




الأربعاء، 25 أبريل 2018

موريس ميترلنك والرمزية

مجلة الفنون المسرحية

موريس ميترلنك والرمزية

وضاء قحطان حميد


حياته * 
هو موريس يوليدور ماري بالفرنسية ( 1862 _ 1949) . كان كاتب وشاعر بلجيكي يكتب باللغة الفرنسية . حصل سنة 1911 على جائزة نوبل في الادب  , بفضل أعمال 
كان الاهتمام منصباً فيها على مسألة الموت ومعنى الحياة , وتجسد ذلك في مسرحية 
العميان والطائر الازرق , حيث عاد الى بلجيكا واقام فيها طيلة حياته , بدأ حياته الادبية
بنشر ديوان شعر ( رواية الاميرة مالين ومذبحة الابرياء وبلياس ميليزاند ).
في عام 1901 يصدر كتابه حياة النحل وهو مؤلف نثري يمزج فيه الفلسفة والخيال
والتاريخ الطبيعي .
أهم مسرحياته *
( العميان _ المتطفل _ الخطبة _ الطائر الازرق _ بلياس وميليزاند  )
الرمز والرمزية *
كلمة الرمز في العصور الوسطى تحمل تفسيرات في الميثيولوجيا  في القرن التاسع عشر وحملت معاني كثيرة , فهي في اليونانية تعني ( قطعة الخزف ) اي من اناء الضيافة . والكلمة في اصلها مشتقة من الفعل اليوناني الذي يعني ( القى في الوقت نفسه ) أي 
يعني الجمع في حركة واحدة بين الاشارة والمشار اليه .
" فالشعوب تجد في الرموز وجوداً حاضراً دائماً يتمثل في المسيح , او الاربعة  الانجيليين , وسفينة الرسل والقيامة وهي مجسدة بطائر الفينيق . وكان الفلاسفة هيأوا ترميزية خاصة ( وهي نظرية في تأويل الاشارات على انها عناصر رمزية 
تعبر عن حضارة معينة ) لتفسير كثير من المعاني  لتلك الرموز " (1) . وكتب الكاتب الجمالي ( جوفروا ) في الرمز عام 1822 ان الشعر ماهو الا " 
مجموعة من الرموز حاضرة في الذهن , لجعله مهيأة لقراءة اللامرئي " (2). ويذكر ( بودلير ) عن فن ديلاكروا على انه " اللامتناهي في المتناهي " (3) .
واما في نظرية السرياليين , فنجد انهم جعلوا من العقل الباطن معادلاً مساوياً  للبعد الميتافيزيقي الخيالي والذي هو ما بعد الطبيعة " بحيث اقترب مسرحهم من 
مسرح الرمزيين واصبح الواقعي المنطقي المحسوس في نظريتهم هو الستار الذي
يحجب الحقيقة التي تكمن في عالم ما بعد المادة , وبينما سمى الرمزيون هذا العالم
عالم الحقائق الروحية , واسماه السرياليون عالم الحلم والرؤى الباطنية التي لا يتدخل فيها
الوعي " ( 4) .
الرمزية مذهب من المذاهب النقدية المعاصرة وهو يقف بالمحل من الرومانسية وقد اطلق
على المذهب الرمزي بالرومانسية الجديدة .
" وعندما اتجهت الطبيعية  بزعامة ( اميل زولا ) الى الرمزية كان لذلك اسبابه الاجتماعية لكنه كان راجعاً ايضاً بالمنهج الخاص بالمذهب الطبيعي في حد ذاته " (5) .
والحركة الرمزية بلغت اوج كمالها في المانيا عند ( فاجنر ) " وانكلترا وخيالات ابسن 
ولا ريب ان الحركة الرمزية التي تقول الآن اشياء جديدة " (6) .
ونشر البيان الرمزي في جريدة الفيكارو 18 ايلول عام 1886.
ويمثل هذا التاريخ هو الاعلان الرسمي للرمزية وفي فرنسا عند ( مالارميه ) .



نشأت المذهب الرمزي  *
" نشا المذهب الرمزي في فرنسا في الثمانينات من القرن التاسع عشر وانتهت قبل نهاية القرن " (7) .
يقول ميترلنك  ان الدراما تعتمد على اللفظ وتصوير العواطف والفكرة "  ان الدراما 
تتكون من ثلاث عناصر هامة هي 1_ جمال اللفظ 2_ التصوير الصادق لما يحدث
حولنا ومشاعرنا وعواطفنا 3 _ فكرة الكاتب عن المجهول وهي الفكرة التي تسيطر على الاشياء التي نخلقها ونتحكم فيها " (8) .
وعكس الواقعيين اختار الرمزيون موضوعاتهم من الماضي وتجنبوا كل محاولة لمعالجة
المشاكل الاجتماعية او الاقتراب منها .
" وكان هدف الرمزيين الايحاء بحقيقة عالمية عليا لا تعتمد على المكان والزمان , ويأمنوا
بان الحقيقة لا يمكن أن تحدد منطقياً أو يعبر عنها عقلياً , ولهذا فالمسرحية الرمزية غامضة ومحيرة " (9) .
ومن أهم كتاب الرمزية في فرنسا ( مالارميه وبودلير وفرلين ورانبو ) وفي بلجيكا 
الكاتب والشاعر موريس ميترلنك 1862_ 1849 ومن أهم مسرحياته ( العميان 
والمتطفل والخطبة والطائر الازرق وبلياس وميليزاند ) 
رواد المذهب الرمزي * 
1_ مالارميه 2_ بودلير 3_ فرلين 4_ رانبو 
1_ ستيفان مالارميه 1876
تأثر مالارميه بفلسفة ( شوبنهاور وهيجل وافلاطون ) ورفض الواقع القائم وان سر الكون 
خاوِ , فلا يستطيع الشاعر سوى الحديث عن هذا العدم , ويعتقد ان مهمة الشاعر ينحصر في عزل نفسه عن هذا العام المحيط , وفن مالارميه يصور لغة جديدة  "تتحرر من قواعد
تركيب الجمل وتمتزج  فيها الصورة بالحركة امتزاجاً رمزياً في اطار مسرح شعري " (10) 
2_ بودلير 1830 _ 1870
والى جانب اسمي غوتيه وميترال , يعد اسم فلوبير وبودلير اكبر اسمين ادبيين في هذا الجيل , فهما يرتفعان فوق المدارس .
3_ فرلين 1860_ 1920
وضع فرلين مذهبه في قصيدته الفن الشعري 1884 من الشعراء المؤسسين للثورة الشعرية التي " انتهت بالحركة الرمزية , واستطاع ( فرلين ) ان يوصل بين المناظر الطبيعية والنفسية والمشاهد التي يصنعها الانسان .


4_ رانبو 
يطالب رانبو الشاعر ان يكون عرافاً مناطاً به رفع الانسانية في مسيرتها " نحو التقدم 
اعتماداً على الهلوسات الصرفة . وقد سمح رانبو للشعر أن يتدفق من ذاته دون الاهتمام 
بالوزن أو القافية , فلا توجد حالات شعرية مستقرة وثابتة على صعيد الشكل الفني , واخترع رانبو لغة شعرية يكون فيها المحسوس والمجرد مظهران لحقيقة واحدة " (11).

ملخص لاحدى مسرحيات موريس ميترلنك ومثال على ذلك مسرحية الطائر الازرق
خلاصة المسرحية :
 " تحكي المسرحية عن طفلان اسمهما ميتيل وتيتيل  ولهما جارة مكونة من ام وابنتها 
والابنة هذه مريضة بمرض فلا تستطيع ان تمشي وعلاجها بان تحصل وترى الطائر 
الازرق , فيسمعا الطفلان بامر هذه الطفلة فيقرران البحث عن هذا الطائر ويجلباه لها
حتى تستطيع هذه الجارة ان تمشي ويحققا لها امنيتها بان ترى وتلمس هذا الطائر الازرق
فيبدأن برحلة البحث عن هذا الطائر , اول مايبحثا عن هذا الطائر في المقبرة فيسألا المقبرة هل الطائر موجود عندك فتجيب كلا اذهبا الى الغابة , فيذهبا الى الغابة وعندما
يصلا يسألا الغابة هل الطائر الازرق موجود عندك فتجيب الغابة كلا فيقولا لها اين نجد
هذا الطائر فتقول الغابة لهما  كلا ليس موجود عندي بل اذهبا في حديقة السعادات حتماً
ستجداه هناك في الحديقة ؛ فيذهبا للحديقة ويسألاها هل الطائر الازرق موجود عندك
فتجيب الحديقة نعم , فيحصلوا على الطائر ويضعوه في قفص ويصلا الى جارتهما 
ومعهما الطائر الازرق فتراه وتلمسه وتشفى من مرضها ثم في النهاية يختفي الطائر" (12).

قائمة المصادر
1-هنري بيير , في الادب الرمزي , ط1, دار عويدات , 1981 , ص7 .
2-المصدر نفسه , ص 13 .
3-د. نهاد صليحة , المسرح بين الفن والفكر , بغداد : القاهرة , 1977, ص 94 .
4-ارنست فشر , ضرورة الفن , ترجمة : اسعد حليم , القاهرة , 1971, ص103 .
5-ادموند ولسون , قلعة اكسل , ترجمة : جبرا ابراهيم جبرا , بغداد , 1971 , ص24.
6-د. محمد مندور , الادب ومذاهبه , القاهرة , ص109 .
7- د. رشاد رشدي , نظرية الدراما من ارسطو الى الآن , دار العودة : بيروت , 1975, ص 128.
8-د. علي جواد الطاهر , الخلاصة في مذاهب الادب الغربي , بغداد , ص 53.
9-آنا بليكان , الرمزية دراسة تقويمية , دار المعارف , 1995, ص385 .
10-ف . ل سولنيه , الرومنطيقية  في الادب الفرنسي , ترجمة : أحمد دمشقية , دار عويدات ,1960, ص 130 .
11-آنا بليكان , مصدر سابق , ص131.
12- موريس ميترلنك , مقدمة  مسرحية الطائر الازرق , ترجمة : انطون حمصي , سوريا , 2000.

السبت، 21 أبريل 2018

ألبير كامو ومسرحه العابث

مجلة الفنون المسرحية

ألبير كامو ومسرحه العابث

وضاء قحطان حميد 


حياته *
"ولد عام 1913 في الجزائر وتوفي في 4 كانون الثاني عام 1960 في حادث سيارة "(1) .ولد في عائلة غنية ومع  ذلك فلم يحصل على تعليم ممتاز . طور مبكراً اهتمامه  في المسرح  وفي سن الثانية والعشرين عمل مع فرقة الهواة , وفي بداية الحرب عمل بمختلف الاعمال بما فيها الصحافة " (2) .
كما هوى الرياضة  فلعب كحارس مرمى  للمنتخب  الفرنسي  , كما انه  اعجب بالافكار الماركسية  فانتمى فترة من الفترات الى الحزب الشيوعي في فرنسا وتركه
بصورة سريعة . " ذهب الى باريس خلال احتلال فرنسا للجزائر حيث ولد في مدينة
قسطنطينة الجزائرية " (3) .
وبدأ في  الكتابة في اواخر الثلاثينات وفي الحرب برز في روايته  الغريب عام ( 1942) بمقالة( اسطورة سيزيف ) . "وفي عام  (1942) مهدت هذه الاسطورة 
لللامعقول كمصطلح استخدم أخيراً لوصف مدرسة كاملة من الدراميين هي مسرح 
أو مدرسة اللامعقول " (4) .
اسطورة سيزيف * 
"تتلخص اسطورة سيزيف  بوجود رجل يدعى سيزيف يدخل الى مكان مغلق  بواسطة
حجارة , وهو يحاول دفع الحجارة كل يوم حتى يخرج كعقوبة من الالهة , وكلما يدفع
الحجارة تعود لمكانها  , وتتمثل هذه الاسطورة ( اسطورة سيزيف ) وفكرتها بالبحث
عن بارقة أمل من أجل العودة الى الحياة وممارسة العمل  وممارسة الحياة اليومية 
الاعتيادية  والتمسك بالامل مهما كان الامل ضعيفاً  , فربما يكون هناك ضوء في نهاية
النفق " (5) .
فلسفته  * 
ان فلسفة (ألبير كامو) تتضح من خلال مسرحياته وهو لم يكتب طيلة حياته الا أربع 
مسرحيات ورواية واحدة , ومسرحياته ( سوء التفاهم ) عام 1944 و ( كاليجولا )
عام 1938 و(حالة طوارىء ) 1948 المأخوذة من روايته  ( حالة حصار ) و
( العادلون ) عام 1949"  وقام بأعداد الكثير من الاعمال ومع ان كامو اختلف مع 
(سارتر ) في تسميته  وجودياً فقد بقى رديفاً لسارتر "(6) .
ان الانسان بالنسبة له يعيش في عالم غير معقول " فالعالم الذي لا يمكن تفسيره 
حتى مع الاسباب السيئة عالم مألوف , ومن جهة ثانية ان الانسان يعيش في عالم
تسكنه الاوهام ويشعر بأنه مغرب وغريب , وان عزلته بلا علاج طالما انه محروم
من ذكريات الوطن الضائع أو أمل الارض الموعودة " (7) .
هذا الطلاق بين الانسان وحياته هو الشعور بالعبث واللامعقولية .
ويوضح ( كامو ) "بأن اللامعقولية تنتج من الهوة بين الرغبة الانسانية الكامنة نحو الوضوح والنظام من جهة ولامعقولية الذي يعيش فيه الانسان مع غيره " (8) .
فما هو اللامعقول ممهد للمواجهة بين حاجة الانسان وصمت العالم غير المنطقي 
والتطلع الى الوضوح اللامعقول وهو مولود من هذه المواجهة  بين حاجات الانسان
والصمت اللامبرر للعالم " (9) .
ويرفض ( كامو ) الانتحار كأجابة ويناقش بحيث ان الشوق للحياة هو في حد ذاته
جدل في ان للحياة قيمة .
" ثم يناقش بانه طالما للحياة ذات قيمة على الانسان ان لا يذعن للامعقول بل ان 
يتجاوزه لخلق نظامه الخاص داخل فوضى محيطه , فهو مثل( سارتر ) يصل الى
نتيجة هي : ليس هناك من مطلق وعلى الانسان ان يضع مصيره بالاختيار والفعل
ففي مسرحيته الاولى ( كاليجولا ) والثانية ( سوء التفاهم ) فقد حول الوضع اللامعقول
والانسان اللامعقول الى دراما " (10) .
بعد ان اكتشف ( كامو ) ان البشر يموتون وهم غير سعداء , فان ( كاليجولا) لا ييأس
بشأن الحاجة الى شيء من المطلق ويقرر ان ينشده بواسطة القوة وهي مشابهة لفلسفة الالماني ( نيتشة ) ارادة القوة , ان عدم الامان هو الذي يقود للتفكير , فعندما يعيد 
الناس تقويم وجودهم يمكن أن يقرروا قيمة الحياة أو الموت فليس لهم اختيار كفلسفة
شكسبير في ( هاملت ) حينما يقول أكون أو لا أكون أو كائن انا ام غير كائن , ففي
مسرحية ( العادلون ) تتشكل أفكار ( كامو ) عند حدود الثورة اساسا لموضوع 
المسرحية . "اذ يستخدم ( كامو ) أمثلة حقيقية أصلية لنشاطات الثوريين الروس عام 
1905 , عندما يفشل البطل في مسرحية ( العادلون ) ( كالييف ) في القاء قنبلة على
عربة الدوق الكبير ( سيرج ) خشية ان يقتل معه طفلين فانه يعاقب من قبل الثوري
المتطرف ( ستيفان ) حيث يقول : ( ما قيمة ابناء اخ الدوق الكبير تجاه ملايين من 
الاطفال الروس الذين يموتون في الايام القادمة وعندما ننسى الاطفال عند ذلك سنصبح
سادة العالم وستنتصر الثورة ويوضح ( كالييف ) ان سبب العدالة يعرف بوسائل 
العدالة , واخيراً فهو يقتل الدوق ويتحمل المسؤولية والنتيجة على فعلته هذه " (11).
كما ان فلسفة ( كامو ) بان السعادة لا تتحقق الا بالموت وان اركان العالم هي الموت
والقتل والاخطاء المؤلمة . اذن المسرح الوجودي حيث انه استقى مسرح اللامعقول 
بعض مصادره وظهرت بدايات هذا المسرح في فرنسا وانتقلت الى باقي انحاء العالم
ومن أشهر كتابها ( بيكيت ويونسكو وجينيه واداموف وآلبي ).
تحليل أحد مسرحيات ( كامو ) مسرحية ( سوء التفاهم ) 
ملخص المسرحية أن هناك ام وابنتها  وابنها , الام والبنت تسافران من اجل العمل 
ليفتحا فندقاً , لكن الام والبنت عندما ترى شخصاً يرتاد الفندق وهو شخص يمتلك مالاً وفيراً فان الام والبنت يعمد لقتله واخذ ماله وهكذا استمر القتل للضيوف النازلين في هذا الفندق وكانتا عندما تقتلان الشخص تتخلصا من الجثة بالقاءها في النهر , وفي أحد
الايام اتى شخص شاب ذو هيئة يبدو عليه انه من الاغنياء الى الفندق, فتقرران الام والبنت  بان تقتلا هذا الشاب وتأخذا ماله ولكن عندما فتشتا ملابسه  وجدا ورقة باسمه
وعمله وهنا حدثت الصدمة والمفاجأة للام والبنت وعندما قرأتا اسمه اكتشفوا بان هذا
الشخص هو ابن هذه المراءة وان المراءة الاخرى هي اخته فتندما على فعلتهما وهكذا
تنتهي هذه المسرحية بهذه النهاية المأساوية ."فلسفة ( كامو ) تتلخص بانه كان يكتب
مسرحيات لا معقولة ومسرحيات اخرى عبثية , وعاش كامو حياة قصيرة فقد توفي
في حادث سيارة وهو لم يتجاوز الخمسين من العمر"(12) . 
مسرحياته *
1_ مسرحية  كاليجولا ( 1938) مسرح عبث .
2_ مسرحية سوء التفاهم ( 1944) مسرح عبث .
3_ مسرحية حالة طوارىء أو تسمى حالة حصار ( 1948) مسرح لا معقول .
4_ مسرحية العادلون ( 1949) مسرح لا معقول .
" حيث ان النمط الاول من مسرحياته ينتمي لمسرح العبث والنمط الثاني من مسرحياته
تنتمي لمسرح اللامعقول " (13) .
ان ( كامو ) تتارجح كتاباته بين عبث الاسطورة واسطورة العبث .
رواياته * 
ان اهم رواية له هي ( الطاعون ) وحولها الى مسرحية  (حالة طوارىء ) التي تحكي
هذه المسرحية عن وباء الطاعون الذي يصيب المدينة , فيلجأ السكان الى البحر وعن 
طريق البحر يأتي المرض عن طريق الجرذان الموجودة في السفن , فيظهر شاب يصيبه الوباء لكنه لا يستسلم ويحاول انقاذ المدينة فيمتلك هذا الشاب اصرار وقوة
وعزيمة من اجل انقاذ المدينة .
اما مقالاته فهي : 
1_ اسطورة سيزيف ( 1942) .
2_ رسالة الى صديق الماني ( 1943) .
السقطة ( 1956) .
4_ المنفى والملكوت ( 1957) " (14) .
قائمة المصادر 
1_ مقدمة مسرحية سوء التفاهم , كامو , ترجمة : د. سامية أحمد
2_ د. سامي عبد الحميد , اكتشافات المسرحيين في القرن العشرين , ص240.
3_ مقدمة مسرحية كاليجولا , ترجمة : علي عطية , ص15 .
4_ مقدمة مسرحية كاليجولا , المصدر نفسه , ص17 .
5_ د. سامي عبد الحميد , المصدر نفسه , ص 240.
6_ يوسف عبد المسيح ثروت , دراسات في المسرح المعاصر , ط2, 1985,ص5.
7_د. سامي عبد الحميد , المصدر نفسه , ص240.
8_ المصدر نفسه  , ص241 .
9_ المصدر نفسه , ص241
10_المصدر نفسه , ص242.
11_ مقدمة مسرحية العادلون , كامو , ترجمة : عبد المنهم حنفي , ص13 .
12_دز نزار عيون السود , دراسات في الادب والمسرح , ط2, 1988, ص205_208.
13_ مقدمة مسرحية حالة طوارىء , كامو , ترجمة : د. كوثر عبد السلام ص9_ص11.
14_ ينظر : د. نزار عيون السود , المصدر نفسه , ص205_206.


الأربعاء، 18 أبريل 2018

في ذكرى أربعينية الفنان عبد المطلب السنيد

مجلة الفنون المسرحية

 في ذكرى أربعينية الفنان عبد المطلب السنيد

فاضل البياتي

*  في الغربة، وفي ولاية ميشيغان الأميركية، رحل الفنان العراقي المسرحي القديرعبد المطلب السنيد، يوم الخميس 8 آذار 2018 بعد معاناة مع المرض. وتمرهذه الأيام ذكرى اربعينيته..
الرحيل من زمن الفن الجميل نحو زمن الغربة
كان ذلك صيف عام 1991 لقد كانت مفاجأة بحق بالنسبة للفنان الرائع مهند الأنصاري، مديرإذاعة بغداد، عندما قدمت له إستقالتي ورغبتي في أن أحيل نفسي الى التقاعد من عملي كمخرج ورئيس لقسم التمثيليات في الإذاعة، وهو الفنان ألذي وجدت معه إحتراما وحبا مشتركا للتمثيلية الإذاعية، فكانت نتاجات إذاعة مشتركة، حيث كنا نصغي معا لعدة من أعماله أو من إعمالي الإذاعية ونبدي الرأي فيها.
 قال لي مندهشا ...
- تريد التقاعد؟
- أجل، انني افكربالهجرة.لقد حصد الجيش والحروب أكثر من أثني عشر عاما من عمري، ليس هنالك من أمل، وليس هنالك من ضمان لعدم استدعائي للجيش من جديد. مجبرأخاك لابطل.
  أجابني حينها.
 - تريث في الأمر يافاضل، فالغربة رحلة بلا رحمة.

هاأنا ذا الآن أعيش مع غربتي التي بلا رحمة، قريبا من المحيط المنجمد الشمالي، غربة تواصلت معي دون إنقطاع، لما يقرب من 26 عاما، لم يتنفس فيها فؤادي طيلة تلكم السنين العجاف هواء حبيبي العراق الجميل...

 في سنة 1968 صعدت لأول مرة ممثلا على المسرح، مع ثلة من زملاء الدراسة في المرحلة المتوسطة، من الطريف أنه كانت المسرحية الشعبية "الدبخانة" هي مثلنا الأعلى وكل مانستطيع، كانت تلك المسرحية بعفويتها تشكل ذاكرة أولية لإنتظارالموعد للزمن الجميل.
 عام 1970 كان تمهيدا لمرحلة شروق زمن الفن الجميل لتكتب مرحلة مهمة في تاريخ الإبداع العراقي االمعاصر، وفي كل مناح العطاء المتألق والذي مازلنا نتنفس رحيقه ونشتاق أليه، في الأدب، المسرح، السينما، الإذاعة والتلفزيون، الموسيقى والغناء، والفنون التشكيلية.

عام 1970 حينما بدأت دراستي في معهد الفنون الجميلة، القديم، قسم الفنون المسرحية، كان زميلي عبد المطلب السنيد قد تخرج من المعهد في العام نفسه.. كان مثابرا حصيفا وعاشقا حقيقيا للمسرح وفن الدراما بكل أتجاهتها وصنوفها ومدارسها، فضلا عن ذلك فقد كان عبد المطلب السنيد يمتلك حنجرة و صوتا غنائيا متميزا عذبا متمكنا، لايشدو به إلا مع لقاءآته مع أعزالصحاب والمقربين منه. وهنا بوسعي القول لو أنه أختارأن يكون مطربا، خاصة للغناء الجنوبي العراقي، لكان توفق بل وتفوق على العديد من مطربي هذا اللون والفلكلورالأصيل من الغناء، لكنه أحب وعشق الإبداع في الفن الدرامي والمسرحي وحسب، وليس شيئا آخر.

عام 1972 بينما كنت أمثل دورا رئيسيا على خشبة مسرح بغداد في مسرحية "فندق الغرباء" لفرقة المسرح الشعبي، وكانت من تأليف ثامر مطر وإخراج الأب والفنان الرائد جعفرالسعدي، وقد شاركني في التمثيل الفنان الكبيرعقيل مهدي الغربان، في العام نفسه قدم عبد المطلب السنيد على خشبة المسرح القديم في كرادة مريم، مسرحيته التي لاتنسى والتي تنتمي الى مدرسة اللامعقول. إنها مسرحية "الكراسي" ليوجين يونسكو، التي أخرجها الفنان عبد المطلب السنيد، حيت أعتمد العرض المسرحي على شخصية واحدة فقط، أستطاع عبد المطلب أن يجسدها بمهارة وإقتدار وأن يبهرالجمهوربحق، وليس في المشهد إلا سواه وعشرات من زحام الكراسي الشاغرة تنتظرخطيبا أخرسا في نهاية الأمر.

 لقد كان جيلنا في ذلك الزمن الجميل مولعا ومتأثرا بشدة بهذا ألإتجاه الأدبي والفلسفي، مدرسة اللامعقول، وفضلا عن يونسكو فهنالك كان يعيش في ذائقتنا وذاكرتنا أبداعات كتاب آخرين من ذات ألإتجاه، أمثال صمويل بيكيت، فرانس كافكا، أوجين أونيل، ألبير كامو... وغيرهم.

يوم شاهدت عبد المطلب وهو يؤدي دوره في مسرحية الكراسي، صار بمقدوري يومها أن أكون على يقين من أن الفن المسرحي العراقي فاز بفنان سيضيف الكثيرفي المستقبل، خاصة بعد أن أصبحنا زملاء عمل في ذات العام، بقسم التمثيليات في إذاعة بغداد، يوم كان يرأس هذا القسم الفنان الكبيرالرائع كريم عواد ومن ثم الفنان البديع الراحل حسن الجنابي.

كان قسم التمثيليات عام 1972 يعتمد العمل فيه على نظام المشاركة وليس الوظيفة الثابتة براتب شهري، خاصة بالنسبة لمن كانوا طلابا يواصلون الدراسة، حيث كان أغلبنا مازلنا نواصل دراستنا المسرحية، إذ كان يوجد قانون لايسمح فيه الجمع بين الوظيفة والتلمذة، كنا شبابا، طلابا في معهد الفنون أوالأكاديمية، نعمل في القسم، ممثلين، مساعدي إخراج أو مخرجين، على نظام المكافأة او المشاركة، أمثال الفنان حسن العبيدي "حسن حسني" روناك شوقي، فلاح زكي، وآخرين .. كان عبد المطلب  يواصل دراسته أيضا في أكاديمية الفنون ويعمل على نظام المشاركة ..
  على حين غرة، قررالمديرالعام للإذاعة والتلفزيون آنذاك وهو الأستاذ "محمد سعيد الصحاف"وبقرار جريء توظيفنا نحن الطلاب التي كانت ألإذاعة بحاجة لنا، وعلى الملاك الدائم، ناسفا وبخطوة "ثورية" حكاية عدم الجمع بين الوظيفة والتلمذة. كان عبد المطلب يعمل مخرجا إذاعيا وكاتبا للنصوص، أخرجت له للإذاعة مسلسلا  من تأليفه، في ثلاثين حلقة، تجري أحداثه في مدينته الناصرية. هذا المسلسل أسمه "معلم من بلادي" حيث وضع الموسيقى التصويرية الفنان عبدالحسين السماوي، وغناء الصوت الأصيل، حميد منصور، وكلمات الشاعرالكبيرناظم السماوي، حتى تمت أعادة إذاعته مرات عدة، لما كان له من تمييز بين المسلسلات الإذاعية في ذلك الزمن الجميل.

في عام 1976 التحقت بالخدمة العسكرية، في المسرح العسكري، في كرادة مريم، وكان حينها عبد المطلب يؤدي خدمته العسكرية كضابط إحتياط، وكان معي مجموعة من الفنانين يؤدون خدمتهم العسكرية أيضا في المسرح العسكري، أمثال الفنان سعدون جابر، الشاعر كريم راضي العماري، فلاح زكي، فاروق صبري وآخرون ... لقد كانت تحدث مواقف طريفة أو محرجة حينها، وذلك لتداخل الصفات بيننا، كأصدقاء وفنانين ومعارف، وبين صفة عبد المطلب كضابط مسؤول عن جنود وأفراد..
قبيل إنتهاء خدمته العسكرية كضابط إحتياط، جاءنا عبد المطلب برسالة من جهات عسكرية عليا   تدعوالشباب الخريجين من معهد وأكاديمية الفنون للتطوع كضباط  في مجال التوجيه السياسي.
هل تريد التطوع كضابط؟ غيرأن مبدعي الزمن الجميل لايميلون الى العسكرتاريا واللون الكاكي. مبدعوالزمن الجميل كانوا دائما مع الحب والسلام والحرية والحياة.

 بعد عام واحد ألغي المسرح العسكري، ورحل بعدها عبد المطلب السنيد الى أمريكا ليكمل دراسته، لم يكن يدري أن رحلته تلك نحوالغربة، ستأخذ أكثرمن نصف سنوات عمره بالكامل. هذا المصير سيحصل لي دون ريب.
 عام 1985 عاد عبد المطلب من أمريكا ألى العراق، التقيته يومها، وكانت الحرب الإيرانية العراقية على أشدها، وجدته قلقا مضطربا، فعلمت منه إنه تأخركثيرا على موعدعودته، وإن هناك من يحاول على عدم عودته الى أمريكا.
لكن بعد أيام صار بوسعه العودة لحياته هناك، وقد غمرني فرح عظيم، فانا يوما ما، أصبحت ضحية أحد الفاشلين. ولكني أقول اليوم، كل شيء يضرني يهون أذا كان تضحية من أجل وطني حبيبي العراق.
أجل لقد قدم عبد المطلب السنيد الكثير للمسرح وفن الدراما عموما، داخل العراق وخارجه، على الرغم من غربته التي إمتدت لما يقارب الأربعين عاما. أجل ياأخي وزميل عملي، كنت مخلصا للفن الصادق النظيف النبيل.

نم قريرالعين في مثواك في الغربة.
  لكن روحك الطيبة ياعبد المطلب، ما زلت حية في مكان ما.
   في مكان هو أجمل ... أجمل..أجمل بكثير.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى   (( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ))

 صدق الله العلي العظيم.


تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption