أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقد مسرحي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقد مسرحي. إظهار كافة الرسائل

السبت، 4 فبراير 2017

تفاعلية الجمهور والمكان بمسرح المقهورين في عرض (مفتاح الفرج)

مجلة الفنون المسرحية

د. فيصل عبد عودة

تجربة ثانية بعد مسرحية ( ورطة ) تصنعها ( جماعة الناصرية للتمثيل) يومي 13 و 14 / 1 / 2017  بنص الكاتب المسرحي عمار نعمة: ( مفتاح الفرج )، إخراج الدكتور ياسر البراك ..
هذه التجربة التي اختلفت تماما عن النسق المسرحي الذي تجاوز الكثير من الحدود في التجارب المسرحية المعروفة ،من ناحية الفكرة المتشظية على مساحة وطنية - إنسانية لامست القهر البشري اليومي الذي يعيشه الانسان العراقي اليوم .. بل هي توليف منظم وذكي كما ظهر في خطاب العرض من مرتكزات المسرح التسجيلي والوثائقي مع اختلاف الوسائل .. اعتمد الدكتور البراك في إنتاج عرضه المسرحي على قصدية التعامل مع الجمهور والممثل في آن واحد اللذين شكلا ثنائية تحكمت بتدفق الافكار وسردها لفظاً وإيماءً مما أوجد جدلية أستطيع أن أطلق عليها  ( جدلية العرض المستمر ) .. التي اختلفت تماما عن المحاكاة الأرسطية والبرشتية التي ترى المتحرك داخل الذات .. فالمتحرك في العرض هو الممثل الذي يستفز ويستلب بين الحين والاخر ذات الجمهور ويضعه أمام علامات استفهام وردود فعل باعتبار أن الجمهور هو ركيزة العرض وهو حاضنة لخطاب العرض .. هنا ابتعد البراك عن تأثيث المسرح المفتوح بل إنحاز العرض الى مسرح فقير غني بالإيماءة وحركة جسد الممثل وتلاشي جدران الوهم المسرحي الذي به أصبح المكان متحركا وواعيا أمام الجمهور .إن اختزال الحكاية على وفق المنطق الروائي هو أن يجد الجمهور متونا حكائية متعددة تماهت وتطابقت مع البناء الخارجي لشكل الممثل ( الأزياء) حيث وظّف المخرج الزي بسابقة فريدة تجردت عن الزي المسرحي الذي يتمحور على الشكل المسرحي المألوف وتعداه الى عمق الشخصية وتأريخيتها .. فكل شخصية أصبحت دلالاتها الفكرية من خلال الزي وملحقاته التي استخدمها الممثل طيلة زمن العرض.  هذا المنحنى هو لإسقاط الغموض والتشفير المركب كون العرض خاطب جمهورا  أتى من عمق الشارع والمقهى والجسور والHسواق والمارة.. 
إن اختيار المخرج لفضاء مفتوح هو قصد لقلب المعادلة ما بين مكان العرض والجمهور .. فتقصّد المخرج أن يذهب بعرضه المسرحي الى الجمهور وليس العكس وهذه من التجارب الصعبة والمركبة جدا حيث واجه العرض شارع السلطة - وهنا أعني سلطات الافكار المختلفة الميول والاتجاهات .
ومن خلال هاتين التجربتين برزت بعض المرتكزات التي تؤسس الى تفاعل كبير من أن يكون المسرح مكانا منبريا مؤثرا في المجابهة والتغيير ومنها:
اشتغال المخرج مع مجموعة شكّل لها المسرح هاجسا جماليا على وفق التجارب المعملية المختبرية التي قام بها المخرج لفترات زمنية طويلة. 
تبلور الطاقات الشابة الواعدة ومنها العنصر النسوي لإيجاد ثقة أدائية بالعرض.
اختزال الانتاج المسرحي المبالغ به وتوفير عناصر العرض المرئية بأقل تكلفة إنتاجية الأمر الذي يلعب الانتاج الفني اليوم دورا كبيرا لتأسيس عرض جمالي مبهر.
ركز العرض لمفهوم العمل الطاقمي الذي نرى به المؤلف ممثلا .. وهذا ما كان لدى المبدع عمار نعمة جابر الذي وظّف جسده الرشيق لإنتاج علامات وفواصل وأفكار نقدية لاذعه وهادفة ومبتكرة.

-------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

الثلاثاء، 31 يناير 2017

تحديات النقد الأكاديمي في المسرح العربي الجانب النظري يغلب التطبيقي

مجلة الفنون المسرحية

تحديات النقد الأكاديمي في المسرح العربي  الجانب النظري يغلب التطبيقي


 أكّد الدكتور المغربي والمتخصّص في النقد المسرحي مصطفى الرمضاني خلال مداخلته أمس في الملتقى المنظم بجامعة وهران واحد بالسانيا حول «تحديات النقد الأكاديمي في المسرح العربي»، أنّ النقد المسرحي العربي مازال يتّسم بكونه نصا أدبيا يغلب عليه التقديم النظري، في حين العمل المسرحي هو عمل مشهدي، تطالب من خلاله باستحضار العناصر المشهدية، بما فيها كلّ أدوات العمل؛ من الإخراج وسينوغرافيا والإضاءة وغيرها.

اعتبر المحاضر أنّ أغلب الذين يمارسون النقد المسرحي على المستوى العربي من خريجي الجامعات والأكاديميين، هم حسبه، يمارسون الأدب وليس الفن، لذلك تغيب في دراساتهم هذه المظاهر الإجرائية. ووجّه دعوة التسلّح بهذا الوعي الجمالي في دراسة الأعمال المسرحية، باعتبار أنّ المسرح فرجة، والنقد ينبغي أن يدرس المسرح؛ باعتباره علامات، وكلّ ما فوق خشبة المسرح علامة على الناقد أن يقرأها بمنظورها وداخل سياقها الخاص.

الدكتور الرمضاني خلال مداخلته، أكّد أنّ المسرحية ليست لغة أدبية مباشرة، ولكنّه مغلّف بعلم الدلالة المكتوب أو الشفوي أو المتخيل، والذي يحفز هذه المستويات هو السينوغرافيا الأخرى، لكن الناقد عندنا تخرّج من الجامعة، ليس له ورشات تطبيقية، لا يملك تجربة إجرائية مقربة، وقد لا يستوعب معنى أن تقرأ العمل المسرحي، باعتباره نصا متعدّدا؛ أي أنّ هناك نصا جيدا ونص الملامح والإضاءة والتمويج الموسيقي والكوريغرافيا وكلّ ما ينتمي للمرفقات في لغة المسرح، وهي كلّها مكوّنات ولبنة؛ إذا سقطت واحدة ينهار العمل.

وأرجع ضعف مستوى النقد المسرحي العربي إلى غياب الورشات التطبيقية للأكاديميين أو المتخرّجين من المعاهد، الذين يعتمدون التنظير، بينما النقد يدرس الظاهرة الركحية، ويتحدّث عن الكائن، مؤكّدا أنّ أغلب ما يُكتب من نقد مسرحي أكاديمي وغير أكاديمي، إنّما يميل للجانب النظري أكثر منه التطبيقي، لذلك حينما نقوم بالنقد المسرحي العربي نجد أنّه فسيفساء من التجارب، بدأ من النقد التاريخي للمسرح، وكلّ بلد يعتبر نفسه رائدا، ويبدأ في تعداد الظواهر الإنسانية الموجودة، غالبا في جميع دول العالم، فالعنترية في النقد المسرحي موجودة بكثرة، لذلك حينما لا نجد الظاهرة تتّفق مع ما اتّفق عليه عالميا بالشكل الذي يمس بالشكل المسرحي الأريسطي، لأنّه مؤسّساتي. أما ما يقدّم هكذا بدون وجود نية مسبقة فلا يتعدى أن يكون نوعا من العبث.

ويرى الدكتور رمضاني أنّ الإبداع فعل مع سبق الإصرار، يحمل بنية مسبقة، أي أننا لا نبدع صدفة، بل يجب أن يكون هناك وعي قبلي، وهذا الأمر يجب أن نستحضره في المسرح، وهو ليس نصا أدبيا، بل هو هذا الكلّ؛ من إخراج وسينوغرافيا وممثل وإضاءة، ليطرح سؤاله: هل نملك هذا الناقد المسرحي الذي يملك هذه المؤهلات؟ ويجيب على نفسه بأنّ المؤهل أكثر ليكون ناقدا مسرحيا بالفعل وليس بالقوة، هو الناقد الممارس الذي يملك الخبرة الأكاديمية، لأنّ الهواية وحدها لا تكفي، لذلك حينما نريد أن نتحدّث عن قراءة نقدية بالفعل، نستحضر هذا المعطى الأكاديمي المعرفي، ولكن كذلك نستحضر هذه الخبرة، لنكون قادرين على تفكيك شفرات العرض المسرحي من الداخل.

وأعاب الدكتور رمضاني على المسرحيين العرب، كونهم ينقلون المناهج المسرحية الغربية بدون وعي، عندما نتحدّث عن منهج النقد الثقافي، كما يقول، والذي يروّج له حاليا عربيا هو مفهوم غامض؛ لأنّ هناك مناهج قد تصلح لبعض الأجناس دون غيرها، فهو يرى أنّ المنهج التاريخي منهج صحيح، لكن بالنسبة للمسرح ماذا سيستفيد من المدارس والشخصيات، وللممارس كذلك أو للمتلقي للعرض المسرحي؛ إذ لا يتعدى أن يكون مساعدا لفهم الظاهرة فقط.

وتبنّى الدكتور رمضاني المنهج السيميائي في المسرح، لأنّه يعتبره منهجا يعتمد على العلامة؛ باعتبار أنّ المسرح هو عالم العلامات. أما المنهج الثقافي والسوسيولوجي فهو صالح للأجناس الأدبية أكثر منه المسرح، بينما المنهج السيميائي فهو أنجع المناهج لمقاربة العمل المسرحي مقاربة الدراماتولوجية، والتي قد تسعفنا في مقاربة العمل المسرحي، إذ لم تتح لنا إمكانية مشاهدته أو ما يسمى النقد بالقوّة، لأنّها تعتمد على القرائن المعيّنة في النص لتخيّل العرض الممكن، لأنّ النص يتضمّن الحكاية والحوار؛ ما يجعلنا نتخيّل تحقّق العرض.

في الأخير، يعترف الدكتور رمضاني بأنّ المسرح العربي طغى عليه النقد الإيديولوجي، لأسباب أهمّها أنّ المجتمعات العربية مازالت تركّز على ما يقال. وعلى الجانب الفكري والإيديولوجي تغيب الجوانب الفنية؛ لأنّنا عشنا المستعمر، وكان لا بدّ من أن نستحضر هذا المعطى، ثم جاءت مرحلة التحرّر التي طغى فيها الشباب، وأصبحت الإيديولوجيا للدخول إلى عالم الديمقراطية، وفي السنوات الأخيرة، كما يقول الدكتور رمضاني، انتبهنا متأخرين إلى أنّ العرض المسرحي شيء أكبر من هذه المكوّنات الجمالية، التي لا بدّ من استنطاقها داخل العملية المسرحية. ويعتقد أنّ شبابنا اليوم هو من توكل إليهم مهمة الرفع من المستوى الجمالي للمسرح العربي، بدلا من التركيز على الجانب الإيديولوجي.

للإشارة، نشّط هذا اللقاء العلمي كذلك الدكتورة العراقية لميس عماري والدكتور فائق حميصي من لبنان، حول قضايا تتعلّق بإشكاليات المسرح العربي.

-------------------------------------------------
المصدر : خديجة نافع - المساء

الخميس، 19 يناير 2017

عرض مسرحية "القلعة "بسينوغرافيا متكاملة

مدخل لإتجاه مابعد الحداثة Post Modernism :

مجلة الفنون المسرحية

 مدخل لإتجاه مابعد الحداثة Post Modernism :

د. راندا طه 

طرح الفيلسوف الإيطالي "جيانى فاتيمو Gianni Vattimo " مصطلح" ما بعد الحداثة Post Modernism" في كتابه "نهاية الحداثة The End of Modernity "عام 1988 مفـسراً" ما بعد "Post ويرى أن الحداثة (Modernity) هي حالة وتوجه فكرى تسيطر عليهما فكرة رئيسية هي أن تاريخ تطور الفكر الإنساني يمثل عملية استنارة مطردة أو متتنامية، والحداثة بهذا المعنى تتميز بخاصية الوعي وبضرورة تجاوز تفاسير الماضي والسعي الدائب نحو التجاوز للمستقبل بتفسير آخر ( ).

 و(ما بعد الحداثة) هي المعنى الحرفي لـ"Post  Modernism"، وهو تجارب فكرية قام كرد فعل للحداثة. وتكاد تُجمع المراجع على عدم إعطاء تعريف دقيق لهذا المصطلح، بل بدلاً من ذلك تحاول تعريفه من خلال مقارنته بنقيضه وهو" الحداثة Modernism " ( ).فمعرفة (الحداثة) أمر مهم في معرفة (مابعد الحداثة)، وكلاً من هذين المفهومين نشأ في ثقافة غربية، ولذلك فالحديث عنهما سيكون ضمن نطاق هذه الثقافة.

يوافق أنصار ما بعد الحداثة الحداثيين على أن الإنسان لا يختلف عن بقية أجزاء الطبيعة، بالرغم من أنهم يتصورون الطبيعة بشكل مختلف. والفرق الأساسي بين النظرة ما بعد الحداثية والنظرة الحداثية أن الحداثيين ينظرون إلى الإنسان على أنه "ترس" في آلة طبيعية حية عظيمة، بينما يرى ما بعد الحداثيين الإنسان على أنه "ترس" في آلة إجتماعية. فهم يركزون على الأثر الاجتماعي على الإنسان وخاصة أثر اللغة، وليس على أثر العمليات المادية والبيولوجية الطبيعية كما يفعل الحداثيون.

ويرى ما بعد الحداثيين أنه ليس هناك ذات مستقلة عن حقيقتنا الاجتماعية. فالثقافة والمجتمع يصنعان (وبتعبير ما بعد الحداثيين: يخلقان) الأفراد كما يخلقان أفكارهم واتجاهاتهم. وتُعد اللغة من طرق صياغة المجتمع للأفراد. ويشير ما بعد الحداثيين إلى أن الإنسان يتفاعل دائما مع الحقيقة من خلال اللغة. فكل النشاطات العقلية قائمة على اللغة، فنحن نفكر من خلال الكلمات ونتواصل من خلال الكلمات. والناس مرتبطون بالحقيقة من خلال الأسماء التي يعطونها لإدراكاتهم وأفكارهم ، وهذه الأسماء- التي هي عبارة عن كلمات- تُطلق بشكل عشوائي (أو اتفاقي) من المجتمع.

 وكلما ازدادت أفكارنا تجريداً كلما ازددنا اعتماداً على الكلمات لإعطاء المعاني. فإذا كانت اللغة هي طريقة الناس للارتباط بالواقع فلابد إذن أن نفهم طبيعة اللغة، وطرق التفكير التى تختلف من لغة إلى أخرى، وتتطرف ما بعد الحداثة في الاستدلال بهذه الحقيقة .( )

فليس لدي ثقافة معينة من وجهة نظر ما بعد الحداثيين القدرة على الحكم على أفكار الثقافات الأخرى. فيزعمون أن من يفعل ذلك فإنما يفرض لغته وأنماط تفكيره على الثقافات الأخرى. وحيث أننا لا يمكن أن نقول إن لغةًً ما أفضل من اللغة الأخرى ،فإننا لا نستطيع أن نقيم أو ننقد الأفكار والحقائق التي تؤديها تلك اللغة. 

وبالنسبة لما بعد الحداثة فإن المشكلة ليست فقط في الاختلاف بين الثقافات، بل إن المشكلة في داخل الثقافة الواحدة في اللغة نفسها؛ لأننا نفهم الطبيعة أو ما حولنا من خلال إطار اللغة التي نتحدثها. وحيث أن لللغة منطق قائم على أسلوب التركيب فليس لدينا طريقة لمعرفة إلى أي مدى تؤثر لغتنا في إدراكنا. فنحن نسمي أشياءاً نراها في الطبيعة (أسباباً) ونسمي أخرى (نتائج) لكن من أين لنا أن نتحقق من أن تلك الأشياء أسباب أو نتائج، أم أننا فقط أطلقنا تلك الكلمات بطريقة اتفاقية (عشوائية) على أشياء يمكن أن ينظر لها بطريقة مختلفة. فيزعم أنصار ما بعد الحداثة أنه ليس هناك طريقة لمعرفة ما إذا كانت قوانين اللغة هي نفس القوانين التي تحكم الواقع. 

فتجارب ما بعد الحداثة تعتمد كثيرا على اللغة في طرحها لأفكارها، ومادامت اللغة غير قادرة على أداء المعنى، وما دام النص يمكن تفسيره بعدة تفسيرات وليس هناك مرجع معتمد لترجيح معنى على آخر، وما دامت الحقيقة هي ما تؤديه هذه اللغة فليس هناك إذن حقيقة مطلقة. فما بعد الحداثة تتركنا غرقى في الشك، محاصرين بما أسموه "سجن اللغة". فالواقع ـ بالنسبة لهم ـ تبنيه أو تُعرِّفه الثقافة واللغة ولا يُكتشف بالعقل والملاحظة. فالإنسان بالنسبة لهم لا يولد، بل يحدد ويعرّف بواسطة مجتمعه وثقافته. والإجماع الثقافي يحدد ويعرف الواقع ، ويتساءل بعض النقاد عما سيحدث إذا قرر أفراد ثقافة ما واتفقوا على أن جنساً من البشر ليس إنسانياً، وتعرض هذا الجنس للإبادة، كما حصل للسود في أمريكا وكما حصل لغير الألمان في ألمانيا الهتلرية، فعلى هذا يكون تدخل أفراد ثقافة أخرى لمنع الظلم عملاً عدوانياً. 

 إذن فتجارب ما بعد الحداثة تقوم في الجملة على فرضية واحدة، وهي أنه ليس هناك حقيقة مطلقة، أي ليس هناك حقيقة واقعية في خارج ذهن الإنسان توجد بذاتها سواء آمنَّا بها أم لم نؤمن ، وإنما كل إنسان تُبني داخله الحقائق بفعل ثقافته ولغته. وبناءاً على هذا فكل الحقائق التي تتكون لدى الناس متساوية، وليس من حق أي إنسان أن ينتقد حقائق ثقافة أخرى، وليس من حقه أن يقول إن ما لديه هو الحق وما سواه باطل.

 ولقد شهد تاريخ الفن الحديث تحولات وانقلابات منوعة يمكن قراءتها واعتبارها كفاحاً يسعى عبر تصادم المزاعم والآراء للكشف عن قيم الفن الأساسية، والعمل الحداثي Modernism))- نسبة للحداثيين- هو أي عمل يناهض الإنتاج الفني للماضي القريب ويتجاوزه سعياً إلى تأسيس قواعده الخاصة واكتشاف شروطه الفنية المتفردة التي تؤسس شرعيته.

وتتعارض فكرة ما بعد الحداثة مع المسرح والدراما بالمعنى التقليدي المتعارف عليه وأعمالها تتراوح بين محاولات التصنيف والتجريد .فكما أن فكرة العمل الفني "الحداثى "Modernismوفكرة وجود أسلوب ما بعد الحداثة قد ظهرتا لأول مرة في مجال نقد الفن التشكيلي فإن فكرة "العرض المسرحي"Performance الذي يجمع بين الأداء الحي والفن التشكيلي باعتباره فعلاً مناهضاً للتوجه نحو تحقيق عمل فني مستقلٍ بذاته. وهنا يُفترض أن فكرة المسرح في حد ذاتها – كما يقول الناقد الحداثى "مايكل فريد" – تناهض بطبيعتها محاولة اتجاه الحداثة لوضع العمل الفني في خندق الخصوصية والتفرد . كما يُفترض أن الأعمال الفنية التي تشكل تيار "ما بعد الحداثة  Post Modernism" تتحقق في سـلسلة من الـمراوغات القلقة المتقلبة للتعريفات والقواعد ، وهي مراوغات تتسم بطابع" مسرحي Theatrical "كما تميل في بعض جوانبها إلى الجمع بين المعرفة والفنون المختلفه.( )

 وبينما تقوم الحداثة على الوحدة والبساطة والوظيفية ففي المقابل يقوم أسلوب ما بعد الحداثة على التشظي والتنافر، ويرى الناقد ( جنكس) أن التعددية تشكل المنظور الرئيسي الذي يبطن أسلوب ما بعد الحداثة ونتوصل من ذلك إلى أن الموقفين (الحداثة و ما بعد الحداثة) لا ينتصر أحدهما على الآخر ، بل يستحيل التوفيق بينهما ، كما يرى جنكس أن أكثر التقنيات تفشياً في فن ما بعد الحداثة هي استخدام "الشفرة المزدوجة "Double-coding و" التورية السـاخـرة "Irony والغموض و" التباس المـعنى "Ambiguity و" الـــتناقض "Contradiction.( )
   تهدف نظرية مابعد الحداثة إلى تقويض الفكر الغربي، وتحطيم أقانيمه المركزية ، وذلك عن طريق التشتيت والتأجيل والتفكيك. بمعنى أن مابعد الحداثة قد تسلحت بمعاول الهدم والتشريح لتعرية الخطابات الرسمية، وفضح الإيديولوجيات السائدة المتآكلة، وذلك باستعمال لغة الاختلاف والتضاد والتناقض كما تتميز مابعد الحداثة بالتشكيك في المعارف اليقينية، وانتقاد المؤسسات الثقافية المالكة للخطاب والقوة والمعرفة والسلطة. ومن ثم، أصبح التشكيك آلية للطعن في الفلسفة الغربية المبنية على العقل والحضور والدال الصوتي. ومن هنا، فتفكيكية جاك ديريدا هي في الحقيقة تشكيك في الميتافيزيقا الغربية من أفلاطون إلى فترة الفلسفة الحديثةو فلسفات ما بعد الحداثة عدمية وفوضوية، تقوم على تغييب المعنى، وتقويض العقل والمنطق والنظام والانسجام. بمعنى أن فلسفات مابعد الحداثة هي فلسفات لا تقدم بدائل عملية واقعية وبراجماتية، بل هي فلسفات عبثية لا معقولة، تنشر اليأس والشكوى والفوضى في المجتمع . ( )

 وتعريف ما بعد الحداثة لا يمكن أن يقوم على رصد مجموعة من الصور والأشكال المحددة الخاصة بها؛ وذلك لأن ما بعد الحداثة لا تتواجد إلا كنشاط هدًّام يسعى إلى خلخلة وتقويض نفس الشروط والمبادئ التي نتوهم أنها تنهض عليها. فهو تيار يعلن صراحةَ استحالة تحديد المعنى بصورة نهائية ويحتاج إلى خـــطاب شارح ( Metadiscourse) يمثل إطاره المرجعي.

وتمثل ما بعد الحداثة صراعاً بين النظريات والاتجاهات المعرفية المختلفة يتبلور فيها الوعي بالصورة ، إنها اللحـظة التي تتحكم فيـها " الحكاية الصغيرة  Little narrative" بـ" الحكاية الكبيرة  "Grand narrative بعكس الحداثة التي تحتاج للسرد وتفترض وجود نص شارح ، وكما يرى  ليوتار أن مفهوم ما بعد الحداثة يعنى محاولة تدمير كل التصنيفات والتقسيمات والإفلات منها ، كما أنه عمل في حالة عدم استقرار ( ).



الأربعاء، 18 يناير 2017

العرض المصري "خلطة سحرية للسعادة "والانطلاق نحو إصلاح الذات

الثلاثاء، 17 يناير 2017

العرض التونسي " ثورة دون كيشوت "والأبداع في تقنية الممثل

الاثنين، 16 يناير 2017

العرض الأردني " العرس الوحشي " و الانطلاق نحو الابداع والتألق المسرحي

الأحد، 15 يناير 2017

مسرحية " خريف " وسمو الذات بالفعل الحركي

الجمعة، 13 يناير 2017

مسرحية " الثلث الخالي " والوعي بالإداء المسرحي

الاثنين، 28 نوفمبر 2016

مسرحية 'حروب' كرنفال الطائفية والهيمنة وصراع الميليشيات

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية 'حروب' كرنفال الطائفية والهيمنة وصراع الميليشيات

عرضت على خشبة مسرح الريو في العاصمة التونسية، مؤخراً وضمن أيام قرطاج، المسرحية العراقية “حروب”، من إخراج الفنان إبراهيم حنون وإعداد الفنان العراقي سعد محسن، وهي مقتبسة عن مسرحية “حروب كوسوفو” للكاتب الكوسوفي ماكيلي هاكييف. ”العرب” التقت حنون مخرج مسرحية “حروب”، للحديث عن طبيعة مشاركته في فعاليات مهرجان أيام قرطاج المسرحية، وطبيعة الانشغالات التي تمثلها في عمله المسرحي.

يمثل موضوع مسرحية“حروب” التاريخ العراقي الحديث المأزوم بالصراع، عبر التذكير بتواريخ بعينها، يحيل بعضها إلى انقلابات عسكرية وحينا آخر إلى تواريخ حروب متلاحقة.
تأثيرات جارحة ستمهد إلى أفعال أكثر قسوة في واقعه الراهن، متمثلة بالانقسام السياسي، والنزعة الطائفية المهيمنة، مفضية بدورها إلى تمكّن الإرهاب من أن يديم بفعله ترهيب المجتمع العراقي وشظيته.
هذه المسرحية تستدعي حالة النقد القاسي في أسباب غياب التعايش، والانقسام الطائفي الحاصل في المجتمع، جراء الحروب والفشل السياسي، عبر رؤية لا تخلو من التماهي مع الحس الطقوسي وكرنفاليته الذي أوحى به حضور مجاميع الممثلين، والذي تم تطويعه كي يشغل فضاء العرض المسرحي معززا بمشهدية تعبيرية، الرؤية الإخراجية للعرض.
المسرحية تستدعي حالة النقد القاسي في أسباب غياب التعايش، والانقسام الطائفي الحاصل في المجتمع جراء الحروب
المخرج إبراهيم حنون أخرج العديد من الأعمال المسرحية، منها مسرحية “سكوريال” للمؤلف التشيكي ميشيل جورجريد، ومسرحية “الموت والعذراء” من تأليف التشيكي أريل دورفمان، وهو يدير منتدى المسرح التجريبي في بغداد.
يصف حنون طبيعة ومهمة المهرجان ومشاركته في دورته الحالية قائلا "مهرجان أيام قرطاج المسرحية من المهرجانات المسرحية العربية العريقة، ما يمثله لنا نحن المسرحيين، بكونه فعالية دولية قادرة على أن تستقطب عروضا مسرحية مهمة من دول العالم المختلفة، بذلك هو بادرة ثقافية وإبداعية مناسبة للتواصل ومعرفة ما توصلت إليه التجارب والمشاريع المسرحية في دول عربية وغير عربية. كذلك، يمكن النظر إليه، بوصفه فضاء قابلا على تسويق المشاريع المسرحية، ومحاولة التبادل فيما بينها، وبرمجتها للمشاركة والحضور في مهرجانات مسرحية أخرى. عدا، من كون المهرجان ذاته، نافذة يطل منها الجمهور التونسي على تجارب مسرحية متنوعة، والذي يحتفظ في نظري، بذائقة مسرحية مميزة، أجدها قريبة تماما لذائقة الجمهور العراقي".
وعن أهمية ما أسماه بتسويق المشروع المسرحي، يذكر أن “الأمر يتعلق بالتعرّف عن قرب بالعروض المسرحية، وذلك عامل مهم لتقدير التجربة المسرحية وتقويمها. ومع حضور أغلب مدراء المهرجانات المسرحية المكرسة، نجد ثمة ما يعزز التواصل بين المعنيين بالشأن المسرحي، نقاد، ممثلين، مخرجين، وغيرها من الاختصاصات، وذلك يؤدي بالضرورة إلى تبادل المعرفة بالنتاجات المسرحية عن كثب، إذ لا يمكن أن تجري عملية التسويق المسرحي من دون دراية بالمشروع. لكن من المهم ذكره، أن العروض المسرحية لا تموت بعد عرضها الأول، هي تحتفظ بديمومة وجودها، حيث يمكن أن تعرض ثانية بعد زمن، برؤى وأساليب عرض، وطريقة إخراج أخرى، ما يشّكل إضافة ضمنية لثيمة العرض".

إبراهيم حنون: نص المسرحية يكشف فداحة الانقسامات الحادة التي ضربت بنية المجتمع العراقي

فضاء للتواصل والمعرفة
عن السؤال عن واقع وطبيعة الدور الذي يمكن تلمسّه في العديد
من المهرجانات العربية التي تقام في أكثر من بلد عربي، يوضح قائلا “من خلال مشاركاتي بأهم المهرجانات المسرحية العربية، أيام قرطاج المسرحية، مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، مهرجان دمشق المسرحي، وغيرها، تلمست بأن أغلب العروض المسرحية تنطوي على أفكار وموضوعات ذات بعد تحريضي، قريبة الصلة من مشكلات الواقع العربي، إن لم تكن من صلبها، وهي غالبا ذات مسحة تجريبية تتطلع لهموم المعاصرة.
المسرح العربي مسرح مجتهد، وملتزم، إضافة إلى كونه شديد الاهتمام بالمتطلبات الحديثة للمسرح، الرؤية الإخراجية المبتكرة، طبيعة الموضوعات، طريقة الأداء، الاستخدام الأمثل للفضاء المسرحي حضور السينوغرافيا. بمعنى أنه مسرح خلاق، يسعى رغم كل المعوقات، إلى أن يجد لنفسه مكانا متقدما ضمن مجالات الإبداع العربي. كما أنه دائم الحضور بالتظاهرات المسرحية ذات الطابع الدولي”.
وعن مشاركة مسرحيته “حروب”، أيضا، في عروض المهرجان العربي للمسرح بصفاقس، الذي تزامنت فعالياته مع أيام قرطاج المسرحية يبين المخرج إبراهيم حنون، طبيعة مشاركته “كانت فرصة مهمة لنا، في أن نذهب إلى أماكن أخرى، خارج إطار فضاءات أيام قرطاج المسرحية، كي نقدم عرضنا المسرحي في مدن تونسية أخرى، إضافة إلى العاصمة تونس. هذه التجربة، أي عرض مسرحية ‘حروب’، تمثل تقديرا للعرض المسرحي، ومحاولة تقويمه من قبل جمهور آخر مختلف. عدا التغلب على ظروف العرض التي تتعلق بالتقنيات والفضاءات الخاصة بالعرض ومستلزماتها، كي تقدمه بشكل يلقى القبول والتأثير. طبيعة التلقي كانت مؤثرة لدى الجمهور الصفاقسي، ثمة تجاوب خلاق مع العرض، من قبله، حيث كان العرض محمول بأداء مسرحي لا يخلو من شحنة كثيفة من التعبير في توصيف الشجن العراقي بصورته الحاضرة”.
مسرحية حروب
يصف حنون قراءته لمسرحية “حروب” وفق ما يحدث الآن في الواقع العراقي، قائلا “عملي المسرحي الذي قمت بإخراجه، والذي أشرت إليه، مأخوذ من نص عالمي اسمه “حروب كوسوفو” للكاتب الكوسوفي ماكيلي هاكييف، ترجمة الفنان الرائد سامي عبدالحميد. اعتمادي النص جاء بأسباب مشابهة التجربة الكوسوفية للتجربة العراقية، إلا أنني لا أخفي تصوري خلاله بإجراءات تعريق النص كي يكون ممثلا للحالة العراقية الراهنة. ثيمة العمل، تتعلق بحالة الصراع على النفوذ والسلطة أثناء الحروب. اتخذت مدينة بغداد بتراثها مقاربة في إيضاح ثيمة العمل”.


حالة الصراع على النفوذ والسلطة أثناء الحروب

ويضيف حنون “اعتمد النص على كشف الانقسامات الحادة التي ضربت بنية المجتمع العراقي، والتي ذهبت به إلى هويات فرعية، وطمس مفهوم المواطنة التي كانت جامعة له، والتي جاءت نتاج إرث عسكرياتي تدخل في صناعة القرار المديني، ونقد دور الطبقة الوسطى التي نأت بنفسها عن تدخلات مشابهة أضرّت بفكرة المدينة التي محت صورتها عمليات الترييف وثقافة القرية”.
ويقول إبراهيم أيضا “أستخدم في افتراض مقاربتي هذه، صراع الميليشيات وعملية استيلائهم على المكان، وطريقة تعاملهم مع أفراد المجتمع وكأنهم قطيع، بقوة إملاءات تخدم جهات سياسية معينة. يمكن النظر لهذه الأطروحة، باعتبارها إشكالية مجتمعية تعقدت مقدماتها، وسببت بالنتيجة دخول الإرهاب إلى العراق. هكذا تجد العنف المستديم، ثقافة الإزاحة، تعميق الانتماءات الثانوية على حساب العراق، بوصفه وطنا.
حاضر العراق
العمل هو مناقشة لما يحدث في العراق حاضرا، ومحاولة لاستثمار الذاكرة العراقية. العمل حاشد بالاستعارات، عبر طريقة أداء مسرحي يعزز جمالية المشهد ويقدم قراءات لإشكالية كهذه، خالية من التأويل، منتمية للمباشرة ومحاولة البوح عن المسكوت عنه”.
ويضيف حنون حول تعريف العرض “أفترض أن هذا العرض ينحو لإيجاد خطاب يلامس الذهنية والذائقة من خلال مفاصل تتعرض لمعضلات مجتمعية ببساطة وشفافية لإظهار ما أسمّيه بالوجع العراقي الدائم”.


العرض اعتمد على الأداء الفردي للمثل في عمله المسرحي، وحول ذلك يبين حنون قائلا “أداء الممثل هو نتاج ورشة وتفكير طويل، لطريقة حضوره على الخشبة، ذلك ما يمثل في تصوّري ركنا أساسيا من العرض، بوصفه متدخلا جماليا، وصانعا لفضاء عرض، ومتخليا عن اللوازم الأدائية التقليدية. الممثل في هذا العرض جسدا وإيماءة، تتظافر معا، لإيصال أثر تعبيري. العمل، كذلك، حاشد بأدائية فردية مع تحفيز للمجاميع وتبيان قواها وتعبيراتها الداخلية. ذلك يأتي بمثابة مساءلة لفكرة المسرحية ومحاولة إيصالها بدون مواربة أو تأويل. عليّ القول أيضا من أن العرض مليء بالتشكيلات المسرحية. ثمة ملاحظة وددت ذكرها، تتعلق باستعانتي بممثلين عراقيين بمشاركة ممثلين من تونس. رغبت تماما بأن يكون العرض حاملا لثقافتين متكاملتين، وخبرتين هما نتاج ما يمكن تسميته بنتاج المسرح العربي”.
-------------------------------
المصدر : سعد القصاب - العرب 

الأربعاء، 23 نوفمبر 2016

العرض العراقي "سيلفون" حين يصرخ الجسد بوجه الموت

السبت، 19 نوفمبر 2016

ثنائية الاستبداد والصمود في مسرحية الشيخ والجلاد

مجلة الفنون المسرحية

ثنائية الاستبداد والصمود في مسرحية الشيخ والجلاد

ناصر العمري

 في مسرحية الشيخ والجلاد للراحل عبدالله سعيد جمعان الخزمري  كم هائل من الصور والمواقف والمشاهد التي تنطلق من قيم الخلاص من الظلم والإستبداد وتجسد معاني التضحية والوفاء لأبناء فلسطين في مواجهة بشاعة العدو الصهيوني الغاصب والمحتل وتذهب بنا في رحلة لاتخلو من المحلمية والتوثيق لانتفاضة  اطفال الحجارة لتصف تشبث الإنسان بأرضه رغم كل أنواع القهر التي يتعرض لها وعلى أمتداد فصلين وأربعة مشاهد مسرحية وحوارات  ممتدة تستهلم  الصراع بين صاحب حق صامد ومغتصب باغ الأمر الذي خلق نصا متينا ومتماسكاً رغم العذابات المتتالية لبطل المسرحية، والأطفال والنساء وأهل الأرض العربية مع المحتل المتقوي بالسلاح. 
وقد حاول الكاتب من خلال حوارات كل فصل إيصال رسالة معينة ففي المشهد الأول حوارات تعبر عن  القسوة المفرطة والصمود والشجاعة لكن يتخللها محاولة جادة لتصحيح مفاهيم الجنود حول حقيقة فلسطين التاريخية يجسدها  حديث الشيخ للجندي  بعد أن وقع في الأسر((أذا أنتم من الجيل الذي ولد هنا في فلسطين ؟  يرد الجندي مقاطعاً إسرائيل،  لكن الشيخ يوضح له الحقيقة ((إذا أسمع مالم يقله لك حكامك في إسرائيل ... لقد كان جدك يعيش معنا هنا في فلسطين قبل 71 عاما وكان نسبة اليهود 10% من السكان يعيشون في سلام وأمان  .. إلى أن تحرك من يعيش خارج فلسطين  من اليهود وأخذوا وعداً من بلفور بإقامة دولة إسرائيل على أرضنا
الجندي : هراء .... وإفتراء على التاريخ .. انت مزور ومحتال .
وهكذا يستمر الصراع بين الشخوص مظهراَ عدم تقبل اليهود للحقيقة وقفزهم فوقها
أما الفصل الثاني: في مشهده الأول  فقد تعمد المؤلف من خلاله  كشف حقيقة الخذلان الدولي وصمته أمام آلة القتل البشعة للغاصب
ثم جاء مشهد اجتماع الكنيسة ليوصل رسالة مفادها حنق المغتصب وهلعه من واقع الصمود
فيما كان  المشهد الأخير مجسداً  إصرار الفلسطينين والعرب على رفض الظلم بكل الطرق ومهما كان حجم التضحيات.لتكون(( الشيخ والجلاد)) في مجملها العام بلاغا مؤتمنا عبر فضيلة المسرح لمن ألقى السمع وهو شهيد  .
الشخوص في الشيخ والجلاد  تم رسمها بعناية لتتخلق فوق الخشبة لتمثل  كل ماجري على أرض فلسطين  عبر  شيخ فلسطيني يمثل أحد طرفي معادلة  المسرحية  أبتداء من عنوانها  مروراً بصراعاتها وحتى خاتمتها مقابل الجلاد الذي يمثل طرف المعادلة الآخر الذي يجسده رموز الحكومة الإسرائيلية( شامير رابين قائد استخبارات إسرائيلي موشي آرنز موردخاي جور فلنر وجنودهم البغاة) فيما يمثل الفدائيين  وأم فلسطينية وطفل صغير  وصحفي أجنبي  بقية الشخوص
ليشكل هذا المجموع كل الحكاية ومجمل الصراع المتنامي  بين تلك الشخوص ووفق مايخدم الفكرة بإشتغال محكم ؛ وجرى توزيع الأدوار بينهم بعناية  فيما جاءت الحوارات والمشاهد  ومدة الظهور  فوق الخشبة قصراً وطولاً محققة  لرؤية الكاتب ووفق ما يخدم العمل  وغايات مشاهده وبما يجسد حجم القضية وأبعادها
فالشيخ  على سبيل المثال حضر على أمتداد الفصول والمشاهد  لأن الحكاية تستمد حبلها منه وتقتضي وجوده  كونه  يرمز  إلى الحق العربي وإلى الأرض والمقدسات و التضحية في أجمل صورها  كما يجسد معنى الصمود وتجاوزحقائق  العمر والضعف  والسنين وقلة الحيلة حتى آخر رمق من العمر حين يرحل ومعه عدد كبير من الأعداء
فيما كان الصحفي يجسد الضمير العالمي والإعلام والقوى القادرة على فضح الظلم والتي تمارس دور المتفرج والصامت حينا ودور صاحب الوعود الكاذبة   ليطيل أمد الصراع دون حل ناجع  للقضية الفلسطينية ، يحدثهذا رغم أن البشاعة أكبر من أن تخطئها العين أو يخفيها تواطؤ ،ولم يفت الكاتب أن يستحضر الطفولة عبر مشاهد مختلفة  فهم الأمل وهم الغد وهم الإمتداد لرحلة الصمود والأمر نفسه ينطبق على الأم  التي تمثل سيرورة البقاء فهي الرحم الولود الذي لايكف عن إنجاب الفدائيين وإرضاعهم معاني الصمود والمقاومة والوقوف في وجه الغاصب  لذا لم يغب هذين المكونين عن العرض لأهمية حضورهم.
و يخصص المؤلف للصحفي مشهدا كاملا يضمنه حوارات تؤكد أن الضمير العالمي يدرك كذب وزيف إدعاءات الإسرائيلين التي يرفعونها ليبرروا وحشيتهم حين يصفون الفلسطيني بمغتصبي الأحلام ومحطمي الآمال  والإرهابيين  فحين يمنع الجندي الإسرائيلي المصور من أداء عمله ويهجم عليه  ويطرحه أرضا رغم حمله تصريحا بالدخول لمنطقة الصراع  فيصفهم الصحفي بأنكم في منتهى الشجاعة والقوة والإقدام  ومستعدون للمواجهة بأنواع الأسلحةثم يستأذن الصحفي الجندي في أخذ صورة لوضعها على غلاف المجلة
وفي أحد الحوارات مع الصحفي  
يتساءل الصحفي  هلا خففت العذاب عنهم قليلا ؟؟
فيرد الجندي هازئاً أو تعلمنا أنت أيها الصحفي كيف نعامل مثيري الشغب ؟؟
وهكذا على إمتداد المشاهد تتجسد قسوة ونذالة الجنود   التي  يصورها المشهد التالي :
الصحفي متحدثا  لعجوز فلسطيني  : ألا ترغب أيها العجوز في سلام مع إسرائيل ؟؟
العجوز : نعم ... نريد العيش في سلام .. نحن لانريد حتى أن نخدش إسرائليا أو نؤذيه  وبالمثل لانريد أن يتعرضوا لنا بأذى
ويسترسل  العجوز :
لماذا يحارب كل منا الآخر ؟؟
نريد أن نعيش بسلام ولا نمانع أن يعيشوا بسلام
وهذا المقطع يجسد أمنية الفلسطيني وسلميته
وفي ذات المقطع نقرأ :
الصحفي : ألا تستطيع أنت وأمثالك من كبار السن حث الشباب على إيقاف الإنتفاضة حفاظاً على أرواح أبنائكم ؟؟
العجوز : ضاحكاً  لقد قلت لأبني هذا الذي تراه هناك  إذا استمرينا في قذف اليهود بالحجارة  فأنهم سيقضون علينا  ويهدون بيوتنا  فأجاب  : وهل تعتقد أننا سنستعيد وطننا دون تضحيات ؟؟
وهو يعبر عن لغة الصمود والقبول بالتضحيات مقابل إستعادة الوطن المغتصب
وتتصاعد الأحداث  على نحو مثير ووفق حبكة دراميةيجسدها هذا المشهد  : 
الصحفي في حوار مع  الجنودوفي ذات الوقت تتعالى أصوات ابطال الحجارة وهم يقذفون الجنود يستشيط الجندي غضبا ليوجه بقية الجند بإطلاق الرصاص وإخراس أصواتهم ويهدد الصحفي بأن لم يغادر بأنه سيحطم كاميرته
وحين لايغادر يهجم عليه الجند ويجرحونه  ليهرب بإتجاه أبطال الحجارة حيث يستقبلونه ويضمدون جراحه وهذا المشهد يجسد قسوة اليهودي مقابل إنسانيةالفلسطيني والذي ينتفض في وجه اليهود كردة فعل وليس لأنه إرهابي . 
ويأتي مجمل الصراع في( الشيخ والجلاد ) حول محور أساس، هو تشبث الإنسان العربي بحقه في الحياة الكريمة في وطنه وفوق أرضه ، يقابل هذا المطلب المشروع، بتعنت وطغيان من المحتل الغاشم، الذي لا يدخر وسيلة للإضرار والإذلال والنيل من أهل الأرض، بالقتل تارة، وبالاغتصاب والإقصاء والسحق، تارات أخرى، دون رأفة بالنساء والأطفال، أو رحمة بكبار السن
وتصور تلك الحالة مشاهد  قطع المياه عن الأحياء والمنازل التي تسقط فوق الرؤوس  لكن مع هذا  يأتي مشهد إجتماع الكنيست الإسرائيلي ليمنح المشهدية والبناء بعداً آخر  ويمنح الصراع تنامياُ
حيث يجتمع شامير ورابين وفلنر وقائد  الإستخبارات  ليفضح المشهد حالة من الوهن في نفوس الإسرائليين
فأثناء إستعراض التقرير الخاص بالإنتفاضة  يدور هذا الحوار
رابين : ايها السادة الحضور أستلمت اليوم تقريرا غريبا  يقول أن شباب الحجارة يلبسون دروعاً بدائية تحت ثيابهم لمواجهة العيارات المطاطية وقد أكتشفوا المدى الذي تؤثر فيه  ثم وقفوا على بعد آمن منها ؟؟

رابين : (جادا )  ...   نعم   أستخدموا البصل حيث يحمله كل شاب معه .
قائد الإستخبارات : إن لديهم قوة مدهشة على الصمود  فالعقل العربي يواصل الإختراع  لصد خطوات العقاب التي يوجدها العقل اليهودي .
النائب فلنر : ساخرا...... وتظهر حربنا ضد الإنتفاضة كمغامرات توم وجيري  إذ يلعبون دور جيري الذي يهزأ من توم بطيء الحركة وصاحب القوة العظيمة الذي يسقط في ألاعيب جيري
هذا المقطع بكل حمولاته  ومايحمله من إيحاءات   تؤكد أن  آلة القتل والدمار  تصاب بالوهن مقابل الصمود  الغريب لأبطال الإنتفاضة
كما يؤكد مشهد آخر  من الإجتماع إستعراض اللجان الفلسطينية وأدوارها ((اللجنة النسائية – لجنة عيادة الجرحى واللجنة الزراعية ولجان الحراسة  واللجنة الإعلامية )) مايصيب شامير بالحنق  ويجعله ينفجر في وجه رابين ماذا فعلت أنت تجاه هذه اللجان ؟؟؟  ليحتدم بينهما النقاش حين يقول رابين أصدرت قرارا بحظر نشاطها كونها غير مشروعة
فيهزأ به  فلنلر : من السخف الإعتقاد بأنهم عقب إصدار أوامرك سيتوقف نشاطهم  والمؤكد أن القرار سيدفعهم نحو العمل السري  .... الخ الحوار 
فيما يظل الأمل والتجدد ديدن المقاوم  حيث لا تتفتت عزيمته
ففي أحد المشاهد يقول الشيخ  مخاطباً أحد الجنود متحدياً :
هدمتم بيتي .. لكني سأحوله مصنعاً
يرد الجندي هازئاً .. مصنع .. كيف ستبني مصنعاً وأنت لاتجد المنزل ؟؟ فيجيبه الشيخ : كل حجر  من هذه الأنقاض سأعطيه لفدائي يقذفكم به حتى آخر حجر
وفي مشهد آخر :  يضرب قائد الإستخبارات  الشيخ على وجهه بالسوط فيخرج من وجه الشيخ الدم    يمسحه ويقول للقائد : شكرا لأنك  قلدتني وساما رفيعا وحين يستغرب القائد  متسائلاً وساماً رفيعاً  يرد الشيخ : تشج ناصيتي من كلمة فلسطين .... ياله من وسام يضاف لأوسمتي  الكثيرة
ويشق عن صدره صائحاً ((أنظر هذه أوسمتي إنها محفورة في لحمي ))

وعلى هذا النحو من لصراعات والتحدي تسير الأحداث في تصاعد وفي نسق متزن وحيوية عامرة بالصور  المختلفة والتي تجسد وحشية العدو وبسالة العربي

يتخلل تلك الحوارات  إستشهادات  التي  تأتي على لسان  الشيخ  والفدائيين  في مناسبات كثيرة وتكون الإستشهادات مستلة  من النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، والشعر العربي الفصيح, وعبق التاريخ العربي الإسلامي، وجغرافية الأرض، وتركيبة المجتمع، وذلك لغايتين :

دعم الحق العربي المشروع وتبرير  صراع الشيخ مع جلاده بمنطقية  ثم لإثبات صلابة المرجعية ومتانة  المرتكز الذي يرتهن إليه هذا المنطق  ،

                                       مشهد الختام

يأتي مشهد الختام كاسراً لأفق التوقع ، حيث  يستشهد البطل  حرقاً,, بالقاز ,,! ولكنه يموت مرفوع الرأس ، لأنه يغادر الدنيا بأكبر عدد من الغاصبين ، في انفجار ضخم يعم المكان،

حيث كان الشيخ بساق خشبية  يخبيء داخلها متفجرات ,,!.
* قبل أن يسدل الستار إيذاناً بانتهاء العرض مع  تسليط الضوء على منظر غترة الشيخ، المنصوبة على عكازه في هيئة خارطة فلسطين،

 ويسمع صوت محمد عبدالوهاب في أنشودة فلسطين:


أخي,, إن جرى في ثراها دمي

وأخفضت فوق حصاها اليدا

ففتش على مهجة حرة

أبت أن يمر عليها العدا

وقبل شهيداً على أرضها

دعا باسمها الله واستشهدا

فلسطين,,, يفدي حماك الشباب

وجل الفدائي,, والمفتدى

فلسطين,, تحميك منا الصدور

فإما الحياة,, وإما الردى


متفرقات :

*-المسرحية كتبت في أجواء الإنتفاضة الفلسطينية في أواخر الثمانينات مما يجعل منها مسرحية توثيقية و وثيقة تاريخية مهمة تصور أحداث نلك الحقبة بكل معطياتها

*-قام نادي الباحة  الأدبي بطباعتها  في عام 2014م  وهو توجه محمود يتبعه النادي في خدمة الحركة المسرحية وساهم في إيصالها للمتلقين بعد أن ظلت مخطوطة لفترة طويلة  وأنتجها النادي بمناسبة تكريمه لمؤلفها ضمن  الشخصيات الأدبية المتميزة من منطقة الباحة عام 1433 على هامش ملتقى الرواية العربية ((الذاكرة والتناريخ))

*-هذا العمل يمكن إعتباره  نموذجا للخطاب الثقافي السعودي في تبني ونصرة ومعاضدة القضية الفلسطينية .

*-مؤلف المسرحية رحل عن دنيانا في العام 1411 هـ  وهو صاحب  نتاج  أدبي متعدد في مجالات القصة القصيرة والرواية والأعمال  الدرامية التلفزيونية والأذاعية .

الخميس، 3 نوفمبر 2016

ثُنائية “الحياة - الموت” في نص بيرانديلّو “الرجل ذو الزهرة في فمه” بإخراج غابرييلي لافيا

مجلة الفنون المسرحية

 ثُنائية “الحياة - الموت” في نص بيرانديلّو “الرجل ذو الزهرة في فمه” بإخراج غابرييلي لافيا

يواصل المخرج والممثل الإيطالي الكبير غابرييلي لافيا بحثة المسرحي، والوجودي، في ثنائيّتي «الحياة - الموت» و «الفرد - السلطة »، ويبلغ المخرج قمّة هذا البحث عبر عمله الأخير «الرجل ذو الزهرة في فمه» المعروض في مسرح «لا بيرغولا - La Pergola » التاريخي في فلورنسا، والمُعدّ من نص نثري بنفس العنوان للويجي بيرانديلّو والمطعّم باقتباسات ومقاطع من نصوص نثرية وشعرية أخرى للكاتب ذاته، وهو الذي تعامل مع هاتين الثنائيّتين أكثر من غيره من كتّاب المسرح والقصّة الأوروبيين.
 لافيا، الذي يؤدي كعادته بطولة العرض، اعتبر النصّ الذي أعّده أبقاه بذات عنوان «الرجل ذو الزهرة في فمه»، “إختزالاً لما أسّسه بيرانديلّو كنموذج أَمْثَلْ على فقدان القدرة في التواصل مع الآخرين، والدليل على الوحدة التي تتسبّب بها سطحيات الأشياء وجزئيات الحياة التي لا معنى”، وهو “محاولة لإيضاح جوهرية بلوغ أولوية الحياة على الموت”.



ويحاول غابرييلي لاڤيا، بصحبة رفيقيه على الخشبة، ميكيلي ديماريّا وباربارا آليسّي الإمساك بالحياة لحظة واحدة قبل نهايتها. فبعد «ست شخصيات تبحث عن مؤلف» للويجي پيرانديلّو وعبوراً بـ «حياة غاليلو غاليلِي» لبرتولد بريخت، يعود غابرييلي لاڤيا إلى خزين الكاتب الصقلّي الحائز الى نوبل للآداب ( 1934 ) لويجي پيرانديلّو، الذي أثّر في مسرح زماننا وأثراه أكثر من غيره .

ما يربط بين هذه الاعمال الثلاثة هو الإنسان، المدرك تماماً لوعيه، لكن الواعي تماماً بمخاوفه والمحتاج إلى إزاحة تلك المخاوف، من خلال التمترس وراء قناع يفرضه عليه الآخرون، وينتهي به الأمر بالقبول بذلك القناع ليضمن العيش الآمن. إنه حالة «المطهر» الدانتيّة ما بين الكينونة الحقيقية و ما يطفو على السطح من شخصية الإنسان.

تدور أحداث المسرحية داخل مقهى في إحدى محطات القطارات. أحد روّاد المقهى، رجلٌ مسالم يجلس هناك. يقترب منه زبون آخر ويبدأ بالحديث معه بإلحاح متصاعد. الحديث ساخر ويائس، ويُظهر قدرة استثنائية على اقتناص أعمق التفاصيل وأدقّها، والتي تبدو في الحياة اليومية الاعتيادية غير ذات معنى.



اعتبارات هذا الرجل وآراؤه المريرة تكشف عن حقيقة رهيبة: فذلك الرجل مُقبلٌ بالفعل على الموت، وما «الزهرة في فمه» إلاّ الورم الذي أصاب شِفّته العليا. وقد أحاله اقتراب الموت منه أكثر وعياً وقدرة على البحث في كنه الحياة وأسرارها وتَغَلْغَلَ في صُلبها، أي بمعنى أن ذلك الوضع منحه نوعاً من البصيرة الرائية يتمكن من خلالها تحديد ملامح وجود الأشخاص الآخرين، الذين لا يعيشون حياتهم بذات الاستقلالية التي يواجه بها هو حياته. وفقدان تلك المزيّة يجعل من الآخرين غاضبين وغير قادرين على الإدراك. فليس الزبون المسالم، وهو اسم الشخصية الأخرى إلاّ واحداً مثل الآخرين، تضبّب ذهنه بسبب رتابة الحياة اليومية وتتابع أحداثها.

-------------------------------------------------------------------------
المصدر : عرفان رشيد -وكالة ( أٓيْ جي آي ) الإيطالية للصحافة - فلورنسا 

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

أيوب العراقي.. رحلة الحلم نحو المنفى

مجلة الفنون المسرحية

أيوب العراقي.. رحلة الحلم نحو المنفى  

ناجح المعموري 

قدم الفنان ثائر هادي جبارة عرضاً مسرحياً من تأليف الفنان المعروف سعد هدابي واخراج الفنان جبارة وكان باسم (( ابصم باسم الله )) والعرض مونودراما تتمركز حول هجرة الشباب الى  الخارج وبحماس وراء حلم لايوفر وسيلة خلاص وانقاذ لكل شاب وعائلة باحثة عن المنتظر ، خلاصاً من ظلم اجتماعي – سياسي او هروب من حرب داخلية. 

ابتداء العرض تبنى القضية الكبرى التي لم تكن جديدة ، بل هي قديمة ، لكن حصلت عليها تحولات كبرى في الوطن العربي ،بعد الربيع الكاذب ، وهي العلاقة بين الأنا والآخر وتمظهرات الصراع متنوعاً ، وما يلفت الانتباه سيادة ايوب ، الشخصية العراقية في العرض التي جعل منها المخرج  ثائر هادي وكان يؤديها شخصياً بافكار وثقافة عراقية ، وتحول تدريجياً  لأن المخرج جعل منه شخصاً خاضعاً لسيرورة متحركة ، بحيث صار رمزاً كونياً ، تم من خلاله على كل الشباب والجماعات التي واجهت الموت بطرق عديدة حتى تمسك بلحظة خلاص هي حلمها التي تريد ، واستطاع العرض الذي صار فيه الفنان ثائر هادي جبارة مركزا وجوهراً ، تمكن وبنجاح مهم للغاية من انتاج شخصيات عديدة وحاز على تنوعات ، اغتنى بها العرض المسرحي ، وكان يطوف عبر زمان ومكان محليين ، لكن لا احد بامكانه تجاهل صفة العرض الكونية الانسانية مثلما تمكن سعد هدابي من خلال النص ، وضع مايجعل العرض كونياً وهذه ملاحظة جوهرية ، واتسع العرض معتمداً على الرؤية النصية منذ لحظة الاستهلال ، حيث الاشارة الدلالية لآدم وحواء ، والحقائق التي افضت لها اسطورة اللقاء والنجاح بتحقق لحظة كونية جديدة هي التصرف بين الاثنين ، آدم وحواء ، انه التصرف الثقافي والجسدي الذي افضى لتحولات كبرى حصلت في الحياة بعد الطرد من الفردوس ، وماحصل بين الاثنين لم يكن خطيئة ، بل هو اعظم تصرف قاد الحياة والعالم الى تحولات كثيرة وخطيرة ولعل حلم الهجرة وتفكك الهوية الوطنية احد التحولات التي اشار لها العرض وبامكانات تمثيلية كبرى ، نجح فيه الفنان جبارة من مسايرة لحظة الحلم واسباب الانشغال به وحركته ، بحيث وصل عرض المونودراما الى جوهر الصراع الانساني العميق الذي كان من استهلالاته المبكرة  هو العنف الانساني الاول ، الصراع بين هابيل وقابيل الذي ظل حاضرا ومستمرا وكأن الهبوط أعلن وجوب استمرار العنف الدموي وظلت خسارة الاخ باغتيال اخيه حاضرة ومستمرة حتى لحظة العرض التي سجلت تحقق ذلك ، لان حلم الهجرة والرضا بالمنفى احد دوافع التزاحم من اجل الموت غرقاً ، وكانت رؤية العرض ناجحة لتمثيل ذلك ، عبر رسم اجواء البحار والشواطئ من خلال علامات  الاطارات والطوافات وضجيج السواحل ، بحيث اتخذ الحلم نمط الاحلام الكبرى الضاجة بالجدل والصراع والعنف مع حضور قوي لجماعات امتلكت  خبرة الايقاع والإغواء . 
ومن العلامات الحيوية التي جعل منها المخرج سينوغرافيا ثابتة، فمنذ اول العرض حتى نهايته، وهو المثلث الكبير الذي جعل منه المخرج مدونة صورية مشاركة بتجوهرات العرض المسرحي ، وظل المثلث حاضرة للتدوين واحيانا كشافاً لما حصل ولم يعلن عنه العرض المسرحي ، بل قاله المثلث عبر تدويناته التي اختصرت تاريخاً طويلاً ، حافلاً بالفساد والتزوير والموت الجماعي ، وحفلت البصمات الثلاث بسرديات اكثر فجائعية ومرارة ، واحتوتها ذاكرة المرويات نوعا من المواجع والمراثي التي تمثل امتدادا وموروثا للمراثي السومرية . 
ازدحام العرض بالعلامات شتت معنى ماتومئ له ، وكان بالامكان اختصارها  الى علامة واحدة او اكثر ، واعني بها الطوافات المدورة لان التصور الاخراجي كاف لاخضاع العلامة لحركة وجدل الاستجابة للسيرورة وهنا تكمن اهمية العلامة عبر ليونتها ومرونتها في التحول ، حاملة دلالة جديدة ، كما وجدت عدم ضرورة ان تكون المدورة السوداء رمزاً معبراً على الوالد ، مختصرا بالعقال ، وكان بالامكان تحريك اللون الاسود  ليتسع لاستيعاب التراجيديا الكافية على خشبة المسرح . والتي عبر عنها الفنان ثائر هادي جبارة جسديا بنجاح ملفت للانظار واخضع التفاصيل الجسدية للتناظر  الحيوي مع العلامات ولعب الصوت وايقاعه موجهاً للدنو من الاشارة او العلامة المتحركة. كان حضور المثلث رمزا عانيا دالا على الذكورة ، بحيث صعد الرأس نحو الاعلى واتسع بقاعدته وافضت هذه السيرورة الاستهلالية لكشف مدونة البصمات الثلاث المعبرة رمزيا عن سيادة العنف والاستبداد والتلاعب بمشاعر الجماعات وتوظيف المقدس بالاتجاه غير الصحيح . 
كانت اولا البصمة السوداء والثانية الحمراء والخضراء هي الاخيرة ومالفت الانتباه ومنح العرض تحفيزاً الحمراء والخضراء وقد تحولتا الى مدونتين على الوجه الابيض للمثلث وكان اللون المتنوع مثيرا لانه امتلك طاقة التحول الدلالي ، وهي طاقة متحركة لها معنى اثناء العرض وقدرة الفنان ثائر هادي جبارة على اشغال فضاء المسرح بجسد متحرك لين مرن وظل موفقا في الاشارة الى المأساة الشخصية لايوب العراقي ، وبالتالي هو ايوب كوني ، وكان اختيار سعد هدابي لكنية الممثل الوحيد في المونودراما ذكيا لانه يعرف قاعدية المعذب البابلي في الملحمة البابلية والتي اطلع عليها العبران عندما كانوا في بابل واعادوا انتاجها وصارت نصا توارديا ومثلما قال بورخس بانحياز بان التوراة هي الموروث الحقيقي للشعوب الاوروبية ، بمعنى قصة ايوب معروفة ، واتسعت جغرافية الاسم الذي دائما مايكون شكله مستقيما مثلما قال إزرا باوند . 
والحركة التي جعلها متنامية ، متسامية ، خلقها ايوب الكوني ، وهنا تعمق الفعل ، لينتقل من الخصائص المحلية الى الكونية  لان ملاحقة الكائن وقهره واضطهاده ملمح للعالم كله ، لان التباين والاختلاف قائم وحتما يستدعي هذا كله المراقبة والمعاقبة. 
واستمر ايوب العراقي غني الدلالة حتى اللحظة التي شعت دلالة البياض الواضح في الزي كله وحقيبة السفر والتجوال ظلت محتفظة ببياضها ولذلك معنى واضح مضافاً لذلك بياض شعر راسه كله وعلى الرغم من فضاء البياض ، ظل ايوب ملاحقا مطرودا في كل مكان من العالم وهو الشاهد العراقي على الموت الجماعي الذي تعرف عليه لكنه انتهى لمحطة العودة سالما الى وطنه الذي غادره بعد لحظة البصم بالدم ، وكان من الممكن توظيف هذه العلامة تماهيا مع الاب الاول آدم ، ليردد ايوب صرخته بالقول: آ........ دم  ليقدم شحنة من التوتر الذي يغذيه الاسم اما البصمة الاخيرة الخضراء في الرمز الدال بطاقة متحركة ومتجددة على العودة للام الاولى الرمزية وهي الارض وبصم بالاخضر المعبر على الخصوبة والانبعاث واستمرار التجدد ، كل هذا حصل مع تفاصيل خاصة بالتنوع الثقافي الخاص بايوب الليبرالي/ العلماني مصحوبا باطوار من الغناء الذي صاغته مراثي الجنوب زمن سومر والتي برع بها الكهنة (( كالوا)) والذين رددوا اغاني الحزن ، الايسمالا والتي ورثناها حتى هذه اللحظة. 
ظلت العروض تنوعات صورية في الذاكرة وليس سهلا نسيان الشحن التراجيدي الذي بثته تفاصيل الجسد الطيع للفنان الكبير ثائر هادي جبارة وكان بحق فناناً لامعاً ، حزيناً في عرضه وكثيرا مابكى وهو يؤدي حركاته  ، سعداء لان المحافظات قادرة على العطاء باستمرار ولكن المركز لايرى جيداً . 

------------------------------------
المصدر : المدى 

الاثنين، 24 أكتوبر 2016

"الخادمتان" لجان جينيه رؤية مبتكرة بإخراج لهاغوب درغوغاسيان

فرقة شكسبير المسرحية ابداع العطاء الثر..وشموع الفن الواعد

مجلة الفنون المسرحية

فرقة شكسبير المسرحية ابداع العطاء الثر..وشموع الفن الواعد 

همسات حامد المجمعي

كم كنت سعيدا وانا اشاهد العرض التجريبي لمسرحية غربة..لفرقة شكسبير الفنية و كم وجدت نفسي منتشيا وانا اتأمل ابداع شباب بعمر الزهور اتخذوا من المسرح لوحة لأخراج ألمهم بصوت جهور منتقدين الوضع الذي يعيشه اكثر شيرحة في المجتمع وهم الشباب جيل المستقبل ..وكم جميل كان الفنان المتالق زين العابدين وهو يأخذك بأنتقالاته الرائعه ليجعلك تغلق الحديث بصمت ناطق كانك تريد ان تقول له ابدعت لكنك تصمت لكي لا تفسد لحظة المشاهده وكم كان هؤلاء الشباب متحمسين لاظهار روح الابداع واعتلاء خشبة المسرح الراقي المعبر والذي اسعدني اكثر هو لقائي بالاستاذ  وضاح طالب دعج المشرف والمؤسس لهذه الفرقه وداعمها الاول والمعد اللغوي والفني لها .انسان وفنان يعطي ملاحظاتة بكل حرص واتقان لاخراج العمل بالصيغة اللغويه المعهوده ومسرحية الغربه هي مونودراما تعبيريه تمتع المشاهد وكم كان الكاتب جمال الشاطئ رائعا في نصه ... حين يصوغ نص من رسالة  وصلته لشاب يعيش  غربته  ...والذي قدمها المخرج والفنان زين العابدين وابدع في رؤيته التي احب ان يوصلها للمتلقي  ان الموت غربة داخل الوطن وغربة خارج الوطن ...يذكر ان فرقة شكسبير من الفرق الجميلة والمبدعة من خلال فنانين تفاعلوا مع مايقدمون بصدق رغم معاناتهم بعدم توفر مسرح متكامل في ديالى تأسست هذه الفرقة 2013 من قبل  مجموعة من شباب معهد الفنون الجميله..بدات اولى خطواتها بثقة فنانيها وقدمت ا ول عمل لها مسرحية الهشيم للكاتب عبد الامير شمخي ومن  الفخر وهي في بداية ظهورها انت تحصل على جائزة افضل عرض ازياء ..بعد عرضها في المهرجان الثاني للمسرح النجف..ثم لتقدم عمل اخر ابدعت فيه هو..مسرحية بلا اكفان  ..الذي ابدع في اعداها واظهارها الاستاذ وضاح طالب..لتتوالى ابدعاتهامن خلال اعمال كبيرة منها مسرحية انتظرتهم للكاتب علي عبد النبي واخراج وضاح طالب .الذي حصلت على  جائزتين افضل سينوغرافيا وافضل فنان للفنان زين العابدين.بعدها جاءت مسرحية الاستجواب للمخرج والكاتب الكبير  سالم الزيدي ..الذي اخذت اهتماما واسعا من خلال تقديمها على قاعة الوفاء  ...فرقة شكسبير  شباب تالقوا بتعاون اخوي خلاق يتبعه نكران الذات ..فهم مجموعه من الشباب  الفنان زين العابدين...الفنان اسماعيل العباسي في السينو غرافيا..الفنان مرتضى حاتم اضاءه الفنان سجاد جاسم موسقى..والفنانين احمد وهبي ...والفنان احمد كامل ..والفنان ليث هاشم ممثلين.. لكن هذه الفرقه رغم عطائها الثر والجوائز والاسم الكبير الذي حققته في محافظة ديالى الا نها تفتقد الى الدعم الفني من قبل الجهات المختصة ..ادعموا الشباب الواعي ليكونوا شموعا توقد طريق المحبة والسلام...

الجمعة، 21 أكتوبر 2016

مسرحية «الجزيرة».. نقد اجتماعي ساخر

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية «الجزيرة».. نقد اجتماعي ساخر

دشن الفنان محمد الحملي مساء أمس الأول عروض «لايف شو» على مسرح دار المهن الطبية في الجابرية بمسرحية «الجزيرة» تأليف عبدالعزيز عطية، بطولة الثنائي محمد الحملي وعبدالله الخضر، وبمشاركة الفنان ولد الديرة وعدد من الممثلين بينهم ناصر البلوشي، حسين المهنا، سعود بوعبيد، ديكور جاسم الحملي، أزياء رابعة اليوسف، والعمل تجربة جديدة للحملي والخضر، تعتمد بالدرجة الأولى على قدرتهما في الارتجال وتقديم الضحكة والكوميديا، من خلال تسليط الضوء على بعض الظواهر الاجتماعية السلبية في المجتمع المحلي.
التجربة الجديدة تستحق الإشادة لأنها تأتي في إطار تنشيط الساحة المحلية بأعمال كوميدية انتقادية تحرك المياه الراكدة، وهو هدف سام خاصة أن الجمهور المحلي تواق إلى مثل هذه الأعمال التي تقدم الضحكة والابتسامة بعيدا عن الاسفاف والتجريح.
ولاشك أن عمل الخضر والحملي معا منذ سنوات جعل بينهنا انسجاما واضحا ومنحهما القدرة على التحرك بحرية على خشبة المسرح، وهما خبيران بما يريده الجمهور الذي يحضر أعمالهما الاجتماعية.

◗ ظواهر نقدية
تعتمد مسرحية «الجزيرة» على حكاية مكررة شاهدناها مرارا، وسبق للحملي والخضر أن قدما بعض مشاهدها في أعمالهما السابقة، ولا ضير في ذلك مادام الهدف من العمل الضحكة بالدرجة الأولى.
تدور الأحداث حول ثلاثة أصدقاء، تعطل بهم «طرادهم»- قاربهم- في عرض البحر أثناء رحلة ترفيهية، وقذفتهما الأمواج على شاطئ إحدى الجزر، وأصبحوا مقطوعين عن العالم، لا طعام لديهم ولا تواصل لهم مع العالم الخارجي، وأثناء وجودهم على أرض الجزيرة وبانتظار وصول النجدة، تمر عليهم بعض الأحداث الغريبة، خاصة مع وصول إحدى الشخصيات المتنفذة مع بطانته، الذي يمتلك كلمة السر «افتح ياسمسم» فتفتح له أبواب المغارة ويستخرج منها عددا من الصناديق ثم يقوم بقتل أحد مساعديه.
وتتواصل الأحداث على هذه الشاكلة لتكشف عن خيوط ما يدور على أرض الجزيرة التي تمثل مجتمعا مصغرا، ويتمكن الأصدقاء من كشف سر ما يحدث بعد أن يتم انقاذهم في نهاية المطاف.
كل ذلك يدور في إطار الكوميديا الساخرة التي تعتمد بالدرجة الأولى على قدرات الحملي والخضر، إلى جانب الفنان ولد الديرة في الارتجال وتقديم الضحكة والنقد الساخر لما يحدث في المجتمع، واعتمد النص على البساطة والارتجال في الحوارات، خاصة من جانب الفنان عبدالله الخضر.

◗ أداء عفوي
ميزة مثل هذه النوعية من الأعمال الكوميدية التي يغلب عليها الضحك اعتمادها على ارتجال المواقف، التي ترتكز أولا وأخيرا على قدرة الممثلين على التواصل مع الجمهور وكسر الحواجز بين الخشبة والمتلقي، وإذا كان الجمهور قد تفاعل مع عبدالله الخضر ومحمد الحملي وولد الديرة في أعمال سابقة، فإن الحملي منح بعض العناصر الشابة الفرصة لإبراز قدراتهم على الخشبة، ومن هؤلاء ناصر البلوشي الذي نجح إلى حد بعيد بتقديم أداء عفوي، كما برز الثنائي سعود بوعبيد وحسين المهنا.
وغلب على أداء الممثلين بشكل عام العفوية والتلقائية.
اعتمد العرض المسرحي على الإبهار في الديكور والألوان، وهو إبهار قريب من مسرح الطفل. وأعتقد أنه لا يتناسب مع الأحداث التي تقدمها المسرحية بشكل عام.


-------------------------------------------------------------
المصدر : عبدالمحسن الشمري - القبس الإلكتروني


الجمعة، 7 أكتوبر 2016

مجلة الاديب العراقي .. عدد جديد ..و دراسة بعنوان "النقاد المسرحيون الشباب ومسارات النقد"

الاثنين، 3 أكتوبر 2016

تربية خاطئة لجيل مسرحي جديد!!

مجلة الفنون المسرحية




سامي عبد الحميد



ما أن تشاهد عرضاً مسرحياً عراقياً يقدم في المسرح الوطني هذه الأيام حتى ترى مجموعة من الشبان يؤدون حركات هي خليط من الرقص والتمثيل الصامت والاكروباتيك والالعاب السويدية – الرياضية، ويسمونها (دراما الجسد) او (الرقص الدرامي)، وسواء كانت تلك الحركات تغطي العرض بكامله ام تظهر في لحظات متفرقة تتخلل احداثا درامية او حوارا منطوقا كما حدث على سبيل المثال في مسرحية (حروب) لابراهيم حنون أو في مسرحية (حرير) المونودراما لليلى محمد وكأنما المسرحية لا تكتمل إلا بوجود تلك الحركات التي لا معنى لها ولا دلالة في اغلب الأحيان.
اذا سار حال المسرح العراقي على هذا المنوال فسوف لن نشهد ابداعات في الادب المسرحي ولا في الأخراج المسرحي ولا في التمثيل المسرحي، حيث سيستمر استنساخ مثل تلك الحركات وسوف تتحدد المجموعات المسرحية التي تمارس هذا النوع من العروض التي اعتبرها من هوامش المسرح الأصيل.. لا يا اعزائي ليس هذا هو المسرح كما درسناه وكما فهمناه وكما ندرسه ونبحث فيه. المسرح العراقي اليوم لا يحتاج الى ممثلين يعرفون كيف يحركون اجسادهم، يلوونها ويدحرجونها على خشبة المسرح ويتمايلون الى الامام والى الخلف والى هذا الجانب وذاك الجانب ومازالت تنقصهم المرونة الكافية. المسرح العراقي بحاجة الى ممثلين يعرفون كيف يتلفظون الكلمات ويلقون الجمل الحوارية ويعرفون معانيها الظاهرة والخفية ويقلدون انغامها ودلالاتها وينوعون في ايقاعاتها السمعية.
نعم اذا استمر المسرح العراقي على هذا الحال بالاكتفاء بنوع واحد من العروض المسرحية وعروض الحركة الجسدية فانه سيضيق افق الذهنية المسرحية وسوف يحدد المعرفة المسرحية وسوف يؤدي الى فقر واضح في الخلفية الثقافية للعاملين فيه.
نعم يا اعزائي المسرح ليس هو هذا النوع من العروض الحركية، المسرح انواع ادبية هي: التراجيديا والكوميديا والميلودراما والفارس والمسرحية الدعائية والمسرح له انواع جمالية هي: الكلاسيكية والكلاسيكية الجديدة والرومانتيكية والواقعية والطبيعية والرمزية والتعبيرية والدادائية والمستقبلية والسوريالية وهناك المسرح الملحمي وهناك مسرح اللامعقول وهناك فرق المسرح التجريبي المشهورة عالمياً مثل (فرقة مسرح الشمس) للفرنسية (مينوشكين) وهناك (فرقة المسرح العبثي) لششز وهناك (فرقة مسرح آودين) لباربا وهناك فرق تجريبية حقاً اخرى، وكل ما ذكرت من مسرحيات ومن انواع ومن فرق تعتمد على الكلمة عنصراً اساسياً في اعمالها وتعتبر الحركة احياناً عنصراً ثانوياً وحتى المسرح الفقير لغروتوفسكي لم يهجر الكلمة بل اعتمدها في جميع اعماله التي يكون الممثل الناطق هو العنصر الاساسي بل واكثر من ان يكون هذا الممثل ماهراً في الغاء حواره ان يكون ماهراً في حركة جسده وماهراً في التعبير به ويصونه عن معظم متطلبات العرض المسرحي وعناصر انتاجه.

------------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption