أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقد مسرحي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقد مسرحي. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 18 ديسمبر 2017

مسرحية شنكال و ميزة العرض التعبوي الملحمي

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية شنكال و ميزة العرض التعبوي الملحمي

ظفار المفرجي 


عرضت المسرحية على خشبة المسرح الوطني يومي الأربعاء و الخميس
 30 – 31 / 8 / 2017     الساعة السابعة مساءا 
من تأليف و اخراج عبد علي كعيد
و تمثيل 
طه المشهداني                      جاسم محمد                   عمر ضياء الدين 
سلوى الخياط                       شاهنده                         صفا نجم 
عماد حسن                        صادق والي                    عقيل زاير
علي كاظم                        مكي كاظم                      سجاد حسين     
محمد ابو العز                       كرار وصفي                    محمد لطيف  
جهاد جاسم   
يقدم العرض المسرحي ( شنكال ) ( ) كما هو واضح من عنوانه ( و هو الأسم المقابل الكردي للأسم العربي سنجار ) احداثا وقعت فيها و تلك هي الأحداث المأساوية التي نتجت عن احتلال داعش لهذه المدينة المسالمة ، و العرض المسرحي  يوظف قصصا متفرقة غير مترابطة الا من حيث الغاية منها ، و هي ( اثبات جرائم الاحتلال الداعشي التي اقترفها ضد سكان المدينة ) و اعادة تقديمها مثل سبي النساء و قتل العوائل و تهجير السكان ، و من هذه القصص : - 
1- ( ثلاث قصص متفرقة لثلاثة من النساء اللائي تم سبيهن )  و هن : - 
أ – الأولى : التي فقدت ولدها و زوجها و مثلت الشخصية  الممثلة ( شاهنده )( )
ب- الثانية : التي فقدت زوجها و اخوته و مثلت الشخصية الممثلة ( صفا نجم )  (  )
ج – الثالثة فقدت عائلتها امها و اخوتها و مثلت الشخصية الممثلة ( سلوى الخياط ) (  )
2- جانب من شخصية الزوج الحبيب مع المرأة الثانية و مثل الشخصية  الممثل ( طه المشهداني ) (  )
3- احداث يومية متفرقة مارسها الدواعش على السكان و كان ابطال هذه المشاهد الممثلان ( عمر ضياء الدين )( )  و  ( جاسم محمد ) ( )
و بهذا نرى ان النص لا يعتمد على قصة واحدة بل هي عدة قصص بمثابة دورات ايهام صغيرة متتالية ( قصص صغيرة فردية غير مكتملة + مشاهد عامة كاريكاتيرية في سوق ، مدرسة ، مجالس سمر  ) ليوظفها على نحو شعبي ملحمي(  ) ممزوج بمشاهد تداعي تعبيرية(  ) . 
ويعتقد الكثيرون بضرورة توحيد المناهج الإخراجية في العرض المسرحي الواحد لاختلاف سرعالإيقاع بين المشاهد التعبيرية و الملحمية عموما مع ملاحظة ان المخرج ( بريشت ) ( ) نفسه قدم التعبيرية في بعض مشاهد مسرحياته الملحمية الا انه يكسر ايهام  تلك المشاهد دائما بفعل ( راوي او موسيقى ملحمية او اي فعل غير مألوف يكسر ايهام التلقي ) ، و يذكر انه  ابتدأ تعبيريا. ثم ولج مسرحه التعليمي و اخيرا تطور كل ذلك الى الملحمية ، كما انه شكك في غاية كل ذلك في ايامه الأخيرة بعد ان كان ينادي بغاية تعليمية للمسرح و اعلن ضرورة ان يقدم المسرح المتعة ايضا قبل التشكيك بالمعلومات و اضافة المعرفة . 
و من المهم التنبه في العروض الى وسائل العرض التي تلجأ  الى تحويل النص ايقاعيا من حال الى حال ، مثل التعبيرية كأساس للنص ، يتحول الى الملحمية كأساس للعرض ، و كان هذا توجها صائبا في شنكال ( الذي يتضح جليا تحويل المخرج اجرائيا بين نصه كمؤلف من تعبيري تاريخي يخلو من الوسائل التسجيلية ( الوثائقية )   الى الملحمية الشعبية  في نص المخرج ) فالقصة هي قصة لتحرير مدينة  و احتلالها و معاناة اهلها وهي ملحمة مثالية من كل الوجوه  ،بالإضافة الى الإمكانات العالية للممثلين في هذا العرض و قدراتهم على التحكم بعواطفهم على المسرح ما يجعل الدخول ايهاما و كسره الى الشخصية امرا متيسرا ، و هي ميزة في العروض الملحمية  ،  الا ان الأداء التعبيري الموفق لوحده يعد غير موفق في حال ربطه مع المشاهد الملحمية ، و السبب وجود اختلافات ايقاعية ما بين مشاهد التداعي الحزينة ذات الإيقاع البطيء  و الملحمية في نص العرض ، التي جنحت الى جو الاحتفال سريع الإيقاع ما ولد فرقا في الإيقاعغطت عليه براعة الممثلين و حنكة المخرج في العرض . 
و قد  حاول المخرج في نصه تضمين العرض مشاهد فرجة مباشرة في كسر للجدار الرابع و حاول مخاطبة الجمهور في البداية بمشهد فرجوي احتفالي من نوع التمثيل داخل التمثيل ( و لم يستمر هذا الخط ، اذ استخدمه المخرج في المشهد الافتتاحي فقط و ابتدأ العرض بتحديد نقطة البداية على يد مجموعة تتحدث عن تقديم عرض و اعلان احدهم ( كيو ) التي يبتدأ تصوير السينما  و التلفزيون بها و لا يعود بعدها الى هذا الأسلوب الفرجوي الاحتفالي حتى النهاية ) 
و جاءت المشاهد بعد لحظة البداية كالتالي : - 
1- فور الولوج الى العرض نسمع صوت مذيع الغزو الداعشي يعلن عن احتلال داعش المناطق المقصودة مع الربط مع صراخ النساء و هو اختزال للزمن على المسرح كما نعلم و دخول الى الأحداث التي رافقت عملية الاحتلال ..
2- تدخل السبايا ( في اختزال اخر يشبه الأنسيرتات في السينما لاختزال الزمن مع تفسير الحالة المسرحية في دورات ايهام صغيرة كل شخصية نسائية من السبايا  تتحدث عن حالتها و هن ثلاثة كما اسلفت
3- مشهد تعبيري حركي يعبر عن عملية السبي و الاغتصاب
4- مشهد المدرسة التي يعلم فيها الدواعش افكارهم للعامة و هو مشهد يوضح كيفية تعامل الفكر الداعشي مع الناس
5- مشهد بين الزوج و زوجته يتحدثان فيها عن حبهما و طريقة قتل الزوج  و سبي الزوجة و هو مشهد تعبيري شاعري
6- ثمتعادقصةسبيهاووقائعهافيمشهدتعبيرييدخلفيهراقصونليؤدواحركاتسحبكأنهميصطادون النساءحتىتسقط،والمشهدمشابهلعمليةالاغتصابالتعبيريةالأولىثميأتيالإظلام
7- فيالمشهدالتالينسمعموسيقىراقصةويدخلالممثلينيؤدونالدبكةالكرديةكأنهميعملونزفافللعشاقوهيوحبيبهاحاضرانهوفيالجانبوهيفيالوسطوكانالدخوللموسيقىراقصةبعدموسيقىتعبيريةكسراايقاعياجميلااسسعلىتضادصوتيسمعيينبهالحواسويجعلهاتتنبهلتلقيالعرض .
8- مشهد السوق الشعبي
9- مشهد فيهتتداعىامالطفلفيانتظارمولودهالترضعهلكنهميمنعونهعنهاليمارسواالجنسمعهافيذبحونهويطعموهلأمهفيجريمةبشعةلانهايةلهاالاموتالأمعلى نحو تعبيري .
10- المشاهدالأخيرةوهيمشاهدعامةعنداعشييكذبفيهاعلىالسكانالمصدقينحولبطولاتهالزائفةفيهربحالوقوعالقذائفلتتضحاكاذيبهمعاعلانسقوطالولاياتالمتلاحق .. وينتهيالعرضبالدبكةالكرديةذاتهاوهينهايةموفقةلنهايةاحتلالوفرحالأهاليبالتحرير .
و خلال هذه المشاهد 
1- استخدمالعرضالرقصوانلميكنباحترافيةلتفعيلالشعور بالاحتفالالذييسمحبالتفاعلمعالمتلقيوتلككانتالغايةمنههناايضاعبراستخداماسلوبسهل في الرقص هو ( الدبكةالكردية ) التييفتتحبهاالعرضوتعادفيداخله
2- فسرالعرضالجرائمعلىانهاافعالغيربشريةعبرتشويهالشكلالإنسانيللراقصبوضعقماشابيضعليهليمنحهشكلشبحيعندتصويرهمشهدملاحقةامرأةليغتصبها،ثمتتداعىهذهالمرأةوتتحدثعنشعورهابالخزيوانسانيتهاالمجروحةمنعمليةالاستعبادوالاغتصابالمتلاحقلجسدهاوانسانيتها،ثمتعودهذهالأشباحلتتمعمليةالاغتصاب ( الجريمة ) مرة اخرى
3- استعار العرض من الصوفية العزف على ( الطارات ) ، اننانرىالشخصيتانالداعشيتاناللتانيؤديهماالمبدعان( جاسممحمد) و( عمرضياءالدين) تدخلانتضربانعلى( الطارات ) ،اناستخدامالعرضللأسلوبالساخراضطرهلاستعارةالغناءالإيقاعيبـ ( الطارات) منالدراويشواغنيةتهكميةجميلة( عبوة + عبوةمفخخاتثلاثة .. الخ ) وهيتشيرايضاالىدرسالرياضياتفيواحدةمنمدارسداعش،ثميدخلونالىدرسالوطنيةوالتربيةالإسلاميةفينفسالفصل،وهويستخدماسلوبالترديدلإشاعةالإيحاءبالصفالمدرسي .
4- اعتمدالعرضعلىاستخدامالموسيقىكفاصلزمنيممتدمابينالمشاهدلأعلامالمتلقيبمرورالزمنوتغيرالحالةكمافيحالةالكمانالكرديوالانتقالالىمشهدالحبيب ( طهالمشهداني ) وحبيبته ( الفتاة ) حيثيظهرمرتديااللونالأبيضللدلالةعلىالطهارةبسببموتهشهيدامغدورا،وقصتهما ( الحبيبين ) اناهلهقتلواوزوجتهوالنساءتمسبيهنثم يغتالوهبعدانعادالىالمنزلراكضا . وبقيتجثتهدوندفنويتحدثعنروحهالتيترىالقتلةيصرخوناللهاكبروهويسردقصةبأسلوبالأيامقصصمتداخلةكأمثلةمنماحدثفيارضشنكالثمترقصرقصاتعبيرياعلىوقعانغامموسيقىمسموعةفيالتلفزيونكثيرا .
5- استعار العرض السوق الشعبية البغدادية و قدمها على انها سوق في سنجار في زمن داعش
6- باع بائع الكتب كتب عربية في سنجار التي يتخاطب سكانها بغير العربية
7- ماانيدخلوكلاءداعشيخافالناسفتراهميعلنانبنفسالأسلوب( الطارات ) والغناءمنعالدجاجالمشويوالماءالباردلأنالرسوللميحبهماكذلكثمتممنعالموسيقى ( التييستخدماهافي هذه اللحظة وهي مفارقة ) وفيهذهالأثناءيغنيانمرتينالأولى ( كلبكلب ) والثانية ( امسواليوم ) واخيرايدخلاحدهمليعلنخبرسقوطالولايةالثالثة
8- استخدم العرض شكل العرض الملحمي الذي يحتوي على عدة قصص و عدة دورات ايهام تنتهي ما ان تتم تأثيرها و تربطها الفكرة ، بل يقدم القصص على اساس مفهوميتها ( ارتباطها بشنكال ) و بالتالي لا يوجد زمن معلوم الا ما يحدده المتلقي للحدث . و بالتالي يحدث الربط في عقل المتلقي . 
9- ابتدأ العرض بأسلوب الفرجة ثم دخلنا في المشاهد مباشرة دون معين درامي الذي غادرنا مع الفرجة ، و كان العرض بحاجة الى معين درامي ( راوي مثلا ) كواحد من حلول العرض الملحمي
10- استخدمالعرضمفرداتكوميديةمتداولةشعبيةبغداديةاوعربيةعراقيةعامةولميستخدممفرداتشنكاليةاومالهعلاقةبشنكال
11- كان للموسيقىالتأثيرالنفسيعلى الحدثقبلالحدثنفسهونجاحهافينقلناالىالشمالحيثشنكال ( روحيةسنجارالمفقودةوالتيحصلناعليهامنخلالالموسيقىوالدبكةالكرديةوالمشاهدالتعبيريةالمؤلمة)
و في التمثيل نرىان الممثل (  طه المشهداني ) قدازاحعننبرهصوتهايرنين،و رفع كلالانفعالاتالتيتلتصقبالصوت .. و كان لايندفعفيالتداعيويؤديبأداءبارد ان صحت التسمية  . ولايمدبالأسلوبالمسرحيو هويؤدياداءممثل قادرعلىالسيطرةعلىحواسهويسيطر على هدوءهالداخلي. و كان حضورا جيدا
اما الممثلان (  جاسم محمد )  و ( عمر ضياء الدين )  اللذين التقيا في عروض  كثيرة من قبل معا ، فأنهما يجيدان الغناء و العزف على الآلات الموسيقية الإيقاعية و بعض الآلات الأخرى و هي ميزة وفق الى استخدامها المخرج عبد علي كعيد ، رغم تقديمهم سابقا في عروض اخرى لشخصيات تعزف الإيقاعات اثناء العرض .
ان الممثل ( جاسم محمد ) يمتلك حضورا على المسرح و قدره على التحكم بطبقات صوته ، الأمر الذي يمكنه من  اقناع المتلقي بطريقة هادئة ، الأمر الذي يسمح له بضبط و شد الأيقاع ، و هو ممثل يمتلك ذهن حاضر على المسرح يسند المشهد دائما .
اما الممثل ( عمر ضياء الدين )  فيميل الى التمثيل التقديمي لكونه قادر على استخلاص الميزات الخارجية للشخصيات على نحو سريع ، و تلك هي من ميزات الممثل الملحمي ، و هو يمتلك القدرة على التمييز بين الحالات و المطاولة على المسرح و حسن التصرف ، كما يمتلك القدرة على التحكم الناتج عن الخبرة كونه طالب اكاديمي للمسرح ، و هو يحمل شهادة الماجستير في التمثيل . 
و تعد الممثلة ( سلوى الخياط ) ممثلة جيدة تمتلك القدرة على التمثيل باللهجة المحلية و اللغة العربية الفصحى و هي ميزة بين الممثلات هذه الأيام ، كما تمتلك الثبات على المسرح الأمر الذي اهلها للفت الانتباه ما ندعوه بالحضور ايضا . 
اما الممثلة ( شاهندة ) التي سجلت حضورا لافتا في هذا العرض و افصح عن امكانية كبيرة في الأداء اسندها شخصية مكتوبة على نحو جيد ( شخصية الأم ) ، الا انها تميزت بالبطء في اطلاق الحوار ، مع حضور لافت على المسرح .
كما تميزت الممثلة ( صفا نجم )  في ظهورها الأول على خشبة المسرح الوطني و تمكنت من تقاسم الحضور و المشهد مع الممثل (  طه المشهداني )  ، و تمكنا معا من تقديم مشهد جميل ما يوضح امكانياتها العالية . 
اما باقي الممثلين فقد ساد على اداءهم الحضور الجماعي المساند للمشاهد الجماعية الشعبية ( المدرسة ، السوق ، جلسات السمر بين الرجال ) و تميز فيها الممثل ( علي كاظم ) بائع الكتب و  الممثل ( صادق والي ) بائع اللفات و الممثل ( عماد حسن  ) في المدرسة 
و قد اتضحت على نحو جلي في هذا العرض امكانيات المخرج ( عبد علي كعيد ) ( ) كمؤلف ايضا ، فمن الواضح انه وضع نصا مغايرا لنص العرض الذي اشتغل عليه في بداية تمارينه بسبب من التغييرات الطارئة التي واجهها ، و امتلك في البداية نصا مؤلفا على مستوى عال و بلغة لم نعهدها من الكاتب ( عبد علي كعيد ) و بلغة عربية فصيحة لها وقع شاعري منه هو الذي تعودنا فيه اجادته للنصوص التي تكتب باللهجة الدارجة و للمسرح الشعبي على وجه الخصوص ، و يعد (  كعيد )  احد المخرجين القلائل الذين يجيدون استغلال اخطاء الممثل خصوصا في المشاهد الجماعية و توظيفها في خدمة العرض المسرحي لذا فتعاونه في اعمال سابقة مع ممثلين غير معروفين ميزهم بسبب حسن توظيفه لهم ، و افصح هذا العرض عن جرأة في التحول في المعالجة ما بين المخطط الرئيسي على الورق و الواقع على الخشبة . 

الاستنتاجات
1- تفتقر الدراما العراقية للطراز عادة فنرى انواع الدراما من المسرح الى التلفزيون يتحدثون بلهجة واحدة في اي رقعة من العراق و هذا خطأ بينما الفنان المصري مثلا يتحدث لهجات مختلقة حسب المناطق و الأمر يشبه ذلك في البناء المختلف ما بين منطقة و اخرى و شكل المنازل و الإيقاع العام و الموسيقى و الذوق العام انت تشعر بذلك .. انه الطراز 
2- تفتقر الفرقة الوطنية للتمثيل الى الممثلات الشابات التي يوصى بتعينهن او التعاقد معهن
3- استخدمالعرضمفرداتكوميديةمتداولةشعبيةبغداديةفي عرض جاد 
4- يعد المخرج ( عبد علي كعيد )  احد المخرجين الذين  يجيدون  توظيف الممثلين المتفاوت اداءهم لينتج مسرحيات شعبية متميزة منهم 

الهوامش :
-------------------
- سنجار (بالكردية: شنگال) هي مدينةعراقيةو مركزقضاء تقع في غرب محافظة نينوى شمال العراق على جبل سنجار وتبعد عن مدينة الموصل  80كم2، يسكنها أغلبيةمن اليزيديين وأقلية من التركمان  والعرب،يبلغ   عددسكانهاأكثرمن 84 الف نسمة بحسب أحصاءعام 2014. ويكيبيديا ،شبكةالأنترنت العالمية .
-شاهنده : ممثلةعراقيةشابة،مثلت ادوارافي المسرح ( مسرحيات شعبية ) ،في التلفزيون مسلسلات ( حرائق الرماد ) و ( الشيطان في قلب امرأة ) وغيرها،وافلام سينمائيةايضا .. الكاتب
- صفانجم : ممثلةعراقيةشابة،دبلوم سينمامن معهدالفنون الجميلة،مثلت للسينماوالمسرح. الكاتب
- سلوى الخياط : ممثلةعراقية،عضو في الفرقة الوطنيةللتمثيل،مثلت للمسرح ( الحريق ) لمحسن العزاوي واعمال اخرى،وللسينما ( ابنبابل ) لمحمدالدراجي وغيره،وللتلفزيون ( مواطن تحت الصفر ) .. الكاتب
- طه المشهداني : ممثل عراقي،عضو الفرقةالوطنيةللتمثيل،بكالوريوس تمثيل مسرحي من جامعةبغداد،مثل ادوارمهمةفي المسرح هذه السنة ( مانيكان ) لفاروق صبري و ( ضياع ) لحسين علي صالح،وللتلفزيون ( سنوات النار ) و ( الطوفان ثانية ) و ( فدعة ) واخرى،وله ادوار مهمةفي السينما .. الكاتب
- عمرضياءالدين : ممثل ومقدم برامج عراقي،عضوالفرقةالوطنيةللتمثيل،ماجستيرتمثيل مسرحي،مثل للمسرح عروضا مهمة منها ( عبدالله السائب ) لد.زهيركاظم،كمامثل للتلفزيون والسينما،وهومقدم برامج تلفزيوني وله برامج على القنوات بغداد والديوان. الكاتب
- جاسم محمد : ممثل عراقي مسرحي،عضوالفرقةالوطنيةللتمثيل،بكالوريوس مسرح،مثلادوارا مهمةللمسرح والتلفزيون والسينما ومن المسرحيات ( حكايةبدرووفيقة ) لقاسم السومري،و ( عبدالله السائب ) لد . زهيركاظم. الكاتب
- الملحمية : شكل مسرحي في الكتابة والعرض ظهرفي نهايات القرن ا لتاسع عشر،محاولةًمن المسرحيين للخروج من أزمةالشكل الدرامي المهيمن،باللجوء إلىأدوات السردالملحمي التي كانت حكراًعلى الملحمة وحسب. والهدف من ذلك هوالخروج من محدوديةالشكل الدرامي التقليدي،الذي اقتصرعلى عرض قصصالأفراد،بغرض عرضالعلاقات المجهولة التي تملي على الفردسلوكاًمعيناً،في حين يبدو سلوكهاختياراًحراً. وقدانحصرتهذهالمحاولاتبدايةفيألمانيا . الموسوعة العربية ، شبكة الأنترنت العالمية .
- التعبيرية مذهب الفن يستهدف،في المقام الأول،التعبيرعن المشاعرأوالعواطف والحالات   الذهنية التيتثيرها الأشياءأوالأحداث في نفس الفنان،ويرفض مبدأالمحاكاةالأرسطية، . ويكيبيديا،شبكةالأنترنتالعالمية .
- برتولت بريشت (ولدفي أوجسبورجفي 10 فبراير 1898 – ماتفيبرلينفي 14 أوغسطس 1956) هوشاعروكاتب ومخرج مسرحي ألماني. يعدمن أهم كتابالمسرح في القرن العشرين. كماأنه من الشعراءالبارزين.اشتهر بتطويره لنظرية المسرح الملحمي . ويكيبيديا،شبكةالأنترنت العالمية .
- عبدعلي كعيد : كاتب مخرج مسرحي عراقي،ماجستيرسينما،عضوالفرقةالوطنيةللتمثيل،احرج مسرحيات عديدة منها ( زينب والنمل ) تأليف طه سالم ولهالعديدمن المسرحيات الشعبية تأليفاواخراجا . الكاتب

السبت، 30 سبتمبر 2017

أراء متباينة للنقاد والمتخصصين حول “ليلة خريف” بالمعاصر والتجريبي

مجلة الفنون المسرحية


أراء متباينة للنقاد والمتخصصين حول “ليلة خريف” بالمعاصر والتجريبي 

ماجــد العابــد : مجلة سفن أرت 

الناقد أحمد خميس : جمع العرض بين ثنائية اللغة الشعرية والرقص الحديث واشتغال على الجسد وكفاءة الصورة • د. محمد حسين حبيب (العراق) استعراض بحركات جسدية بعيدة تماما عن الرقص الدرامي تخضع العروض المسرحية لقانون ذائقة المتلقي، فنادرًا ما يجمع المتلقون على عرض واحد، لأن محددات كثيرة تدخل في عملية تلقي العرض، مثلًا؛ ثقافة ونشأة الملتقي، المعاصرة أو التجريب في العرض، وظروف أخرى. وعرض “ليلة خريف” الذي قُدم على مسرح “السلام”، في ثاني عرض له، ضمن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي في دورته المنعقدة حاليًّا، لا ينتمي إلى جنس الرواية أو القصة، وإنما هو عبارة عن تدفق مشاعر إنسانية، تتلاحم فيها الجسد مع النص الشعري. خلال حديثه، يرى الناقد أحمد خميس، إن العرض يجسد الثنائية التاريخية لأي عرض رقص مسرحي حديث، وهو الجمع بين اللغة الشعرية والرقص الحديث، إذ أن العرض يُشكّل تجربة غنية جدًا، وهي الاشتغال على الذات الإنسانية من خلال الفتاة الباحثة عن جدوى وجودها وعلاقتها بالآخر، ولا يوجد في العلاقات المقدمة تجربة يمكن الوقوف عندها، قصة حب أو خلافه، ولكن يمكن أن نقول أن الشخصيات الراقصة تتحرك من مخيلة تلك المرأة، فهم بمثابة أفكار من رأسها. وأعتبر “خميس” أن الاشتغال القوى اشتغال على الجسد وكفاءة الصورة، فالمخرجة هي المؤلفة، لديها وعي كبير بتقنيات العرض المسرحي الجاد الذي يهتم بكفاءات الاضاءة، فهو عرض يحكي مشاعر بامتياز. وحول ابداء البعض ملاحظات سلبية حول العرض يقول “طول الوقت سيظل هناك اختلاف كبير بين فهم الناس لطبيعة هذا النوع من العروض ويرجع للثقافة التي تربى عليها والناس التي تنظر للأمور بطريقة (مُعلّبة) سيؤدي لنتيجة سلبية”. ووصف العرض بأنه تجريبي لديه وعيه ومخيله ليحقق الحد الأدني من تقديم العرض بصورة لائقة. بينما أكد الناقد العراقي د. محمد حسين حبيب، على غموض العرض المبالغ فيه، واصفًا العرض بأنه استعراض بحركات جسدية بعيدة تماماً عن الرقص الدرامي، وقراءة قصيدة ليس إلا وهي ليست قصيدة بالمعنى الصحيح وإنما هي جمل منثورة، أي مجرد سطور لمراهق شاب يريد ان يتعلم كيف يكتب لكتابة. سألنا الدكتور حبيب، هل يؤثر اختلاف الثقافات في تقبل العروض الأجنبية، أجاب “اختلاف الثقافات لا يلعب دور في تلقي العروض واستيعابها على الوجه الأمثل، والدليل ذلك ان الجمهور العربي تفاعل مع عروض اجنبية اخرى، مثل العرض الصيني، لكن ثمة خلل في صناعة هذا العرض برمته”، وختم حديثه قائلًا “عليهم ان يراجعوا انفسهم ما معنى ان يقدموا دراما مسرحية”. كان عرض ليلة خريف قد بدأ بسيدة تجلس على يسار خشبة المسرح، مبعثرة الأفكار، ومشوشة التركيز، منكبّة على الأرض، منزوية على نفسها، تكتب ولا تكتب، تفكر بهذيان تارة، وبتعقل تارة أخرى، تنهضُ ورأسها غارق في الأفق، تناجي حبيبًا رحل، وتودع أيامًا لا تأبي ألا تمضي، على الأقل من ذاكرتها هي، بلغة اتسمت بشعرية فارهة البلاغة، لكن للأسف، بات تذوّق النص المترجم عن اللغة الفرنسية المترجمة، منقوص، فكان أشبه بقطعة من الشوكولاتة السويسرية مرّة المذاق. وفي يسار المسرح، عرض استعراضي لرجلين، يتحركا من مخيلة تلك المرأة التي تحكي ذكرياتها البائسة وصراعها النفسي. رقصات استعراضية غامضة ومبهمة غير منتظمة ومفككة أحيانًا، ومتصارعة كل الوقت، تمامًا كالذي يدور برأسها من مشاعر وأحساسيس متعاركة، لكنها تلعب على وتر واحد، وتر الوجع. ليلة خريف” من تأليف وإخراج سيرين أشقر، ويضم فريق العمل؛ المؤلف الموسيقي، ومصمم الاستعراض؛ ديديه مايمبا، وأداء؛ أنابيل هانيس، وإميلي وييينت، ودانيلو سيكيك، وسيدريك بوارو.



الخميس، 28 سبتمبر 2017

عـــن “مــــاذا أيـــن”: هـــل ثــمّة ثــقب في الــزّمان؟

مجلة الفنون المسرحية

عـــن “مــــاذا أيـــن”:  هـــل ثــمّة ثــقب في الــزّمان؟

حاتم التليلي/ تونس

– “الزمن يمضي؛ الوقت ربيع》الوقت صيف》الوقت خريف》الوقت شتاء”.
وهم آخر خمسة، أحدهم بالضرورة لم يسقط في الفصول، لم يكن فريسة سهلة بين أشداق الزمن، ولذلك هو الآن يطرح تلك العبارة (الزمن يمضي)، ويلحقها بأخرى (أنا وحدي). على الأرجح هو ذلك الحيوان الآدمي رغم كونه في لحظة حلول إزاء الزمن لم يستطع التخلص من أدران التاريخ بعد سقوطه في تخومه، لذلك هو خامس الفصول الأربعة؛ ما تبقّى في العالم يؤثثه الزمان والإنسان كما تشير إليه اللفظة اللغوية (آخر)، عليه هم (شخصيات العرض) على ما يبدو الآخر والأخير، وهم سؤال المعنى عن الوجود، لكن سيتوضّح لنا أنّ المشترك بينهم كينونة هشة لا غير.  هم خمسة ممثلين قذف بهم مخرج العمل (عاصم بالتوهامي) إلى نص ينتسب إلى العبث (ماذا أين/ لصاحبه بيكيت) فإذا بهم يستنطقون عدمه الخاص إلى عدم موجب بعد أن تمت ترجمته (النص) ركحيا.
كيف يمكن أن يقترن العدم بالعبث؟ يمثّل الأوّل نقيض الحياة/ الوجود، بينما ينتسب الثاني إلى لا جدوى الوجود بعد خروجه من رحم الأول ، هكذا نعتقد وبعض الاعتقاد يظل نسبيا. في المقابل تقترن النسبية هنا بأفول القيم المطلقة والأزمنة الثابتة المجردة، وعليه فإن راهننا المسرحي صار من حقه التطاول على التراجيديا وكنسها، لهذا لا مناص له من ترجمة الالتباس والتعقيد ومن ثمّة الإشارة بأصابع الاتهام إلى عالمنا وانحطاطه الحالي، وهنا يكون من حقنا كمسرحيين تنشيط مسرح العبث ، إذ هو الاخر صار معولما مثله مثل جميع اهتماماتنا الحياتية الأخرى في أزمنة الخواء الإنساني.
من سينتصر في النهاية؟ الزمن أم ذلك الحيوان الآدمي، الفصول الأربعة أم هذا البشري الذي يسكن التاريخ ويعتقد أنّه صيغة عليا من السلطة التي يمكنها تنشيط الوقت؟ ربّ سؤال يصيبنا بالدهشة منذ بداية العرض؛ إذ يبدو الممثّل/ شخصية الإنسان مثله مثل باقي الممثلين (شخصيات الفصول الأربعة)، حيث لا ثمة مشترك غير السواد، وهشاشة الكينونة المسرحية من أبعادها، ورغم كونه من ناحية الأداء يبدو متحكما في مصير الآخرين إلا أنّه في نهاية العرض يسقط بتمردهم، وهذا دليل قاطع يؤكد سقوطه في الزمن.
ولكن ما سرّ عذابه، وحدته، ألمه؟ ولماذا يبدو قزما بهذا الشكل أمام البقيّة؟ صحيح أنّ الممثّل من ناحية بنيته الجسديّة قصير القامة، ولكن اسناده ذلك الدور بالذّات لا يبدو عبثيّا بالمرّة، ولأنّه يلعب في معادلة الصراع ضدّ دوائر الزّمن ودورته معتقدا أنّه سيّد العالم والطبيعة، صار على يقين مرّ من هزيمته أمامهما، لذلك هو يعترف بانفلات الوقت، وبوحدته، وبكينونة حياته التي لا تتغيّر: إنّ هذا الحيوان الآدميّ منذ سقوطه في التاريخ ومنذ لم يعد يدرك خصوصيته الانسانية، تأكّدت له عبثيّة الحياة، فإذا به يشخصن الفصول ويمسرحها الآن على الرّكح، بل ويسألها أيضا عن سرّ سقوطه في تخوم وقتها وأزمنتها كما لو أنّه جلاد يحاكم ضحيته.
ضمن هذا السياق، كان نص العرض برمّته قائما على تكرار شذرتين قصيرتين تداول على نطقهما  الممثلون، ولم يحدث أن صار تغييرا فيهما إلا من حيث أسماء الفصول (الربيع/الخريف/الشتاء/الصيف)، لكن في كلّ مرّة كانت طريقة الافصاح عنهما كلاميّا مختلفة عن سابقتها باختلاف الأداء والحركة واللعب في فضاء العرض. إضافة إلى ذلك وأمام تحطيم الهالة النصيّة للعرض كثيرا ما أدلى الممثلون بأصوات مختلفة، كالأنين والعواء والصراخ والابتهال، ما دفع العرض برمّته لينتسب في بعض ايحاءاته إلى القسوة الآرطية. من جهة أخرى كانت بنية العرض ككلّ توحي باستقراء أرسطي من حيث مغازلة ثالوثه المحرّم، إذ ثمة فعل التصادم (الحدث)في نفس المكان بين شخصيات العرض (الانسان والفصول الأربعة) وحتى أنّ الحكاية أفضت في نهاية المطاف بتأبيد ذلك الصراع كما لو أنّه أمر حتمي وقدريّ (مصير الانسان بعد وقوعه في الزمن: أن يظلّ هكذا وإلى الأبد محفوفا بتماهيه مع الوقت وقلقه منه)، يمكننا اكتشاف ضرب من اللعب الميتامسرحي أيضا (مولد خرافة داخل خرافة: الانتقال من لحظة التفاعل مع الفصول وتواترها بشكل مقيت إلى لحظة ثانية يتحول فيها الجميع إلى محقّقين يجلدون شخصا غائبا من أجل بوحه بالسرّ)، وهنا بوح بهدم النموذج الأرسطي في حدّ ذاته، وليس أدلّ على ذلك من شيء غياب تلك الأجهزة المفهومية من قبيل المحاكاة والتطهير، وهذا يحيلنا ضرورة إلى تقنية تناسج المسارح، أو دعنا نقلها بوضوح: إن هذا العمل المسرحيّ شطب من متونه الوظيفة الاجتماعية والطبقية والنفسية وانغمس في التأمّل، وعلى الأرجح هو يطرح أسئلة رؤيوية تعالج أسئلتنا الكونية والمستحيلة، لذلك هو يخرج من براثن الهويّات وجدلها العدمي ليطرح نفسه بشكل كونيّ وانسانيّ.
تكرار مشهد التحقيق بشكل مختلف هو الآخر لم يفض إلا إلى نفس النتيجة، ألا وهي الفشل في الحصول على السرّ.  وعلينا أن ننتبه، إنّ البحث عن ماهيّة السرّ لهو أمر عبثيّ وعشوائيّ أيضا، لأنّ المراد الحقيقيّ به ليس الخلاص كما يتوهّم الباحثون عنه، وإنّما هو نتيجة مولده في الخرافة الضمنية للعرض، كي يتسنّى لنا فيما بعد التيقّن من عبثيّة الحياة وتكرارها في الزّمن، هذا الوحش الذي يأسرنا في محيطاته بالغة التعقيد.
في خضمّ ذلك كان أداء الممثلين قائما على توالد الحركة الجسدية وتكرارها، ثم تطويرها فيما بعد، فإذا بها تتكرّر بشكل دائريّ يحاكي دورة الفصول ذاتها: لا يمكن لهذه الدائرة أن تكرر نفسها إلا بوصفها تقدمت خطوة إلى الأمام، أو هي تحتل مساحة جديدة في الزمكان، وعليه يمكننا ملاحظة ذلك التكرار الذي سيّر نشاط العرض، إذ هو في كل مرة يكرر فيها نفس الوضعية يوحي بتغير الحالة، وهذا ينم عن محاولتنا المستمرة في الخروج من أسر الزمن، هذا الوحش اللامرئي اللامحسوس الذي يتحكم في صيرورتنا، ويترك لنا هامشا خجولا أثناء سيرورتنا كي نحاول أكثر . أمّا الأكسسوارات بحكم أن العرض خال من الديكور ومن أيّه شيء آخر، فقد اعتمد الممثلون في لعبهم على أدوات بسيطة هي العصيّ، ولم يحدث أن رأيناها جملة واحدة، ففي البداية كان الممثل (الانسان) يأخذ عصاه ويسيّر نشاط بقيّة الممثلين كما لو أنّه يهشّ بها الفراغ، ولمّا اشتدّت ذروة الصراع صار لهم أن يحملوا عصيّهم بدورهم، ولم يحدث أن خلى اللعب على فضاء الركح من استعمالها المحكم، وتلك ضرورة جمالية كثيرا ما نعثر عليها في مسرح ما بعد الدراما: أن تكون الأداة في محلّها دون عشوائية.
تخصيب المعنى
أنا وحدي، في الحاضر ما زلت كما كنت في الماضي.
يا لهذه الشذرة النصية التي تربكنا حدّ مولد الدّهشة، لقد أجهش بها أحد المؤدّين في العرض بنبرة حزينة ويائسة تنمّ عن استسلامه التامّ والنهائيّ بين أشداق الزمن، لا مفرّ له إذن من تعريف نفسه خارج دائرة التكرار والوقت، وهذا مصيره التراجيدي الذي ألقى بضلاله علينا، فهو في نهاية المطاف يسقط في ذلك التعريف الفلسفي ليقول على لسان الفيلسوف النّابتة (فتحي المسكيني): “أنا الزّمان، والزّمان أنا”، وما لعبه على الرّكح من خلال مشهدية التكرار إلا نوع من التسلية داخل “عنكبوت الوقت” بعبارة نفس الفيلسوف.
في شذرة لفيلسوف العدم “إميل سيروان” نقرأ ما يلي: “الآخرون يسقطون في الزّمن، أمّا أنا فقد سقطت منه”، ربّ مفارقة لا يمكن تفكيكها إلا من خلال اللفظتين اللغويتين (في/منه)، إذ تحيل كلّ منهما إلى ضرورة ارتباط الزّمن بالمكان، وعلى الأرجح كلّما كان الزّمن واحدا تعدّدت الأمكنة، ما يدفع حتما إلى التساؤل عن فعل السقوط ومقاصده. تكمن المفارقة هنا في تحوّل الزّمن إلى مكان في حدّ ذاته، إذ هو عنوان إقامة وسكنى، نسقط أسرى في معادلتها أو نسقط منها إلى معادلة ثانية: أن نرتبط بالزّمن فمعناه أنّنا كائنات آدمية وتاريخيّة، وأن نفكّ هذا الارتباط فمعناه أنّنا إزاء عوالم في غاية الالتباس، هي في حقيقة الأمر تمثّل نوعا من الأبديّة المعطوبة، تلك التي تدفع الذّات البشرية إلى الاعتراف بالقول “لقد أتخمني العدم منذ البداية”، وكأنّ لا مصير لها غير التاريخ أو تجميد الوقت في خيام ميتافيزيقيّة.
نحن الآن أسرى هذا التاريخ، لقد سقطنا في الزمن ولم نسقط بعد منه، أتينا من العدم ولم نعد إليه بعد، ثمّ إن ارتباطنا الوثيق بمعادلة السيرورة الفيزيائية للتاريخ يجعلنا نشعر بالرّعب كلّما فكّرنا في سقوط من نوع آخر، ولكن يبدو أنّنا سقطنا وانتهى الأمر: لقد أعلنت حضارتنا البشريّة عن إفلاس أرصدتها ووعودها المبشّرة بالسعادة، وما هذا التاريخ إلا انتقال فضيع لمجموعة من الأزمنة، عليه نحن نبتكر عدما آخر غير الأبدية السالبة، عدم يرتبط بتاريخنا الحاضر.  بقدر ما يدينه يظلّ محفوفا بالالتباس والتعقيد كما لو أنّه محاولة سلبيّة في اختراع معنى لحياة بلا معنى، أمّا إذا أردنا تأصيله بالنسبة إلينا نحن المسرحيون، فهو حتما يتنزّل في تلك السرديات المتعلقة بمسرح العبث واشتغاله مع العديد من المسرحيين، ربّما بيكيت أحد كبارهم.
في المقابل، يبدو أنّ مسرح اللامعقول (العبث) لم ينج هو الآخر من سياسيات عولمته، بعد أن صار العالم برمّته متحرّكا على صفائح من اضطراب، ما يحيل أنّنا جميعا (شعوبا وذواتا ودولا) أسرى تاريخه، وعليه فقد صار ممكنا أن نتمثّل وقوعنا في الزّمن باختلاف أمكنتنا على سطح هذه القارّة، ومن ثمّة ينقلب الكوجيطو النيتشوي “لنا الفنّ كي لا تقتلنا الحقيقة” إلى كوجيطو مضادّ: “لنا الفنّ كي نترجم عدمية الحقيقة”، ولكن يبدو أنّ الزمن في هذه اللحظة زمن دائريّ، يدفعنا إلى إعادة تخصيب اضطرابنا التاريخي نظرا لأنّ العدم ذاته لم يعد يسمح لنا باستنطاق المستقبل. وعلى الأرجح إنّ سقوطنا في الزمن بهذا الشكل هو عبارة عن إقامة في محيط تاريخ أمواجه حركتنا المتكرّرة مدّا وجزرا.

جذاذة العرض
ماذا أين: صمويل بيكيت.
اخراج: عاصم بالتوهامي.
تمثيل: خالد لملومي، أحمد رامي عاشور، حمزة بن عون، جهاد اليحياوي، أحمد مكرازي.
انتاج: حوش الفنّ.

الخميس، 31 أغسطس 2017

قراءة نقدية لمسرحية "برلمان النساء " لعواطف نعيم

الاثنين، 28 أغسطس 2017

ألم المنفى في جدلية الحضور والغياب والأسئلة المشاكسة - قراءة في عرض مسرحية " سأموت في المنفى " للفنان غنام غنام –

الجمعة، 18 أغسطس 2017

نقاد: "ترام الرمل" مسرحية غير تقليدية تمزج الشعر بالمسرح وتحتفي بالمكان والقضايا المعاصرة

الأربعاء، 2 أغسطس 2017

*الثنائيات في نص مسرحية " المئذنــــــــة"

الخميس، 27 يوليو 2017

قراءة في مسرحية “سأموت في المنفى” للمسرحي الفلسطيني غنام غنام

مجلة الفنون المسرحية 

قراءة في مسرحية “سأموت في المنفى” للمسرحي الفلسطيني غنام غنام


جمال عبد الناصر الفزازي - جسور 


  عرض المبدع غنام غنام مسرحيته ” سأموت في المنفى” في ذكرى استشهاد المناضل المثقف والسياسي الكبير غسان كنفاني،  وختما لعروض المهرجان الدولي للمسرح الجامعي لابن مسيك 8 يوليوز 2017 بمركب ستيديو الفنون بالدار البيضاء- المغرب ، في قاعة مستطيلة طوعها لتكون فضاء لعبيا لفرجة حكواتية دائرية استغرقت ساعة من الزمن لكنها امتدت بعيدا في مفاصل التاريخ ومجازات التخييل. ثلاثة مفاتيح لعرض ناجح : 

أولا :

النص المسرحي : … نص يحفر عميقا في الجسد الفلسطيني المهجر أشتاتا بعيدا عن الارض –الموطن- التي تم تشتيتها بين الاحتلال الاسرائيلي والمملكة الاردنية الهاشمية و المملكة الخديوية المصرية والنظام السوري وبإرادة من بريطانيا المستعمرة “وعد بلفور2017” والغرب عامة.

…في هذا المسرح العالمي تمت مصادرة تركة الشهيد صابر ..صابر من كفر عانا ، انتزع الاستيطان ارضه و مات محروقا كمدا على ابنه المثقف والمناضل المنفي في الاردن ،إثر مكيدة مبيتة من ذوي القربى…

أما غنام غنام الذي يصغره سنا ، فلم يغنم سوى التهجير القسري باسم النزوح او اللجوء.. مثلما غنم ماسي الاسرة وتراجيديا فلسطين ترابا ورمزا .. ولم تتبق لديه سوى حقيبة كانت تحتفظ بتراب وحجر فجرده حرس الحدود منهما، لتصير تلك الحقيبة هويته المجروحة و قبره المفترض.

بهذا سيضع الجمهور أمام غنامين: أحدهما الأصل الذي كان يمكن أن يحيا حياته الطبيعية في وطنه الأم وقريته كفر عانه ، ومدينة مولده أريحا ..وغنام البديل “بدل فاقد” الذي بات يتجرع إهانات المطارات،وجحيم المنافي في إنتظار إسترجاع النسخة الأصلية. لينتهي العرض إلى إستضمار السؤال الوجودي الشكسبيري : “أكون أو لا أكون” أيهما غنام الكائن؟ ..أهو الطبيعي أم الممسوخ بالإحتلال ؟ .. هل هو الميت في وطنه أم في بلاد الغير؟ هل هو الإنسان الذي كان سيكون حرا كريما في وطنه لو لم يوجد إستيطان ..؟ أم هو ظله وقرينه ونسخته المشوهة. قيمة النص الدرامية لا تتأتى فقط من مرجعية النص وقضيته : فلسطين ..بل من إعادة إنتاج فلسطين النصية بشكل جمالي ..ألم يصرخ محمود درويش في الذين يستغلون القضية الكبرى بما دون الفن : ” أنقذونا من هذا الحب القاسي ” ..وهذا النص يمنح للقضية زخما فنيا بعد أن توارت خلف الكوارث العربية بإسم “الربيع العربي”.

وفي الواقع لا يوجد نص مكتوب تم إعداده و الإشتغال عليه ..لأن العرض يوحي إلى أن النص تم التفكير فيه “منجزا فرجويا” ومشروعا مسرحيا تجريبيا منفتحا على الفضاءات العامة…

وبالتالي فهو مشروع عرض يحتوي نصا ملفوظا،  يتم تعديله في كل عرض بحسب طبيعة الفرجة والمتلقي ، وإن كانت بنيته العميقة، و الأساس هي تمثيل الأنا الفردية (غنام غنام) والعائلية (صابر) والجماعية (فلسطين)…باعتبارها موضوعا قابلا للقراءات المتعددة ..النفسية والاجتماعية والتاريخية …

إنه نص محبوك بإتقان يجعل المعقد بسيطا لإمتاع المتلقي وأفهامه ، بل وإرباكه أيضا بدءا من لازمة الإستهلال :” الله يمسيكم بالخير ويمسي الخير فيكم، لأن الإنسان بيحلى بالأيام والأيام بتحلى بالإنسان. و أحلى الناس هم البني آدم،  و أحلى البني آدميين هم الناس، ومساء الخير عالبني آدميين.” . و هي التي ختم بها العرض، وما بينهما كثافة نصوص متداخلة : نصوص شعرية -خاصة شعر محمود درويش –  و أسماء أعلام فلسطينيين : كإميل حبيبي وسميح القاسم و إدوارد سعيد وناجي العلي وغسان كنفاني … و أماكن:  كالقاهرة وجرش وكفر عانه والشارقة… بالإضافة إلى نصوص حكم و أمثال و أخبار تنحت مادتها من السياسة والتاريخ و أحوال المجتمعات. ومن ميزات النص العرضي إنتقال سلس من اللهجة العامية الفلسطيني إلى المصرية ..ثم إلى العربية الفصحى؛  ومن الخطاب الفقهي إلى المحكي المتداول لدى العامة؛  إلى خطاب الرقيب والحاكم أو العالم، بحيثيات القضية و أسرار الشخصيات .

كما أن قيمة النص تعود إلى التلاعب بالزمن من خلال الإسترجاع غير المنتظم للتواريخ و الأحداث،  ووو والإستشراف من خلال إستباق الموت…موت الشخصية في المنفى …

النص يجعل الشخصية معلقة بين- بين…بين الحاضر والماضي و المستقبل .. بين الحياة و الموت ..بين الجسد في فلسطين وفلسطين المحتلة ..بين المنفى بإعتباره وصلا لإحياء فكرة الأرض وبعثها في الأجيال الصاعدة والمنفى بإعتباره فصلا للإنسان عن موطنه الطبيعي .

وبلا شك يتميز النص بل يمتاز بقيمة درامية تفتحه على امكان تجسيده فرجويا ، لأنه يتمحور حول DRAMA الفعل الدرامي أي ما يمكن انجازه هنا والآن مسرحيا، وليس فقط الإكتفاء بالتعبير الإنشائي ذي النزعة البكائية،  كما في كثير من المسرحيات التي تزعم الدفاع عن فلسطين ، أو النزعة المدحية التي تمجد الأسطورة الفلسطينية إلى حد التقديس… 

ثانيا :

– التشخيص: يستثمر التشخيص تقنيات الحكواتي التي تقوم على انجاز الفعل الدرامي هنا هو ما نشاهده عبر حفر القبر او حمل حقيبة او صفع الشخصية واستنطاقها او ندب صابر لمقتل ابنه بحركة اليد وترنح الجسد او التحرك الدائري الذي يشير الى الترحال المستمر دون مغادرة الفضاء المغلق ..انه نص يفتح باب الابتسام والضحك كما يفتح باب المأساة التي نراها في عيني غنام وملامحه كالتركيز على المشاهدين بنظرات حادة والالتفات اليهم باستمرار لانتشالهم من كراسيهم المترهلة وادماجهم في فن الحلقة بفرجة تروم تكسير الجدران وفتح مساحة التباعد بين الشخصية وموضوعاتها بل خلق مسافة نقدية بين الذات الحية وذاتها الميتة. ويهيئ الفرجة للتغريب بحيث تتم اعادة بناء المشهد لفضح منطق الاشياء وربط المعلول بالعلة لكن بلمسة فنية مسائلة ..مما يوفر مساحات للنقد والسخرية والادانة وجعل المشاهد/الجمهور مندهشا بوعي من عالم متوحش ولا مبال او متنكر في صورة انسان متحضر. كما انه تشخيص لا يروم تقمص الشخصية كما عند ستانسلافسكي لأنه لا يعرضها للاندماج فيها بشكل كلي بل لقراءتها بوعي و تجاوزها .وهو لا يعرضها امام العقل كما عند بريخت لان الممثل هو ذاته الكاتب والشخصية والمخرج والانسان الفلسطيني: غنام غنام الذي يحمل مأساته الوجودية في جسده ويتعذر عليه تمثيلها وسلخها من جلده .. وهو لا يحكي كما في تراث الحكواتيين من اجل التفكه او سرد سير الامم الغابرة او البطولات الخارقة واساطير الاولين للسمر والسهر بل يتجاوز فرجة الحلقة التقليدية لأنه يمسرح الفرجة الشعبية ويعيد انتاجها من زاوية اخرى متمثلا الارث المسرحي الجمالي عالميا … 

ثالثا :

الإخراج.. هذا الخيط الذي يتماهى فيه صوت المؤلف وحركة الممثل ورؤية المخرج ، ناسجا ايقاعا حركيا بصريا وسماعيا، اشتغل عليه الاخراج بإضاءة اعتيادية وظيفتها الكشف ..وهو ما سيضطلع به الخطاب المسرحي ،لإبلاغ الجمهور بحقيقة القضية الفلسطينية وتنسيب العلاقة معها ، وفي نفس الان عرض الجسد الجريح بكل ماضيه وندوبه واحلامه واسئلته ..سواء بالصمت والصراخ او باختيار اللون الابيض والاسود في اللباس او من خلال توظيف اكسسوارين : مقعد وكوفية فلسطينية ..وكأننا امام مسرح فقير ل “غروطوفسكي” يغتني بمنح الأشياء الفرجوية القليلة، امكانات فنية بوظائف جمالية ومعرفية شتى، تفترضها الحكاية كأن يتحول الكرسي الى قبر أو نعش ولحد أو أداة استنطاق أو حقيبة، وتصير قطعة ثوب كوفية فلسطينية او خريطة لفلسطين ورمزا .وعلى امتداد العرض ظل الجمهور مأخوذا بالحكاية مندمجا فيها نفسيا لكنه لم يغن الفرجة الحكواتية دراميا وعرضيا بتشخيص او انشاد او رقص او محاورة للحكواتي ،مادام العرض تشاركيا اذ لا شيء فيه خفي ولا كواليس. بهذا تكون الفرجة قد انغلقت في المكان الدائري مثل انغلاق الحدود في وجه الشخصية ..وانفتحت على الجمالي والانساني بإرادة في التحرر من المأساة . انها نداء انساني لتحرير الانسان من التاريخ الممسوخ.. نداء فني يضيء الحقيقة التي تدين الضمير العالمي ..إن كان للعالم ضمير.

الثلاثاء، 25 يوليو 2017

القبح بوصفه خطاباً فـي مسرحية "أخاديد"

الجمعة، 16 يونيو 2017

العرض المسرحي "من سيرة المدعو حمد" أنين الثكالى وبوح المقهورين

الأربعاء، 14 يونيو 2017

عرض «مكعب بس مثلث».. صياغة مسرحية تعكس «القلق الوجودي العصر»

مجلة الفنون المسرحية

عرض «مكعب بس مثلث».. صياغة مسرحية تعكس «القلق الوجودي العصر»


جمال عياد

ضمن فعاليات (مسرح الخميس) الذي تقيمه وتنظمه مديرية المسرح والفنون، كل مساء خميس من كل أسبوع، عرضت مسرحية «مكعب بس مثلث»، بتوقيع المخرج بلال زينون.

استهلت المسرحية افتتاح فعاليات مهرجان عمون لمسرح الشباب الثالث عشر في العام 2014، وهي احدة من المسرحيات الشبابية القليلة التي قدمت مقترحات مشهدية تنتمي إلى مسرح العبث، خلال هذا العام، وبمقترحات بصرية وسمعية جديتين لم تتأثرا بالعروض المسرحية التي قدمت سابقا. العرض الذي كتب نصَّه ووضعَ رؤيته زيتون، هدفت لوحاته المسرحية ومشاهده، إلى تبيان مدى فداحة الظلم الواقع على المواطن، من جانب النظام السياسي العربي بالإجمال؛ لجهة ضف المشاريع التنويرية، وغياب التنوّع وعدم تقبّل الاختلاف بالرأي. تتحدث الحكاية عن شخوص تنتمي للشرائح الاجتماعية الشعبية، وجدت نفسها في حمام وفق انماط الحمامات العربية والتركية القديمة، فضاؤهُ أقرب لمنصة غسل الموتى، في زمن ومكان غير محددين. وفي سياق الأحداث العبثية، تتبادل هذه الشخوص الأدوار؛ حيث تارة يصبح كل منهم السيد، ثم الضحية والتابع وهكذا، وتارة أخرى شخصية حية ومرة ثانية متوفاه، وهكذا. نص العرض قدم وفق شكل مسرحي تأسّسَ على تقنية الحلم والإفادة من الخيال الخصب فيه، كما ووظفت الرؤية الإخراجية الذاكرة الانفعالية، في إثارة الزخم التعبيري للعرض، عبر تعميق امزجة وهواجس الشخوص لجهة تبيان مواقفها في الماضي والحاضر وأفقها المستقبلي المغلق، كون ان تصميمها ينتمي لمسرح العبث. أظهرت جماليات السينوغرافيا قوةً في تأشيرها الدلالي، بفعل بساطة العلامة وثراء تعبيرية إيحائيتها في آن، لجهة الفضاء السينغرافي، في تموضع غرفة الحمام والمجسدة بطاولة خشبية مقلوبة في بؤرة المسرح، وإلى يسارها ثلاثة سطول ماء، صممها ونفذها محمد أبو حلتم. فضلاً عن تصميم أزياء الشخوص الذي أسهم في إظهار القسمات الخارجية للشخصيات العاملة في الحمامات القديمة، سواء الذين يغسلون الأموات أو الأحياء واستخدام أساليب الإضاءة التي وضعها محمد أبو حلتم ومحمد المجالي، العامودية والأفقية وبنسب مختلفة في الشدة لتتلاءم مع الأجواء المختلفة في غرف التحقيق والتعذيب، أو أماكن غسيل الموتى، التي تضمنتها المشاهد واللوحات. غيران الكتلة الأهم دلاليا كانت في الحنفية بحجمها الكبير التي تموضعت في عمق المسرح، حيث أشر صوتها دلاليا في البناء السطحي للعرض على مسألة شح المياه، التي يعاني منها أبناء البشر في الزمن الراهن. ومن جهة أخرى في طرح أنساق المؤثرات الصوتية غير المنطوقة، ضمن البناء المضمر في السياق؛ حيث كان صوتا (علامة) دلالية أسهمت بتعميق الفضاء الوجودي للعرض، (صوت وشيش مواسير الماء الفارغة) وكأنها تضخ مجازا معاني العدم واللا جدوى والعقم من الإسهام بأي تواصل تنويري يمكن أن يحدث فيما بين الشخوص، وهنا بالضبط كان هذا التوظيف جماليا في خدمة إنشاء الفضاء الدلالي العبثي. وقد شكّلَ اندفاعُ أداء الفعل الجسدي الداخلي الانفعالي بمحمولاته إلى الأمام،(كونه يعد الحامل الأساس للعلامات) وفق زمن داخلي دائري رافعةً أساسية في تحقيق لغة المسرحية، لأن الحوار المتأسس على دلالة الكلمة، يعدّ مضلِّلاً في هذا السياق العبثي، لعدم يقينية المعاني المباشرة للّغة؛

لذا انصرف الفعل للتأشير بصرياً، في تأسيس نظام تواصل تتمظهر آلياته بين تقاطعٍ والتقاء، مع ما يراه المشاهد للواقع الحافل بالقوانين الاستبدادية في منظور الجغرافيا العالمية الآن، التي تحمل نذر شؤم حروب، مدججة بالكراهية العرقية، والطائفية، فضلا عن توسع حيزات الفقر في المجتمعات الإنسانية وما تتركه من آثار سلبية وبخاصة لجهة ظهور فضآت التطرف والتوتر الاجتماعيين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى مع رؤية نص العرض لهذا الواقع، وبخاصة مَشاهد التحقيق الأمنية الشائعة في المنطقة العربية، والمتسمة بالعنف المسلط على المعتقَل السياسي، حيث يغدو فعل الجسد عليه، بمثابة الدلالة الأساسية في طرح اللغة المسرحية. الممثلون: إبراهيم النوابنة، وعطية المحاميد، ومثنى القواسمة، كانوا شركاء المخرج في الإنشغال في ادوارهم من حيث ظهورهم، إذْ انهم أسهموا بقوة وبراعة أدائية في إنشاء الفضاء العبثي للعرض، وبخاصة في تركيزهم على المعطى الأساس في عملهم ألا وهو الفعل الداخلي، الذي انساب عبر لغة الجسد والذي كان في أحايين كثيرة مستقلا عن اللغة المنطوقة، ولكنه كان متمما ومتناغما معها، عبر حركات الجسد والإيمائة التي تشارك أيضا في إخراج وطرح المعاني العبثية لهذه المسرحية. 

------------------------------------
المصدر : الرأي 

الثلاثاء، 30 مايو 2017

النقد المسرحي المغربي ورهان تجدد أسئلة النقد -خالد أمين نموذجا-

مجلة الفنون المسرحية

النقد المسرحي المغربي ورهان تجدد أسئلة النقد "خالد أمين نموذجا"

فاطمة اكنفر

اعتاد الباحثون تقسيم مراحل النقد المسرحي بالمغرب إلى ثلاثة مراحل: المرحلة الجنينية، المرحلة التأسيسية، مرحلة الترشيد العلمي، حيث كانت المرحلة الأولى مرحلة "بدايات النقد المسرحي الشفوي أو المكتوب في صحافة في عهد الاستعمار، وكانت المرحلة التالية مرحلة بروز رواد أسسوا المسرح في المغرب تأسيسا علميا أمثال حسن لمنيعي، وحسن لمريني، ومحمد الكغاط"، أما المرحلة الأخيرة فقد تميزت بتحول كبير في الممارسة النقدية المسرحية من خلال تطعيمها بمناهج التحليل العلمي من جهة، وانفتاحها على المسرح العالمي والنظريات والمناهج العالمية من جهة أخرى، حيث كان من الطبيعي بروز نقاد جدد في الساحة النقدية المسرحية متمكنين من آليات تحليل الخطاب المسرحي وجمالياته عبر تمرسهم في البحث العلمي الجامعي والأكاديمي الذي كان نقطة انطلاقة الممارسة المسرحية الجادة والمسلحة بآليات جديدة تأليفا وإخراجا وتمثيلا.
وهكذا ظهرت العديد من الدراسات التي تناولت موضوع المسرح في العصر الحديث وتناولت جوانبه المختلفة والمتعددة، حيث بدأنا نستشعر في نسيج تفكيرنا النقدي مؤخرا توجه الخطاب النقدي المسرحي نحو مفاهيم جديدة من صنف آخر، من خلال انفتاح الخطاب المسرحي على توجهات معرفية جديدة ومتنوعة.
إن تصفح ما كتب من دراسات نقدية وأبحاث أكاديمية حول المسرح يجعلنا لا نتردد في الحكم على أن هذه التراكمات كانت وراء التحولات التي عرفتها الحركة المسرحية في المغرب، وهي دراسات كانت ولا تزال من العوامل التي ساعدت على معرفة تجارب مسرحية عربية أو عالمية، حفزت الممارسين للمسرح والكتابة الدرامية على نقد الذات من جهة ونقد الآخر من جهة أخرى، ولعل مشروع خالد أمين من أهم المنجزات النقدية التي أبان فيها الناقد عن وعيه وتمثله لمرجعيات وأطروحات النقد الثقافي في دراسة المنجز المسرحي الغربي والعربي، مستعيرا أجهزته المفاهيمية من عمق الثقافة الغربية مطوعا إياها لما يستجيب لخصوصية النصوص والأنساق التي يهدف إلى استنطاقها، حيث تعد كتاباته حدثا ثقافيا وفكريا متميزا مؤسسا على تنوع معرفي ومنهجي رصين، فهي تتسم بعدة مميزات جعلتها تجربة رائدة في إطار النقد المسرحي المغربي، وذلك من حيث إسهامها في بلورة مشروع ثقافي جديد يروم مساءلة المسرح الغربي وتفكيك أطروحاته من جهة، وإعادة النظر في المسرح العربي والمغربي من جهة أخرى.
وفي هذا الإطار قدم خالد أمين للساحة النقدية المغربية أهم النظريات التي أدت دورا أساسيا في قلب المفاهيم المختلفة التي تحكمت في مسار المسرح الغربي، وخلخلة المسلمات المؤطرة للفعل المسرحي الذي بات يتأرجح بين الداخل والخارج، والانا والآخر، والمستعمر والمستعمر، والاحتكاك بالثقافة العالمية من خلال الترجمة وتفاعل الايجابي المباشر والغير المباشر، حيث كان الخطاب النقدي عند خالد أمين مسكونا بهاجس السؤال وإعادة النظر في العديد من المفاهيم والمسلمات التي كانت رائجة بشكل عام في المسرح العالمي والعربي/المغربي على حد سواء.
والمتتبع لمشروع خالد أمين يلحظ فيه مبدأ الثبات المنهجي بالإضافة إلى المرونة والانفتاح على نظريات ومفاهيم إجرائية متعددة ومتنوعة، تنم عن ثقافته الموسوعية ومدى إطلاعه على النظريات المعاصرة التي تسعى إلى تفكيك وتقويض التمركز الثقافي الغربي، بالإضافة إلى انفتاحه على الثقافات المسرحية المختلفة، حيث تأثر باطروحات المسرحيين الغربيين أمثال (بريخت وأنطونان أرطو وبيكيت وباربا) وغيرهم ممن سعوا إلى تفكيك الثقافة الغربية وتوجيه أنظارها إلى الثقافات المسرحية الأخرى، فــ"منذ إصداره لكتابه الأول ما بعد بريشت الذي دشن به خالد أمين انخراطه العميق والوازن في الدراسات المسرحية عامة والمغربية خاصة وهو يبلور مشروعا نقديا مفتوحا على آفاق معرفية جديدة بوأه مكانة علمية متميزة في المشهد النقدي المسرحي وطنيا وعربيا ودوليا ".
إن المتأمل لأعماله النقدية يلمس مبدأ التناسلية والنمو بالإضافة إلى مبدأ الحوارية والتبادل بين آرائه واطروحاته، حيث يرى حسن اليوسفي في مقدمة الكتاب (المسرح ودراسات الفرجة)، أن انفتاح مشروع خالد أمين جعله ينخرط في مرحلة جديدة قوامها إعادة النظر في الترسانة النقدية المستعملة سلفا في كتابه (الفن المسرحي وأسطورة الأصل)، واقتراح مشروع آخر في كتابه (المسرح ودراسات الفرجة) "من خلال تأسيس مفاهيم ثرية ومقولات جديدة. وبلورة خطاب نظري غني بالمفاهيم الجديدة في المجال النقدي من قبيل: "الهجنة المسرحية، المثاقفة المسرحية، مابعد الدراما، وتناسج الثقافات الفرجوية، ويقوم بأجرأتها من اجل صياغة مقاربة جديدة ومغايرة في السياقين العربي والمغربي".
وعليه يتميز مشروع خالد أمين بالتنوع المعرفي والمنهجي وهو تنوع يوحد بين عناصر ومقومات البحث لديه، كما يوظف مناهج مختلفة بالشكل الذي يضيف إلى معنى الممارسة النقدية وفرة في المصطلحات والمفاهيم وثراء في الأدوات، حيث "ينهض خالد أمين على قراءة واعية للتنظيرات المسرحية المغربية في علاقتها بالممارسة الركحية وكذا في علاقتها بما أفرزته التنطيرات الغربية من صيغ فنية، اعتمادا على البحث المخبري الذي يراعي غاية المسرح وتطور أساليبه، أي تجدد نظرياته بفعل صيرورة التفكيك وإعادة البناء حسب متطلبات وحاجيات المرحلة".
إن رؤيته النقدية قائمة على الجدلية بين العام والخاص، والعلاقة بين المحلي والكوني، كما أفصحت تجربته عن مدى وعيه وسعة إطلاعه على مختلف تضاريس العمل الدرامي على المستوى العالمي وعلى المستوى المحلي، كما عبرت اطروحاته عن مدى إلمامه الواسع بمكونات العمل المسرحي وشروط قيامه.
تظهر كتابات خالد أمين في تشكيلة نظرية واحدة وفي نسق نظري متكامل، يمكن أن نشير من خلال الملاحظات التالية إلى بعض تجليات المشروعه النقدي:
- يساير باستمرار كل الممارسات والاتجاهات المسرحية سواء الغربية أو العربية أو المغربية، وهذا ما جعل مشروعه النقدي متجددا ومتطورا.
- تشكل جميع كتاباته حلقة متسلسلة ومتواصلة يطبعها الكثير من الانسجام والتكامل هدفها تحقيق ثقافة مسرحية موسوعية يربط فيها النظري بالتطبيقي والنص بالعرض والمحلي بالعالمي.
-لا يقتصر خالد أمين على طرح مواضيع ومناقشتها بل يتجاوز ذلك إلى تقديم اقتراحات تساهم في عملية تطوير المسرح، وضرورة تكثيف جهود المسرحيين العرب وتبادل الخبرات فيما بينهم ومناقشة المشاكل وإيجاد الحلول، يقول: "حيث علينا أن ندرك جميعا إن مستقبل المسرح المغربي رهين بالتفاعل الايجابي بين الفاعلين المسرحيين من مختلف الاجيال والدروب، وذلك التفاعل هو السبيل الأوحد للمصالحة مع الجسد المسرحي والارتقاء به، والتنظير لهذا المسرح لا يمكن أن يتأسس إلا من خلال تقعيد الأسس المهنية والانفتاح على الجامعة بوحدات للبحث فيها، ومختبرات المسرحية وأبحاثها وأطاريحها التي تشكل ذاكرة المسرح المغربي بحق، لا يمكن ان يستقيم هذا المسرح بتنضيراته وانجازاته في غياب علاقته تفاعلية بالجامعة المنفتحة والفاعلة".
يمكن أن نلخص اشتغال خالد أمين في مسارين متشابهين في العمق رغم اختلافهما في الظاهر، ولكن قبل الحديث عن هذين المسارين لابد أن نتحدث عن الموقع الذي إنطلق منه وهو تحديدا موقع المابينية. إلى جانب بحثه الأكاديمي ينتمي الناقد إلى حقل الدراسات الإنجليزية، وهذا راجع لطبيعة عمله كأستاذ باحث فيها، بيد أن عشقه للمسرح المغربي ورغبته في المساهمة في النهوض بأحواله جعلا الناقد يركز بحثه في الاشتغال على المسرح بلغة شكسبير. فمنذ أن التحق بجامعة "إسكس" ببريطانيا سنة 1990 بهدف الدراسات العليا، توجه خالد امين بسؤال (لروجر هاورد) رئيس قسم المسرح في تلك الجامعة العريقة (ماذا عن المسرح المغربي؟)، حينها أدرك أنه من واجبه الإشتغال على الذات في حدود علاقتها بآخرها، فكانت الإنطلاقة من شكسبير في المسرح المغربي رفقة حسن المنيعي والأستاذ محمد العميري، وحاول قدر الإمكان أن يساهم في مد جسور التواصل بين الذات والآخر في إطار تفاعل إيجابي يسمح بالتعرف على الذات واكتشاف الآخر.
لذلك أصبح خالد أمين يكتب بالإنجليزية حول موضوعات المسرح المغربي، وبالعربية حول ما يروج في الساحة الأنجلو أمريكية تفاديا للوساطات المشرقية. أما الأسباب فكانت كثيرة ولعل أبرزها هو شبه غياب المسرح المغاربي من الكتابات الإنجليزية المركزة على المشرق العربي فقط. ومن هنا كان إحساسه بالمسؤولية الجسيمة والدور المنوط الذي ألحق به، والمتجلي في إحياء المسرح المغربي الذي ظل غائبا في الأوساط المسرحية الغربية من خلال التعريف به وبمختلف مظاهره الفرجوية عن طريق الوسيط الترجمي.
ينتمي إذن النقد المسرحي عند خالد أمين ضمن النقد الأكاديمي "وهو نقد تحليلي يروم الموضوعية ويسعى إلى تفكيك وفهم الظواهر المسرحية، ويتجاوز العملية النقدية السطحية التي تروم التعليق والتلخيص وتتأسس على الضبط المنهجي المتماسك، وتستند على أدوات منهجية وإجرائية رصينة"، فإن هذا النقد أرسى ممارسة نقدية جديدة تأسست في رحاب الجامعة المغربية نظرا لانفتاح المسرح المغربي الجامعي على المناهج الغربية المحكومة بخصوصياتها العلمية وطابعها الموضوعي.
1. - أسس ومبادئ مشروع خالد أمين
إن المتأمل والمتفحص لكتابات خالد أمين النقدية يتضح له أنها تقوم على مجموعة من المبادئ والأسس والمميزات ويمكن أن نوجز هذه المبادئ في مبدأين:
أ- مبدأ التناسل والنمو:
عندما نستعرض مؤلفات خالد أمين فإننا نلاحظ أنها تتخذ في مسارها وثيرة منتظمة ومتناسلة حيث نجد مؤلفاته ظهرت على الشكل التالي:
- ما بعد برشت، منشورات السندي، مكناس، 1996.
- المسرح المغربي بين الشرق والغرب Moroccan Theatre Between East and West -باللغة الأنجليزية- منشورات نادي الكتاب، كلية الآداب تطوان، 2000
- الفن المسرحي وأسطورة الأصل ، منشورات كلية الآداب تطوان، 2002
- الفرجة بين المسرح والأنثروبولوجيا، منشورات مجموعة البحث في المسرح والدراما التابعة لجامعة عبد مالك السعدي، 2002
- المرتجلة في المسرح الخطاب والمكونات، منشورات مجموعة البحث في المسرح والدراما التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، تطوان، 2003
- مساحات الصمت -غواية المابينية في متخيلنا المسرحي-، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، 2004
- المسرح المغربي بين التنظير والمهنية، منشورات مجموعة البحث في المسرح والدراما التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، بتطوان، 2004.
- خالد امين، دراسات الفرجة، ط.1، منشورات المركز الدولى لدراسات الفرجة، طنجة، 2011.
والهدف من هذا الجرد توضيح مبدأ التناسل الذي يتسم به مشروعه، والمقصود بالتناسل هنا هو خروج أعمال المؤلف الواحدة من صلب الأخرى بما يعطيها نوعا من الوحدة والتكامل، بدءا بمفهوم الهجنة المسرحية الذي شكل موضوع الاشتغال في عمله (الفن المسرحي وأسطورة الأصل) و(مساحات الصمت وغواية المابينية)، ثم إعادة النظر في هذا المشروع مبرزا بعض نواقصه ومقترحا في الآن نفسه مشروعا جديدا ينطلق من رؤية جديدة ومن زاوية نظر مختلفة في كتابه (المسرح ودراسات الفرجة).
يمكن القول إن مؤلفات خالد أمين تقوم على فرضية مركزية كبرى هي نواة النظرية التي يعمل عليها مشروعه في مختلف مراحله من خلال البرهنة والتدليل عليها، بمناهج ومفاهيم متنوعة ومقاربات متعددة، ويتضمنها هاجسا واحدا رغم تنوع الأسئلة وتعدد القضايا والمرجعيات بكل ما تقتضيه الأسئلة من جرأة في الطرح ودقة في التناول، كما توضح تفاعل الناقد مع "نظريات غربية حديثة تحولت لديه إلى أداة تفكيك وتحليل، كما مكنته من تأسيس خطاب نقدي يقوم على الحوار مع هذه النظريات وتطويع مفاهيمها في جل كتاباته".
وبالتالي تدل قائمة الكتب السابقة على تنوع اهتمامات خالد أمين ونشاطه الفكري الخلاق، ولقد صدرت رؤيته النقدية وعمله المعرفي عن تصور يرفض النظريات الكلاسيكية أي تلك التي ترى في الأصل الغربي الأوروبي مصدر إشعاع، يغمر بضيائه الثقافات الأخرى.
إن مشروع خالد أمين يقوم على نسف فرضية المركزية وتفكيك أسطورة الأصل الدرامي، وتعد هذه الفكرة نواة عمله النقدي، كما يقوم مشروعه على فرضيات فرعية صغرى كروافد تعزز وتغذي الرافد الأصلي وبهذا تعطي هذه الفرضيات الفرعية للمشروع إمكانية النمو والتوسع واستيعاب مختلف الخطابات والمقولات والمفاهيم بالإضافة إلى الانفتاح على ممارسات فكرية ونقدية مختلفة عالمية ومحلية.
ب‌- مبدأي التركيب والتوليف:
يتسم مشروع خالد أمين بالطابع المركب سواء على مستوى رصد الظواهر المختلفة التي يتم الاشتغال عليها، أو على مستوى المناهج والنظريات والمفاهيم التي يتعامل معها، ومن هنا يتضح البعد التركيبي المرفق بالسمات التوليفية في أعماله النقدية حيث تظل كتابات خالد أمين عارفة بشروطها العلمية الواعية ومراعية لطبيعة الإرغامات التي يتطلبها التركيب بين مرجعيات مختلفة ومتباينة، خاصة وأن الناقد ينهل من خلفيات متعددة ومتنوعة ويستعير أجهزته المفاهيمية من المنجز الثقافي الغربي، فهو ملم بالنسق الثقافي الغربي وبنياته الذهنية وطبيعة تركيبته السياسية والاقتصادية والثقافية.
كما يستند الناقد إلى معرفة دقيقة بالنظريات ومناهج التحليل الغربية الجديدة التي كشفت فضيحة العقل الغربي في مرحلة الحداثة وبداية التفكير في دول العالم الثالث وعلاقة المستعمر بالمستعمر وعلاقة الذات بالآخر، والنتيجة هي إعادة قراءة المنجز المسرحي وفق هذه الآليات والأطروحات المابعد حداثية والمابعد استعمارية، والبحث عن الأنساق الثقافية الثاوية خلف الخطاب الغربي الأديولوجي الذي يعمل على إقصاء الثقافات الفرجوية المنتجة والحكم عليها بالدونية واللاعقلانية.
لقد استطاع خالد أمين بفعل بصيرته النافذة وعقله التركيبي البحث في الأنساق المضمرة التي تؤطر علاقة الأنا بالآخر، المستعمر بالمستعمر، الشرق بالغرب، الداخل والخارج، وهي ثنائيات تترد في مختلف كتاباته، وتنم عن سعة الرؤية والسعي إلى تجاوز هذه الثنائيات التي يرسخها الفكر الغربي المهيمن.
إن كافة كتابات خالد أمين النقدية تفصح بجلاء عن ميله إلى تطبيق أجهزة مفاهيمية مختلفة تتبادل عناصرها التأثيرات بشكل جدلي، حيث جاء بأدوات نقدية ما بعد حداثية ذات مولد غربي وبحث بها في المسرح المغربي، واستطاع أن يستقدم جملة من المفاهيم والنظريات والمناهج العلمية محاولا تطبيقها واستثمارها عمليا في قراءة المنجز المسرحي الغربي والعربي /المغربي.
2. - خالد أمين ومرجعية النقد الثقافي.
ارتكز خالد أمين على أدوات إجرائية ومفاهيم نقدية واليات منهجية تفك مغالق الفعل المسرحي، وتقبض في نفس الوقت على جوهر الممارسة الدرامية في الثقافات العالمية والمحلية، وهكذا تتعالق المعطيات الفلسفية والخطابات الفكرية في تشكيل وصوغ الخطاب النقدي عنده، وبالتالي تجاوز الناقد المقاربات السطحية للظاهرة المسرحية وصاغ تصور منهجي يحاصر الفعل المسرحي في أبعاده الشاملة والمختلفة.
حاول خالد أمين الانفلات من دوامة المناهج النقدية التقليدية الناهضة على تصور تبسيطي الذي أدى في "المراحل الأولى من تاريخ التجربة النقدية إلى انزلاق النقد المسرحي المغربي إلى التعميم الذي يعكس فقرا في الثقافة المسرحية".
اكتسب النقد المسرحي خصوصيته وملامحه في خطابات خالد أمين من خلال الارتباط بنظريات حداثية وما بعد حداثية، والانفتاح على التجربة المسرحية الغربية، والنزوع إلى ابتكار صيغة مسرحية جديدة منفتحة على ثقافات الفرجوية المختلفة والمتنوعة.
والجدير بالذكر أن "دينامية الحركة النقدية بالمغرب انسلخت عن ثوبها التقليدي لتعانق الحداثة النقدية"، وهكذا تشكلت الحركة النقدية عند خالد أمين على ثوابت أهمها:
- الانفتاح على مكونات الفعل المسرحي وفهم آليات اشتغاله ومكوناته وأنساقه الداخلية.
- الارتكاز على وعي قائم على معرفة عميقة بالاتجاهات المسرحية وخاصة النظرية البريختية، وارث ارطو وانفتاحه على الثقافات الفرجوية غير أوروبية، مما أدى إلى إثراء الحقل الاصطلاحي في كتاباته، بالإضافة إلى انفتاحه على مقولات نقاد ما بعد الاستعمار خاصة ادوارد سعيد، فرانز فانون، هومي بابا، غياتري سبيفاك وغيرهم.
- انتقاء مفاهيم وتصورات جديدة خاصة أطروحات النقد الثقافي وفلسفة الاختلاف، محاولا معالجة وضعية المسرح في ضوء الإشكالات الكبرى منها: الأنا والأخر، الاستعمار وما بعد الاستعمار، الشرق والغرب، الهجنة والأصل، وغير ذلك من الأجهزة المفاهيمية التي تنم عن انفتاح الناقد على الاتجاهات المابعد حداثية والمابعد استعمارية، والإطلاع على ما أفرزته الثقافة الغربية من تصورات ومقولات.
إن الخطاب النقدي عند خالد أمين يتأسس على رؤية تحليلية تركيبية تروم الموضوعية، وتسعى إلى تفكيك وفهم الظواهر المسرحية عبر مستوياتها المختلفة والمتعددة النصية والمرجعية، وقد نتج عن انفتاحه على المناهج النقدية والنظريات المختلفة:
أولا: محاولة صوغ منهج يراعي خصوصية المسرح العربي والمغربي، مما أدى إلى الارتقاء بالعملية النقدية من التلخيص إلى التفكيك والتقويض.
ثانيا: مساءلة المسرح الغربي من جهة ومساءلة واقع المسرح العربي والمغربي من جهة أخرى.
وهكذا أرسى خالد أمين ممارسة نقدية واعية تقوم على التجديد وإماطة اللثام عن الخطاب المسرحي الغربي والمغربي، حيث قام الناقد بمحاسبة الأخر ومحاسبة الذات لأن المسؤولية لا تقع فقط على الأخر الغربي بل تقع كذلك على الذات.
وبالتالي يعد خطاب النقد الثقافي وممارسته منهجيا من الأمور المعلنة في مشروع خالد أمين، إذ يتيح هذا النشاط إمكانية تغيير زاوية النظر إلى المسرح من وصفه شكلا جماليا إلى اعتباره حادثة ثقافية وسياسية، وهكذا "فإن الخطاب المسرحي استطاع أن يمتلك مقومات الكتابة الناضجة من خلال الانفتاح على الاتجاهات والطرائق المنهجية الغربية من جهة، وعبر البحث المستمر عن ملامح الخصوصية المحلية من جهة أخرى".
انفتح الناقد على نظريات عديدة خاصة اتجاه النقد الثقافي الذي يذهب إلى أبعد مما ذهبت إليه البنيوية حين نظرت إلى النص من الداخل وركزت على وحداته وأنساقه الداخلية، منصرفة عن باقي الجوانب الأخرى التي شكلت بنية النص، لذلك حاولت هذه النظريات توسيع أفاق النص الأدبي، كما استفاد من استراتيجية التفكيك وما تقدمه من مفاهيم في دراسة النصوص الأدبية، فالقراءة التفكيكية "تبحث عن اللبنة القلقة غير المستقرة، تحركها حتى ينهار البنيان من أساسه ويعاد تركيبه من جديد، وفي كل عملية هدم وبناء يتغير مركز النص، وتكتسب العناصر المقهورة أهمية جديدة، يحددها أفق القارىء الجديد، وهكذا يصبح ما هو هامشي مركزيا، وما هو غير جوهري جوهريا".
كما أتاح له هذا الاتجاه خلخلة جملة من الوثوقيات التي روج لها الفكر الغربي في سبيل إضفاء طابع الكونية على تقاليده الفرجوية، واحتواء وإقبار ما عداه من الثقافات الفرجوية الأخرى، حيث نجد أن كتاباته ظلت وفية لنفس الخلفيات الفكرية والمعرفية التي تشربها الناقد خاصة النقد الثقافي والمفاهيم التي تشتغل تحت مظلته: ما بعد الاستعمار، الاستشراق، مفهوم الهجنة، المركزية الغربية، التابع، ما بعد الحداثة وغيرها من المفاهيم التي تنسجم وطبيعة المناهج النقدية والنظريات التي يتوسل بها الباحث في قراءة المنجز المسرحي.
إن هذا المنظور الذي ينطلق منه الناقد كشف عن زيف الفرضيات الاستعمارية المتمركزة فنيا حول ذاتها، عبر والوعي الشديد بالسياق الثقافي المحلي في تكوين التفكير، وفهم النصوص الإبداعية، وفي ذلك إعادة الاعتبار للذات المحلية التي شيئت، ونظر إليها كذات لا فنية، وإعادة النظر في المركزية المسرحية الغربية الرافضة لفكرة الاختلاف الفني.
وبالتالي قام خالد أمين بتفكيك أسطورة الأصل من خلال العودة إلى الثقافات الفرجوية العربية الإسلامية من قبيل: طقس التعزية، خيال الظل...، والتقاليد الفرجوية المغربية: الحلقة، البساط، سلطان الطلبة...، وهي أشكال قام الآخر الغربي بحجبها وطمسها وإخراس صوتها، بفعل لقاء الذات العربية بالآخر الغربي، والانسياق وراء المؤثر الغربي، وهو انسياق فرض بالقوة لاسيما عندما تعثرت عمليات التحديث في مجتمعاتنا العربية الحديثة.
وفي ظل هيمنة النموذج الغربي نزعت العديد من التجارب المسرحية العربية نحو تأصيل الممارسة المسرحية من خلال ربطها بجذورها التراثية، وانفتاحها على الظواهر والأشكال الفرجوية التي يزخر بها المجتمع العربي مثل: السامر والحكواتي والمداح وخيال الظل... وغير ذلك من الأشكال الفرجوية، وفي هذا الصدد كشف خالد أمين عن واقع المسرح المغربي الذي يتأرجح بين الأنا والآخر، الشرق والغرب، المستعمر والمستعمر، وموزع بين موقفين: موقف يستلهم من الجماليات الفرجوية التراثية ويرفض كل ما يمت للآخر بصلة، وموقف آخر يسعى إلى تبني النموذج المسرحي الوافد من الغرب، في حين طرح الناقد مفهوم الهجنة للمصالحة مع وجدان الفرجة المغربية، انطلاقا من الحوار الإيجابي بين الأنا والآخر، الداخل والخارج، المستعمر والمستعمر، لأن تحديث الفرجة المغربية لا يمكن أن يتحقق في فعل الانغلاق والانطواء على التراث، واستحضاره بوصفه نموذجا مقاوما ومضادا للنموذج المسرحي الغربي، ولا في تبني الممارسة المسرحية الغربية وإعادة إنتاج فكرة الأصل، بل عن طريق إنتاج مسرح يقوم على أساس الهجنة من خلال الاستلهام الجماليات الفرجوية التراثية من جهة، والاستفادة من النماذج المسرحية الغربية من جهة أخرى لإنتاج نموذج جديد يحمل البصمة المحلية ويسمح بالتفاوض مع الآخر المستعمر.
إن تحديث الفرجة المغربية من منظور الناقد لا يمكن أن يتحقق في فعل الانغلاق والانطواء على التراث، واستحضاره بوصفه نموذجا مقاوما ومضادا للنموذج المسرحي الغربي، ولا في تبني الممارسة المسرحية الغربية وإعادة إنتاج فكرة الأصل، إن التحديث لا يمكن أن يتم دوما عن طريق اجترار أساليب جاهزة سبق التعامل معها تنظيرا وممارسة، بل عن طريق إنتاج مسرح يقوم على أساس الهجنة من خلال الاستلهام الجماليات الفرجوية التراثية من جهة، والاستفادة من النماذج المسرحية الغربية من جهة أخرى لإنتاج نموذج جديد يحمل البصمة المحلية ويسمح بالتفاوض مع الآخر المستعمر.
طرح الناقد مفهوم الهجنة للمصالحة مع وجدان الفرجة المغربية، انطلاقا من الحوار الإيجابي بين الأنا والآخر، الداخل والخارج، المستعمر والمستعمر، لذا يدعو خالد أمين إلى عدم الارتكاز على ثقافة ماضوية، ولا الانكفاء، لأن إنكار الثقافة الغربية لا يشكل بحد ذاته ثقافة، والرقص المسعور حول التراث المفقود، كما يذكرنا المفكر المغربي (عبد الله العروي) لن يجعله ينبعث من رماده فالمطلوب أن نتواجد وأن يكون لنا حضور كوني، ولا ينبغي أن نكتفي بذلك، بل علينا أن نصحح السرد الأحادي الذي ابتدعه الغرب، وأراده أن يكون سردا كونيا لصالحه، ولكل الأزمنة.
لهذا أضحى المسرح يتأرجح بين الأنية والغيرية والهوية والاختلاف، وفي الحد "الفاصل بين السردين: السرد الغربي والسرد المحلي/ السرد العربي الاسلامي، هكذا تسوق المسرح المغربي مع شرط الهجنة"، حيث يؤكد خالد أمين على ضرورة التهجين بين الفكر الأوروبي والذات العربية، والتحرر من الفكر الماضوي السكوني واستقبال الآخر بروح التكامل.
استطاع خالد أمين أن يستفيد من أطروحات النقد الثقافي ونظرية ما بعد الاستعمار في تحليله للظاهرة المسرحية، كما استمد مفاهيمه ومقولاته من أطروحات النقاد ما بعد الاستعمار ولعل أبرزهم ادوارد سعيد، فرانز فانون، هومي بابا، غياتر سبيفاك...، وهذه الخاصية تميز جميع كتابات خالد أمين النقدية، أي قدرته على التركيب بين مناهج ومفاهيم واطروحات متنوعة ومتعددة، التي أسعفته في الكشف عن الأنساق المضمرة التي تحكمت في العلاقة بين الشرق والغرب، الأنا والآخر، المستعمر والمستعمر، الداخل والخارج.

المراجع:
- حسن المنيعي، النقد المسرحي العربي (إطلالة على بدايته وتطوره)، المركز الدولي لدراسات الفرجة، ط.1،2011.
- حسن يوسفي، المسرح والانثربوولجيا، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، ط.1، نوفمبر،2002.
- حسن يوسفي، المسرح والفرجات، المركز الدولي لدراسات الفرجة، ط.1، اكتوبر، 2012.
- خالد أمين، مساحات الصمت غواية المابينية في المتخيل المسرحي، منشورات اتحاد كتاب العرب، ط.1، 2004.
- خالد أمين، "الفن المسرحي واسطورة الاصل"، منشورات الطوبريس، ط.1، 2002.
- خالد أمين، الفن المسرحي وأسطورة الأصل، منشورات الطوبريس، ط.1، 2002.
- خالد أمين يتحدث عن مساراته، مجلة مغرس، بيان اليوم نشر في بيان اليوم يوم 06 - 06 - 2011 .
- خالد امين، المسرح ودراسات الفرجة، منشورات المركز الدولى لدراسات الفرجة، ط.1، طنجة، 2011.
- عبد الرحمان بن زيدان، خطاب التجريب في المسرح المغربي، مطبعة ساندي، ط.1، مكناس،1997.
- عبد العزيز حمودة ، المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1998.
- محمد محبوب، المسرح المغربي اسئلة ورهانات، ط.1، 2011.
- عبد الكبير لخطيبي، النقد المزدوج، منشورات الجمل، ط.1، بيروت، 2009.
- هومي بابا، "موقع الثقافة"، ترجمة: ثائر ديب، ط.1، المركز الثقافي العربي، الدار بيضاء، 2006.

-----------------------------------------------
المصدر : الحوار المتمدن

الثلاثاء، 16 مايو 2017

المسرح المغربي بين سؤال الخصوصية وإغراءات المسرح الغربي الطيب الصديقي نموذجا

مجلة الفنون المسرحية

المسرح المغربي بين سؤال الخصوصية وإغراءات المسرح الغربي الطيب الصديقي نموذجا

فاطمة اكنفر 


إن التحرر من الوصايا الفنية الغربية لتحقيق الاستقلال الفني وإعادة الاعتبار للذات العربية المهمشة وأشكالها الفرجوية المختلفة لا يعني استبدال المركزية الغربية بمركزية أخرى، بل يعني إعادة الاعتبار للذات العربية التي شيئت ونظر لها كذات لا فنية، عبر التعريف بالهوية الفنية خلافا لما سطره الفكر الغربي الرافض لفكرة الاختلاف الفني.
وفي هذا السياق يطرح الناقد خالد أمين مفهوم الهجنة بوصفه مفهوما مناوئا للهويات الصلبة التي تصنف نفسها نقيضا للآخر، وتقيم حواجز بينها وبين العوالم الأخرى، خاصة وأن "جميع الثقافات جزئيا بسبب (تجربة) الامبراطورية، منكمشة أحداهما في الأخريات، ليست بينهما ثقافة منفردة ونقية محض، بل كل مهجنة مولدة، متخالطة، متمايزة الى درجة فائقة، وغير واحدية".
ويرى الناقد أن المسرح العربي عامة والمغربي خاصة يتراوح بين الأنا والآخر، والشرق والغرب، والتقليد والحداثة، وهذا الأفق بالتحديد هو مصدر تموقع المسرح في فضاء ثالث بيني، فضاء ابستيمولوجي. حيث "يكشف نقل تقنيات الفرجة الشعبية الى البناية المسرحية عن مسار الهجنة كثورة مستمرة لأشكال يتم من خلالها قراءة النصوص وأزمنة التشكلات الثقافية المعاصرة، كما يرمز الى وضعية التردد والتشدر الثاوية في عمق الكتابة المسرحية المغربية ما بعد الاستعمارية".
وفي سياق تبني النموذج المسرحي الغربي لا تنتج الذات العربية النص ذاته، وإنما بالأحرى نصا شبيها ومختلفا في ذات الوقت عن النص الاستعماري، "كما تعتبر ديناميات تبني وفهم النموذج السائد تاثيرات ناتجة عن الكتابة المعكوسة داخل حدود الفضاء الثالث".
إن نقل تقنيات الفرجة الشعبية إلى البناية المسرحية الغربية يعبر عن مسار الهجنة كثورة مستمرة للأشكال المسرحية، التي يتم من خلالها إعادة صوغ أزمة التشكلات الفرجوية التراثية المعاصرة.
وبالتالي إن الذات العربية نجدها تفتقد إلى مركز ثابت رغم إصرارها المستمر على التشبث بالحضور، بالإضافة إلى تموقعها في فضاء تخومي بيني، يتراوح عموما بين الأنا والآخر، المستعمر والمستعمر، الداخل والخارج، وما الهوية إلا نموذج مثالي للأشكال الهاربة والمهاجرة والسريعة التحول وغير المستقرة على حال، والمسرح بدوره يعتبر من أكثر الفنون مقاومة لمنطق النقاء، فالهجنة إذن، هي حركة تبقي أسئلة الهوية والانتماء مفتوحة دوما على التفاوض. 
إن نظرية الهجنة من منظور هومي بابا تهدف إلى إعادة بناء الهوية الكولونيالية، ومساءلة المشروع الحداثي الذي عمل على إقصاء العديد من الثقافات التي أصبحت تعيش في الهوامش، وهذا الموقع الهجين تنتفي فيه الثنائيات الضدية وتتساوى فيه الرؤى والتصورات في إطار المشترك الانساني.
يمنح خالد أمين مفهوم الهجنة أهميته إذ ليس ثمة مسرح يكتفي كليا بذاته، فالمسرح الغربي بدوره يمتاز بالهجنة، بل هو في الحقيقة جنس هجنة بإمتياز. ولهذا فإن الكثير من المبدعين والمنظرين الغربيين اتجهوا نحو الشرق لخلق هذا اللقاء الثقافي والحضاري بين ثقافة غربية وأخرى شرقية، مثل أنطونان آرطو ، يوجينو باربا ، بريخت ، بيتر بروك، غروتوفسكي وغيرهم.
إن الثقافة بأبعادها الإنسانية الكوسموبولوتية بعيدا عن مركزية الهيمنة لثقافة ما، ستحقق طرفي المعادلة ثقافة تحافظ على خصوصيتها وفي ذات الوقت تزحف نحو الآخر، وسيؤدي هذا التكامل إلى تحقيق شمولية الوعي الإنساني، وهذا النزوع التكاملي هو الذي يعطي لخصوصية الهوية تمايزها، وفي ذات الوقت يمنح الفكر والفن هدفا إنسانيا شاملا. 
وبنفحات نقدية مستمدة من منطلقات منهجية وتأويلية جديدة في طليعتها النقد الثقافي وإستراتيجية التفكيك، يعيد الناقد النظر في مفهومي (الأصيل) و(الخالص) مستحضرا مفاهيم نقدية من قبيل الهجنة بوصفها خاصية في المسرح المابعد استعماري وموقعا نظريا ينفلت من الثنائيات الموهومة: الشرق والغرب، الذات والآخر، السيد والعبد، والداخل والخارج. 
لهذا أضحى المسرح يتأرجح بين الأنية والغيرية والهوية والاختلاف، وفي الحد "الفاصل بين السردين: السرد الغربي والسرد المحلي/ السرد العربي الاسلامي، هكذا تسوق المسرح المغربي مع شرط الهجنة"، حيث يؤكد خالد أمين على ضرورة التهجين بين الفكر الأوروبي والذات العربية، والتحرر من الفكر الماضوي السكوني واستقبال الآخر بروح التكامل. 
يتميز المسرح المغربي الما بعد استعماري بنزوع عام نحو توسيط تقاليد فرجوية تنتمي للشرق وللأخر. فالمسرح المغربي راهنا هو مسرح الهجنة بامتياز، فهو متموضع بين "سردين وان كان ينحو نحو اثبات سرد ثالث داخل تخوم البينية. لم يعد هذا المسرح تقليدا للمسرح الغربي و لا شكلا ما قبل مسرحيا، وانما هو تقليد مختلف ومتسم بالهجنة ومؤسس على نقل كل ما يستعمل قصد تمثله بما هو شكل ما قبل مسرحي الى البناية المسرحية".
إن الهجنة المسرحية وفق منظور ما بعد استعماري تحاول خلخلة ثقافة المركز عبر طرحها لمجموعة من التساؤلات المثيرة، وعبر نزع صفة النقاء الثقافي الذي فرضته الهيمنة الاستعمارية، فحدث تقاطع بين تصورين أو مشروعين أو ثقافتين كل ذلك أدى إلى ميلاد فضاء جديد سمي بفضاء الهجنة حيث تتعايش أو تتصارع ثقافة المركز وثقافة الهامش.
إن النص المسرحي الما بعد كولونيالي هو نص هجين، أي أنه يتضمن علاقة جدلية بين العناصر الثقافية للدول المستعمرة، وبين العناصر الثقافية للدول المستعمرة، من خلال استلهام النماذج الأوروبية وصهرها في بوثقة الثقافة المسرحية المحلية لإنتاج شيء جديد ومختلف يسمح بالتفاوض مع الاخر المستعمر، وبالتالي عمل المسرح الما بعد استعماري على "ابداع فضاء ثالث داخل ثبوتية وانغلاقية البناية الايطالية، ولقد مارس هذا الأفق الثالث تاثيره على الكتابة الدرامية التي أضحت كتابة هجنة تبرز الشفهية والأدبية في آن واحد".
يدعو خالد أمين إذن، إلى ضرورة التهجين والتفاعل بين الفكر المسرحي الغربي والهوية الذاتية، وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بالخصوصية العربية. ويتم ذلك من خلال التزام (النقد المزدوج) أي نقد المفاهيم الغربية المهيمنة وفي ذات الوقت الاختلاف معها، وأيضا نقد الهوية الذاتية (الأصيلة). 
إن نقد المشروع الثقافي الغربي لا ينبغي أن يولد انكفاء الذات أو ما يصطلح عليه بالتمركز المعكوس، لأن مواجهة تحديات العصر لا تعالج بالرجوع إلى الوراء. ولذلك انفتح رواد المسرح المغربي على إنجازات المسرح الغربي، ومزجوا في مسرحهم بين العمق التراثي المشكل للهوية، وأحدث التقنيات الجمالية الوافدة.
لإبراز مفهوم البينية يعود خالد أمين إلى أعمال المسرحي المغربي الطيب الصديقي بوصفه نموذجا للتلاقح بين الأنا والآخر، الشرق والغرب، الشمال والجنوب، من خلال صهر النماذج المسرحية الغربية في الممارسات المسرحية المحلية لإنتاج شيء جديد ومختلف. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن الكيفية التي مثل بها الطيب الصديقي مسرح الهجنة؟ وإلى أي حد ساهم في تقويض الثنائيات الضدية في المسرح المغربي الما بعد استعماري ؟ 
يحتل الطيب الصديقي مكانة خاصة في صناعة الفرجة، وذلك بسبب تخصصه في تأثيث زمن العرض بمهارات فنية على مستوى التمثيل واللباس والعرض والإخراج، من خلال استلهام التقنيات الفنية من التراث من جهة، واقتباس التجارب المسرحية العالمية من جهة أخرى.
شكلت أعمال الطيب الصديقي من منظور خالد أمين مثالا حيا للهجنة بين "الشرق والغرب بين الثقافة الشعبية والثقافة العالمة، بين الفرجة الشعبية المفتوحة والبناية المسرحية المنغلقة على ذاتها"، حيث تمثل تجربة الصديقي طفرة نوعية في مسار المسرح المغربي، فنقل "تقنيات الفرجة الشعبية الى البناية المسرحية يعبر عن مسار الهجنة كثورة مستمرة لاشكال مسرحية يتم من خلالها اعادة صوغ ازمنة التشكيلات الفرجوية التراثية/ المعاصرة، كما يرمز الى وضعية المابينية الثاوية في عمق الممارسة المسرحية المغربية الراهنة".
لا تخلو أعمال الطيب الصديقي من عناصر التجريب، من خلال الانفتاح على فضاء التراث المغربي من جهة، واستثمار النصوص المسرحية الغربية وتقديمها للمتلقي المغربي من جهة أخرى، وهذه الصدارة لم تأت من فراغ، بل جاءت نتيجة التراكم المعرفي، والإحاطة بأسرار الفضاء وبخبايا مؤهلات الممثل وبخصوصيات جغرافية الفضاء المسرحي، فـــ"اثار جدلا مسرحيا بين المثقفين المغاربة-من جهة- حيث نرى بعض الفرق تعارض معارضة شديدة الشكل المسرحي الذي يوظفه - فنيا- لخدمة مضمون المسرحية المقدمة، ونرى فرقا قد تبنت افكاره، وطرق عمله في عروضها فهو الذي طور المسرح الاحتفالي، واثر عمله في تقديم العرض، والتمثيل، والتجربة، والبحث في العمل المختبري على قواعد فنية نابعة من صميم الضرورة الموضوعية الراهنة للحياة التي نحياها... ومن هنا كانت اصالة التزامها وشموليتها الفكرية، بل وقيمتها العلمية". 
إن المتتبع لمسيرة الطيب الصديقي يلمس حضور السرد التراثي المحلي من جهة، ويلاحظ قدرته الفائقة على التواصل مع التقاليد المسرحية الغربية من جهة أخرى، كما تكمن أهميته في تحديث الخطاب المسرحي المغربي، وتأسيس كتابة درامية جديدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين الأنا والآخر، والشرق والغرب. ويتجلى ذلك في مسرحيته الموسومة (ديوان سيدي عبد الله المجدوب) التي تشكل لحظة انبعاث المشروع التأصيلي في مغرب ما بعد الاستعمار. حيث "نقل الصديقي الحلقة باعتبارها فضاء جغرافيا وثقافيا وجماليا الى البناية المسرحية باعتبارها فضاء للاخر الغربي المزروعة في المغرب من حيث انها مؤسسة استعمارية يحيلنا انفتاحها الى تشكيلة الهجنة من خلال انعكاسها الذاتي الملح بما هو الية مرآوية الفرجة ذاتها عبر مصوغ التقعير".
لعل ما يميز الطيب الصديقي في الجانب التأصيلي هو جرأته في التمرد على التقليد الفني الغربي، عبر تقديم عروض مسرحية في ساحات عمومية، وفي حدائق كبرى بغية وصل الممارسة المسرحية بالحياة اليومية، حتى يصير الفن المسرحي شيئا مألوفا عند الناس، ومن هنا جاءت فكرة تسمية فرقته بــ (مسرح الناس)، حيث يرى خالد أمين أن هذا الانفتاح يحيلنا على الهجنة من خلال "انعكاس المسرحية على ذاتها وذلك عبر إبراز آليات صناعة الفرجة المرآوية. وهي متموضعة في ساحة جامع الفنا باعتبارها موضعا مفتوحا للفرجوية وفضاء للهجنة بامتياز".
لقد دشن الطيب الصديقي هذا التطور في مسرحيته (ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب)، فأسس خطابا جماليا كان له أثر عميق على تطور عملية التنظير المسرحي فيما بعد، كما شكلت هذه المسرحية من منظور خالد أمين طفرة نوعية تعكس "زمن توهج المسرح المغربي، ولكنها ايضا النص المرجعي الذي لا يزال يمارس سلطة رمزية على جل النصوص والابداعات اللاحقة التي تعاملت بشكل او باخر مع التراث الفرجوي المغربي". 
لقد اخترق الصديقي آفاق التراث وفق اقتناع فني أساسه مسرح عربي الصيغة وعالمي الأبعاد، فقدم بذلك مجموعة من الأعمال المسرحية التي تستلهم الأشكال التراثية الشعبية في نوع من المصالحة الفنية مع بعض الإتجاهات المسرحية الغربية ذات التوجه الغربي، وبالتالي أبرز الصديقي قدرته الإبداعية الكفيلة بتطويع الأشكال الشعبية لخدمة العرض المسرحي، وخلق فعله المسرحي الذي أصبح معه معلمة المسرح المغربي، بوصفه أحد المخرجين القلائل الذين منحوا للفرجة المسرحية طقوسيتها المغربية والعربية بتقنيات غربية، حيث يعتبره حسن لمنيعي "اول من فتح اعيننا على فرجات متنوعة، ودفعنا الى مسايرة تجاربه التي تستفيد من تقنيات الغرب، واشكاله الدرامية، وتوظف عناصر التراث في نفس الوقت، كالحلقة، والبساط وغيرها".
إلى جانب الطيب الصديقي هناك العديد من المسرحيين المغاربة من أمثال: أحمد الطيب لعلج، عبد السلام الشريبي، عبد الرحمان كاكي، عبد القادر علوة، عز الدين المدني، نهلوا من معين الذاكرة الفرجوية الشعبية: "ذاكرة جامع الفنا، باب بوجلود، القريعة...، من حيث هي فضاءات لعبية، فرجوية، تقليدية، شفهية".
تمكن الطيب الصديقي من تطويع التراث الشعبي للفرجة المسرحية، اعتمادا على تقنيات المسرح الحديث، مسرحة، واخراجا، وتمثيلا، وعرضا، وفتح أفقا رحبا لتأسيس الاختلاف انطلاقا من التفاعل الإيجابي مع التراث من جهة، والانفتاح على التقنيات الدرامية الغربية من جهة اخرى، وأسس بذلك فضاء منتجا يخلق صيرورة تهجين دائم ومستمر، وانفلت من الثنائيات المتعارضة الانا والاخر، الشرق والغرب، الشمال والجنوب، الهوية والاختلاف، الانية والغيرية، عبر امتصاص النماذج المسرحية الغربية ودمجها وفق مقتضيات الثقافة المحلية لإنتاج شيء جديد ومختلف يحمل بصمات الثقافة الأصلية.

- إدوارد سعيد، الثقافة والامبريالية، ترجمة: كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1997.
- حسن لمنيعي، المسرح المغربي من التاسيس الى صناعة الفرجة، دار الامان للنشر والتوزيع، ط.2، 2002. 
- خالد أمين، مساحات الصمت غواية المابينية في المتخيل المسرحي، منشورات اتحاد كتاب العرب، ط.1، 2004. 
- خالد أمين، "الفن المسرحي واسطورة الاصل"، منشورات الطوبريس، ط.1، 2002.
- خالد امين، المسرح ودراسات الفرجة، منشورات المركز الدولى لدراسات الفرجة، ط.1، طنجة، 2011.
- عبد الرحمان بن زيدان، خطاب التجريب في المسرح المغربي، مطبعة ساندي، ط.1، مكناس،1997.
عبد الرحمن بن زيدان، أسئلة المسرح العربي، دار الثقافة، ط.1، 1987.
- عبد الكبير لخطيبي، النقد المزدوج، منشورات الجمل، ط.1، بيروت، 2009.
- ديوان الطيب الصديقي، "ديوان سيدي عبد الرحمن المجدوب"، دار ستوكي للنشر، الرباط، 1997.
- هومي بابا، "موقع الثقافة"، ترجمة: ثائر ديب، ط.1، المركز الثقافي العربي، الدار بيضاء، 2006.

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption