أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

السبت، 19 أغسطس 2017

فتح باب المشاركة في مهرجان " أجيال " الوطني للمسرح

الجمعة، 18 أغسطس 2017

النظرية الشعرية بين نص المؤلف ونص المخرج

مجلة الفنون المسرحية


النظرية الشعرية
بين نص المؤلف ونص المخرج

لبروزيين عبيد

إن الحديث عن الجدلية القائمة بين نص المؤلف الدرامي ونص المخرج المسرحي، هو في حقيقة الأمر، حديثٌ نسبيا، مقارنة بتاريخ المسرح العريق، لأن وظيفة المخرج لم تظهر إلا في القرن الثامن عشر مع الدوق ساكس منينجن، ومنذ ذلك الحين، أصبح المخرج يضطلع بدور كبير في تشكيل معالم العروض المسرحية، حيث يعبر عن تصوراته وتوجهاته في الرؤية الإخراجية التي تكوّن، عادة، رؤيته للعالم. 
وأمام المكانة المهمة التي أصبح المخرج يحظى بها في المسرح الحديث والمعاصر، ستقوم الدراسات المسرحية باستثمار السيميائيات في دراسة الجانب الفرجوي، أو ما يسمى بالنص الفرجوي، والمقصود عوالم الخشبة المسرحية وما تزخر به من رؤية إخراجية، وديكور، وسينوغرافيا، وإضاءة، وتمثيل. وهكذا أصبحت مكونات العرض المسرحي معطى للقراءة والتأويل، بعد أن كان النص الدرامي مركز العمل المسرحي، فانتقلنا من هيمنة خطاب المؤلف إلى هيمنة خطاب المخرج.
المسرح بهذا المعنى، فن أدبي وفرجوي بامتياز، لأنه يتكون من نص المؤلف ونص المخرج، أي الرؤية الإخراجية للعرض المسرحي، وبهذا يتم الانتقال من الخطاب الأدبي إلى خطاب الفرجة، أو من النص الدرامي إلى خطاب الركح، الذي يوظف علامات لغوية وغير لغوية des signe non verbaux لبناء معالم العمل المسرحي، ولكن هذا الانتقال الذي يرتبط بتنويع طرق التعبير، طرح إشكالات نقدية كثيرة، لأن نص المؤلف، باعتباره نصا أدبيا، تحكمه العديد من القواعد، والتي تتأطر تحت نظرية الأجناس الأدبية، فجمالية النص الدرامي ترتبط بمقومات الجنس أو النوع، والقصد بنيته التي تميزه عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى، لذلك يمكن القول إن النص الدرامي، وبانتسابه إلى الأدب، لا يمكن تحديد مقوماته الجمالية إلا بربطه بنظرية الأدب، وبالتالي، سيصبح عمل الناقد المسرحي هو دراسة الأدبية أو الشعرية، وذلك بالتركيز على الخصائص النوعية التي تشكل فرادة المسرحية مثل الانزياحات اللغوية، وتوظيف الزمان والمكان، والشخصيات، والصراع الدرامي، والإرشادات المسرحية...إلخ، بينما يستدعي العرض المسرحي، تصورا شموليا يشكل قالبا يستحضر المؤلف والمخرج والممثل والسينوغراف، وكل هذا خاضع لتصور المخرج المسرحي، لأنه يتحكم في جميع مكونات العرض المسرحي، وهنا سينصب دور الناقد على مفهوم التمسرح Théâtralité، من خلال السيميائيات ونظرية التلقي، أو غيرها من المقاربات التي يمكن أن توظف لدراسة الفرجة المسرحية.
وليس الأمر بالبساطة التي قد يبدو عليه، بل إن اختلاف الوسائل العديدة في المسرح، أدت إلى صراع بين سلطة المؤلف وسلطة المخرج، فألفت العديد من الكتب لتوضيح دور كل منهما، غير أن ما يهمنا هنا، ليس رصد هذا الصراع، بل التركيز على جماليات النص الدرامي في علاقته بشعرية العرض المسرحي، وهو الذي يعكس رؤى مختلفة، تبتدئ برؤيا المؤلف وتنتهي برؤيا المخرج، لذلك، فهما يتكاملان في تشكيل العمل المسرحي، وإن كان هذا لا يعني أن كلا منهما لم يستطع تحقيق استقلاليته الخاصة. وإجمالا، إن شعرية النص الدرامي، كنتاج خالص للمؤلف، يحتكم إلى الخصائص المميزة لهذا النوع الأدبي، وبالتالي فإن جماليته، ترتبط ببنيته، وشكله العام، وطريقة مقاربته، بينما يرتبط العرض بمؤثثات الركح في علاقته بالنظريات المسرحية. 
إن الفصل بين النص الدرامي والعرض المسرحي، أو بين نص المؤلف والمخرج، هو من بين المزالق الكبيرة التي وقع فيها المسرح الحديث والمعاصر، ذلك أن كلا منهما يكمّل الآخر، فكل قارئ لأي عمل أدبي، يعد مخرجا بالضرورة، لأنه يستعمل خياله لتأويل الرموز اللغوية ليبين أفكار النص، فيرسم في أخيلته، ما يتوهم أنه يقرأه، وبالتالي فكل مؤلف مخرج وكل مخرج مؤلف بعديّ.
إن اعتبار النص الدرامي نصا أدبيا، يجعله يحتكم لشروط النتاج الأدبي، وإلى تطور النظريات الأدبية والمناهج النقدية، منذ الشكلانيين الروس إلى ما بعد البنيوية، وهذا يجعلنا نعود إلى ياكوبسون الذي يعتبر الأدبية بأنها هي "التي تجعل من إنتاج ما إنتاجا أدبيا" ، وهذا يعني مراعاة عناصر المسرحية ذات الخصائص الأدبية، وذلك بالتركيز على الانزياحات اللغوية، وبنية النص الدرامي (الشخصيات، الزمان المكان، الصراع...)، وطريقة توظيف هذه العناصر هي التي تجعل النص الدرامي إنتاجا أدبيا.
والعناية بهذه العناصر الأدبية، أيضا، من طرف النقاد والدارسين للمسرح، جعل المؤلف يهيمن –ردحا طويلا من الزمن- على العمل المسرحي ككل، قبل أن نصل إلى عصر سماه رولان بارت في إحدى مقالاته بعصر الصورة، حيث هيمنت الوسائل البصرية على المجتمعات الحديثة، وأصبحت وسيلة للمعرفة، وشكلت وعي الإنسان بنفسه وبالواقع، لذلك، يعد البصريّ والمشاهد من سيمات العصر الحديث، خصوصا بعد توالي ظهور النظريات الأدبية، ومن هنا أصبح المسرح يولي عناية خاصة بالجوانب البصرية في العروض، حيث دخل عوالم التجريب لتظهر سلطة المخرج من جديد، وما أقصده بسلطة المخرج، هو دوره في رسم معالم العرض المسرحي، وليست السلطة بمعنى السيطرة والهيمنة. وحتى الذين يتحدثون عن الصراع في المسرح، هم في حقيقة الأمر، لا يميزون بين التأليف والإخراج بكونهما مهنة، وبين كونهما إبداعا يستقل كل واحد عن الاخر بطرائق التعبير، وانتساب الأول إلى نظرية الأدب والثاني إلى نظرية الفرجة. 
 تقوم حقيقة الصراع بين المؤلف والمخرج عندما قام هذا الأخير بتقليص الملفوظ الحواري على خشبة المسرح، واعتنى بالجماليات البصرية من خلال تجريب طرق جديدة في التعبير، تعتمد بالأساس على توظيف التكنولوجيا والاكتشافات العلمية، وهكذا "نخلص إلى أن التجريب في المسرح الغربي كان هو أسلوب البحث عن حداثة مسرحية تبتعد عن السلطة الأحادية للنص، وترتمي في أحضان جمالية فضائية" .
لقد فتح التجريب افاقا واسعة للمخرج ليبني رؤيته الجمالية على مكونات بصرية، واتسع دوره ليتجاوز الترجمة الحرفية للنص الدرامي، بل أصبحت اللغة الملفوظة فوق خشبة المسرح تتراجع عن مكانتها الرئيسة، وتقلصت هيمنتها الطويلة في المسرح الكلاسيكي، حيث ظهر مايرخولد وكروتوفسكي وأرطو وغيرهم، يدعون إلى اعتماد لغة الجسد والتركيز على اللغة البصرية، خصوصا بعد تأثرهم بالمسرح الشرقي فـ"لإيجاد التأثير الذي كان يرغب فيه أرتو، سعي إلى لغة مسرحية تقوم أولا على الحركة والصوت، وهو بالنسبة لفكرته عن الحركة يدين بالفضل إلى إدراكه لكنه المسرح الشرقي" .
لقد استطاعت التجارب المسرحية الحديثة والمعاصرة، الحد من سلطة المؤلف، بل جعلت أمثال رينيه ويليك، وأوستن وارين في كتابهما "نظرية الأدب" يقران على أن "المسرحية مازالت كما كانت بين الإغريق فنا مختلطا، أدبيا بشكل مركزي ولا شك، لكنه يشتبك أيضا بالعرض يستفيد من مهارة الممثل والمخرج وصانع الأزياء ومهندس الكهرباء"  وهكذا كان المسرح فنا مختلطا باحتوائه أجناسا أدبية مختلفة، وأشكالا فرجوية متعددة. إن النص الدرامي بهذا المعنى، نص مسرحي بامتياز، أي أنه نص أدبي وفرجوي، وهذا يعني أنه فن مختلط، حيث يحتوي على خصائص أدبية وفرجوية في الان نفسه، وكل تصور حول الظاهرة المسرحية يستبعد جانبا من هذه الجوانب يعد تصورا ناقصا.
إن الخروج من هذا المأزق، يستوجب إقامة تصور شامل حول الظاهرة المسرحية باستحضار أبعادها المتعددة، وهو ما نلمسه، حتى الآن على الأقل، في النظرية الشعرية باعتبارها نظرية عامة للأدب والفرجة، وهي قادرة على أن تكشف الخصائص الجمالية والفنية لخطاب المؤلف والمخرج معا، لأن ما يهمنا هنا، ليس رصد الصراع التاريخي بينهما، وهيمنة خطاب على آخر، بقدر ما نصبو إلى الوقوف عند الخصائص النوعية لكل منهما.
تثير النظرية الشعرية العديد من الإشكالات الإبستيمية والإيتيمولوجية، الأولى تتعلق بتاريخ الأدب والفرجة، وما حققاه من تراكم كمي، والثانية ترتبط بالأصل اللسني للكلمة، فهو بمعنى من المعاني، يبحث عن مميزات وخصوصيات الخطاب الأدبي والفرجوي على حد سواء. لكن المسرح - ولكونه فنا بصريا بامتياز- يحتوي في بنيته التعبيرية المركبة أكثر من خطاب، يتجاوز من خلاله النص الدرامي إلى العلامات الركحية التي تشكل العمل المسرحي، وهذا ما يجعل من الشعرية نظرية قادرة على استنطاق النص والعرض على ضوء المناهج النقدية الحديثة.
والشعرية في علاقتها بالمسرح، لا بد لها من رصد الخصائص الفنية للنص الدرامي، الأمر الذي لا يتحقق إلا من خلال وضعه في سياق تطور نظرية الأدب، والوظائف التي تحكمه، فهو يضطلع "بثلاث وظائف: وظيفة درامية، وظيفة شعرية، وظيفة تواصلية، بالنسبة للوظيفة الدرامية، إن النص المسرحي هو أولا الذي يحمل الفعل  l’actionوأحيانا يفسره. إن الحوار محمل بمعلومات واضحة أو مضمرة تتعلق بجريان الفعل أو الحدث. لكن –هذه الوظيفة الثانية- للنص المسرحي وظيفة شعرية، ذلك أنه يستعمل مثل أي نص أدبي، كل الحيل أو المهارات الكتابية، استعارات Métaphores كتابات   Métonymies وهو بذلك يستجيب لغاية جمالية" . 
إن هذه الوظائف الثلاث، هي التي تجعل النص الدرامي نصا أدبيا قابلا للدراسة الأدبية، ولكن التركيز على الوظيفة الثانية، أي الوظيفة الشعرية، تجعل الشعرية قادرة على رصد المقولات الجمالية للنص الدرامي. أما بالنسبة للعرض، فإن الشعرية تركز على دراسة العلامات غير اللغوية من قبيل الحركات والإيماءات والديكور والإضاءة وغيرها من العناصر الركحية الأخرى. 


«لا بيرل» عرض ترفيهي يفوق بجمالياته الخيال ..الدهشة والإبهار في تفاصيل سينوغرافيا الإضاءة والحركة والأداء

مجلة الفنون المسرحية

«لا بيرل» عرض ترفيهي يفوق بجمالياته الخيال ..الدهشة والإبهار في تفاصيل سينوغرافيا الإضاءة والحركة والأداء

رشا المالح - البيان

عاش الإعلاميون والمعنيون بفنون الأداء والموسيقى والمسرح أول أمس، في عالم مبهر من الجماليات التي حلقت بهم إلى عوالم تفوق الخيال من خلال عدد من مشاهد عرض مسرح «لا بيرل» العالمي الجديد في فندق «دبليو» بمجمع الحبتور سيتي قبالة «قناة دبي المائية».

وتبدأ لحظات الإبهار لدى الوصول إلى المدخل الخارجي للمسرح الأشبه بشاشة ضخمة تعرض مقتطفات من العرض، ما يوحي للزائر كما لو أنه في مدينة «لاس فيغاس» المشعة بالأنوار البديعة.

جمالية المكان

وبعد طول انتظار، دخل الحضور قاعة المسرح التي أنستهم عالمهم الخارجي بجمال تصميمها الذي تتوسطه بركة مياه تحيط بها أرضية مزينة بالزخارف وجدران متعددة الشرفات بزاوية 270 درجة، وتختلف عن المفهوم التقليدي في تصميمها، حيث يتوسط المسرح الذي يحيط به الجمهور بمنسوب أعلى وبشكل دائري، ليتوزع 1.300 مقعد على 14 صفا. وليشكل قرب الصفوف جزءاً من متعة المشاهدة والتفاعل عن قرب مع العرض.

وسبق تقديم فقرات من العرض، كلمة المخرج العالمي «فرانكو دراغون» الذي قدم عروضاً عالمية لسنوات على مسارح لاس فيغاس. واستهل كلمته بالتعبير عن إعجابه بحماس القائمين على المشروع من مجموعة الحبتور وحرصهم على ريادة دبي في تقديم الأجمل والأفضل على المستوى العالمي. وتحدث بعدها عن أهمية دور العروض الترفيهية التي تنسي المشاهد العالم الخارجي وهمومه إلى حين، ليعيش في حلم جميل يمنحه التجدد والحيوية.

حالة ذهول

وما إن بدأ العرض حتى هيمنت على الحضور حالة من الذهول بين جمالية سينوغرافيا الإضاءة وما تعرضه الشاشات عن عوالم الكرة الأرضية والموسيقى، ليتوج ذهولهم بشلالات المياه التي كانت تتدفق من أعلى جدار المسرح وبمستويات مختلفة لتفيض بركة السباحة وتغمر المياه أرضية المسرح المشعة ببريق تشكيلات الإضاءة.

تشكيلات فنية

وما إن تتشبع النفس بجماليات المشهد حتى تنزل من السقف أعمدة مضيئة تأخذ المجاميع التي تشكل جزءاً من فريق مسرح الحياة إلى الأعلى على أنغام موسيقى هادئة تتسارع وتيرتها بنزول مجموعة جديدة من الأعلى لتؤدي حركات بهلوانية وبتشكيلات فنية في فضاء المكان لترتفع بقفزاتها إلى الأعلى بمسافة 25 متراً ونزولا إلى المسرح لتتراشق قطرات المياه من حولهم، ولتختتم الفقرات بقفزهم في بركة السباحة وخروجهم بتشكيل فني جمع أعضاء الفريق الذين قابلهم الحضور بتصفيق حماسي.

خصوصية

تتجاوز عروض «لا بيرل» الترفيهية على مدار العام 450 عرضاً، وقاعة المسرح مجهزة بأحدث التقنيات المبتكرة. وتتجلى خصوصية تجهيزات المسرح في استيعابه 2.7 مليون ليتر من المياه، والتحول بلمح البصر من منصة العرض إلى بركة. علماً أن العروض تبدأ من أول شهر سبتمبر المقبل بواقع عرضين في معظم الأيام.


نقاد: "ترام الرمل" مسرحية غير تقليدية تمزج الشعر بالمسرح وتحتفي بالمكان والقضايا المعاصرة

الخميس، 17 أغسطس 2017

مسرحيات صلاح عبد الصبور الشعرية..(حدود الريادة والكم الشعري..)

مجلة الفنون المسرحية

مسرحيات صلاح عبد الصبور الشعرية..(حدود الريادة والكم الشعري..)


ريسان الخزعلي - ملاحق المدى 

لم يلتفت  الشعراء الرواد في العراق (السياب، نازك الملائكة، عبد الوهاب البياتي،  بلند الحيدري) الى كتابة المسرحية الشعرية لاسباب يبررها الانشغال في موضوع  التجديد الذي شكلوا علاماته الاساسية، ومع تصاعد زخم اندفاعهم الشعري  المعروف لم يتوفر أي منهم على كتابة مسرحية شعرية خالصة..الا ان اهتماماً  لاحقاً قد حصل...حيث كتب البياتي (محاكمة في نيسابور)


 غير ان هذه المسرحية لم تكن ذات بناء درامي ملموس، كما حصل في النسيج الشعري عند بلند الحيدري وذلك باعتماد تنويعات درامية في بعض قصائد (اغاني الحارس المتعب) وبوضوح كمي/ فني في (حوار عبر الابعاد الثلاثة)..ومثل هذه الاشتغالات لم تؤشر اتجاهاً في كتابة مسرحية شعرية عراقية وبقيت في حدودها المتحققة.
ومن شعراء الجيل اللاحق للرواد.. اهتم الشاعر (سعدي يوسف) في كتابة المسرحية الشعرية وبمساحة ضيقة تقع ضمن مجاميعه الشعرية (قصائد مرئية، نهايات الشمال الافريقي) وغيرها. وللشاعر (خالد الشواف) اسهاماته المعروفة في هذا المجال غير انها لم تكن ذات فاعلية فنية مؤثرة تكسبها التوصيف الدرامي الكامل.و كما ان شعراء عراقيين من الاجيال اللاحقة قد كتبوا في المسرح الشعري وعلى فترات متباعدة غير ان هذه الكتابات ظلت هي الاخرى في حدودها المتحققة ولم تشر الى اتجاه واضح لاسباب متعددة منها..تجريبية المحاولات وتشعب عناصر التأسيس الفني المتشكلة من مدرسيات ومنهجيات مختلفة، اضافة لابتعاد المخرجين المسرحيين العراقيين عن اظهار هذه المحاولات على منصات المسرح لاسباب مجهولة وغامضة، لا نعرف عنها شيئاً البتة!
ومن الشعراء العرب في كتابة المسرحية الشعرية الخالصة..هناك تجربة الشاعر يوسف الخال في مسرحية (هيروديا) وهي تجربة فنية متميزة..حيث كتبت عام 1954 باستعادة تاريخية معروفة الجذور، كما ان تجارب الشاعر (ادونيس) في كتابه (المسرح والمرايا) هي الاخرى تشكل استدراكاً اضافياً نوعياً في كتابة المسرحية الشعرية الخالصة وللعديد من الشعراء العرب اسهامات متنوعة في هذا الحقل الابداعي غير ان اياً منهم لم يتواصل في تأسيس مشروعه، وبقيت المحاولات تراوح في انتشار محدود..حيث سرعان ما يعود الشاعر الى هاجسه الشعري الألصق بتجربته ويعتد بأن (القصيدة) هي الرهان الاكيد في مضمار الكتابة الشعرية.
غير ان اهتمام الشاعر (صلاح عبد الصبور) كان هو الاوضح والارسخ في تاسيس كتابة مسرحية شعرية وبانفرادات فنية وجمالية وسمت تجربته التي اضاء حدودها في كتابه (حياتي في الشعر)... ويمكن تلمس هذا الرسوخ حتى في الرنين الايقاعي لعبارة (حياتي في الشعر) وليس حياتي مع الشعر.
ان مسرحيات صلاح عبد الصبور تقوم على فهم متجذر لفاعلية وجدوى المسرح في الشعر والحياة، وليس تنويعاً آنياً في الكتابة الشعرية.. وهكذا تنوع (الصراع) ايضاً في مسرحياته بحيث لم يعد هنالك تشابهاً مكروراً في طبيعة الصراع من مسرحية الى اخرى...، وحتى قراءة الشاعر عبد الصبور للشعر العربي القديم قد جاءت قراءة مسرحية هي الاخرى في كتابه (قراءة جديدة لشعرنا القديم) وعلى خلاف مع الكثير من القراءات الشعرية. ان الالتفات لكتابة المسرحية الشعرية قد جاء مبكراً وبتواز مع الاصدار الشعري.. حيث اصدر الشاعر مجموعته الشعرية الاولى عام 1957 ومسرحيته الشعرية الاولى (مأساة الحلاج) عام 1964 ثم توالت الاصدارات بالتناوب كما سنوضحها احصائياً في الفقرات اللاحقة للتدليل على جذور في كتابة المسرحية الشعرية الخالصة على مستوى الكم والنوع وتراجع في (الكم) الشعري مقارنة بما يليه حيث انتصفت الكتابة المسرحية نشاطه الشعري وشغلته بهم فني-درامي شعري- يكمل التجربة الشعرية كوحدة متجانسة وليس تنويعاً لاحقاً يقترن بصفة الاضافة التكميلية.

صلاح عبد الصبور..المجاميع الشعرية..
1- الناس في بلادي.. 1957م.
2- اقول لكم...1961م.
3- احلام الفارس القديم..1964م.
4- تأملات في زمن جريح...1970م.
5- شجر الليل...1973م.
6- الابحار في الذاكرة...1980م.

صلاح عبد الصبور..المسرحيات الشعرية,,,
1- مأساة الحلاج...1964م.
2- مسافر ليل...1970م.
3- الاميرة تنتظر...1970م.
4- ليلى والمجنون...1971م.
5- بعد ان يموت الملك...1972م.

ويتحليل احصائي نستطيع تلمس (كثافة) كتابة المسرحية الشعرية مقارنة بكثافة كتابة المجموعة الشعرية لنجد الترابط الابداعي-رغم الانتصاف الذي اشرت اليه- في فهم الشاعر صلاح عبد الصبور المتناوب بين كتابة الشعر والمسرحية الشعرية على حد سواء.

ان مثل هذا التحليل نجده مبرراً كافياً لوصف تجربة عبد الصبور بالريادة في المسرح الشعري العربي بعد اضافة العناصر الفنية (الجمالية) وتنوع الصراع في مجمل ابداعه في المسرح الشعري..فمن (ماساة الحلاج) ودراميتها المتحققة اساساً في التاريخ وقد اضفى عليها الكثير شعرياً الى الاخريات (مسافر ليل، ليلى والمجنون، الاميرة تنتظر، بعد ان يموت الملك)، حيث يكون التأمل الشعري -الدرامي (صفة عالية) في الوجود ومصير الانسان المجهول، برع عبد الصبور في تأسيس كتابة مسرحية شعرية مثلت تفرده وانفراده في هذا الابداع.

ان (الدراما) وبإضافة نوعية وادراك فني تتسلل الى معظم قصائد الشاعر عبد الصبور التي تقيم تاسيسها على الحوار، وتعدد الاصوات، مما يجعل الانتباه جازماً بان المسرح الشعري لب (القضية) التي تشغل الشاعر في تأكيد خصوصيته الابداعية. وبذلك تكون مسرحيات هذا الشاعر بين حدود الريادة والكم الشعري اشارة عالية التردد في الشعرية العربية وبأطياف متسقة الالوان، يشع فيها المسرحي والشعري..ولنكرر قوله..(ويبدو جسمها الذهبي متكئاً على الصحراء، يكون الشاهدان عليكما، النجم والانداء، ويبقى الحب للاباء موصولاً).

انه المسرح..انه الحياة..انه الحب الموصول بين ماضي تحقق وحاضر يطمح في ان يتحقق ومستقبل في نية ان يقدم نفسه ممسرحاً...هكذا عللت الوجود مسرحياً..يا صلاح!!

الإعلان عن الأبحاث المشاركة في المؤتمر الفكري لمهرجان المسرح العربي الدورة العاشرة سيتم نهاية شهر أغسطس الحالي

مجلة الفنون المسرحية

الإعلان عن الأبحاث المشاركة في المؤتمر الفكري لمهرجان المسرح العربي الدورة العاشرة سيتم نهاية شهر أغسطس الحالي


أعلنت الهيئة العربية للمسرح بأن الأبحاث المشاركة في المؤتمر الفكري لمهرجان المسرح العربي الدورة العاشرة والتي ستقام في تونس 10- 16يناير 2018
سيتم نهاية شهر أغسطس الحالي .

قابيل وهابيل في عمان

مجلة الفنون المسرحية

قابيل وهابيل في عمان

عواد علي - العرب 


'القبو' عرض مسرحي تشيلي يروي قصة أسرة تقرر العزلة عن المجتمع والحياة المعاصرة طيلة ألف يوم.

تستحضر مسرحية “القبو”، لفرقة كيوربولمايت التشيلية، التي حصلت على جائزة أفضل عرض مسرحي متكامل في مهرجان المسرح الحر في الأردن، قصة “قابيل وهابيل” بمقاربة درامية معاصرة ذات منحى بصري يقوم على الأداء الجسدي، مستغنية عن الحوار إلا في الحدود الدنيا. وسبق للعرض الذي أداه كل من مايرا كاودرا وبنجامين جورونو وبابلو جويرا وباولا هوفمان وكارلوس سانشيز أن قُدّم في الدورة الثالثة والعشرين لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي العام الماضي.

تمثّل شخصيات العرض أسرة محافظة مؤلَّفة من أم وأب وأبنائهما الثلاثة (ولدان وصبية). يشعر الوالدان بالخيبة من البيئة التي يعيشان فيها وعدم قدرتهما على مسايرة قيمها، فيقرران الانعزال عن المجتمع بالانتقال إلى قبو محصن لتعيش فيه الأسرة حياة أفضل بعيدا عن المجتمع طوال ألف يوم. لكن مخرجة العرض باولا كالديرون افتتحت العرض بمشهد ثابت يستمر بضع دقائق تظهر فيه الشخصيات الخمس مرتدية كمامات وألبسة واقية من الغازات يوحي للمتلقين أن الأسرة لجأت إلى القبو هربا من كارثة أقرب ما تكون إلى ضربة كيميائية تعرضت لها المدينة. ثم يتضح أن ذلك المشهد كان كناية عن الوباء الأخلاقي الذي أصاب المجتمع من وجهة نظر الوالدين اللذين لا يشير العرض إلى سبب تزمتهما الأخلاقي وقد يُعزى إلى دافع ديني (بيوريتاني).

الوالدان داخل القبو يسيطران على أبنائهما ويتحكمان في كل صغيرة وكبيرة من عاداتهم وطبائعهم الشخصية، مثل طريقة الأكل والنوم والاستيقاظ وغسل الأسنان. وبينما يستغرق الأب في قراءة جريدة قديمة تنهمك الأم بتفاصيل الحياة اليومية في القبو على نحو مبالغ فيه تعويضا عن حرمانها من التعبير عن مشاعرها
يسيطر الوالدان داخل القبو على أبنائهما ويتحكمان في كل صغيرة وكبيرة من عاداتهم وطبائعهم الشخصية، مثل طريقة الأكل والنوم والاستيقاظ وغسل الأسنان. وبينما يستغرق الأب في قراءة جريدة قديمة تنهمك الأم بتفاصيل الحياة اليومية في القبو على نحو مبالغ فيه تعويضا عن حرمانها من التعبير عن مشاعرها.

كلاهما تغمره برودة عاطفية وجنسية، وحينما يحاولان أن يلتقيا جسدياً يضيق بهما المكان ويخشيان من رؤية الأبناء لهما أثناء الليل حتى وهما ينتحيان ركنا معزولا في المستوى العلوي المكشوف عند مدخل القبو.

وبمرور الوقت الطويل ينتاب الأبناء الملل من رتابة أيامهم المتشابهة في القبو ويُصابون باضطراب نفسي وتصبح حياتهم لا تطاق، فيسلكون سلوكات غريبة تزعزع استقرار الأسرة وتثير حفيظة الوالدين اللذين كان جل همهما الحيلولة دون انجراف أبنائهما مع أخلاق البيئة التي أدارا ظهرهما لها، فإذا بهم يسيرون في مجراها وكأنها طبع غريزي وليست “مفهوما” اجتماعيا متغيّرا أو سلوكا مكتسبا، حيث تنشأ علاقة حب محرّمة بين أحد الشقيقين وشقيقته من جراء الكبت والعزلة المفروضة التي توقظ الجنون وينتج عنها تفسخ يصعب السيطرة عليه.

وهي إشارة إلى أن الأُسر المنغلقة تعزز هذه العلاقة المتأججة في أعماق اللاشعور، ذلك لأن الفرد لا يجد إشباعا لعاطفته ورغبته الدفينة خارجيا، فيلجأ إلى داخل الأسرة. وتفتح هذه العلاقة الباب لدورة جديدة من الحياة تملأها الفوضى والصراع بين الشقيقين وشقيقتهما من جهة، وبينهما وبين الأب والأم من جهة أخرى.

لكن الشقيق يتزوج من شقيقته بعد موت الشقيق الثاني خلال الصراع ويأخذان دور الأب والأم في “القبو”. وفي ذلك استعارة رمزية للصراع بين “قابيل” و”هابيل” الذي يُعدّ تمثيلا للصراع التاريخي بين الحالة البدائيّة الغريزيّة للإنسان والنظم الأخلاقيّة والدينيّة التي تكوّنت في مرحلة التحول إلى الحضارة وسعت لتأطير هذه الحالة والسيطرة عليها.

شكّلت المخرجة باولا كالديرون فضاء العرض بسينوغرافيا ذات مستويين علوي يمثّل مدخل القبو المسيّج في عمق المسرح وسفلي يمثّل أرضية القبو التي تحتل وسط المسرح، ويوصل بينهما درج خشبي، وثمة طاولة في مقدمة المسرح. واكتفت باستخدام إكسسوارات بسيطة مثل الصحون والحقائب الحافظة للطعام وسطل صغير.

وتمكنت من توظيف هذا الفضاء توظيفا مبهرا حركت فيه الممثلين بأداء جسدي بليغ في إيماءاته وتنوعه وإيقاعه المنضبط وهدوئه وتناغمه ورشاقته حتى في لحظات الصراع المتأججة داخليا من دون أيّ توتر أو انفعال خارجي. وقد دعمت هذا الأداء المدهش إضاءة وموسيقى جمعتا بين المنحى الجمالي والدلالي المعبّر عن الجو الخانق الذي ينزع الإنسان من فطرته السليمة ويرغمه على تكوين علاقات مشوهة.


المسرح الجامعي العربي يشكو نخبويته المفرطة

مجلة الفنون المسرحية



    المسرح الجامعي العربي يشكو نخبويته المفرطة

     فيصل عبدالحسن  - العرب 



    منذ سنوات والنقاش يدور بين المهتمين حول أسباب انحسار الجمهور العربي عن ارتياد المسارح في الوطن العربي، وأرجعوا هذا التدهور في العلاقة بين الجمهور والمسرح إلى افتقار العديد من المدارس في الوطن العربي إلى مسرح مدرسي، والمعروف أنّ المسرح المدرسي يربي الأجيال الجديدة على حب المسرح، ويخلق ثقافة مسرحية لديهم، ويهيئ مواهب غضة تتبوأ في المستقبل خشبات المسارح لتقدم إبداعها المسرحي، فهل يعبّر هذا المسرح عن هموم الشارع العربي؟

    أزمة حرية ونص بالضرورة

    من أشد المعضلات التي يواجهها مسرح اليوم في الوطن العربي تخلف المسرح الجامعي الذي يعد الحصيلة النهائية لما يقدمه المسرح المدرسي من مواهب للجامعات المختلفة، “العرب” استطلعت رأي بعض المثقفين والمسرحيين العرب حول أهمية المسرح الجامعي من عدمها في وقتنا الراهن، ومدى قربه أو ابتعاده عن مشاغل الناس.

    وهنا يقول الباحث والمخرج المسرحي العراقي حسن السوداني المقيم في السويد حول هذا “تخيلوا معي! هنا في أُوروبا حيث أعيش أدير الرأس بين البناء والإنسان، فأجد تناسقا عجيبا، فالحرص على الشارع والحائط والحديقة وعلى التمثال واللوحة لا يحدّه حدّ، وأتساءل كيف وصلوا إلى هذا الإتقان في التطور الأنيق؟ فيتردد قول جوليان هلتون في رأسي: قام رجال الكنيسة في العصور الوسطى بدعم مسرحيات الأسرار والأخلاق كوسيلة لإدماج رسالة الكتاب المقدس، ولهذا السبب احتل النشاط المسرحي المدرسي مكانا رئيسيا في مناهج التعليم في عصر النهضة”.

    ويضيف حسن “وتخيلوا معي أيضا كم سامي عبدالحميد ويوسف العاني وبدري حسون فريد وجواد سليم وفائق حسن وكاظم حيدر وفاضل خليل وعزيز خيون ومحمود أبوالعباس.. إلخ بين طلبة جامعتنا اليوم يبحثون عن فرصة، ليكونوا نجوما في سماواتنا الإبداعية، تخيلوا معي كم نقتل سنويا من تلك المواهب في جامعاتنا، ولا نوفر لها الفرصة للسطوع، المسرح الجامعي هو عجلة قيادة السفينة التي تحدد مسارات الجمال، وتعبر به إلى شاطئ التحضر، وإذا بقي المسرح العربي من دون أن يرفد بأجيال جديدة، فموته مسألة وقت فقط”.


    الفرجة الإلكترونية

    يشير عبدالوهاب الرامي، أستاذ في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، إلى أسباب أخرى، فيقول “يشكو المسرح العربي عامة من مزاحمة وسائل الاتصال الجماهيرية الجديدة، باعتباره الشكل التقليدي لفنون التجسيد، والتشخيص والرواية، وما يمكن ملاحظته هو أنّ المسرح، بكل صنوفه، لم ينغرس في ثقافة المواطنين قبل أن تزحف عليه الأشكال الجديدة للفرجة الإلكترونية، والمسرح ليس فنا للفرجة فقط، بل هو من مقومات تربية النشء، خاصة أنّه يتيح على مستوى المدرسة والجامعة الارتقاء بآليات التعبير، وتحقيق الذات المنشغلة بهواجس المجتمع والحياة عامة”.


    جمال أمين الحسيني: بعودة مسرح الشارع يذهب المسرح إلى الجمهور، وليس العكس
    ويستطرد الرامي “وما دامت المدرسة في الدول العربية لا تهتم بالفن المسرحي كوعاء تعبيري، تماما كما هو الحال بالنسبة للموسيقى والرقص والرسم والرياضة، فإنّ المواطن لن يعبأ في ما بعد بأبي الفنون، لوجود بدائل تغنيه عن الاستمتاع بحميمية الفرجة المباشرة على الخشبة، ويمكن للمسرح الجامعي أن يشكل حلقة وسيطة لإعادة الاعتبار لهذا الفن الراسخ في القدم، لكن على أساس أن يكون جاذبا لعدد كبير من المبدعين الطلاب وغير الطلاب، وذلك من خلال شراكات متعددة”.


    أزمة جمهور

    تحدث الباحث الفني والمخرج السينمائي العراقي جمال أمين الحسيني، المقيم ببريطانيا، عن الوجه الآخر لمشاكل المسرح العربي فقال  “المسرح الجامعي ونوادي السينما يعتبران، وباقي الفنون من أهم وسائل التنوير في المجتمع، لما تتوفر عليه هذه الفنون من ثقافة ضرورية للطلبة الدارسين للعلوم والآداب، والجامعات من أهم الأماكن التي يجب أن تتوفر بها الفرق المسرحية ونوادي السينما، لأسباب مهمة جدا، لعل أهمها الجانب المعرفي، ولما تخلقه من متعة لمتابعيها”.

    ويضيف جمال “إنّ إيجاد الفرق المسرحية ونوادي السينما يساعد على إيجاد عرف اجتماعي، وهو الذهاب إلى المسرح والسينما، والتعوّد على اقتطاع وقت من حياة الشاب كي يذهب إلى المسرح والسينما، فالذهاب إلى السينما والمسرح يحتاج وقتا، وتوفر هذه العروض في قاعات الجامعة قريبا من مختبرات العلم يعطي دفعة نفسية ومتعة بصرية تساعد الطالب على التخلص من الضغط النفسي الذي يمر به. والسينما والمسرح من الفنون الشعبية نظرا لسحرهما وتأثيرهما المباشر على المتلقي، ويبدو أنّه في الدول العربية، عدا مصر، أصبح المسرح يقدّم إلى جمهور نخبوي، وهذا ضد المراد.. أنا أدعو إلى عودة مسرح الشارع والمقهى والمسرح الفقير كي نتمكن من إرجاع الجمهور إلى المسرح، ولكن بطريقة عكسية؛ أن يذهب المسرح إلى الجمهور، ولا يبقى أسيرا لقاعات العروض النخبوية، كما أنّ وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت لا يقللان من أهمية وجود دور العرض السينمائي والمسرحي”.

    وقال الناقد الفني المغربي عبدالله الشاهد ” موضحا الجانب السياسي في الموضوع “يبقى المسرح الجامعي أحد الأنماط المسرحية التي لم تنل حظها من الاهتمام التحليلي والنقدي في عالمنا العربي، ولعل هذا الإجحاف إن صح التعبير ليس راجعا إلى ضعف هذا اللون الإبداعي الذي ظل حاضرا بالجامعات العربية، مشكلا أحد مصادر إشعاعها الثقافي والفني، حيث ازدهرت هذه الحركة المسرحية في المشرق العربي خلال ستينات القرن الماضي، وكان القطاع الطلابي بمثابة الفئة العريضة لجمهور هذا المسرح الذي كان آلية من آليات محاكمة الوضع السياسي والاجتماعي العربي، مما جعله محط أنظار الأجهزة الأمنية، وظهور عدة محاولات لتحجيم المسرح الجامعي من النواحي الفنية والتربوية المحضة في محاولة لجعله نسخة من المسرح المدرسي”.


    عبدالله الشاهد: أزمة المسرح الجامعي، هي جزء من أزمة المسرح العربي بشكل عام
    ويضيف الناقد الفني عبدالله الشاهد “لعل أزمة المسرح الجامعي جزء من أزمة المسرح العربي بشكل عام، إنّها أزمة حرية أولا ونص بالضرورة، وأخيرا أزمة جمهور ارتمى في أحضان الجرعات السريعة التي يوفرها التلفون والهاتف الذكي، مما أدى إلى ظهور أجيال جديدة بعيدة عن الطقوس الفنية والثقافية للزمن الستيني الجميل، حيث كانت المسارح قبلة النخب المثقفة والناس البسطاء معا”.

    وتذكر الفنانة المغربية سناء الإدريسي (21 سنة)، وهي ممثلة في المسرح الجامعي، أن “فرص الموهوبين في المعاهد والجامعات العربية والمغربية محدودة بمناسبات محددة، منها حفلات التخرج السنوي”.

    وتستطرد الإدريسي “للأسف، لا يتم تدريب الموهوب بالتمثيل أو الإخراج أو الإضاءة والسينوغرافيا أو المؤثرات الصوتية تدريبا مهنيا، بل يقوم الموهوب بتعليم نفسه بنفسه، وهذا بالطبع يؤثر على عطائه”.

    وتضيف سناء “هذه المسرحيات تجد فيها الخلط بين مدارس مسرحية لا يمكن أن تتفق في عرض واحد كمسرح العبث ليوجين يونسكو والمسرح الملحمي البريختي، وكل هذا الخلط ناشئ للأسف من عدم خبرة الفنان الجامعي، وقراءاته المشوشة لمختلف المدارس المسرحية، وهذا ما تراه يظهر واضحا في العروض المسرحية بمعظم الجامعات والمعاهد المغربية، فهجر الجمهور المسرح”.

    قراءة في مسرح سعد الله ونوس

    مجلة الفنون المسرحية

    قراءة في مسرح سعد الله ونوس

    القدس العربي :

    صدر للناقد رضا عطية مؤلف بعنوان «مسرح سعد الله ونوس.. قراءة سيميولوجية»، وهو بحث ضخم يقع في 474 صفحة، وصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ضمن سلسلة كتابات نقدية. وحسب المؤلف فإن الكتاب يتتبع تحولات رؤى سعد الله ونوس في قضايا وأحداث عصره، والربط ما بين مفاهيمه التنظيرية للمسرح والأداء والفعل المسرحي بالفعل، الذي لم يكن يراه ونوس بعيدا واغترابيا عن عالم المتفرج، بل يتأسس على مشاركة وتوريط المتفرج في ما يراه على خشبة المسرح. وبعد مقدمة نظرية يوضح فيها المؤلف سمات مسرح سعد الله ونوس، يتطرق بالتحليل تفصيلا إلى عدة نصوص، هي، «مأساة بائع الدبس الفقير، حفل سمر من أجل 5 حزيران، الملك هو الملك، والأيام المخمورة»، بحيث يقتصر كل فصل من فصول الكتاب الأربعة على نص بعينه.

    الأربعاء، 16 أغسطس 2017

    العرض الإماراتي «إسكوريال»... كل زائف إلى زوال

    مجلة الفنون المسرحية


    العرض الإماراتي «إسكوريال»... كل زائف إلى زوال

    يسري حسان - الحياة تجريبي 

    يدخل الجمهور قاعة المسرح على وقع أصوات تصدر من علب مياه غازية فارغة يدهسها بأقدامه، حتى ليظن أن عمال المسرح أهملوا تنظيفه، لكنه يكتشف بعدها مباشرة أنه متورط في العرض. فهذه البقايا هي جزء من العرض.
    هناك بقايا أيضاً فوق الخشبة، بل إن كل ما فوقها بقايا. البشر والديكورات والأكسسوارات، ليسوا أكثر من بقايا. علب صفيح وأقمشة ممزقة، وعبوات بلاستيك، وممثلان يواصلان تمزيق أقمشة بالية ثم يقتسمان «كرسي العرش» الذي صمّم ليسع اثنين يجلسان كل منهما ظهره للآخر، ويلقيان في الهواء بما معهما من أوراق اللعب (كوتشينة)، الأول، وهو الملك، ملابسه على هيئة إحدى أوراق اللعب «الشايب» والثاني على هيئة «الجوكر»، وهو مفتاح أولي للتعامل مع العرض.
    هذه هي الأجواء الافتتاحية لعرض «إسكوريال» الذي قدمته فرقة مسرح الشارقة الوطني أخيراً، في قاعة «متروبول» في القاهرة، على هامش الدورة العاشرة للمهرجان القومي للمسرح المصري. حضر المسرح الإماراتي كضيف شرف، وهي المرة الأولى التي يعتمد فيها المهرجان هذه الفكرة، ربما لما تشهده دولة الإمارات العربية المتحدة، خصوصاً الشارقة، من حراك مسرحي، جعلها حاضرة بقوة في مهرجانات المسرح العربية.
    يلامس العرض، الذي كتب نصَّه البلجيكي ميشال دي غلدرود، مسرح القسوة. نحن أمام بلاد متهالكة، ورأس الدولة يرتدي ملابس بالية، ويعيش في أجواء كابوسية داخل قصره التعس. يزعجه نباح الكلاب، فيأمر بقتلها. كما تزعجه أجراس الكنائس، فيأمر بمنعها، في إشارة إلى رفضه فكرة الدين، أو ربما لأن قرع الأجراس يذكره بما ارتكبه من شرور في حق البشر، وهو ما لا نتبيّنه في البداية. لا تاريخ للشخصية يتيحه لنا العرض في بداياته. بل علينا معاينة ذلك التاريخ من تلك الكلمات التي تصدر عن الحاكم، وهي قليلة، أو عن أفعاله التي تعكس شخصية قاسية دموية تعيش في متحفها.
    تكمن صعوبة تلقي العرض في ذلك التعسر الدرامي الذي يستمر فترة من الوقت، فمَن لم يقرأ النص لا يشعر بأن شيئاً يحدث أمامه. مجرد أفعال عشوائية باهتة الدلالة في غالبيتها وأقوال لا تفضي إلى شيء، ولا تفصح عن شيء يمكن إمساكه والبناء عليه، بخاصة تلك المونولوغات المطولة للملك. غير أن المخرج (حمد سمبيج) تدارك الأمر في النصف الثاني من العرض، وبدأ الإفصاح أكثر عن ملامح الشخصيات.
    في النص الأصلي أربع شخصيات، ملك وكاهن ومهرج ورسَّام، لكن المخرج اكتفى بممثلين فقط، عبدالله مسعود (الملك) ورائد الدلالاتي (الجوكر) الذي أدى دور الشخصيات الأخرى. وهو اختزال ربما له سبب درامي مؤداه هو ذلك الانفصال التام بين الملك وبين من يحيطون به، ويمارس عليهم قسوته، فما هم سوى شخص واحد، وإن تعددت مهماتهم ووظائفهم. جميهم مقهورون ومعذبون تحت وطأة عنف الملك وقسوته. غير أن شخصية الجوكر كانت تتطلب من الدلالاتي مزيداً من الجهد ليكون أكثر إقناعاً بقدراته كممثل، خصوصاً أن انتقاله من شخصية إلى أخرى لم يشهد تحولاً ملحوظاً في طريقة الأداء، وإن ظلت سمة المقهور هي الغالبة.
    لسنا أمام دراما تقليدية نتابعها بارتياح، مستشرفين أحداثها. النص نفسه صعب ولا يحفل كاتبه كثيراً بكيفية تقديمه على المسرح، وتلك صعوبة يواجهها كل من يقدم على إخراج هذا النص الذي يتطلب وعياً بمغزاه الأخلاقي، ويستطيع إحكام قبضته على ذلك العالم المتشظي شبه العشوائي، في الممارسات والأجواء التي تجري فيها الأحداث. وهو ما نجح فيه المخرج بخاصة في النصف الثاني الذي جاء أكثر تماسكاً، وأكثر إفصاحاً عن طبيعة الشخصيات، وكذلك أكثر قدرة على إيصال المغزى والدلالة.
    الحاكم ليس مشغولاً سوى بممارسة دمويته وقسوته، أعمدة قصره من بقايا علب الصفيح، ما يشير إلى التهاوي. والصولجان كذلك من بقايا الزجاجات البلاستيكية الفارغة ما يشير إلى الزيف، أنت في عالم كل ما فيه مجرد بقايا وقاذورات إنسانية.
    يتألم الملك ويتعجب من ألمه، غير مدرك ما ارتكبه من شرور تجاه البشر، وفي لحظة كشف إحدى مآسيه يتبادل الأدوار مع المهرج، لنكتشف أن علاقة ما ربطت بين المهرج وبين الملكة التي لجأت إليه هرباً من قسوة زوجها الذي لا يبالي حتى بموتها وكأنه ارتاح لتخلّصه من إزعاجها.
    الصراع في غالبيته يدور بين الملك والمهرج الذي اختطف التاج وألقى به بعيداً في إشـارة إلى عدم قيمته، فالأمر ليس في التاج ولكن في من يضعه فوق رأسه.
    اختار ميشال دي غلدرود «إسكوريال» عنواناً لنصه، والمعروف أن إسكوريال هو أحد أشهر المتاحف الإسبانية أقامه ملك إسبانيا فيليب الثاني في القرن السادس عشر، وربما وقع اختياره على الاسم في دلالة على ذلك الزيف الذي يعيشه القساة الطغاة، فصاروا مجرد كائنات وأشياء متحفية تعوزها الروح الإنسانية السوية.
    في المشهد الختامي يقتل الملك المهرج، ويثبت الممثلان على وضعهما بينما تنسحب الإضاءة ونسمع صوتاً يقول: «المتحف يغلق أبوابه الآن»، ليس لأن المخرج يريد إخبارنا بأننا كنا أمام حكاية من التاريخ، ولكن ليؤكد أن الأمر مستمر، وأن المتحف حتماً سيفتح مجدداً، وسيظل قابلاً لاستيعاب المزيد من البقايا، فما الحياة سوى سلسلة من الصراع بين الخير والشر، ينتصر الشر ربما، لكنه انتصار ليس موقتاً فحسب، بل هو أيضاً زائف، ويكفي أن صاحبه الذي يشعر بالألم والخزي في حياته لا يبقي منه، بعد موته، سوى سيرة بقايا تنفر منها النفس الإنسانية السوية.

    صوت المسرح

    مجلة الفنون المسرحية
    نتيجة بحث الصور عن مسرحية مانيكانات

    صوت المسرح


    أمجد ياسين  - الصباح 


    للحديث عن فسحة الحرية التي ينعم بها المسرح العراقي بعد العام 2003، فاننا نقف عند بعض النماذج وردود الافعال عليها. بدءا من مسرحية "الانسان رقم واحد" التي قدمتها فرقة مسرحية المانية اثارت حولها وحول بطلة العمل العديد من الاسئلة بصوت عال، والتي كانت  احد الاسباب الرئيسة التي دعت الى تغيير مدير عام دائرة السينما والمسرح فيما بعد. مسرحية اخرى اثارت ردود افعال  اقل حد حول احد المشاهد فيها ،هي مسرحية "ستربتيز" . 
    الانموذج الثالث كانت  مسرحية "مانيكانات "للمخرج فاروق صبري، والتي دارت حولها ضجة كبيرة ، شملت نصها وبعض المشاهد فيها وفكرة العمل عموما.. المسرحيات الثلاث، وظفت الايروتيك في العمل كفكرة، ربما في مسرحية "مانيكانات" كان اكثر وضوحا وجرأة ولم يقتصر على مشهد واحد فقط، وهذا هو احد الاسباب التي جعلت سهام النقد تتجه نحوها بقسوة، حتى تحولت من المسرحية كعمل وعرض لتطول الجانب الشخصي للمخرج. ليس الغرض من هذه المشاهد في المسرح الجاد استقدام الجمهور مثلاً ، ولكن فكرة العمل استوجبت ذلك، وفق رؤية الاخراج بالتأكيد. 
    اقول، في المسرحيات الثلاث كان الايروتيك جزءا من الفكرة، سايرها طويلا في النموذج الثالث تحديدا. 
    ان المسرح صورة فنية عن الواقع، وواقعنا مليء بالظواهر الايجابية والسلبية، يمكن اعتباره نهر حياة ، فيه كل ما في الحياة العادية، ولكن يجب ان  يقدم بطريقة فنية، بعيدة عن المباشرة المقيتة او السطحية او 
    المباشرة.
    المسرح رؤية ثالثة، هو ليس الواقع بشكله الصارم والتقليدي، وهو ليس الخيال الجامح غير المنظم والمؤسس.. هو بين هذا وذاك، وهنا تأتي مرتبة الفن ولعبته الجميلة والصعبة، وهي كيف نحول ما نراه ونعيشه من واقع او خيال مفترض الى فن على خشبة المسرح، لنستخدم ما نشاء من تقنيات وحركات واساليب عرض او اخراج، او نحاكي اكثر من مدرسة في الرؤية الاخراجية، لنخلق لنا رؤية جديدة، كما طرح فاروق صبري( المونودراما التعاقبية) ولكن علينا في كل الاحوال ان نقدم فنا يرتقي بذائقة المتلقي. فن يوظف هذه الحرية لتعميق الفكرة وايصالها لمتلق يحتاج الى تثوير في المفاهيم، لان المسرح اداة بناء ، وهو هنا يدخل في مفهوم اعادة بناء بلد خرب ثقافيا ، بعد ان عسكر انسانه اكثر من خمسة عقود مضت. هل نعي لماذا الجمهور بعيد عن 
    المسرح؟ 
    او لماذا ميزانية دائرة السينما والمسرح فقيرة حد الضحك بهذيان؟ اسئلة تدور في فلك لا ينتمي لمجرتنا، تبقي على رمق للمسرح ليس الا ، ليتحول الى مؤسسة مستهلكة عاطلة عن العمل .  علينا ان  نستغل فسحة الحرية هذه  بعناية ، نحرص فيها على ضخ دماء جديدة على المسرح، واستقطاب الجمهور، ومواصلة العطاء باقل الامكانيات.. صوت المسرح يجب ان يكون عالياً وان قلت 
    اعماله.

    قراءة في كتاب "نشأة المسرح في المشرق: تركيا العثمانية، بلاد الشام، وإيران " تأليف د. فاطمة برجكاني

    سلطان يوقع اتفاقية تعاون بين "الشارقة للفنون" و"جيلدفورد" الإنجليزية

    المسرح البيئي.. وجماليات التلقي

    مجلة الفنون المسرحية

    المسرح البيئي.. وجماليات التلقي  

    ابتسام يحيى الأسعد


    ارتبط المنجز الإبداعي بشكل وثيق بالحياة بشكل عام والإنسان، الذي هو محور الوجود بشكل خاص، وذلك باعتبار أن الفن أداة للتعبير عن مختلف أوجه النشاط البشري بكل تناقضاته. وينطلق هذا الموضوع من "أن العمل والفكر والفن كلها مميزات ضرورية وحاسمة وملازمة لحياة الإنسان"( ). من هنا برزت العلاقة الجدلية بين المنجز الذي يرتبط بذات الفنان واستقبال هذا المنجز الذي يرتبط بالآخر – المتلقي.
    إن هذه العلاقة كانت الأرضية التي انطلق منها الفنانون المسرحيون في البحث عن وسائل متعددة للتعبير، خاصة في القرن العشرين. وهذا يرجع لما امتاز فيه هذا القرن من تعدد الأفكار والحوادث المتلاحقة، التي شهدها العصر وتركت أثرها في الفنان. 
    فقد شهد المسرح في القرن العشرين اتجاهات عديدة امتازت بابتكار مضامين وأشكال جديدة للتعبير عن الإنسان ومشكلاته، مثلت محاولات للخروج عن الأنماط التقليدية للدراما والعرض المسرحي. هدفت هذه المحاولات إلى إيجاد علاقة من نوع جديد متميزة ومتواصلة مع المتلقي. ابتعدت هذه العلاقة أحياناً وفصلت بين المتلقي والعرض وجعلت من الجمهور مراقباً. بينما اقتربت أحياناً أخرى وجعلت منه، أي الجمهور، مشاركاً في الحدث (العرض). وتطرفت في ذلك فجعلته صانعاً له.
    كان احد هذه الأشكال المبتكرة المسرح البيئي الذي أشاعه (ريتشارد ششنر) (1934-)، إذ اعتبر "أن المتفرجين هم صانعوا مشهد ومراقبو مشهد، كما في مشهد الشارع خلال الحياة اليومية"( ). وقد استفاد هذا المخرج من التأثيرات البيئية لإيصال محتوى هذا المسرح. كما عمل عدد من المخرجين في العالم تجارب عديدة في محاولة لإرساء إسلوب عام لهذا الشكل ألا إسلوبي. 
    إن الأساليب الجديدة والمثيرة التي قدم فيها مخرجو المسرح البيئي أعمالهم، جعلت منها موضوعا للتأمل. فقد أخذت عروضهم طابعا جماليا من نوع خاص وفريد، وذلك لأن الجمال يسر لمجرد كونه موضوعاً للتأمل، سواء عن طريق الحواس أو في داخل الذهن ذاته . بعبارة أخرى إن التقنيات التي استخدمها مخرجو المسرح البيئي وضعت المتلقي داخل بيئة العرض، محفزة ذهنه وشعوره على تأملها وإمعان التفكير فيها، وبالتالي أصبح منقادا في الدخول في بيئتها. وهو ما أعطى بيئة العمل المسرحي تفردها.
    نبع اهتمام المسرحيين في البيئة (Environment) لكونها تمثل العوامل الخارجية، التي يستجيب لها الفرد والمجتمع بأسره. وهذه الاستجابة فعلية كالعوامل الجغرافية والمناخية من سطح ونباتات وموجودات وحرارة، وكذلك تشابه العوامل الثقافية التي تسود المجتمع وتؤثر في حياة الفرد والمجتمع، وتشكلها وتطبعها بطابع معين( ). وقد اعتبرت البيئة نظام متكامل يتألف من مجموعة العوامل والعناصر الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية التي تحيط بالإنسان ويحيا فيها( ). كما تمثل البيئة المجال الذي تحدث فيه الإثارة والتفاعل لكل وحدة حية. وهي كل ما يحيط بالإنسان من طبيعة ومجتمعات بشرية ونظم اجتماعية وعلاقات شخصية. كما إنها المؤثر الذي يدفع الكائن إلى الحركة والنشاط والسعي، لذلك فان التفاعل متواصل بين البيئة والفرد، فالأخذ بالعطاء مستمد ومتلاحق.
    كما لفتت البيئة عناية العاملين في المسرح لكون الدراسات البيئية تقوم بدراسة الأوساط الاجتماعية والاقتصادية والحضارية التي يعيش فيها الإنسان، والتي يجريها العلماء حول محيطه الاقتصادي والاجتماعي والعوامل المؤثرة فيه. وهي الدراسات التي تتعلق بمادة علم النفس الاجتماعي، الذي يهتم بدراسة البيئة التي يعيش فيها الإنسان، بما فيها من موجودات طبيعية وظواهر اجتماعية تتعلق بمؤسسات المجتمع المختلفة وتقاليده وعاداته وقيمه ومواقفه. كما إن هناك عدداً من الجماعات تعتبر الدراسات البيئة جزءاً من الدراسات الأنثروبولوجية الاجتماعية( ). ولهذا فقد أعتبر المخرج الأمريكي(ريتشارد ششنر) البيئة بأنها: المحيط الدائم والغطاء والمحتوى والأعشاش. وهو المشاركة والفاعلية في الأنظمة الحياتية المترابطة. وهو يرى أن البيئة حيث بدأت الحياة. وقد تأثرت بالكائنات الحية وبالأحداث الطبيعية غير الحية، مثل هيجان البراكين والعواصف والفيضانات والبقع الشمسية…الخ. وعد هذا المخرج أن العلاقة بين ما هو طبيعي وبشري أمر معقد، فمن الممكن أن لا يؤثر الإنسان في الأحداث الطبيعية غير الحية، لكن الفعل الإنساني يؤثر في الطقس (الجو) وعنف وطأته( ).
    عالج المسرح البيئي أزمات الإنسان المعاصر، التي أنتجتها الإحداث السياسية في العالم، وما تركته الحروب من دمار على أوضاع الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. وقد ربط المسرح البيئي بين المسرح والحياة باعتبار أن ما يحدث في المسرح هو رديف للحياة، يحيلها الفنان إلى المسرح ضمن انطباعات ورؤية خاصة يلعب فيها الخيال دوراً أساسياً، حيث يتعايش الجميع في مواجهة حياتية في بيئة العرض المسرحي تماماً كالحياة. ولهذا فقد أزاح مخرجو المسرح البيئي النص الدرامي الأدبي الجاهز، واعتمدوا على توليفة من أنماط تواصلية مرئية- سمعية، تتناسب وطبيعة تلك العروض ورؤية هؤلاء المخرجين لها. كما حاول مخرجو المسرح البيئي إعطاء عروضهم صفة كونية، سواء في طرح موضوعات عروضهم أو استخدامهم للغات متعددة عالمية. كما استعاض بعض منهم عن لغة الكلمات بلغة الأصوات، مدخلين لغات مرتجلة. واشتغلوا في عملهم على إذابة الطابع المحلي للثقافة الشعبية من اجل إعطائها صفة كونية.
    ظهرت بوادر المسرح البيئي (Environmental Theater) عام 1970 على يد المخرج (ريتشارد ششنر)، الذي لخص فيه إسلوبه في التعامل مع فضاء العرض المسرحي والعلاقة مع الجمهور وعدد من البديهيات. وقد التقط (ششنر) مصطلح البيئة (Environment) من (ألن كابرو)* الذي استخدمه في صياغة العمل الفني. وظهر هذا التعبير في كتابه (التجمعات، البيئات، الواقعات) عام 1966، التي يرى أن "مفتاح المفهوم امتداد لفكرة (كابرو) عن البيئة، حيث يعتبر مشهد العرض جزءاً مكملاً للكل، يجمع الممثل والمتفرج ويتفاعلان فيه كوجود أو كينونة. ومثل هذه المحاولة تعني تلقائياً رفض عمارة المسرح التقليدي لصالح الأماكن المناسبة كبيئة"( ).
    طور (ششنر) المسرح البيئي من خلال بحثه عن فضاءآت جديدة للعرض المسرحي، يهدف من خلاله إلى "توليد إشارات مسرحية بلا حدود ومعاني لا متناهية، ناتجة عن إمكانية تشكيل لانهائية لمساحة* المسرح"( ). وهو ما عبر عنه (فيلار)** في عام 1948 في قوله: "إن كثيرون منا يفهمون انه مازال ضرورياً أن ندع المسرح "يتنفس" (…). فمستقبل المسرح ليس في المساحات المغلقة"( ). 
    بحث المخرج الأمريكي عن ارتباط المتلقي بالفضاء من خلال "امتلاء المساحة، الطرق اللفظية المتعددة التي تنتقل عن طريقها المساحة وتضج بالحياة. وهو ما يعد أساساً في تصميم المسرح البيئي، الذي عد أيضا مصدر تدريب لمؤدي الأدوار المرتبطة بالبيئة. وإذا كان المشاهدون هم احد العناصر التي يجري عن طريقها العرض، فان المساحة المليئة بالحياة هي عنصر آخر. إن هذه المساحة الحية تتضمن كل المساحة في المسرح، وليس ما ندعوه خشبة مسرح فقط"( ).
    اعتبر (ششنر) إن البيئات أو بيئة العرض ليس فضاء فقط، بل فاعلية اللاعبين في أنظمة إرسال معقدة، تأخذ مكانها من خلال فضاءآت ساكنة بشكل مبدئي. فبيئة العرض تعني (المكانة) بالمفهوم السياسي، (جسد المعرفة) بالمفهوم العلمي، (المكان الحقيقي) بالمفهوم المسرحي. وهذا يعني انه لتجسيد العرض بيئياً لا يعني مجرد نقله خارج (البروسينيوم)***، بل ان تشترك جميع العناصر التي تؤلف العرض المسرحي كي يعطيها شكل الحياة. وهو يعني احداث التغيير والتطور والتحول وامتلاك الحاجات والرغبات والقدرة على التعبير واستخدام الوعي. فالمسرح البيئي حيثما يكون الفعل: في غرفة الأزياء والماكياج، حيث المشاهد، في الردهة، في مكتب الإدارة في صندوق البريد، وحتى التواليت، وفي وسائط النقل التي تجلب المشاهد إلى المسرح وحتى الكافتريا التي تقدم الطعام، هذه جميعها تشكل بيئة العرض( ).
    وقد جاءت جماليات المسرح البيئي من تركيب عناصر مستقاة فعلياً من الابتكارات المسرحية المعاصرة، فقد لجأ مخرجو المسرح البيئي إلى إسلوب جمع المواد الأدبية والفنية والتقنية في أعمالهم، المسرحية. إذ عملوا على "تلقي الصورة الفنية وتبنيها حتى تصبح صورة خاصة بهم. ومن ثم نقل هذه الصورة وهي طازجة إلى المتلقي. يضاف إلى ذلك إن العناصر يتم تقديمها من خلال فكرة "تعليق القراءة"، أي أن تجعل المتلقي يستعيد تجربة مكانه الأليف. وينطلق هذا كله من فكرة "ديناميكية الخيال". أي أن الصورة الفنية والمكان الأليف، والذكريات المستعارة، ليست معطيات ذات أبعاد هندسية، بل مكيفة بالخيال وأحلام اليقظة"( ). وهنا لا بد من التأكيد بان جمع هذه المواد لم يتم تناولها بطريقة عشوائية، ذلك ان السمة الجمالية لأي عمل، إنما يتأتى من توافر عاملين هما: تنظيم عناصر العمل وتآلف تلك العناصر مع بعضها البعض لإخراج عمل فني جدير بالإعجاب، أو لخلق عمل فني مبدع. وهذين العاملين (التنظيم والتآلف) يتبعهما المتذوق إسوة بالفنان، لأنه يمر بنفس المراحل التي يمر بها الفنان في سبيل تمثيل موضوع فنه. ومن ثم محاولة تقييمه والحكم عليه"( ). 
    إن الهدف الذي سعى إليه المسرح البيئي في هذه العملية يتشابه وأسلوب السينما المعاصرة. فقد رأى (اونا شودهوري) بان هناك تشابها بين منطق وإسلوب السينما المعاصر والمسرح البيئي؛ حيث تسعى الأولى إلى توسيع مجال الرؤيا الإنسانية ليشمل كل الحقائق وتعرضها للتشريح الإنساني. فهي تشرح الموضوعات الإنسانية وتعرفها وتقدمها تماماً مثل المسرح البيئي( )، ذلك أن "تغييرات المشاهد القصيرة، وتقاطع الحبكة الرئيسية بحبكة ثانوية، إنما هو جانب من الشكل العام لها. وينكشف هذا الشكل ديناميكياً. فالسلسلة المتصلة من المشاهد، التي تشبه إلى حد كبير تسلسل الأحداث في الشريط السينمائي، الذي تتخلل عرضه فترات استراحة وفترات موسيقية بين كل جزء وآخر، هو الذي يقوى تأثيرها ويزيد من قوتها"( ).
    يلعب الخيال دوراً أساسياً في تجسيد الصورة مسرحياً عند مخرجي المسرح البيئي، وذلك لكون الخيال، كما يرى (باشلار)، قوة خفية… قوة كونية بقدر ما هو ملكة سايكولوجية. وقد ميز (باشلار) بين نوعين من الخيال: الخيال الشكلي والخيال المادي، ففي حين يخلق الخيال الشكلي كل الجمال غير الضروري داخل الطبيعة مثل الأزهار. فان الخيال المادي يهدف إلى إنتاج ما هو بدائي وخالد في الوجود. وفي داخل العقل الإنساني يكون الخيال الشكلي مغرماً بالخرافة، والجمال الفاتن بالتنوع وبالمفاجئة في الأحداث. بينما يتركز الخيال المادي على عنصر الديمومة في الأشياء. وهكذا فهو يفرز في الطبيعة بذوراً، ومن تلك البذور يترسخ الشكل بعمق في المادة( ). وبهذه الطريقة يصبح للظاهرة الفنية "بعداً موضوعياً، بعداً اجتماعياً، وبعداً نفسياً بالإضافة إلى بعدها الظاهراتي- أي بعد المعايشة والخيال.."( ).
    اهتم المسرح البيئي بالانثروبولوجيا الاجتماعية Social Anthropology وهي "الدراسة الاجتماعية للقيم والسلوك الإنساني الخاص بأنواع مختلفة من المجتمعات البشرية. وتركز الدراسة الانثروبولوجية الاجتماعية من الناحية النظرية على فحص المجتمعات البشرية برمتها، الا انها من الناحية العملية تكرس جهودها في تحليل المجتمعات إلى عناصرها الأولية أو وحدتها البنائية. وهي تقوم بتحليل قطاع اجتماعي تحليلاً دقيقاً، وغالباً ما تربطه بقطاعات المجتمع الأخرى. والدراسة العملية الأنثروبولوجية تستلزم استعمال طريقة المشاهدة المباشرة أو طريقة المشاهدة بالاشتراك"( )
    وضمن هذا السياق وظف (ششنر) دراسته للأنثروبولوجيا في تقديمه لنموذج (الانتقال/التحول) الذي اعتبر انه نموذج "مفتوح، أي الاستفادة من الثقافات المختلفة والحياة اليومية وتوظيفها في هذه العروض. تماماً كما تم توظيف الطقوس التلقينية** لاولاد (كاهوكو) في (بومبو) في غينيا الجديدة، ومن الممكن الاستفادة أيضاً من التجارب الشخصية مع هذه الشعوب عن طريق دراسة هذه الثقافات. وهو ما تحقق في (باخوسيات) و (فيلوكيتس) لـ (سوفوكلس) و (اوديب) لـ (سنكا)***. ومن الممكن الاستفادة من الرسالة الهندية (نايتاساسترا) ودراما النو( ). وكان اعتماد (ششنر) على كثير من تقنيات تلك الطقوس ينبع من وجهة نظر تفيد بان " تحويل خشبة المسرح إلى طقس هو لمجرد رغبته في تفعيل العرض المسرحي، واستخدام الأحداث المسرحية لتغيير الناس. وذلك بالاعتماد أساساً على الطقس الذي يقوم على عزل المشاركين عن بيئتهم السابقة من خلال نزع الحواس Sensory depoivation وتغيير التوجه disorientation. وهذا الفعل يوحي بالتغيير في طبيعتهم، وإدماجهم في بيئة جديدة بشكل مادي. وهذا يتضح في مشروعات جروتوفسكي "البارامسرحية Paratheatical او في المسرح الحي"( ).
    استخدم المسرح البيئي الطقس في سعيه لان تصبح الرموز فوق طبيعة ويصبح المعنى المجازي للحدث على الخشبة مفهوماً دون سؤال، والتواصل بين الخشبة والجمهور كاملاً. وبهذا الشكل يحتفظ الحدث على الخشبة بغموض له نظام واقعي آخر، ولا يمكن الإحساس به، إلا من خلال معايشته كطقس، وكما هو الحال في المسارح الدينية القديمة، تفهم العناصر الطقسية بعموميتها وتعتبر مسلمات وتبقى مقدسة"( ). وبالطبع فان هذا الغموض المطلوب مرتبط بالتلقي من قبل المشاهد، الذي اعتبر هدفاً لمخرج المسرح البيئي، استنادا إلى "أن الفن هو أداة "تغريب" الأشياء وأداة الشكل الذي أصبح صعباً، أي إنه الأداة التي تزيد من صعوبة وإطالة الإدراك، لان عملية الإدراك في الفن غاية في ذاتها ولابد من إطالتها"( )، وهكذا تكون عملية التلقي في المسرح البيئي قد امتلكت إسلوباً وخصوصية في التأويل.
    ويتركز عمل مخرجي المسرح البيئي مع ممثليهم في ورش مسرحية معتمدين على العمل الجماعي، بدءاً من إعداد النص إلى تقديم العرض. واعتمدت تقنية الأداء التمثيلي في المسرح البيئي على المرونة العالية للجسد، التكوين، التنويع، والتنغيم في طبقات الصوت، والارتجال المرتبط بتداعيات الممثل. وقد هدفت جميع تلك التقنيات الأدائية إلى خلق علاقة تواصلية مع المتلقي، الذي يعتبر المسرح البيئي جزءاً أساسياً من بيئة العرض المسرحي. لذلك حاول المخرجون توظيف جميع عناصر العرض المسرحي وتقنياته بهدف إدخال المتلقي في تجربة طقسية موحدة، وتوريطه بشكل جمعي في تجربة شاملة يتوحد فيها الجميع بلا تمييز لتحويل العرض المسرحي إلى حدث اجتماعي داخل بيئة العرض.



    "مذكرات مونودرامية" كتاب للمسرحي صباح الأنباري

    الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

    المسرح التونسى لا يعرف التابوهات

    مجلة الفنون المسرحية

    20863967_10155050296607326_1216116929_n
    المسرح التونسى لا يعرف التابوهات

    جمال عبد الناصر - الأفق نيوز 

    لا يعرف المسرح التونسى التابوهات، ولدى صناعه دائما مساحات من الحرية تجعلهم يعبرون عما بداخلهم بحرية ولا يضعون أمامهم أى اعتبارات دينية أو سياسية، وهذا ما شاهدته فى أكثر من عمل مسرحى كان آخرها مسرحية "حورية" التى تجمع كلاً من الفنانة المسرحية ليلى طوبال وعازف البيانو مهدى الطرابلسى وعرضت بالأمس ضمن عروض مهرجان الحمامات الدولى الذى يجمع كل الفنون متجاورة فيوم يمتع ويغذى جمهوره بالغناء ويوم آخر يدعوه للتفكير فى عرض مسرحى.
    مسرحية "حورية" عبارة عن لقاء مؤثر بين صحفية وعازف بيانو على أنقاض مبنى دمرته عملية إرهابية ولكنها لم تمنع مواصلة العمل وتقديم البرنامج للمستمعين ليحكيا قصة حب بين آدم وحورية التى ترمز إلى الحرية التى تمتد إليها يوميًا الأيادى لافتكاكها وإلى حورية الجنة التى أغر بها المنظرون للإرهاب الشباب.
    العرض المسرحى يجمع كل عناصر الإبهار والفرجة ويبكى ويضحك الجمهور منتقدًا الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية بطريقة مباشرة أحيانًا وغير مباشرة أحيانا أخرى وبكثير من الفكاهة والسخرية والألم.
    بطلة العرض الفنانة التونسية ليلى طوبال استطاعت خلال ساعة ونصف هى مدة العمل المسرحى ان تحكى وتعبر عن آلام ومعاناة البشرية وبجرأة شديدة مخلوطة بسخرية لاذعة ناقشت ويلات وأسباب ودوافع الإرهاب على مستوى عالمى وخلال هذا العرض تطرح وجهة نظرها بحرية شديدة فى موضوعات كثيرة وتفتح محاور متعددة عن الجهاد والدين والحب والجنس والحرية والخيال والأمل واللاجئون والمهمّشون والمظلومون والسياسيون ويتماهى معها عازف البيانو مهدى الطرابلسى ويعبر بموسيقاه عن أوجاعها وأوجاع وطنها ووطننا العربى.


    هيا صالح: أدب مسرح الطفل شهد تطورا ملحوظا في الفترة الأخيرة

    مجلة الفنون المسرحية

    هيا صالح: أدب مسرح الطفل شهد تطورا ملحوظا في الفترة الأخيرة

    الدستور - عمر أبو الهيجاء

    على الرغم من أن أدب مسرح الطفل في العالم العربي قد شهد «تطوراً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، وتم رفده بنصوص تناقش قضايا أنتجها العصر وتتفاعل مع مستجدات الراهن، غير أن دربا طويلا لم يزل أمام هذا الأدب، ليلبي احتياجات الطفل العربي ويواكبها، ذلك ما ذهبت إليه الأديبة هيا صالح، التي تؤكد أن «وزارة التقافة تبدي اهتماماً متزايداً بالطفولة في السنوات الأخيرة».
    «الدستور» التقت الأديبة هيا صالح، وحاورتها حول مسرحيتها «عالم مايكرو»، التي شاركت منذ أيام في مهرجان مسرح الطفل الأردني، والتي قام بإخراجها الفنان وصفي الطويل، وحول قضايا أخرى متعلقة بأدب الطفل، فكان الحوار الآتي..

    ] كيف تنظرين إلى أدب مسرح الطفل، وهل استطاع مسرح الطفل العربي أن يلبي طموحات واحتياجات الأطفال؟

    - شهد أدب مسرح الطفل في العالم العربي تطوراً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، وتم رفده بنصوص تناقش قضايا أنتجها العصر وتتفاعل مع مستجدات الراهن، بعد أن كانت العروض المسرحية فيما مضى ترتكز غالباً على نصوص عالمية يتم تعريبها أحياناً من دون «تبيئة» لها.. وقد رافق هذه النهضة تقديم أعمال لافتة على الخشبة بفعل الرؤى الإخراجية التي تبني على ما هو موجود وتراكم لتحقيق قفزات نوعية. لكن ما زال أمام مسرح الطفل العربي درب طويل ليلبي احتياجات الطفل العربي ويواكبها.

    ] كيف تنظرين إلى المسافة بين النص المكتوب والعرض المسرحي البصري؟

    - يستثمر الكاتب جميع العناصر اللغوية من أجل إيصال رؤيته وبلورة فكرته في مكان وزمان محددين. ومؤلف النص المسرحي بعامة، والموجه للطفل على نحو خاص، تسكنه هواجس ثلاثة تتمثل في: الهاجس الفكري، والهاجس اللغوي، والهاجس الجمالي.. وكلما تمكن من التعبير عن هذه الهواجس استطاع صياغة نص مسرحي للعرض.
    وبالطبع لن يحقق النص ما يرومه من تواصل مع الجمهور إلا في حضور رؤية إخراجية تتمكن من تحويله إلى حياة تتدفق على خشبة المسرح. فالمخرج هو الذي يطوّع النص بما يراه ملائماً للعرض، وهو الذي يقود فريق العمل من مصممي الإضاءة والديكور والأزياء والفنيين والممثلين. بمعنى أن النص القوي يحتاج إلى رؤية إخراجية قوية تتحقق رسائله ومقولاته الفكرية.
    ومن الأهمية بمكان أن يتم التواصل بين الكاتب والمخرج في إطار ما يسمى الورشة، لتحقيق مضامين النص وطروحاته.

    ] كيف تنظرين إلى دور وزارة الثقافة في دعم مهرجانات مسرح الطفل وغيرها من المهرجانات؟

    - من المعلوم أن وزارة التقافة تبدي اهتماماً متزايداً بالطفولة في السنوات الأخيرة وهذا لا يقتصر على مهرجانات مسرح الطفل والإبداع الطفولي، وإنما يتعداه ليشمل برامج مركز تدريب الفنون والمسابقات الموجهة للأطفال في الحقول الأدبية والفنية المختلفة. والاهم ان الوزارة تحرص على إدامة هذا الفعل التنويري رغم ما تواجهه من شح في الموازنة وقلة في الإمكانيات المادية، وذلك انطلاقا من استراتيجيتها التي تأخذ في الحسبان رعاية الطفولة ومخاطبتها وإطلاق الطاقات الكامنة فيها.

    ] حدثينا عن مشاركتك في مهرجان مسرح الطفل الثالث عشر، وماذا تعني لك هذه المشاركة؟

    - هذه ليست مشاركتي الأولى، فقد شاركت العام الماضي بمهرجان الإبداع الطفولي الذي نظمته وزارة الثقافة، من خلال مسرحية «في يدي نجمة»، التي كتبتُ نصها وأخرجها وصفي الطويل ونالت جائزة أفضل عرض متكامل. بالطبع، المشاركة في المهرجان تتيح لي فرصة لأكون على تماسّ مباشر مع جمهور الأطفال، والذي أتوجه له منذ أكثر من عقد ونصف العقد بالكتابة في المجالات التي تخصّه، وهذا يشمل القصص، والحكايات والروايات، والنصوص التفاعلية، والمسرحيات.. لإيماني بأنه هو الجمهور الذي يعوَّل عليه ليكون عنصراً فاعلاً في تنمية المجتمعات في المستقبل.

    ] ما الجديد الذي تقدمينه في مسرحيتكِ «عالم مايكرو»، على الصعد التربوية والثقافية والإرشادية؟

    - هناك قاعدة تربوية تُقرّ بأن الأطفال يتعلّمون بشكل أفضل حينما يكونون مستمتعين، وبناء على ذلك فقد غذّيت النص المسرحي بمجموعة من القيم التربوية وحرصت على تقديمها في إطار يراعي الخصائص الأساسية لمسرح الطفل من مثل وضوح الشخصيات وأدوارها وسماتها الأخلاقية، وسهولة الحبكة وطرافتها وتشويقها، والقيم الإيجابية التي تنتصر في النهاية لتحقق السعادة والخير، كل ذلك في جو يتسم بروح الفكاهة وبمنأى عن الإسفاف والوعظية.
    هذه المسرحية تدعو إلى حماية الأطفال من مخاطر الانغماس في عالم التكنولوجيا الذي أصبح عدواً للتواصل الإنساني وللتفاعل بين البشر. وقد أردتُ منها التأكيد أن الطفل الذي يتلقى الإبهار البصري بكل أشكاله من خلال جهازه «الذكي»، لا يمانع في ترك هذا الجهاز جانباً ليتابع ما يقدَّم على خشبة المسرح مثلاً، بمعنى أن حكمنا على جيل اليوم بأنه مرتبط بحبل سري لا فكاك منه مع وسائل التكنولوجيا والأجهزة الرقمية، بما يمكن وصفه بـ»الإدمان»، هو حكم جائر ومسبق، وأن الطفل بإمكانه أن يشيح عنها إن وجد بديلاً مناسباً ومقنعاً.

    الاثنين، 14 أغسطس 2017

    مسرحية 'تصليح الأحياء' مغامرات قلب متنقل بين الجسد والروح

    مجلة الفنون المسرحية



      مسرحية 'تصليح الأحياء' مغامرات قلب متنقل بين الجسد والروح

      أبو بكر العيادي - العرب 

      “تصليح الأحياء” عنوان رواية متميزة للكاتبة الفرنسية مايليس دو كرَنْغال، عن رحلة تمزج الواقع بالخيال، حوّلتها كاتيل كييفيري إلى شريط سينمائي ناجح، ثم أخرجها للمسرح إمانويل نوبليه باقتدار نال عنه مؤخرا جائزة بومارشيه لأجمل عرض، بالتساوي مع “غرفة في الهند” لأريان مانوشكين، بعد تقديمه مؤخرا في “مسرح المدينة” بباريس.

      تقوم مسرحية “تصليح الأحياء” لإمانويل نوبليه على نص روائي عميق للروائية الفرنسية مايليس دو كرَنْغال التي فازت بعدة جوائز أدبية أهمها جائزة ميديسيس، أولا من حيث بعده الإنساني، والقيم التي يروم تبليغها، ثانيا من حيث بناؤُه الفني المحكم، ونسيجه السردي الشائق، رغم أن الموضوع دقيق يمكن أن يوقِع غيرَ المتمكن في ميلودراما تلفزيونية رتيبة، إذ إن مداره حادث مرور فظيع يُنقل إثره المصابون إلى قسم الطوارئ بمدينة لوهافر الفرنسية المطلة على بحر المانش، فيشخّص الأطباء وفاة أحدهم دماغيا، ويقرر أهله عندئذ التبرع بقلبه لامرأة على فراش الموت.

      وهذه اللحظة الفارقة بين الحياة والموت، بين حال شاب يسير به قدره إلى حتفه وحال امرأة لا تزال تتمسك بالرمق الأخير، هي التي توليها الكاتبة عنايتها لتتحول الرواية إلى سعي لاهث لإنقاذ القلب قبل هلاك صاحبه تماما، وزرعه في جسد المعتلة كي تتعافى، في زمن لا ينبغي أن يتعدى أربعا وعشرين ساعة، كما أكد الأطباء المتخصصون، وإلاّ صارت عملية الزرع غير مجدية.

      كل ذلك من خلال رحلة عجيبة يسردها ذلك القلب المتنقل من جسد إلى جسد، ومن وضع فتى يافع يدعى سيمون لا يتعدى التاسعة عشرة من عمره إلى قلب سيدة في الخمسين تدعى كلير، والمهاجر من منطقة إلى منطقة أخرى، فيغدو الارتحال نشيدا لأجل الحياة عبر سباق ضد الساعة يخضع فيه الجميع إلى تنسيق دقيق لبلوغ الغاية، ولكنه ارتحال سيهز أطرافا كثيرة.

      فحول هذه التراجيديا، تدور العواطف النبيلة ومشاعر الحب بدرجاته، كحب الوالدين لابن وحيد، وحب سيمون لجولييت، وحب كورديليا لعشيقها، فضلا عن الصداقة بين هواة السُّرْف الثلاثة، وشغف الجراحين بمهنتهم، ومحبة توماس لأبويه، ولكن أهمها هو ذلك السخاء المطلق، حين نتعاطف مع متلقّ دون أن نعرف هويته، فالرهان الإنساني الأكبر هو مسألة الحياة أو الموت التي تحدو سلسلة من الشخصيات، في وحدة زمنية مضبوطة تضفي تشويقا حادا على الدراموتورجيا.

      نص روائي عميق من حيث بعده الإنساني، علاوة على بنائه الفني المحكم، ونسيجه السردي الشائق رغم دقة موضوعه
      فكيف يمكن أن نجعل من نص سرديّ ثيمته الأساس تحويل ألم مطلق إلى فرحة محتملة باستعادة الحياة، وعبور من الموت إلى الحياة، عملا مسرحيا يشدّ الانتباه، لا، بل يلقى استحسان الجمهور؟

      اعتمد المخرج على سارد (أدّاه بنفسه) ليس له من سند غير الخشبة وكرسيين ولحاف، وعلى ممثل يقف على بساط متحرك ويعدد الأدوار ويحافظ على التوازن الماثل في الرواية، في موضع بين الانشراح والعبوس، بين الحياة والموت.

      ولما كانت الرواية خالية من بطل محوري، عدا قلب سيمون، فقد استعان المخرج بصور في الخلفية توضّح ما يحيا داخل جسم الإنسان، من الدورتين الدموية والرئوية إلى الملامح الخارجية مرورا باقتران الصبغيّات وتدفق الطاقة.

      ولكن ما يشدّ المتفرج في المقام الأول هو مزج المشاعر الحميمة بمغامرة جماعية كريمة ونبيلة، عبر منح شيء من الطاقة الحيوية لمقاومة اليأس، وخلق لحظة عزاء وسلوان من رحم الألم كدلالة على ذكاء شريحة من المجتمع، تفضل الانفتاح في وجوه الآخرين حتى في أحلك الظروف، على الانكفاء والتقوقع، فالسلوك السليم كما يقول تشيخوف في مسرحية “بلاتونوف” هو “دفن الموتى، وتصليح الأحياء”، وهي المقولة التي استمدت منها مايليس دو كرَنْغال عنوان روايتها، الصادرة عن غاليمار عام 2014.

      وفي هذا الاقتباس الذي أعده سيلفان موريس عن الرواية الأصلية، يسكن فانسان ديسّيه النص بعمق نادر، وقواه ملتمة داخل جسد ناشف مرن يحاول الإبقاء على توازنه في آخر لحظة على بساط متحرك تحت قدميه، ذلك أن سرده في ممر ذي أرضية زلقة يجد صداه مع الموضوع، أي سباق ضد الساعة، بالدقيقة والثانية، لإنقاذ قلب المتزحلق الشاب الذي لقي حتفه دماغيا كما أسلفنا، وبين وجهات نظر الفريق الطبي وموقف الأسرة، يتنقل ديسّيه بغير انقطاع من سرد الحياة إلى سرد الموت، في توازن مفارق مؤثر، فيمنح النص بعده الإنساني العميق، مستعينا في أدائه بالموسيقي جواكيم لاتارجيه عازف القيثارة والترمبون.

      ويقول المخرج إمانويل نوبليه “أن يتبرع الإنسان بعضو، فذلك معناه مواجهة كل الرموز التي يحمّلها إياه المجتمع، والمعتقدات والأساطير الفردية والجماعية التي تنزّل القلب منزلة خاصة، بخلاف الكلى والرئة مثلا. والمشكل الحساس هنا هو القرار الذي يتخذه أقارب هالك لم يُستشر في حياته، وهو كذلك السؤال الذي يلقى عليهم وهم في حال من اللوعة والأسى، ليعطوا إجابة بعجالة أمام جسد مسجى، هذه الوضعية تطرح في الواقع قضية مجتمعية، أن نهب الحياة، أو الأمل في الحياة، أن نعطي شيئا ثمينا بلا مقابل وبشكل مجهول، هو نوع من الأثرة المطلقة، البطولية والسرية، التي تخالف تماما ما يزفره المجتمع يوميا”.

      مسرحية “سيب صالح” تتصالح مع جمهور المسرح الراقي

      مجلة الفنون المسرحية

      مسرحية “سيب صالح” تتصالح مع جمهور المسرح الراقي

       رابح المجبري :

      لأنه عمل فني جاد في زمن الرداءات الفنية يجمع بين الهزل والجد بأسلوب ساخر ساحر. نال العمل المسرحي سيب صالح استحسان لجنة الدعم المسرحي بملاحظة حسن ويجوب الآن أكثر من منطقة للعرض في تراب الجمهورية معولا على كفاءات جهوية من ولاية صفاقس جمعهم الابداع ووحدهم حب المسرح رغم المردود المادي المتواضع الذي لا يرقى إلى مستواه الفني.
      مجموعة متجانسة تجمع بين الخبرة وطموح الشباب توحدوا جميعا في بيت الجمعية المسرحية بعقارب التي يرأسها الأستاذ محمد الطريشيلي صاحب خبرة السنوات الطوال في الميدان المسرحي.
      مسرحية سيب صالح من المنتظر أن تكون الحدث المسرحي لهذه الصائفة شريطة أن تحظى بما يناسب مستواها الفني من حيث التشجيع والمهرجانات الثقافية التي راهنت عليها ستحقق سبقا فنيا وجماهيريا لأن بهذا العمل المسرحي أسماء أرجلها ثابتة في الخشبة تعمل بلا حساب.
      بقي ان نشير في الأخير أنه لابد للمندوبيات الجهوية للثقافة أن تدعم الجمعيات المسرحية وتقف إلى جانبها فأصحابها يعانون الويلات من أجل أن تستمر وتبدع معولين على قوت عيالهم لتقتات منه أيضا جمعياتهم وما على وزارة الثقافة أيضا إلا التحرك وضخ حد أدنى على الأقل من العم المالي والتشجيع المعنوي لتنسط الجمعيات المسرحية في المدن الصغرى والقرى.


      تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption