المجلة المسرحية المتخصصة بفنون المسرح
تراجيديا هاملت Hamlet واحدة من أهم مسرحيات الكاتب الانجليزى ويليام شكسبير، كتبت في عام 1600 أو 1602 وهي من أكثر المسرحيات تمثيلاً وإنتاجاً ، وهى أطول مسرحيات شكسبير وأحد أقوى المآسي ، وتعتبر الأكثر تأثيرا في الأدب الإنجليزي ، فهي من كلاسيكيات الأدب العالمي، وربما ترجع شهرتها إلي العبارة الشهيرة والسؤال الذي يناجي فيه هاملت نفسه قائلاً : أكون أو لا أكون.[1]
و مسرحية هاملت للكاتب الانجليزى ويليام شكسبير من المسرحيات الكلاسيكية ،وذلك لأن النقاد المعاصرون وجدوا أنها تلتزم بوحدة الفعل الخاصة بنظرية أرسطو ، وهى أهم وحدة فى عمارة الدراما [2]، لأن أرسطو لم يضع وحدة للزمان والمكان كقاعدة أساسية فى الدراما المسرحية إنما كان يصف أعمال المؤلفين المسرحيين المعاصرين له أمثال سوفوكليس ويويبيدس وغيرهم.
ووحدة الفعل تعنى أن الحدث هو صراع واحد فقط لا يتفرع ولايتشعب لصراعات أخرى ،وشكسبير يتبع فن التكوين المسرحى لأنه يقدم سلسلة من الأحداث الداخلية والإكتشافات والتغيرات فى المواقف ، وذلك لخلق ذروات وعمليات تفريج وتخفيف لحدة التوتر. وتعد مسرحية هاملت شكسبير نموذجاً على القدرة الفائقة للمؤلف على توضيح الصراع بين الإنسان ونفسه ، وعلى الأخص إشكالية الشك لمعرفة الحقيقة .
تحليل العرض المسرحى "هاملت":
تجرى أحداث العرض فى الدنمارك فى القرن الرابع عشر ، وتبدأ بالتعريف بالأحداث الجارية فى الدانمارك فى ذلك الوقت من مقتل الملك ، وزواج الملكة الأم (جرترود) بشقيق الملك المسمى بـ(كلوديوس) بعد أقل من شهرين على رحيل الملك . كما نبدأ بالتعرف على الشخصية الرئيسية فى العرض(هاملت ) ذلك الفتى الوسيم المثقف الذى يتحول للحزن نتيجة معرفته بموت والده وزواج أمه ، ومن الشخصيات المؤثرة فى العرض (أوفيليا) حبيبة هاملت كما نتعرف على الشخصيات المساعده أمثال (هوراشيو )الطيب صاحب هاملت ، (بولونيوس )المنافق رئيس الديوان ، ويعد كل ذلك تمهيداً للأحداث.
وتندفع الأحداث للأمام ويبدأ الحدث الحافز فى الظهور وذلك برؤية (هاملت) لوالده الشبح ،والذى يخبره عن السبب الحقيقى لوفاته ، وكيف أنه قُتل غدراً بواسطة أخوه (كلوديوس) الغادر ،وهنا يبدأ صراع هاملت مع نفسه بين الشك فيما عرفه واليقين ،ويدبر أمراً ليتأكد بنفسه من خبر مقتل والده على يد عمه ووالدته. وتظل الأحداث فى تصاعد من خلال صراعه مع أمه وزوجها حيث يدعى الجنون لإخفاء ما عزم عليه.
وتأتى اللحظة الحاسمة ببدأ العرض التمثيلى الذى يعيد مشاهد قتل الملك –وهو بمثابة الذروة- ويثَُبت لهاملت ما كان يشك فيه من قبل ، وتتصاعد الأحداث من خلال قتل هاملت لبولونيوس بطريق الخطأ ثم تعود لتخفت بإرسال هاملت لإنجلترا وفشل محاولة التخلص منه إلا أنه يعود للدنمارك لتتصاعد الأحداث من جديد بموت أوفيليا حزناً على والدها وهاملت. [3]
ويُحَمل (لايرتس) - أخو أوفيليا – هاملت مسئولية موت بولونيوس وأوفيليا ، ويدبر الملك كلوديوس المكيدة بتحريض لايرتس ليقتل هاملت من خلال المبارزة بينهما –والتى تعد بداية الحل للحبكة الدرامية –وأثناء التصارع بينهما تصرخ الملكة معلنه قتلها بالسم ، ويكتشف هاملت المكيدة بعد فوات الأوان نتيجة أصابته بطعنة غادرة من سيف لايرتس المسموم ، وبسرعة يتناول هاملت سيف لايرتس ويسدده نحوه ، وقبل أن يسدل الستار على العرض ينتقم هاملت من كلاوديوس بطعنه بالسيف المسموم معلناً الإنتقام لمقتل والده ،ليلقى الجميع مصرعهم فى النهاية ، ويسود الهدوء وتنتهى المأساه بتشييع جنازة هاملت المهيبة وسط أصوات المدافع.
وقد تناولت العديد من الرؤى الإخراجية مسرحية هاملت لشكسبير ، وفيما يلى فسوف نتعرض لبعض هذه المعالجات:
ففى عام 1949 م أقيم فى زيورخ عرض لهاملت للرسام "ثيو أوتو Theo Otto " والذى كان مبسطاً للغاية ، حيث روعى فيه التماثل فى توزيع وحداته ، وارتفعت أرضية المسرح إلى ثلاث مستويات موازية لفتحة المسرح، وقد تدلت من السقف وحدات مرسومة ومجسمة منظورية لإعطاء العمق على خشبة المسرح .أما عرض هاملت فى ألمانيا عام 1954 م للرسام ""أوتو ستتش" فقد رسم ديكوراً عجيباً إذ وضع شبكة مثبته فى منتصف المسرح بإرتفاع ضعف الممثلين مع ستار ذات وحدات بطابع القرن 16 تتدلى من يسار المسرح.[4]
وفى معالجة المخرج هاملت لمخرج "نيكولاى أوخلوبوف Nikolai Okhlopov" يعانى (هاملت) للكشف عن الحقيقة من حيث موت أبيه أو علاقة أمه بعمه والتى تزوجته فيما بعد، وهناك صراع (أوفيليا) مع نفسها هل يحبها هاملت أم لا ، كذلك (كولوديوس) زوج الأم وصراعه الداخلى :هل يعلم هاملت بحادثة القتل؟
ولذلك فقد قام المخرج عام 1954 م بتصميم منظر لباب حديدى ضخم ذو زخارف عديدة داخل بانوهات متنوعة ، وهذه البانوهات عبارة عن أبواب مصغرة داخل الباب الكبير تفتح لتكون فتحات على مستويات مختلفة تدور فيها أحداث المسرحية ، وهذا الباب الضخم يفتح بأكمله على منظر للبحر وللسفينه التى سيستقلها هاملت عند مغادرته وعودته للقلعة.[5]
وتكررت الوحدة الدرامية متمثلة فى الصراع الداخلى الحادث بين الشخصيات، وذلك باستخدام المصمم للعناصر التشكيلية المتشابهة أو المتماثلة والتى تتكرر بنظام دقيق فى المنظر الذى تدور فيه الأحداث ، فنرى أن الباب الضخم يتكون من عدد من الوحدات المتكررة بنسبة ثابته1:1 ولكنها بما يدور فى داخلها من أحداث ألغت الرتابة . [6]
وتعطى الوحدات المكونة للمنظر المسرحى داخل القصر أحساساً بالعظمة والإتزان عن طريق المساحات الرأسية . كما يتوفر التماثل فى منظر السفينة المجهزة للإقلاع الواقع خلف الباب الحديد ، والنافذة فى صدر التصميم يتساوى مع نفس المساحة لجانب الباب الضخم، والعلاقات بين الوحدات تحقق وجود قوى كامنة فى الفراغ تضفى غموضاً على المشهد ، وتوحى بالقلق على مصير هاملت .
أحدث التضاد فى الإضاءة تأثيرات سيكولوجية مختلفة للمشاهد فألوان الاسود والرمادى المختلط بالبرتقالى أعطى إنفعال الأسى والحزن بما يتفق ونوع العرض ، والمعالجة من حيث كونها مأساه ، كما استخدمت الاضاءة لتحقيق عنصر الزمن المتغير والمتطور بما يحقق الاستمرارية والنمو الدرامى فى الأداء. [7]
قدم المخرج "يرجن فيلكه" عرض هاملت فى الثمانينات فى إطار أحد المهرجانات المسرحية بالنمسا ، حيث قدم العرض بإحدى القرى الصغيرة بالقرب من فيينا ، واستخدم المخرج أحد القلاع التاريخية وما يحوطها من أسوار وحدائق وكنائس كخلفية لعرضه، ووضع المخرج مستوى أمام القلعة يمثل خشبة المسرح وقسمه لجزئين على يمين المشاهد ويساره . وتقع بوابة القلعة بينهما ولها أربع أبواب يستخدمها الممثلون فى دخولهم وخروجهم.[8]
وقُسم الجزء يمين المُشاهد لمستويين ،أحدهما يرتفع عن العرض حوالى 40 سم ،والأخر مستوى أعلى يوصل لأبواب القلعة بواسطة سلالم،حيث يُستخدم هذا المستوى كمكان لكرسى العرش ولحركة الملك والملكة ، أما المستوى يسار المشاهد فيحده ستار فى الخلفية ويستخدمه رجال البلاط . والمسرح غير مسقوف وفى خلفيته تظهر المنازل القريبة من القلعة بإضاءتها الليلية. كما استخدم المخرج الأزياء التاريخية وتميز العرض بالبساطة.[9]
ولعبت الإضاءة الشاحبة دوراً هاماً فى مشهد متابعة هاملت للشبح ، والميزة فى عرض هاملت المفتوح هى كونه يستطيع متابعة حركة الشبح من صعود وهبوط ، لا تحده حدود مسرح العلبة التقليدى . كما وظف المخرج الإضاءة جيداً فى مشهد المقابر حيث سلط ضوء من أعلى على حفار القبور ليبدو ضئيلاً وسط المقابر ، كما استخدم الإضاءة المحدودة وسط الظلمة لتأكيد الإحساس التراجيدى فى مشهد الجنازة، وفى مشهد جنازة هاملت أطفأ الإضاءة ماعدا المصابيح التى يحملها العسكر مصاحباً ذلك المشهد بالموسيقى الجنائزية . ولقد رأى المخرج هاملت كإنسان عاطفى مستغرق فى الألم والحلم، مبتعداً عن تحقيق فعل الإنتقام من قاتل أبيه.
وفى معالجة عصرية للمخرج "ريتشارد هامبورج " عام 2003م ظهر فيها تأثر المصمم بالمنهج البنائى فى التصميم من خلال التراكيب والسلالم والمستويات وتوزيعها ، والمشهد مبارزة بين هاملت ولايرتس إلا أن الإضاءة لم تُعبر عن هذا الصراع المتنامى فهى توحى بالهدوء ووزعت على طول المنصة بإتزان وذلك لم يبرز الجو الدرامى للمشهد.
أما فى معالجة المخرج "آدم هيستر Adam Hester" عام 2003م فى مهرجان شكسبير ، قدم المخرج على المستوى الخارجى للتصميم تجريداً للقلعة عندما يرى هاملت والده الشبح ،إلا أنه على المستوى الباطنى يوحى بصراع داخل نفس هاملت وهو التيمة الأساسية للعرض . لذا عبر عنه المصمم بجعله فى خلفية المنظر بأكمله ، واستخدم المصمم تقنية الإسقاط بالفيديو على خلفية المشهد على ستار عبارة عن شرائح من الحرير . كما أن المخرج استخدم الستائر بكثرة لتوحى بالصراعات الدائرة داخل هاملت وخارجه ، ويتحقق هذا المدلول بتوجيه الإضاءة والظلال الكثيفة المحيطة بالمشهد والتى تعطى ثِقل من الحزن والكآبه لتعبر عما يشعر به هاملت عند رؤيته لشبح والده ، والإضاءة المستخدمه بدرجات اللون البنفسجى الهادئة الحزينه مشابهة لأجواء المأساة.
أما فى مشهد موت (أوفيليا) فلقد قام المخرج بجعل (أوفيليا) تتدلى من أعلى فى ثوب أبيض ، وقد سُلطت الاضاءة عليها لما تمثله كرمز يمثل بقعة نور تتوسط الظلام ، وفى الخلفية تبدو الستائر ذات العلاقات المتداخلة أشبه بسيطرة جو من الصراعات حول المشهد ، وتنذر بإقتراب حدوث كارثة.
أما فى المشهد الأخير من هاملت فتغلب عليه الإضاءة الحمراء دلالة على مصرع هاملت بين ذراعى صديقه هوراشيو وتلوث الأجواء بالدماء ، حيث تم توجيه إضاءة مركزة عليه باللون الأبيض رمزاً لنقاء هاملت مقارنه بالملك والملكة ولايرتس الغارقين فى اللون الأحمر الدموى ، ورغم أن المخرج أعتمد على خلفية واحدة ونفس التراكيب والكتل للمشاهد كلها، إلا أن الإضاءة أعطت بعداً رمزياً مؤثراً وفى نفس الوقت نمواً درامياً ، وظلت درجات الإضاءة فى تصاعد وتشبع حتى أغرقت المنصة المسرحية فى لون دموى ، وكأن الكل قد تشارك فى هذه المأساه المميتة سواء أراد أو لم يُرد ، وتظل الستائر ذات التعقيدات فى خلفية المنظر دلالة على استمرارية الصراع فى النفس للوصول للحقيقة فى كل زمان ومكان. [10]
تنوعت المعالجات التصميمية السابقة التى تناولت عرض (هاملت) على اختلاف الإتجاهات المسرحية ، مابين معالجات كلاسيكية تلتزم بالبناء الدرامى للنص ،ومعاصرة قد تُجرد النص من مضمونه الأساسى للتركيز على فكرة أساسية أو فرعية فى النص أو تخدم اتجاه سياسى أو اجتماعى فى المسرح المعاصر.
كما أن كل مخرج من المخرجين السابقين تناول عرض "هاملت " بشكل يختلف فى تصميمه ومفهومه عن غيره من المخرجين الأخرين ، وذلك لما تتميز به مسرحية شكسبير من سمة "العالمية Universality" بمعنى أنه لازمن لها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق