تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 8 يوليو 2014

"شباب مخرجون" : د.عقيل مهدي يوسف

مدونة مجلة الفنون المسرحية
"شباب مخرجون"  -3-
تمتاز عروض التخرج في كلية الفنون الجميلة بصفات خاصة تتعلق بالمستقبل المهني الإبداعي للمتخرجين وهي بمثابة العتبة الحاسمة في فرز من اعد للفن المسرحي، بموهبتهِ وتحصيله العلمي ومثابرته الحقيقية في تقديم مهارة ادائية واضحة غير ملتبسة، ترشحه لان يكون من بين فناني المستقبل الثقاةـ خلافاً لسواهم، ممن لم يحوزوا على ثقة الجمهور، وتكاد تكون قدراتهم بالمستوى الأدنى، وغير المقنع وعدم تمتعهم بكارزما القيادة الفنية ، والوعي الحاذق، والانفعال الوجداني، وعجزهم عن ابتكار عوالم من خلال صور فنية متماسكة تمثل مادة ابداعية حقيقية غير زائفة، في أساليبهم الشكلية الصانعة لخطاب مسرحي مؤثر ومحدث.
في مهرجان المسرح لهذا العام ، تباينت مستويات الإخراج في استقطاب عناصر العرض المسرحي المتكامل وجاءت العروض على الشكل الاتي :-
عرض "عبث"
للمخرج شوقي فريد
اقترح علينا العرض ان نواجه جدران مسرحية ( بارتشنات ) حافلة برسوم وتخطيطات لأجزاء بشرية من رؤوس , وسيقان , وأيدٍ حين تنفتح هذه الجدران الى الجوانب , نكون في قبالة خلفية سوداء (السايك ) يخرج من أسفلها ضوء أحمر , عبر ممر يجوزه الممثل ليصل الى تمثالين , احدهما لشكسبير حيث يمثله ( هاملت ) والآخر لسوفوكلس ويمثله ( اوديب ) , ويخوض الممثلان معركة لتهشيم الغلاف الجبسي , وينهالان بالعصي على الشخص القابع خلف كل تمثال منهما اي : شكسبير الحي , وسوفوكلس الحي ايضاً وهو تصعيد لمشاعر الشباب في التمرد على البطرياركية " الأبوية " التي تحكمت بإرادة الأبناء , وصنعت قدراً مهيمنا طاغيا يخنق حرية الصنيع من قبل صانعه , كان العرض يبحث عن لغته الفنية بمحاولة لا ينقصها الإقناع.
"عرض الذاكرة" الفيض صباح
في لعبة شفافة يلعب اثنان كرة الطائرة بالبالون تتوسطها شبكة , وكرة بيضاء مرسومة على قماش الخلفية الأسود , وتنثال الحوارات بين اللاعبين , ويتصارعان لاختلاف وجهات النظر فيما يخص الذاكرة , والعيش الآني والتدمير الذي سببته عسكرة المجتمع والغربة والاعتقال والإذلال الروحي والجسدي وهما يرتكسان في الحنين الى الطفولة , وحضن الأم , الرحم الاول الذي دشّنا فيه الأمن والاطمئنان بعد ان افقدتهم السلطة الجائرة في زمن الحروب مثل هذا الهدوء والسلام . يرقصان تارة , ويغني احدهما تارة اخرى , ولتعميق الجانب البصري تنزلق كرات زجاجية صغيرة من أكياس يحملونها والآخر يركب دراجة هوائية , والجو العام مشبع باللون البنفسجي , ثمة مصابيح ثلاثة متراصة , يليها مصباحان باللون البنفسجي نفسه , ثيمة العرض تدور عن صراع الجسد والذاكرة , وصبوات يكابدها البطلان ينسف شعريتها احياناً الصراخ المضاد للياقة الجسدية المرنة والناعمة.
في انتظار غودو
أمجاد يونس العمل معد عن بكيت من قبل (مثال غازي ) , يجلس احدهم قبالة الجمهور , ويدير مقود سيارة وهميا , ثم يقتحم هذه السيارة الوهمية المفترضة رجل غريب بشعر كث وجسم ممتلئ, يهذيان بحوارات لاهثة متقطعة , ينزلان من السيارة بأسلوب إيمائي ( بسيط ) ثم يذهب بهم الهوى الى خلق مطاردة وهمية – ايضاً – بينهما , واحدهما يزاحم الآخر في خلفية المشهد السوداء , تظهر أوراق ملصقة محروقة , هل هي كل ما تبقى في خزين الذاكرة ؟! هل هي كناية عن انسلاخ الزمن عن الكينونات البشرية الغارقة في اللا معقول والعبث وسخف العالم ؟ كائنان بلا وحده شخصية بل من نتف وأشلاء في نسق ممزق , لا تعرف فيه بداية الفعل البشري من نهايته في وجود عدواني .
خلق المخرج هذه الأجواء بقدرات واعدة .
"النهاية" مصطفى احمد مكي
مثل قلعة سوداء يحتل الخلفية عمود قائم , هيكل عظمي يتدلى وآخر على الارض يخرج من اسفل العمود ( لير ) الملك زاحفاً بملابس سوداء , ثم تدخل ممثلة دور دزدمونة , ليظهر العملاق ( عطيل ) وهو يتشمم عطر منديل دزدمونة , ثم يطارد الممثلة , حتى يصل بهم الدوار الى هاملت الباحث عن الخلاص مثلهم لكنهم لا يجدون ملاذهم سوى بالتنكر , تحت اغطية بيضاء التي ينزعونها لتظهر ملابسهم السوداء , مع رهط من ممثلات شقراوات , يتحوطن البطل ويتمسحن بملابسه هنا يقوم التساؤل حول مغزى الجمع بين جنون لير وغيرة عطيل , ودور هاملت وتدليل المنديل ,وما تمثله الهواجس الذاتية المجنونة لكل منهما في البحث عن جواب خائب , لأسئلة مريضة تتعلق بالنزوات البشرية , ونرجسية الذات المضطربة بين عطيل الغيور , ولير الخرف الباحث عن مديح زائف من بناته اللاتي نجحن في استغفاله ,فأثاب الكاذب , وجار على ابنته كورديليا , الأكثر صدقا وإخلاصا لأبيها .
برزت قدرة المخرج في توزيع محاور حركة الممثل , والضوء .
ومع كل ذلك الاكتفاء بالمفردات التي تشكل العرض المسرحي المابعد حداثي إلا أن (نك كاي) يخلص إلى " أن أي تعريف لمابعد الحداثة لايمكن ان يقوم على رصد مجموعة من الصور والأشكال المحددة الخاصة بها، وذلك لان مابعد الحداثة لاتتواجد إلا كنشاط هدام يسعى إلى خلخلة وتقويض نفس الشروط والمبادئ التي نتوهم انها تنهض عليها " ، ويشير (ليوتار) في معرض حديثه عن الحداثة بوصفها " خطابا شارحا يمثل إطاره المرجعي، أي من خلال الاستناد إلى نظرية عامة مثل نظرية جدلية الروح ، أو هرمانيوطيقا المعنى، أو تحرير الذات العاقلة أو الفاعلة ، أو قصة خلود الثروة ".

"النهاية" مصطفى احمد مكي
مثل قلعة سوداء يحتل الخلفية عمود قائم , هيكل عظمي يتدلى وآخر على الارض يخرج من اسفل العمود ( لير ) الملك زاحفاً بملابس سود , ثم تدخل ممثلة دور دزدمونة , ليظهر العملاق ( عطيل ) وهو يتشمم عطر منديل دزدمونة , ثم يطارد الممثلة , حتى يصل بهم الدوار الى هاملت الباحث عن الخلاص مثلهم لكنهم لا يجدون ملاذهم سوى بالتنكر , تحت أغطية بيض التي ينزعونها لتظهر ملابسهم السود , مع رهط من ممثلات شقراوات , يتحوطن البطل ويتمسحن بملابسه . هنا يقوم التساؤل حول مغزى الجمع بين جنون لير وغيرة عطيل , ودور هاملت وتدليل المنديل ,وما تمثله الهواجس الذاتية المجنونة لكل منهما في البحث عن جواب خائب , لأسئلة مريضة تتعلق بالنزوات البشرية , ونرجسية الذات المضطربة بين عطيل الغيور , ولير الخرف الباحث عن مديح زائف من بناته اللاتي نجحن في استغفاله ,فأثاب الكاذب , وجار على ابنته كورديليا , الأكثر صدقا وإخلاصا لأبيها .
برزت قدرة المخرج في توزيع محاور حركة الممثل , والضوء .
"المحاكاة الساخرة"
مروان حبيب ظاهر
وتسمى بالمصطلح المسرحي ( باروديا ) , أعدها ( ضمد ) . يقترح المخرج علينا سلالم ثلاثة , احدها صغير , وفي اعلى المسرح يحيلنا الى منطقة حرام , كالتي نجدها عقب اقتراف جريمة , يزرعها الشرطة بأشرطة تسوّر منطقة محدودة , او نجدها في المطارات قرب شباك الجوازات مثلا
فتاتان ترتديان ملابس مدنية , وعسكرية , ثم نتعرف على قصة حبيب واحدة منهن الذي مات بانفجار , وهو يعود شاخصاً أمامها ويحاورها , ثم يتفاقم الصراع ليتخذ طابعا أزليا بين منازلة الملاك للشيطان .
تظهر في العرض قدرات الممثلة ( ليلى ) وهي تتحلى بجرأة فنية ولياقة ودافعية مسرحية مبهرة , مع زميلاتها الرقيقات .
يوزع المخرج عناصر العرض بدراية واضحة موظفاً المؤثرات والموسيقى والاضاءة لإنشاء ثيمة العرض التي تذهب احيانا , وتتشتت بفعل أدوات ظهرت لم تفعّل موضوعيا في العرض .
"لعبة" محمد كمال ابراهيم
ينام ممثلان على الأرض وهما مغطيان بقماش ابيض في الخلفية البيضاء الصغيرة , ينعكس ظل أسود لكائن يرقص , على جانب المسرح منضدة عليها كرة أرضية , في اعلى وسط المسرح قنان كحولية , وأقداح , تدور حركات الممثلين بتوترات ايقاعية متصاعدة واظهر ( حيدر جبار ) موهبة في إجادة حركاته الراقصة , ولم نصل مع العرض الى قوة تحكّم اخراجي في ارشادنا – مثلاً – الى انتقال بؤرة العرض المركزية من هوامشها , في العرض تقشف وخفة , ومهارة الممثل الادائية , وابتعاد عن التركيب المشهدي المتكامل .
"الملك يموت"
عباس قاسم كاظم
عربة كناسة , مع رجلين بملابس منظفي النفايات , يقع في خلف المشهد , مكعب , يمثل نردا كبيرا , في مواجهة الجمهور يظهر وجه المكعب بنقاط ( ست ) , اما الوجه الثاني نصف المرئي فتظهر نقاط ( ثلاث ) وهي ملونة بالابيض على خلفية سوداء ثم يدخل الحاكم الذي يتشبث على عرشه وفي فترة استراحته يمارس بملابس رياضية الترشيق على كرسي الرشاقة , ثم يدخل تابعه الطويل ( العملاق ) ناصحاً مولاه بان يغادر منطقة الكرسي الملتهبة المهددة من قبل منافسيه على السلطة , لكنه يصر على تشبثه به , ويلبث على كرسيه لا يلوى على شيء في مشهد عبثي تظهر شخصية جامدة مخبولة , مكشرة وهي تدفع عربة الكناسة عبر المسرح الى الخارج .
"انفرادي" بديع نادر
يوزع المخرج بمهارة محسوسة علامات ضوئية : (4) زرقاء , و (3) حمراء .
تتكدس في الأرضية مستويات متداخلة , متراكمة , منحدرة , ومرتفعة , فيها مطبات , وانزياحات ليظهر وجه كاريكاتوري ضخم من الفلين , على شكل قناع بشري مشوه لجسد ينفصل فيها الرأس هذا عن البطن .. والأقدام .. واليدين , وتتوزع ملابس معلقة برؤوس من البالونات تمثل الفترة السياسية لحكم العراق من زمن الملك , الى جمهورية عبد الكريم قاسم , الى صدام حسين , وتتداخل حكايا تضم مثقفا , وعاملا , وجنديا , ويشعر كل منهم بانتزاعه من أرضيته , فلا يدري هل هو في مستشفى ام في معمل للأحذية , وهم في غمرة هذا التوهم يدلفون في ممر طويل مظلم ومرعب يبتلعهم بالدخان والضياع والتكرار .
أدوات المخرج كانت معبرة , بأسلوب مبتكر مثير , ومتميز.
"الأقوى" آمنة خالد
في حكاية أسرية , تتصارع امرأتان على زوج غائب يرتدين تنورة وردية , على ملابس سوداء , تنحشر إحداهن في اطار على الجدار بوضعية جانبية , والأخرى تنهمك بين علاقة ملابس مكتظة , ومائدة عامرة بالكيك والشموع , وتتباهى إحداهن بامتلاكها طفلا , ودمى , تحت ظلال من أضواء زرقاء , وبنفسجية يتبادلن المواقع لينتهي العرض بانتصار إرادة إحداهن على الاخرى وهي تأمرها بالخروج من اللعبة الى خارج منصة المسرح البيتي الصغير , الى اللعب على منصة المسرح الكبير .
أداء الممثلتين امتاز بالرشاقة , والحيوية , وخفة الظل , وحسن الحركة , والإلقاء البسيط.
"بيت الدمية" فاطمة سمير
حولت مسرحية ابسن الشهيرة تحت هذا العنوان الى بيئة سجن، يحجب فيها الممثل عن الجمهور ، بحاجز ثقيل يتلصص الجمهور من خلال فتحاته على حيوات الممثلين ، وهما يخوضان صراعات تخص الحياة الزوجية ، والتورط في تزوير صك ، لإنقاذ الأسرة من الضياع تقوم به الزوجة ببراءة ومحبة ، دون ان يخطر ببالها انها تقترف جريمة يعاقب عليها القانون .
تنزل من الأعلى خيوط وكأنها قضبان سجن مثقلة بقفل كبير ، استخدمت المخرجة تقنية سينمائية يظهر فيها الزوج والزوجة في لقطات تختصر حياتهما المشتركة منذ مرحلة الحب الاولى وبعدها من خطوبة وزواج وهو على كرسي المعاقين ثم لقطة للمرأة وهي على ماكنة الخياطة وثمة باب حديدية ولوحات زهور مقفلة بأقفال صغيرة ، تحطمها المرأة في النهاية وتترك بيت زوجها " هلمر" المنافق لتعيش حريتها المفتقدة في مثل هذا البيت ، السجن.
اقترب العرض من المعالجة المسرحية التربوية المقنعة في تطبيق مبادئ الاخراج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق