مدونة مجلة الفنون المسرحية
عندما يقبل أيشخص لدراسة فن الممثل لكي يصبح ممثلاً في المستقبل ، ياتي وهو يمتلك اداة جاهزة ، ولكن قد لاتكون ماهرة . أي ان الانسان بعاداته واسلوب تفكيره واشكال انفعالاته يكون مالكاً لادوات جاهزة وكل ذلك يتداخل في المستقبل مع ادائه المسرحي دون ان يفطن لذلك . أي ان الممثل يستخدمها صورةً مجسدة بعد ان كانت جزء من حياته الاصلية .
يفترض ان يكون نوعاً من التوافق بين الادراك
وبين وسائل وادوات الانسان على المستوى الجدي والفعلي والانفعالي . ان فن الممثل
بالاساس قائم على بحث العلاقة بين الانسان وتعبيره اكثر من العلاقة بين الممثل
والدخول في الشخصية المفترضة ( الدور او الشخصية المسرحية ) وما هذه العلاقة بين
الممثل ودوره الا جانب واحد من جوانب اختيارات الانسان لانماط متعددة من التعبير .
ولكن جميع خطابات الانسان ووسائله لتحرير الطاقة والقدرة على التعبير بسلاسة … (
أي وجود درجة محددة من الانفعال او التفاعل تساوي هذا التعبير ) هي العملية او
المراقبة الذاتية التي تمكن الجسد والروح والفكر من التواصل بمهارة . أي التفكير
المزدوج بـ ( الاداة والرؤية ) .
( الانسان بطبيعته معبر مؤدٍ وعندما يكون
متوتراً حقاً او منتبهاً لشيء ما او مستغرباً من افكار طارئة … يمكننا ان نرى
بواعثه الداخلية تتحول دائماً إلى تعبير محض .. حيث يتغير الصوت وتختفي تقلصات
الجسد والذراعين والتواءات الراس . وتتحول تعبيرات الوجه ، ويظهر الشخص بمظهر جديد
وكل ما فعله ( ستانسلافسكي ) انه كان يريد ان يستمد قوة تعبير الحياة
لوضعها على المسرح ، لان دوافع الحياة هي التي تحرك الانسان بينما الممثل قد
يستجيب لدوافع وهمية وخيالية … توجد اشياء كثيرة يستطيع الممثل ان يقوم بها في
الحياة بسهولة شديدة بينما يجد صعوبة في تقديمها على المسرح . ( ذلك لان طبيعته
كانسان لا تجعله مؤهلاً لمحاكاة الحياة بل لمعايشتها ) لذلك كان ستانسلافسكي
يسمى اسلوبه بالمعايشة وبالايمان بحقيقة ما يؤدونه لكي تشتغل اجهزتهم كممثلين
بفعالية الحياة وحقيقتها ( وتعتبر الحياة نفسها قاعدة اكيدة لعمل الممثل لاننا
اذا لم نتعامل مع الحياة ووفقاً لحقيقتها سوف تجبرنا هي على تغير واصلاح انفسنا).
وفي المسرح الحديث بدا ينشا وعي بحقيقة العلاقة المتداخلة بين قدرات
الانسان وما يحدث لهذه القدرات عندما يقوم الانسان باداء وتمثيل دور معين .. ان
الاشياء التي تؤثر على الممثل باعتباره انساناً ، تتحكم في سلوكه وانجازاته على خشبة
المسرح .
في كتاب ارياك موريس و هوتشكيز جوان المترجم حديثاً إلى اللغة العربية من
قبل الدكتور سامي صلاح تحت عنوان ( لا تمثيل من فضلكم او ما بعد المنهج ) ( Beyond the mehad ) والمقصود منهج ستانسلافسكي والذي كيفه في (
ستديو الممثل ) و ( مسرح الجماعة ) الذي تاسس في امريكا عام 1931 .
يذهب هذا الكتاب إلى ما وراء المنهج حسب تعبير المؤلفين يقدم معالجة
التمثيل والحياة على اعتبار ان المنهج يحاول ان يجعل الممثل يكتشف اشياء داخلة
يمكنه استغلالها … وان التدريب لم يكن بعيداً عن التحليل النفسي وان ممثلي ( مسرح
الجماعة ) السابق الذكر توصلوا إلى الاعتقاد ( انه من الضروري ان تعيش مزاجك
الخاص بك على المسرح وليس المزاج المفترض للشخصية ، وجادلوا على انه على الممثل ان
يمثل من نفسه وليس من صورة متخيلة ، عليه ان يضع نفسه في موقف الشخصية.
الا ان موريس اريك في مجمل تدريباته وارائه في هذا الكتاب يؤكد على ان
منهجه ليس منهج تمثيل فحسب كما هو عند ( لي ستراسبورج ) ( مسرح الجماعة) وكذلك (
ستانسلافسكي ) بل هو منهج للحياة من خلال ( مبدا ربط التمثيل بالحياة ، وايجاد
الصلة بين حياة الممثل الشخصية وحياة الدور كما يقول ستانسلافسكي … فهو يرى ان
السمات المطلوبة لافضل تمثيل هي ايضاً مطلوبة للحياة اكثر احتمالاً ). فالعنصر
الجوهري في جميع تمارينه هو البحث عن وجهات النظر الشخصية والمشكلات الشخصية
للممثلين بحيث يطلق على بعض التمارين اسماء الممثلين اصحاب المشاكل .
وهذا يعني انه يعالج مسافة المشكلة القائمة بين ما يفكر به الفرد واسلوب
حضوره مجسداً بواسطة اجهزته وادواته . ومشاكل هذه الادوات ( العصبية والعضلية
والنفسية ) في العمليات التجسيدية فعندما تكون اجهزته غير ماهرة او فيها نوع من
التلكؤ في ترسيم عالمه الداخلي في علاقتها مع الخارج او العكس . وهذه ليست لها
علاقة بالدور المسرحي او الشخصية المسرحية انما هو بحث في مشاكل الجسد والكينونة
علاقة الاجهزة والمنظومات والعضلات ودورها في عملية الحضور الذاتي والهوية .
( عليك اولاً : ان تعرف من انت . يجب ان
تجد احساسك الخاص بالهوية ، وتوسع هذا الاحساس بالذات وتتعلم ان ترى كيف يمكن ان
تضع هذه المعرفة للاستخدام ) ومن وجهة النظر هذه
ليس هناك كائن بشري في الكواليس وممثل على المسرح او متفرج في الصالة وممثل على
المسرح . انما كلما طور الانسان احساساً بهويته الخاصة كلما زاد ادراكه انه يمتلك
مصادر لا نهائية داخل جسده يمكنه استخدامها في الحياة ولمعالجة معطيات الحياة …
وهذا التكبير تحت المجهر لاحساس الانسان بالذات والهوية كانت ضرورة بدائية ولازالت
للحضور البشري. بان يقوم بخلق واداء وعرض حياته بشكل مبتكر من خلال وعيه بادواته
وان يقيس درجة التحكم بالحياة الانفعالية وكيفية اعداد الجسد للاسترخاء والتركيز
والتواصل والخيال والرؤيا . وعناصر اخرى تتعلق بتمظهراته الثقافية .
يقول ارياك موريس ( اكتشفت ان احد الاسباب وراء عدم استطاعه ممثلين
كثيرين استخدام نظام " ستانسلافسكي " هو الفصل بين التقنية والواقع
الشخصي… كيف يكون لنظام صمم ليكون شخصاً ان يصلح لممثلين ليسوا شخصيين ولا يعرفون
حتى ما يشعرون به ) ان حرفة فن التمثيل او فن الممثل ليست مصممة لكي تكون
تركيبة معملية موقوفة على فئة خاصة بل لمعالجة قابلة للتطبيق لابتكار حياة اكثر
قدرة لتحقيق نتائج افضل لمعنى الحضور .
ويكمن جوهر الدراسات الحديثة الانثروبولوجيا المسرح في طغيان التصور المادي
والفيزيائي المشترك بين البشر لتنظيم وتوسيع حركة الانسان وطاقته ولتحديد القوانين
التي تحدد حركته ومجال هذه الحركة لتنظيم الفضاء الاجتماعي او المشهد الاجتماعي أي
دراسة السلوك في المشهد الاجتماعي باعتبار الجسد قدرة على الانتاج واداة في نفس
الوقت وبواسطته يتم تحويل ( الطاقة الفاعلة في الزمان إلى خطوط ممتدة في الفضاء
).
ان اغلب محاولات انثروبولوجيا المسرح كانت تتجه نحو ايجاد المبادئ المشتركة
المتشابه التي بناءاً عليها يتم بث وايصال التجارب الخاصة . ولهذا كتب ( ديكرو )
وكما يقول ( باربا ) ( ان الفنون تتشابه في مبادئها … وليس في اعمالها ) أي
ان هناك تقنيات مشتركة لتمظهرات الجسد . وكل ما نسميه بـ( التكنيك … ما هو الا استخدام خاص
لجسدنا ) . ففي الحياة اليومية المعتادة نستخدم جسدنا كنوع من التكنيك المشروط
بثقافتنا وحالتنا الاجتماعية وطبيعة مهنتنا ولكن هذه التكنيكات غير واعية . وكثير
من الايحاءات التي نعتبرها طبيعية ولكنها في الاساس خاصة بتدريبات مجتمعنا
وثقافتنا وحضارتنا حتى طبيعة استثماراتنا للمساحة القائمة بي شخص واخر بين ذكر
وانثى في نظام العائلة داخل المدينة وبنوع ايقاعنا للانتقال من مكان إلى اخر
وعلامة هذا الايقاع بانجاز اعمالنا .
جميع تلك المفاهيم والعلاقات لها معنى في ثقافة المجتمعات وجزء من تقنياتها
المجسد لافكارنا وقيمها ومبادئها ومعتقداتها . لان ( تكنيكات الجسد اليومية
المعتادة تصبو إلى الابلاغ والاتصال بينما تكنيكات المهارة الفائقة " Virtvosisme " تصبو إلى اثارة
الانبهار وتحويل الجسد . اما تكنيكات الخارقة عن المعتاد فهي تصبو إلى منح
المعلومات " Forma in methono " )
. ان جميع هذه التكنيكات ضرورية لتصدير حضورنا الثقافي لاننا جميعاً كبشر اصبحنا
تحت الضوء المركز مثل بقعة الضوء المركزة على الممثل المسرحي نتيجة لمسرح
الاتصالات المرئية والمسموعة المتقدمة . ( واذا انتقلنا إلى مفهوم الجسد فان ما
يستدعي الاهتمام في هذا المجال هو اختراق هذا المفهوم للثقافة الحديثة التي تبدو
في كل تعابيرها وافرازاتها مسكونة بالجسد والسعي لتاكيد حضوره ).
فالايماءات والاشارات والحركات انطلاقاً من الوجه كاعمق اداة او مساحة
للتعبير إلى طريقة السير والجلوس والتحية … كلها تعابير تحمل في ذاتها معاني
وتستطيع ان تقوم بوظيفة الكلام . هذه النوعيات من الاتصال شديدة الارتباط بسياق
ثقافي او اجتماعي معين … أي هي تكشف عن نوع المجتمع ونوع ثقافته وتميزه ، وهي تحمل
دائماً مدلولات محلية اكثر من كونها عالمية .
فالجسد دون توقف يعبر ويؤدي - ويمثل – ويفصح – ويواصل – ويفهم – ويُفهم عبر
تلك التمظهرات التي لها علاقة بالدوافع والرغبات والحاجات . وحتى عبر الأزياء
والمكياج والاكسسوارات التي يضعها ويستخدمها فهي تحمل رسالته الخاصة الشخصية
والاجتماعية كذلك … وفي هذا المجال يقول علم نفس الزي ( ان الزي واللون معبر عن دوافع وحامل رسالة
مؤثرة في الاتصال والانباء وقسم غير قابل للفصل عن الشخصية والمظهر الجسدي او
الوعي بالجسد وشديد الصلة بالشخصية وبقراءة الانسان او المعاناة البشرية )
فالزي اذن ومكملاته واكسسواراته هي طريقة في تقديم الذات في علاقتها مع المجتمع من
جهة وفي علاقتها بالرغبات والدوافع الواعية واللاواعية للانسان ، ان الانسان
دائماً يؤدي ويمثل حياته . فهو في تفاعل ادائي وتمثيلي مستمر … انه يرسل ويتلقى –
يثير ويستجيب – يبث ويرد – يعلن ويخفي . وفي هذا الباب يدخل الوجه والقناع وعمليات
الاستبدالات المستمرة بين الاخفاء والظهور . وهذه ايضاً مهارة من المهارات
الاجتماعية التي تتعلق بالدفاع عن النفس والتكيف مع البيئة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق