مدونة مجلة الفنون المسرحية
تجاوز المسرح السوري ممثلا بعروض مديرية المسارح والموسيقا “المسرح القومي” وعروض المعهد العالي للفنون المسرحية إضافة لعروض المنظمات الشعبية مجمل العوائق التي اعترضت خطة الإنتاج لهذا العام محققا حضورا لافتا على مسارح المدن والبلدات السورية ليكون أبا الفنون في خط المواجهة الفكرية والثقافية الأول ضد قوى الظلام والظلاميين الذين عملوا على تدمير المسارح وإحراقها ونهبها في المناطق التي دخلوا إليها وعلى رأسها المركز الثقافي في الرقة.
وحفل موسم مديرية المسارح والموسيقا بعروض كبيرة شكلت جاذبا مسرحيا استقطب شرائح جديدة من الجمهور فشهدت صالات المديرية إقبالا كبيرا على العروض التي قدمها المسرح القومي هذا العام حيث كانت البداية مع مسرحية نبض للفنان مأمون الخطيب فيما تولى دراماتورج العرض حازم عبد الله لتقدم المسرحية تفاصيل في زمان ومكان الحدث السوري عبر الدمج بين حكاية ثلاث سيدات سوريات تصل إحداهن برقية باستشهاد ابنها فتحاول معرفة حقيقة الخبر.
إكليل الدم لزيناتي قدسية كان أيضا على مسرح الحمراء ضمن موسم هذا العام منتصرا مرة أخرى للمسرح التجريبي وأخذ الجمهور إلى لعبة المسرح داخل المسرح مستعيرا لعبة الإيطالي لويجي بيرانديلو عبر توليفة نصية كتبها قدسية عن سياسة جز الرؤوس التي تتبعها العصابات التكفيرية تاركا مساحة الخشبة لثمانية ممثلين وراقصين شاركهم زيناتي بها عبر شخصية أقرب إلى بطل مونودراما شعرية تمر على المسرح كنقيض للفوضى والخوف والرهبة التي تعيشها شخصياته وليأتلف مشهد الذبح مع موسيقا الراب والهارد ميتالي.
عن الحرب وأشياء أخرى كان عنوان العرض الذي قدمه المخرج عروة العربي الذي قام بإعداد هذا العرض مع الكاتب زيد الظريف عن مسرحية شكسبير الشهيرة روميو وجولييت إذ ذهب كل من العربي والظريف إلى محاولة تقديم تغريب مسرحي اعتمد على دمج أجواء البروفة بأجواء الحكاية الشكسبيرية وذلك عبر عدة مستويات كان أبرزها التنويع بين أزياء القرن السادس عشر في أوروبا وأزياء العصر فجاء نص شكسبير برؤية اعتمدت على حذف شخصيات والإبقاء على أخرى بمساحات لعب جديدة.
بدوره المخرج عجاج سليم في عرضه هوب هوب لصالح المسرح القومي عن نص الجزيرة القرمزية للروسي ميخائيل بولغاكوف وبإعداد من الكاتب جوان جان حيث تحدث العرض عن فرقة مسرحية يشاهد عروضها أحد متعهدي الحفلات فيقوم بتقديم فرصة لأعضائها بالسفر إلى أمريكا ليجدها ذريعة للتدخل في سياق النص وتحريفه وفق أهواء بلاد العم سام وليغير كل ما رآه يخدش المشاعر الأمريكية ليغدو العرض موجها لانتقاد ذهنية الاستعمار الغربي وأساليبه في إيقاع الفتن بين شعوب العالم.
الفنان الكبير أيمن زيدان عاد هذا العام إلى المسرح القومي عبر عرضه دائرة الطباشير المأخوذة عن نص للألماني برتولت بريخت بالاسم نفسه في استعادة لأجواء العروض المسرحية الكبرى التي لطالما لمع فيها اسم هذا الفنان كواحد من أهم أصحاب الأطروحات التي تعلي من شأن السينوغرافيا والتوضيب المسرحي جنبا إلى جنب مع الاشتغال على الممثل دون أي ادعاءات أو استعراضات مجانية والمضي نحو جوهر اللعبة المسرحية التي يكون فيها هذا الممثل نقطة مواجهة بين عالم التقنية وعالم الأداء واللعب الحر على الخشبة.
توليفة عالية من الأداء والضوء والموسيقى والشعر قدمه أيضا عرض نديمة لمؤلفه ومخرجه الفنان علي صطوف الذي أعاد الجمهور إلى ذاكرة عروض المونودراما السورية التي لطالما دأبت على الاحتفاء بالممثل الشريك في صياغة المقترح الإبداعي على الخشبة كفن جماعي لا إفرادي ومكتوب لممثل واحد فقدمت مونودراما نديمة رؤية خاصة عن الأزمة في سورية تضافرت فيها كل عناصر المسرحية وبرزت فيها الفنانة روبين عيسى والإخراج المسرحي وجهد مصمم الإضاءة الفنان بسام حميدي وأزياء الفنانة ريا قطيش جنبا إلى جنب مع موسيقا الفنان باسل صالح كمناخ داعم لحكاية نديمة المرأة التي تعرضت للتهجير من بيتها بعد أن فقدت كل أمل لها في إنجاب طفل من زوجها العقيم.
ونجحت مديرية المسارح والموسيقا في إطلاق مشروعها الجديد حرف للقراءات في خان أسعد باشا الذي يشرف عليه الفنان مأمون الخطيب جنبا إلى جنب مع الفنانة نسرين فندي حيث قدم هذا المشروع العديد من العروض الناجحة والذكية كان أبرزها الشقيقات الثلاث عن تشيخوف و الضفادع عن نص لأريستوفانس وخطبة لاذعة ضد رجل جالس عن نص لغابرييل غارسيا ماركيز والمعطف لنيقولاي غوغول مستقطبا شرائح مختلفة من جمهور دمشق القديمة.
مسرح العمال كان حاضرا أيضا بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا عبر مسرحية الطوفان لمخرجها سهيل عقلة عن نص جوان جان حيث قدم العرض حكاية إحدى القرى السورية التي يجتمع أعيانها ووجهاؤها للبحث في كيفية مواجهة خطر الطوفان القادم إلى بلدتهم لتنشب بينهم خلافات عميقة حتى بعد أن أتى الفيضان على أكثر من ثلاثين قرية.
“حدث في يوم المسرح” هو كان اسم العرض الذي قدمه المهند حيدر على خشبة القباني عن نص للكاتب وليد إخلاصي استعار عبره حيدر مناسبة الاحتفال بيوم المسرح العالمي كزمان لمسرحيته التي تروي حكاية مدير منصة يقوم بالتجهيز للاحتفالية العالمية فيفاجأ بفتاة جعلت من مسرح القباني ملجأ لها بعد تهجيرها عن بيتها الذي أطاحت به قذائف الإرهاب في فكرة جيدة كان من الممكن تطويرها وشحذها بما يدعمها لولا ان العرض لم يدخل هذه المجازفة بل ترك المساحات منفلشة بين الواقع والخشبة المدن السورية استعادت بدورها أنشطة عدد من مسارحها لهذا العام عبر عروض ومهرجانات مسرحية في كل من حلب والحسكة والقامشلي وحمص منها ما هو إنتاج مديرية المسارح والموسيقى ومنها من آثر أن يبقى مستقلا في التمويل وأماكن التدريب والعروض ليشاهد الجمهور عرض “إضاءات” على مسرح نقابة الفنانين بحلب عن نص من تأليف وإخراج الفنان بشير خرد جي حيث سرد العرض ما حدث في عاصمة البلاد الاقتصادية من نهب العصابات الأردوغانية لمصانع حلب العريقة.
كذلك شاهد جمهور مدينة القدود والموشحات افتتاح عروض مسرحية حلبي وبيدونة وأمبير على مسرح نقابة الفنانين عن نص وإخراج صالح السلتي ومن إنتاج تجمع اللؤلؤة الفني يطل من خلاله على واقع أهالي الشهباء عبر كوميديا ساخرة معتمدا على الدعابة اللاذعة والطرفة التي لطالما تمتعت بها الشخصية الحلبية حتى في ظل أحلك الظروف لتروي أحزانها بلسان المهزلة الشعبية وتهكماتها.
مهرجان الحسكة المسرحي كان له عودة أيضا في دورته الثالثة التي أجلتها الحرب الظالمة على سورية ثلاث سنوات ليشاهد جمهور كل من مدينتي القامشلي والحسكة عدة عروض لفرق مازجت بين مقترحي الهواة والمحترفين فكان عرض الجدار إخراج بشار الضلي على مسرح ثقافي الحسكة لفرقة الشبيبة فاتحة هذا المهرجان ليعقبه عرض الوطن أو لا شيء تأليف وإخراج عيش كليب الذي جاء نسخة مصدقة عن الواقع بينما تفرد عرض المادة الثالثة عن نص التركي ناظم حكمت وبتوقيع مخرجه وليد العمر بطرح فني جريء بعيدا عن الترميز والتهرب من إشكاليات اجتماعية.
في حين كان عرض مكان يلائم الوجع تأليف وإخراج إسماعيل خلف عملا يحكي معاناة الفنانين التشكيليين في إيحاء للفنان عمر حمدي ابن مدينة الحسكة وكإسقاط على الواقع الاجتماعي في ظل الحرب عبر شخصية واحدة تقاسم أداءها ثلاثة ممثلين.
وفي ظل إصرار العديد من عشاق الخشبة لإعادة الحياة المسرحية إلى مدن الحرب برزت حمص كمدينة لطالما كانت عاصمة مسارح الهواة والعشاق لأبي الفنون وليشاهد جمهورها عروض مسرحية التكريم على خشبة دار الثقافة بحمص عن نص وإخراج الفنان تمام العواني كتعويض عن غياب مهرجانها المسرحي العريق منذ سنوات.
بدورها قامت وزارة الثقافة مؤخرا بإحداث فرقة المسرح التجريبي في طرطوس بينما تابع جمهور المدينة البحرية بحماس فعاليات مهرجان الهواة المسرحي الذي كان أبرز عروضه على خشبة قومي المدينة مسرحية شهيق زفير فرقة المسرح القومي لمؤلفها ومخرجها رضوان جاموس العرض الذي يمزج حضور الجسد بتقنيات الممثل المسرحي مطلا على مرارة المسرح في زمن الحرب.
وقدم خلال المهرجان سبع مسرحيات هي عرض حب وحرب.. اشراف رضوان جاموس.. تصبحون على وطن.. إخراج فؤاد معنا لفرقة طائر الفنيق..الأيام السبعة إخراج حسام عفارة لفرقة طلبة طرطوس فيما شاركت فرقة شبيبة اللاذقية بمسرحية “وقوف – قف” للمخرج مجد أحمد في حين تابع الجمهور عرض مسرحية إنهم يقتلون الإنسان للمخرج مجد مغامس والعرض لفرقة طلبة طرطوس.
كما شارك بالمهرجان مسرحية لعب ولاد لمخرجها الفنان علي إسماعيل عن فرقة شبيبة الثورة بطرطوس وأخيرا عرض مسرحية مواويل شرقية لمخرجها هاشم غزال عن الفرقة المركزية لاتحاد طلبة سورية.
عروض مهرجان مسرح الطفل لم تغب عن برنامج مديرية المسارح والموسيقى حيث ازدهرت مسارح دمشق وإدلب والقامشلي والسويداء وطرطوس وحماة واللاذقية بتظاهرة مسرح الطفل السوري التي جاءت مع بدء العطلة الصيفية حيث توزع قرابة ثلاثين عرضا مسرحيا على المدن السورية تنوعت بين مسرح دمى الجاوا والماريونيت ومسرح الكبار للصغار و الصغار للصغار إضافة للمسرحيات الاستعراضية ذات الصبغة الاحتفالية.
كرنفال الطفولة هذا قدم أولى عروضه على مسرح القباني بمسرحية قبعة الإخفاء لمؤلفه ومخرجه خوشناف ظاظا مقدما تقنيات وأدوات ممثل عالية المستوى في مخاطبة المتفرج الصغير فيما حضرت فرقة شارلي شابلن لمديرها الفنان نزار البدين عبر عرض احتفالي على مسرح الحمراء بعنوان شارلي ورفاقه في السيرك مبرزة مهارات عديدة ومتنوعة في مجال الأكروبات ومسرح الدمى البشرية.
مسرح العرائس قدم عرضا بعنوان يحيا السلام لكاتبه كمال بدر ومخرجه طلال لبابيدي عبر إعداد جديد لحكاية بائعة الكبريت التي روتها دمى الكف والماريونيت فيما قدم الفنان محمود عثمان عرضه على خشبة مسرح القباني تحت عنوان سكان البحر عن نص لكمال البدر وهي مسرحية عرائس استعان فيها عثمان بأداء محركي دمى “لجاوا”بمشاركة الفنانين رنا صعب وإيمان عمر وأيهم جيجكلي وآلاء مصري زادة.
سرد قصصي قدم على مسرح القباني أيضا وشارك فيه مجموعة من نجوم مسرح الطفل في سورية وعملوا على إعداد توليفة واسعة من الفعاليات التي سعت لتقديم تجربة أقرب إلى المسرح التفاعلي لكن غياب تظاهرة مسرح الطفل عن مراكز الاقامة المؤقتة كان نقصا فادحا في نظرة القائمين على هذه التظاهرة التي اقتصرت على مسارح الأماكن الآمنة موسم آخر كانت عروضه موازية لعروض مديرية المسارح والموسيقا وتجسدت في عروض المعهد العالي للفنون المسرحية حيث كان أبرزها عرض هستيريا للفنان جهاد سعد الذي ذهب إلى خيار الورشة الفنية المفتوحة واضعا ممثليه التسعة على مسرح سعد الله ونوس وجها لوجه مع امتحانات عدة للجسد واللياقة والصوت وحساسية التفاعل الجماعي على الخشبة لتكون هذه المسرحية عامرة بصدامية أداء جماعي جعلت الممثل منساقا إلى نوعية خاصة من مسرح العنف تتغلب فيه القدرة البدنية على صناعة الشخصية المسرحية.
“ماد البنفسج” كانت ذروة عروض المعهد العالي للمخرج سامر عمران محققا تعاونا لافتا مع الكريوغراف نورا مراد لصياغة فضاء مسرحي أطل على اللحظة السورية الراهنة حيث عملا على تحقيق مسرحية استوحيا حكايتها من مشفى الأمراض العقلية ليبدأ العرض لحظة خروج الممثلين إلى باب المسرح مع نداء موظفة المشفى بأن الجمهور ما هو إلا عائلات المرضى الذين جاؤوا لزيارة أقربائهم المجانين.
الأيام الثقافية للمعهد العالي للفنون المسرحية كانت حاضرة بدورها في المشهد الثقافي المسرحي لسورية عبر معرض كتاب ومعرض تشكيلي لقسم السينوغرافيا وآخر لتصميم الديكور المسرحي وعروض أزياء ومكياج حية أما افتتاح هذه الأيام فكان بعرض حمل عنوان دمشق صباحا من إشراف الأستاذ فؤاد حسن وأداء طلاب السنة الأولى في قسم التمثيل الذين قدموا مشهدية من صباحات دمشق تتكون من باعة جوالين وأصحاب حرف وأماكن دمشقية معروفة أيام المعهد الثقافية قدمت أيضا مسرحية زواج فيغارو من تمثيل طلاب السنة الثالثة ومن إشراف المخرج سمير عثمان فضلا عن قراءات مسرحية من نص إثبات العكس على خشبة المسرح الإيطالي بالمعهد ليعقبه أمسية شعرية لطلاب قسم الدراسات المسرحي.
“من أجل نعم من أجل لا” سجلت حضورها في دار الأوبرا السورية حيث قدمها المخرج مجد فضة على مسرح الاستعمالات المتعددة عن نص للكاتبة الفرنسية ناتالي ساروت باشتراك المخرج والفنانين كامل نجمة ولمى الحكيم وتعاون مع الدراماتورج وسيم الشرقي ليكون الجمهور أمام نسخة جديدة للعرض الذي تناول فكرة الأنا الآخر عبر علاقة صداقة بين كل من عبود وسلام شخصيتي المسرحية.
سامر إسماعيل
دمشق-سانا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق