تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

المقهى حين يتحول وطن / طه رشيد

مدونة مجلة الفنون المسرحية



خيرا فعل المدير العام لدائرة السينما والمسرح الدكتور نوفل ابو رغيف،حين اعلن، بعد انتهاء عرض اليوم الاول في 3/12/2014، والتي استمرت لثلاثة ايام متتالية، عن ترشيح مسرحية " المقهى " للاشتراك بالمهرجان العربي للمسرح الذي سيعقد في المغرب الشهر القادم، لانه عمل شبابي ابداعي يلخص وجع العراقيين اليوم وفي الامس القريب. كتبه واخرجه للفرقة الوطنية للتمثيل الفنان الشاب تحرير الاسدي وقام بتجسيد شخصياته مجموعة من الممثلين الشباب وصمم السينغرافيا الفنان الموهوب علي السوداني. وقد نال العمل اعجاب الكثيرين وامتعاض البعض القليل من الموضوعة التي طرحها وهي استعراض جزءا من تاريخ النظام السابق وما عاناه المواطن من امتهان كرامته ومن شظف العيش (يدفع المواطن ثمن الرصاصات التي اخترقت جسد اخيه او ابنه دون ان يقيم مجلسا للفاتحة على روحه..) مارا مرورا طفيفا على الحرب العراقية الايرانية من خلال تداعيات الجندي(قام بتجسيد الشخصية الفنان ياس خضير)، الذي يروي لنا ذكرياته عن تلك الحرب وامنيته ان يلتقي بالعدو المفترض دون سلاح ويشتبكون سوية لا للقتال بل للعب كرة القدم، ولعب الجندي دور المعلق الرياضي ليجسد مشهدا جميلا فيه رفضا قاطعا للحرب ودعوة للمحبة مما اثار حماس الجمهور الذي صفق له طويلا.. مسرحية المقهى التي حولها المؤلف-المخرج تحرير الاسدي الى وطن مصغر،فيها العاشق (جسده الفنان محمد بدر) الذي يحب فتاة "من ذاك الصوب " وهو من "هذا الصوب" كما يقول ويضيف" وشوكت كان ذاك الصوب مو خوش" وعلى الجسر بين الصوبين لا يتواجد غي الملثمين . وهكذا فان حكاية العاشق هي حكاية المواطن الذي تطحنه الطائفية بمعناها السلبي كل يوم وكل لحظة ..وكذلك حكاية " الشاب العاطل عن العمل "،( لعب الدور الفنان وسام عدنان )، الذي ربط بين الماضي "الحصار" وما عاناه المواطن من شظف العيش، والحاضر المشبع " بالبطالة" ومحاولة تأمين لقمة العيش الكريمة لعائلته واطفاله .. اما شخصية الصحفي - المصور ( التي لعبها الفنان مرتضى حبيب )، فهي الاخرى تشير بالبنان الى كيفية تعامل الانظمة الدكتاتورية مع المثقف ومحاولة مسخه وتحويله الى اداة طيعة مطيعة! وفي النتيجة يقتل الاربعة وتتحول الكرويتات في المقهى الى توابيت، وهو استخدام خلاق لقطع ديكور المقهى من قبل المخرج الذي انهى مسرحيته برفع استكانات الشاي وتقديمها للجمهور وكإني به يريد القول : ستستمر حكايات المقهى التي هي حكاياتكم ..تلك الحكايات الاربع التي قدمها لنا على طبق من تورية جميلة وصلت بسهولة ويسر الى المتلقي عبر صور مبتكرة ومعالجة سبنكرافية واخراجية فيها من الابداع الكثير.  لم يعد المسرح اليوم يعتمد على قوالب جاهزة، لا في النص ولا في الاخراج .اي ان نظرية الواحد + واحد لم تعد تساوي اثنين في المجال الابداعي ولا حتى في الرياضيات ! فخروف زائد بقرة حلوب هل يساويان اثنان؟!
اشششششش ايحاء من القول المشهور "الساكت عن الحق شيطان اخرس" استل المخرج تحرير الاسدي كلمة الاهداء لمسرحيته " الى انصاف المجرمين الذين ما زالوا يقتلون بصمتهم"، ويتساءل الاسدي في كلمته "ما زلنا صامتين على هذا الموت.. هل سنبقى هكذا ابدا؟" هذا الصمت الذي حول الانسان بالنهاية من مواطن يفكر الى نظام القطيع مستعد للحلب كبقرة وكبش فداء كخروف، وهي حالة يطمح لوصولها الحاكم المستبد واولي الامر الفاسدين!  اش لا تحتج، اش لا تتكلم، سجن وتعذيب وحروب طاحنة بالامس اش، ميليشيات واغتيالات وخطف في وضح نهار اليوم اش، فساد اداري ومالي اش، 2006 اش ، طائفية مقيتة اش.. المسرحية لم تتوقف عند الماضي الذي ارتكب فيه النظام جرائم كبرى سكتنا عنها، وربما ساهمنا بها كقطيع، تعالوا نحصي القصائد والقصص والروايات والمقالات التي ادانت الحرب العراقية الايرانية! وادانت قبلها الحملة الكبيرة والمنظمة والتي استهدفت الشيوعيين واليساريين ومن ثم انصار حزب الدعوة والقوى الدينية المختلفة، وتلك التي ادانت الجريمة التي هزت العالم بإستخدام النظام السابق للسلاح الكيمياوي في حلبجة ومقتل 5 الاف انسان خلال دقائق،وقمع الانتفاصة الاذارية بوحشية قل نظيرها في العالم! للاسف لم نجد في مكتبة العراق اعمالا ادبية تستحق ان نقول اننا لم نكن صامتين . ويتساءل البعض ولكن هل نحن اليوم في وضع افضل من الامس ؟ المسرحية تجيب بشكل غير مباشر بان الجريمة واحدة وان اختلف الزمان او الفاعل وتدعونا ان نمزق قناع الصمت وان ندفن للابد ما كانا يرددانه رائدا المقهى الممثلان تحرير الاسدي وحسين وهام "واحنه شعلينه"!
في الختام اقول لقد دفعتني المسرحية ان اقول لنفسي " لا علينه ونص" وهنا اعتقد ان المسرحية قد حققت غرضها!


دائرة السينما والمسرح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق