مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
عمان - عرضت مسرحية “حرير آدم” للمخرج إياد الشطناوي “فرقة المسرح الحرّ” على خشبة مسرح هاني صنوبر “الرئيسي”، في أفتتاح موسم مهرجان المسرح الحر الدولي العاشر.
وعبر فضاء الحكايات التي أرادها المخرج أن تحكي حوارها عبر أربع نساء استطعن أن يجذبن الجمهور حتى آخر لحظة بالعمل المسرحي، وهن يروين حكاية الظلم والاغتصاب والتشرد.
ليوقعنا المخرج بقضايا “حريرية” نسوية تلاحمت النساء على الخشبة في أداء أدوار عدة لشخصيات كان لها أثر بالغ في مساس قضية المرأة الأردنية بشكل خاص والعربية بشكل عام. وتحكي فتاة قصة تحرش دكتور أسنان بها خلال توجهها للعلاج، فيما روت أخرى قضية كونها لقيطة تبحث عن هوية قانونية واجتماعية، حين تذهب للزواج من أحدهم فقط من أجل أن تجد كيان خاص لها. وفي حادثة الفتاة اللقيطة اختل ميزان العدل كما يحدث غالبا، فلا القانون ينصفها في بحثها عن وثائق ولا الزوج يساندها، لتكون ضحية التزوير والرشوة التي قام بها زوجها لإصدار هوية لها قبل أن يختفي بعد الزواج. مفارقات ومواضيع شائكة عميقة استطاع المخرج بفضاء مكشوف وكأنها “الحقيقية” أن يشد الجمهور إلى تلك الحكايات التي تبدو قريبة وجرئية جدا من حياتنا الاجتماعية. استخدم المخرج لتكميم هذه المرأة أيا كانت “الدلو” الذي استخدمتنه النساء لتغطية وجوههن والتحرك فيه، وكأنه مكانهن الحتميّ، في النهاية يخرجن ليدلين بدلوهن ويعدن إلى الجحر نفسه . مؤلم هو موت المعيل الوحيد معنويا، هذا ما دفع قصة فتاة أن تروي حكاية شقيقها الذي غاب عنهم وعاد ليحصل على البيت ويخذل شقيقته ويدفعها للشارع، تنويها إلى أن بعض الأنماط الاجتماعية السائدة طرحها المخرج شطناوي خلال المشهد في ظهور “الجيران” أو أقارب ينهشون في لحم العائلة بالحديث عن تشتتهم، هذا ما سيحدث لفتاة تذهب للشارع وتتعرض لشتى أنواع الظلم والتحرشات المتوقعة. قصة العدالة، لها حصة في العمل المسرحي، وذلك عندما تقتل الفتاة الرجل الذي انتهك خصوصيتها ووضعها عرضة للفضيحة، فلم تنتظر الحصول على عدالة فحققتها لنفسها وهي حالات مشابهة مع واقعنا العربي، حين تحاسب الفتاة وحدها عن أي خلل بين رجل وامرأة. القصة الأخيرة هي الصحفية التي تغطي أخبار القصف والدمار التي أراد المخرج فيها إدخال طابع سياسي حين يتهجم البعض على شخصية الفتاة ويلفق لها تهم إهانة المهنة. وتتلخص قصة الصحفية في تعرضها لقصف أدى بها لدخول نفق مع صديقها المصور والذي يحاول أن يبتزها ويتحرش مستغلا الموقف والحدث، وهو الأمر الذي شاهدته سيدتان أنقذتا المصور والصحفية فحولتا الخبر إلى “انتهاك” حرمة الصحافة رغم محاولة الصحفية رفض التحرش. كل تلك القصص التي رافقها عرض موسيقي من تأليف جوزيف دمرجيان، حاولت تقصي قصص المرأة المكلومة والمقهورة والمتهمة. ولربما أراد المخرج من العنوان “حرير آدم” أن يجعل المفارقة تكمن بأن يصبح الحرير على الخشبة بعد مشاهدة العمل المسرحي مرتهنا بـ”آدم” القادر على التعامل مع عذابات المرأة أيا كانت وعدم استغلال ضعفها ومواقفها لأجل مصالحه الشخصية وأحيانا الجنسية. السينوغرافيا البسيطة المقنعة على الخشبة والتي آثر المخرج أن يرافقها موسيقى كانت ملائمة لثيمة العرض الذي تلاعب المخرج من خلاله أيضا بالإضاءة وترك مساحات وفضاءات متخيّلة لدى المتلقي. يحسب للعمل المسرحي إضافة، لكونه حقق حضورا جميلا بحذ ذاته، وأقنع رواد المسرح وضيوف المهرجان أنه نص أردني من تأليف الكاتبة أروى أبو طير يحاكي واقعا أردنيا ملموسا يتقاطع مع حالات مشابهة بدول عربية كثيرة. الأداء للممثلات الأربع على الخشبة بشكل جماعي أدى غاياته، وكشف عن قدرات مؤهلة لهن، وبخاصة وأن بعضهن لم يتجاوز ظهورهن بعمل أو عملين مسرحيين، وهي نقطة تحسب للمخرج في تطويع الممثلات واكتشافه لطاقاتهن لصالح العمل. ومع ذلك تفاوت أداء الفتيات بشكل فردي حتى بطبقات الصوت، التي أدين بها دور رجل في بعض المشاهد التي بدت غير مقنعة تماما. بالمجمل عمل مسرحي أردني خالص يستحق أن يقال له شكرا، لأنه شد حضوره وجمهوره حتى النهاية التي بدت تحتوي على الأمل حين لاحق النسوه ظل بوابة مفتوحة ليعدن أدراجهن وينغلقن في “الدلو” من جديد بعد رقصة ختامية جميلة جدا رردن فيها النساء “لا نريد أن نرتدي الحرير”. مسرحية “حرير آدم” من أداء كل من؛ اريج دبابنة، ونهى سمارة، ورسمية عبده، وسالي حلمي. وتصميم الإضاءة لمحمد المراشدة، التأليف الموسيقي جوزيف دمرجيان، مساعد مخرج يزن أبو سليم، وإخراج إياد الشطناوي وإعداد زيد خليل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق