تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 26 مايو 2015

عبد الكريم برشيد:النقّاد خانوا جوهر المسرح

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الكاتب والناقد عبد الكريم برشيد 
أتى إلى المسرح من عالم المسرح كما يقول، فلا وجود في الوجود إلا لهذا المسرح، والذي يمكن أن يضيق في نظر الكاتب والناقد المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد (1943)، ليكون جنساً أدبياً أو فنياً أو فرجةً فقط، كما يمكن أن يتّسعَ حتى يصبح كل الدنيا، وذلك في كل أبعادها وامتداداتها اللامحدودة. منظرا الفرجة الاحتفالية في العالم العربي، والمحارب المسرحي الذي مازال يحفر في أرض هذه الاحتفالية ويواصل كتاباته الإبداعية والنقدية دون كلل جعل من المسرح موضوع اشتغالاته وهمومه الثقافية، وارتقى عبره بصور الحياة اليومية العادية إلى درجة الفكر، دافعاً بها إلى درجة العلم والفن والشعر والسحر والإبداع والخيال والاحتفال.

كتب صاحب «عطيل والخيل والبارود» في التنظير المسرحي: «حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي» (1983)، و«الاحتفالية في أفق التسعينيات» (1993)، ومن مسرحياته المؤلفة «سالف لونجة» (1976)، «امرؤ القيس في باريس»(1982)، «اسمع يا عبد السميع» (1985).

يعتبر برشيد نفسه من خُدَّامِ المسرح الأوفياء، ويرى أن المطلوب من هذه المسرحيات أن تكون جميلة، ومعبرة، ومثيرة ومدهشة، وأن تكون ساحرة ومغيّرة، وأن تكون مفيدة وممتعة، وأن تكون صادقة وحقيقية. في هذا الحوار  نسائل برشيد عن راهن المسرح العربي وانتظاراته بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح الذي يصادف 27 مارس من كل سنة.

§ ما تقييمك للوضع المسرحي العربي الراهن؟

ــ من المؤكد أن المسرح العربي هو وجه هذا الواقع العربي، وطبيعي أن يكون هذا الواقع اليوم غامضاً وملتبساً، وأن تكون له آلاف الأقنعة، وكذلك هو حال مسرحنا العربي اليوم، فهو يظهر شيئاً، ويخفي أشياء كثيرة جداً، وهو يعكس بؤساً اجتماعياً وسياسياً وفكرياً في المجتمع العربي، فهناك نقص كبير في التربية الديموقراطية، وهناك جفاف في منابع الحرية، وهناك ضبابية في الرؤية الفكرية، وهناك بؤس في الاجتهاد، وهناك شح في التصوّر والخيال، وهناك فقر في المؤسسات، وهناك خلل في العلاقات، وهناك تهيب من ركوب المخاطرة العلمية والجمالية، وهناك إصرار على التبعيّة الببغائية، وعلى الاقتباس والاختلاس وعلى التزييف والانتحال، وعلى الالتزام بما لا يلزم.

إن أهم وأخطر ما ينقص هذا المسرح هو أن يكون مسرحاً أولاً، وأن يكون عربياً ثانياً، وأن يكون معاصراً ثالثاً، وأن يكون جزءاً أساسياً وحيوياً من ثقافته ومن حضارته رابعاً، وأن يكون قريباً من نبض الحياة ومن هموم الناس خامساً، ونعرف أن المسرح أخطر من أن يكون مجرد كتابة أدبية، أو مجرد فرجة بصرية، أو مجرد التقاء يعقبه فراق. إن الأساس في هذا المسرح أن يؤرخ لما أهمله التاريخ، وأن يهتم بجغرافيا النفوس والعقول والوجدان والأرواح، وأن يرسم للحياة اليومية خرائطها، وبهذا نكون اليوم في حاجة إلى إنسان مسرحي شامل ومتكامل، أي إلى المسرحي المؤرخ وإلى المسرحي الجغرافي وإلى المسرحي العرّاف وإلى المسرحي العالم وإلى المسرحي الساحر وإلى المسرحي الحكيم وإلى المسرحي المهندس، والذي يمكن أن يعيد صياغة العقل العربي، ويعيد بناء نفسيته وخياله وذوقه الجمالي بشكل مختلف.

§ وماذا عن وضعية النقد المسرحي الآن؟

ــ النقد شريك أساسي في الحركة المسرحية، ويمكنه أن يلعب أحد الدورين التاليين أو هما معاً، أي أن يكون عامل دفع إلى الأمام، أو أن يكون عامل جذب إلى الخلف، وأرى أن بعض النقد المسرحي العربي لم يساهم في تطوير وتجديد المؤسسة المسرحية ككل، وأرى أن كثيراً من المسرحيين لم يفهموا طبيعة الشراكة المسرحية، وفهموا بأن الأمر يتعلّق بصراع وحشي بين سلطتين متنافرتين ومتنافيتين، سلطة الإبداع وسلطة النقد، وبهذا فقد خان كثير من نقاد المسرح روح وجوهر هذا المسرح.

لقد كان على هذا النقد أن يُساهم في تطوير الحركة المسرحية، وأن يعمل على تثقيف الجمهور، وعلى إعادة صياغة ذوقه، أو على حماية هذا الذوق من الميوعة والإسفاف، كما كان عليه أن يحرّض على الخلق والإبداع، وعلى أن يفضح الاختلاس الذي يتم تحت اسم الاقتباس، وأن يحتفي بالعبقرية الإبداعية، وأن يصحح الأخطاء أيضاً، وأن يوثِّق، وأن يؤرّخ، وأن يكون شاهداً على هذا العصر المسرحي، وأرى أن كل هذه الأشياء لها وجود لدى كبار النقاد المسرحيين العرب، ولكنها تبقى في حكم الاستثناء الجميل والنبيل، والذي تمثله أقلام جادة في النقد المسرحي العربي.

§ تجربتك من بين أبرز التجارب المسرحية التي تعمد إلى قراءة التراث التاريخي العربي، ماذا تعني بهذه العودة إلى الأصول؟ وما هي أرضيتها السوسيو ثقافية؟ 

ــ الأساس في التراث أنه حدٌ من حدود الذات، تماماً كما هي الطبيعة وكما هو الواقع وكما هو التاريخ، ونعرف أن هذه الذات محكومة بأن تمشي إلى الأمام، ولكن بمعرفة مكتسبة من الماضي، وبتربية تمت في الماضي، وبلغة تأسست في الماضي، وبهذا يكون التراث عاملاً من عوامل غنى هذه الذات، ويكون عنواناً على صدقها ومصداقيتها.

إن التراث في المنظور الاحتفالي هو ذاكرة الجماعات والمجتمعات والشعوب والأمم الحيّة، وفي هذه الذاكرة يخبئ الإنسان تجاربه دائماً، ويخبئ حكمته وعبقريته، ويخبئ علومه وفنونه، ويخبئ أحلامه وأوهامه وأساطيره ومعتقداته المختلفة، وإنني أحاول دائماً، في كل كتاباتي المسرحية، أن أقرأ روح هذا التراث سواء في بعده المغربي والعربي أم في مستواه الكوني.. إنني أقرأه قراءة خالية من التقديس والتبجيل، قراءة نقدية تنطلق من النحن ومن الآن ومن الهنا.

§ متى تصبح المسرحية واسعة الانتشار كالشريط السينمائي؟

ــ من حسن حظ المسرحية أنها لا يمكن أن تكون إلّا مسرحية، وعبقريتها تكمن أساساً في هذه الخصوصية، والتي تجعل منها لقاء حيّاً مفتوحاً على الجمهور وعلى المكان وعلى اللحظة وعلى الآتي وعلى كل الممكنات، وتجعل منها احتفالاً جماعياً يقوم على المشاركة وعلى الحوار وعلى التفاعل، وهي بهذا مختلفة عن الشريط السينمائي في كل شيء ، فهي ليست صوراً متحركة ترى بالعين فقط، ولكنها احتفال يخاطب في الإنسان كل حواسه، فهي أساساً حوار فكري، أو هي مأدبة فكرية باذخة، كما يمكن أن تكون حلقة من حلقات الوجدان المتحرّر، أو من حلقات الروح، والتي قد تشبه حلقات الذكر الصوفي، وهذا ما يبرر أن تكون المسرحية أقلّ انتشاراً من الشريط السينمائي، ولكن مفعولها، في النفوس والعقول والأرواح، أشد وأقوى بكل تأكيد، وهي بهذا منذورة للبقاء والخلود.

§ كيف استقبلتم قرار إلغاء مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي بعد 22 سنة من الاستمرارية؟

ــ هذا المهرجان بدأ بداية رائعة وواعدة، ولكنه أخلف وعده في السنوات الأخيرة من عمره، وأصبح مستواه في النزول، وأخذ يُقدّم أي شيء باسم التجريب، وأصبحت الرداءة تجريباً، وأصبحت الأمية المسرحية تجريباً، وأصبح الاعتداء على المسرح تجريباً، وأصبح تشويه إبداع أعلام الكتابة الدرامية العالمية تجريباً، وأعتقد أن الأمر كان يحتاج إلى وقفة، ويحتاج إلى إعادة طرح الأسئلة الأساسية التالية: ما هو التجريب المسرحي؟ وما هي حدوده؟ وما هي مرتكزاته العلمية والفكرية؟ وما هي النتائج التي حققها التجريب المسرحي من خلال هذا المهرجان؟ وهل أضاف شيئاً للحركة المسرحية؟

ولأن هذا المهرجان لم يستطعْ أن يُجدّد أسئلته، فقد انتهى إلى الموت، وهكذا هو حال كل تجربة فنية لا تتجدّد بالأسئلة المُتجدّدة، ولا تُمارِس النقد الذاتي.

حوار: عبد الله المتقي - الدوحة 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق