مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
المساء
احتفلت مؤسسة فنون وثقافة أول أمس في فضاء النشاطات الثقافية بشير منتوري، بعيد ميلاد الفنان الكبير طه العامري الـ 88، والذي يتزامن واحتفالات الذكرى المزدوجة لـ 20 أوت (من مواليد 20 أوت 1927). كما ألقى الضيف المحتفى به محاضرة بعنوان "حكاية مسرح... حكاية وطن"، تناول فيها مسيرته الفنية ومسيرة المسرح الجزائري التي صنعها الرواد.
نشّط هذه الاحتفالية التي نُظمت في إطار فعاليات منتدى "جسور مسرحية" (العدد السادس)، كل من الأستاذ إبراهيم نوال وعبد الناصر خلاف، اللّذين اعتبرا الفنان طه العامري من صنّاع المسرح في بلادنا.
بداية، أشار السيد العامري إلى أنه بدأ مشواره الفني في سنة 1947، وقبلها كان من العار أن يمارس الفنان هذه المهنة، علما أن الوسط الفني كان مرفوضا ومشبوها؛ لذلك صرخ والده ولامه قائلا: "أتريد أن يعيّرني الناس وينعتونني بابن العاجبي". وقد كانت عائلة الفنان محافظة كباقي الأسر الجزائرية، ولم تدرك بعد أهمية الفن وضرورته.
وعن اسم طه العامري (اسمه الحقيقي عبد الرحمن بسطنجي)، أشار إلى أنه جاء في جلسة فنية؛ حيث كان الفنانون المبتدئون يختارون أسماء فنية مستعارة، واختار هو هذا الاسم صدفة.
بعدها تحدّث الضيف عن الأرشيف الفني للمسرح الوطني، مؤكدا أن جله كان عند الراحل مصطفى كاتب، وبقي بعضه عند بعض المهتمين، منهم الأستاذ نوال، الذي تحصّل على نسخ منه من أرشيف المسرح الوطني، علما ـ كما أكد العامري ـ أننا إلى حد الآن "لا نملك أرشيفا بمعنى الكلمة، وكل ما تبقّى كان نتيجة أحد المصورين، الذي رافق كاتب وبعض صور الصحافة الوطنية".
وفي أثناء الحديث بدا الأستاذ العامري متواضعا، مستعرضا مناقب غيره من زملائه والحديث أكثر عن فضلهم، متجاهلا فضله هو على الفن الجزائري، ليوقفه الأستاذان ناصر ونوال ويقرآ عليه مقطعا من مذكرات الراحل باشطرزي، التي وضعا فيها مصطفى كاتب وعبد القادر علولة وطه العامري، في درجة واحدة.
تقلّد الأستاذ طه العامري في فترة من الفترات، منصب مدير المسرح الوطني الجزائري لمدة ثلاث سنوات، وعنها يقول: "لم أكن متحمسا للمنصب، بل فُرض عليّ إثر صراع دار حينها بين وزير الثقافة والراحل مصطفى كاتب، وانتهى برحيل هذا الأخير بعد 10 سنوات خدمة، وكانت هذه المسؤولية أمرا واقعا لا بد منه".
وبالنسبة للمسرح عموما، أشار الضيف إلى أنه كان دوما ضحية السياسة، وكان ملتزما بخط إديولوجي قيّده ووضعه على سكة معيّنة وفي اتجاه واحد، ولم يكن مسموحا تجاوزها، وبالتالي كانت كل العروض ذات اتجاه سياسي، وهنا تم التضييق على الفنان ولم يعد بإمكانه أن يختار، ولكن رغم هذا فهناك من أبدعوا وتقدموا.
تحدّث العامري بكثير من الفخر عن رواد الحركة المسرحية في الجزائر، وعلى رأسهم الراحل باشطرزي ذو الفضل على العديد من الأجيال التي تربت على يديه، هذا الرجل الذي بقي نزيها ونظيفا ولم يجن أرباحا من فنه، بل كان أعضاء فرقته الفنية يتحصلون على مستحقاتهم من جيبه الخاص؛ لذلك استحق أن يكون أبا المسرح الجزائري، وهنا دافع الضيف بشراسة رغم تقدم سنه عن أستاذه، خاصة أمام من أرادوا تشويه ذكراه.
من يذكر اسم طه العامري فلا بد له بالضرورة أن يتذكر فرقة جبهة التحرير الوطني الفنية بتونس وما حققته من انتصارات معنوية وديبلوماسية للثورة. ويستحضر الضيف ذكرياته مع "أبناء القصبة" و«الخالدون"، وكيف تجاوبت معهما الجماهير بشكل لم يسبق أن رآه أحد.
كما تولّد هذا النضال قبل الثورة على يد الرواد، وامتد صداه حتى المغرب العربي؛ حيث ذكر أن عرضا ملتزما قُدّم بالمغرب أثار الحاكم العسكري الفرنسي بفاس، ليهدد الفرقة الجزائرية. كما كانت تمارَس رقابة شديدة على النصوص من طرف الإدارة الاستعمارية بالجزائر؛ فبمجرد استعمال كلمة "حرية" مثلا، يوقف العرض إلى الأبد.
وبعد الاستقلال مباشرة التحق العامري من تونس بوهران، بالمسرح الوطني، وأنجز العديد من المسرحيات، لكن بعد تأميم المسرح ومجيئ الراحل بودية ومصطفى كاتب وإلغاء العقود حصل سوء التفاهم وانسحب العامري، ليلتحق بالمسرح الإذاعي؛ حيث أسس فرقة فنية باقتراح من الأديب الراحل بن هدوقة وبرئاسة الحبيب رضا، ليعمل كممثل ومخرج ومسؤول إنتاج، وتواصلت المسيرة حتى سنة 1972، ليعود إلى بيته الأول المسرح الوطني، ثم إلى التلفزة، وهكذا حتى التقاعد.
من أجمل الذكريات التي استحضرها العامري في هذا اللقاء، أول يوم صعد فيه إلى الركح وقابل الجمهور، وتذكّر أجمل المسرحيات التي أداها، منها "عطيل" و«صلاح الدين الأيوبي" و«الخالدون" وغيرها، وتذكّر من عرفهم، ومنهم الراحل الدكتور شولي.
بعدها تحدّث الفنان في شؤون الراهن، منها مثلا التكوين، الذي اعتبر أنه ليس مقياسا لصناعة فنان محترف وإلا لكانت فرنسا بلد فنانين، ولكان شعبها كله ممثلا بما أن فيها العشرات من المعاهد الفنية، لكن التكوين، حسب العامري، ما هو إلا أداة مساعدة. وانتقد، بالمناسبة، عبارة "التكوين الأكاديمي"؛ لأنها تغليط للطلاب وإيهامهم بأن الفن يُكتسب بالتعليم وحده. ويشير إلى أن هذا الحكم جاء عن تجربة اكتسبها حين درس بالمعهد العالي للفنون الدرامية، وكان يلح على أن يتسلح الطالب أوّلا بالموهبة والعمل المستمر الذي يكون على الخشبة وما عدا ذلك فهو هراء، والدليل على ذلك أن العديد من المتخرجين ينسحبون في بداية المشوار ويفشلون بعدما يكتشفون الممارسة الفنية الحقة.
من جهة أخرى، أكد الضيف أن بلادنا تفتقد لكتّاب السيناريو؛ مما أثر على الإنتاج، وتأسف أيضا لانقطاع المسرح الإذاعي الذي كان فيما مضى ينتج 3 مسرحيات أسبوعيا (اثنتين بالدارجة وواحدة بالفصحى).وفي الأخير أشار الضيف إلى أن المسرح عندنا في تقهقر من سنة إلى أخرى، وهو ما لاحظه عبر المهرجانات في طبعاتها الأخيرة، وأصبح يغطَّى هذا الضعف والفراغ بالكوريغرافيا التي طغت على العروض.
أثناء المناقشة عبّر الفنان عن رفضه لكتابة مذكراته، التي لا يريد فيها أن يتحدث عن نفسه، تماما كما يرفض أن ينجز بورتريه عنه؛ لأنه لا يحب التمجيد بشخصه، بل بأعماله، وهنا يردّ: "من يتذكر اليوم عبد الحليم رايس؟ ولكن أعماله تنصفه وتتذكره".بعدها اقتيد العامري ليطفئ شمعات عيد ميلاده، وهنا علّق بتأثر: "لم أكن أتذكر يوما عيد ميلادي، بل كنت أتذكر الأيام التي قبله أو بعده؛ لست أدري لماذا، لكن منذ حوادث 20 أوت صرت أتذكره رغما عني؛ لأنه ارتبط بتضحيات أبناء وطني".
نشّط هذه الاحتفالية التي نُظمت في إطار فعاليات منتدى "جسور مسرحية" (العدد السادس)، كل من الأستاذ إبراهيم نوال وعبد الناصر خلاف، اللّذين اعتبرا الفنان طه العامري من صنّاع المسرح في بلادنا.
بداية، أشار السيد العامري إلى أنه بدأ مشواره الفني في سنة 1947، وقبلها كان من العار أن يمارس الفنان هذه المهنة، علما أن الوسط الفني كان مرفوضا ومشبوها؛ لذلك صرخ والده ولامه قائلا: "أتريد أن يعيّرني الناس وينعتونني بابن العاجبي". وقد كانت عائلة الفنان محافظة كباقي الأسر الجزائرية، ولم تدرك بعد أهمية الفن وضرورته.
وعن اسم طه العامري (اسمه الحقيقي عبد الرحمن بسطنجي)، أشار إلى أنه جاء في جلسة فنية؛ حيث كان الفنانون المبتدئون يختارون أسماء فنية مستعارة، واختار هو هذا الاسم صدفة.
بعدها تحدّث الضيف عن الأرشيف الفني للمسرح الوطني، مؤكدا أن جله كان عند الراحل مصطفى كاتب، وبقي بعضه عند بعض المهتمين، منهم الأستاذ نوال، الذي تحصّل على نسخ منه من أرشيف المسرح الوطني، علما ـ كما أكد العامري ـ أننا إلى حد الآن "لا نملك أرشيفا بمعنى الكلمة، وكل ما تبقّى كان نتيجة أحد المصورين، الذي رافق كاتب وبعض صور الصحافة الوطنية".
وفي أثناء الحديث بدا الأستاذ العامري متواضعا، مستعرضا مناقب غيره من زملائه والحديث أكثر عن فضلهم، متجاهلا فضله هو على الفن الجزائري، ليوقفه الأستاذان ناصر ونوال ويقرآ عليه مقطعا من مذكرات الراحل باشطرزي، التي وضعا فيها مصطفى كاتب وعبد القادر علولة وطه العامري، في درجة واحدة.
تقلّد الأستاذ طه العامري في فترة من الفترات، منصب مدير المسرح الوطني الجزائري لمدة ثلاث سنوات، وعنها يقول: "لم أكن متحمسا للمنصب، بل فُرض عليّ إثر صراع دار حينها بين وزير الثقافة والراحل مصطفى كاتب، وانتهى برحيل هذا الأخير بعد 10 سنوات خدمة، وكانت هذه المسؤولية أمرا واقعا لا بد منه".
وبالنسبة للمسرح عموما، أشار الضيف إلى أنه كان دوما ضحية السياسة، وكان ملتزما بخط إديولوجي قيّده ووضعه على سكة معيّنة وفي اتجاه واحد، ولم يكن مسموحا تجاوزها، وبالتالي كانت كل العروض ذات اتجاه سياسي، وهنا تم التضييق على الفنان ولم يعد بإمكانه أن يختار، ولكن رغم هذا فهناك من أبدعوا وتقدموا.
تحدّث العامري بكثير من الفخر عن رواد الحركة المسرحية في الجزائر، وعلى رأسهم الراحل باشطرزي ذو الفضل على العديد من الأجيال التي تربت على يديه، هذا الرجل الذي بقي نزيها ونظيفا ولم يجن أرباحا من فنه، بل كان أعضاء فرقته الفنية يتحصلون على مستحقاتهم من جيبه الخاص؛ لذلك استحق أن يكون أبا المسرح الجزائري، وهنا دافع الضيف بشراسة رغم تقدم سنه عن أستاذه، خاصة أمام من أرادوا تشويه ذكراه.
من يذكر اسم طه العامري فلا بد له بالضرورة أن يتذكر فرقة جبهة التحرير الوطني الفنية بتونس وما حققته من انتصارات معنوية وديبلوماسية للثورة. ويستحضر الضيف ذكرياته مع "أبناء القصبة" و«الخالدون"، وكيف تجاوبت معهما الجماهير بشكل لم يسبق أن رآه أحد.
كما تولّد هذا النضال قبل الثورة على يد الرواد، وامتد صداه حتى المغرب العربي؛ حيث ذكر أن عرضا ملتزما قُدّم بالمغرب أثار الحاكم العسكري الفرنسي بفاس، ليهدد الفرقة الجزائرية. كما كانت تمارَس رقابة شديدة على النصوص من طرف الإدارة الاستعمارية بالجزائر؛ فبمجرد استعمال كلمة "حرية" مثلا، يوقف العرض إلى الأبد.
وبعد الاستقلال مباشرة التحق العامري من تونس بوهران، بالمسرح الوطني، وأنجز العديد من المسرحيات، لكن بعد تأميم المسرح ومجيئ الراحل بودية ومصطفى كاتب وإلغاء العقود حصل سوء التفاهم وانسحب العامري، ليلتحق بالمسرح الإذاعي؛ حيث أسس فرقة فنية باقتراح من الأديب الراحل بن هدوقة وبرئاسة الحبيب رضا، ليعمل كممثل ومخرج ومسؤول إنتاج، وتواصلت المسيرة حتى سنة 1972، ليعود إلى بيته الأول المسرح الوطني، ثم إلى التلفزة، وهكذا حتى التقاعد.
من أجمل الذكريات التي استحضرها العامري في هذا اللقاء، أول يوم صعد فيه إلى الركح وقابل الجمهور، وتذكّر أجمل المسرحيات التي أداها، منها "عطيل" و«صلاح الدين الأيوبي" و«الخالدون" وغيرها، وتذكّر من عرفهم، ومنهم الراحل الدكتور شولي.
بعدها تحدّث الفنان في شؤون الراهن، منها مثلا التكوين، الذي اعتبر أنه ليس مقياسا لصناعة فنان محترف وإلا لكانت فرنسا بلد فنانين، ولكان شعبها كله ممثلا بما أن فيها العشرات من المعاهد الفنية، لكن التكوين، حسب العامري، ما هو إلا أداة مساعدة. وانتقد، بالمناسبة، عبارة "التكوين الأكاديمي"؛ لأنها تغليط للطلاب وإيهامهم بأن الفن يُكتسب بالتعليم وحده. ويشير إلى أن هذا الحكم جاء عن تجربة اكتسبها حين درس بالمعهد العالي للفنون الدرامية، وكان يلح على أن يتسلح الطالب أوّلا بالموهبة والعمل المستمر الذي يكون على الخشبة وما عدا ذلك فهو هراء، والدليل على ذلك أن العديد من المتخرجين ينسحبون في بداية المشوار ويفشلون بعدما يكتشفون الممارسة الفنية الحقة.
من جهة أخرى، أكد الضيف أن بلادنا تفتقد لكتّاب السيناريو؛ مما أثر على الإنتاج، وتأسف أيضا لانقطاع المسرح الإذاعي الذي كان فيما مضى ينتج 3 مسرحيات أسبوعيا (اثنتين بالدارجة وواحدة بالفصحى).وفي الأخير أشار الضيف إلى أن المسرح عندنا في تقهقر من سنة إلى أخرى، وهو ما لاحظه عبر المهرجانات في طبعاتها الأخيرة، وأصبح يغطَّى هذا الضعف والفراغ بالكوريغرافيا التي طغت على العروض.
أثناء المناقشة عبّر الفنان عن رفضه لكتابة مذكراته، التي لا يريد فيها أن يتحدث عن نفسه، تماما كما يرفض أن ينجز بورتريه عنه؛ لأنه لا يحب التمجيد بشخصه، بل بأعماله، وهنا يردّ: "من يتذكر اليوم عبد الحليم رايس؟ ولكن أعماله تنصفه وتتذكره".بعدها اقتيد العامري ليطفئ شمعات عيد ميلاده، وهنا علّق بتأثر: "لم أكن أتذكر يوما عيد ميلادي، بل كنت أتذكر الأيام التي قبله أو بعده؛ لست أدري لماذا، لكن منذ حوادث 20 أوت صرت أتذكره رغما عني؛ لأنه ارتبط بتضحيات أبناء وطني".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق