مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
رانيا يوسف
القدس العربي
للعام الثاني على التوالي يواصل المخرج المسرحي أحمد السيد المشوار الذي بدأه منذ اكثر من عام عقب توليه إدارة مسرح اوبرا ملك بوسط القاهرة، والذي شهد نشاطا ملحوظا منذ إعادة افتتاحه خاصة فيما يتعلق بتنمية قدرات الشباب واكتشاف المواهب في كل مجالات العرض المسرحي، أو كما يطلق عليها السيد، اكتشاف الطاقات الفنية المهدورة. الورش أو المهرجانات الفنية التي تقام في هذه القاعة التي تعد الأصغر مساحة بين قاعات البيت الفني للمسرح، أعطت لهذا الجيل الذي يفقتر إلى الاهتمام به مساحة من الحرية ليقدم ما يحلم به ولا يستطيع تحمل تكاليف إنتاجه. ويجدد السيد في كل مناسبة دعوته إلى الشباب خاصة من هم تحت سن العشرين عاماً، للمشاركة في الورش الفنية التي تقام بانتظام لتعليم فنون العرض المسرحي، أو للمشاركة في سلسلة مهرجانات كيميت التي تعقد شهرياً، فهذه القاعة الصغيرة متاحه لجميع الفرق أو الهواة التي لا تجد مكانا تقيم عليه تجاربها، والتي عرفت الطريق تدريجياً إلى هذا المسرح خاصة مع المهرجان الذي اقيم العام الماضي تحت عنوان «فرق بلا مكان» واستضاف عددا كبيرا من هذه الفرق المسرحية المستقلة الشابة، ان كانت وزارة الثقافة تعنى بتبني الشباب بالفعل عليها احتضان هذه التجربة وتعميمها في محافظات مصر والأماكن المحرومة فنياً وثقافياً.
تكتمل هذه المبادرة مع انطلاق الدورة الثانية من مهرجان كيميت 20 للعروض المسرحية القصيرة الذي اختتمت فعالياته الاسبوع الماضي، بمشاركة خمسة عشر عرضاً مسرحياً لا يزيد مدة كل منها عن عشرين دقيقة، وعلى مدار خمسة أيام امتلأت فيها قاعة المسرح بجمهور تضاعف عدده مع كل عرض حتى ان الكثير منهم اصروا على مشاهدة العروض وهم واقفون على جانبي المسرح، وبعضهم قضى أكثر من ساعتين جالسين على الأرض دون ان يتذمروا. ومع هذه الكثافة من اقبال جمهور الشباب على العروض تجاهلت الأجيال الأكبر سناً وجود هذا الحدث المسرحي، وانصرفوا عن متابعته ربما عن عمد أو لتجاهل الصحافة والإعلام الترويج له لأنه يخلو من تواجد النجوم.
ورغم ان المهرجان صبغته شبابية بداية من المنظمين والإداريين والعروض المشاركة وحتى الجمهور، إلا ان بعض موضوعات العروض لم تتناسق مع أجواء المهرجان. الأفكار التي اعيد صياغتها كلاسيكية تآكلت في عروض سابقة سواء مسرحية أو سينمائية، الدماء الجديدة التي غلفت العروض لم تصل إلى الموضوع أو الفكرة، فالعرض الافتتاحي للمهرجان والذي جاء بعنوان «أغنية على الممر» هو مشهد مأخوذ عن الفيلم الشهير الذي يحمل الاسم نفسه، والذي يروي قصة بعض الجنود المحاصرين على خط النار وقت الحرب، أما العرض المسرحي «شكاوى على جدران الزمن» وهو عرض صامت اعتمد فقط على الدراما الحركية، يؤكد ان الإنسان المصري تشكلت طبيعته من رحم الظلم والاضطهاد الذي لم يفارقه منذ عصر الفراعنه، وهو إعادة صياغة لقصة الفلاح الفصيح الذي قدمه المخرج الراحل شادي عبد السلام في فيلم قصير، حيث يعاني أحد الفلاحين من طغيان رجال السلطة الذين سرقوا محصوله وماله وعندما لجأ إلى ممثلي العدل والحاكم لم يجد من ينصفه، الفلاح الذي يرجو العدل لا يجد الا المزيد من الظلم. ويأتي عرضان آخران هما «ماذا بعد» و «أبناء الدولة» ليستكملا الرواية ولكن في الزمن الحاضر، وكأنها ملحمة تاريخية متسلسلة نشاهدها دفعة واحدة في ثلاثة عروض متتالية.
عرض «ماذا بعد» الذي قدمته فرقة مسرحنا يعترف اننا أصبحنا مجتمعا يمارس كل أنواع الاضهاد، بداية من اضهاد الإنسان للإنسان ثم اضهاد النوع، خاصة الأنثى التي تتعرض لكافة أنواع الاضهاد والتعصب الجنسي والديني والفكري والاجتماعي. ويشير العرض إلى اننا أصبحنا نعيش هذا التعصب داخل منازلنا ونمارس التعصب الكروي والديني والسياسي. العرض الذي بدأ بالأداء الصامت وتوظيف فن المايم لتوصيل المضمون، سقط في فخ المباشرة عند استبدال فن المايم بالحوار المباشر الذي لم يستطع مخرج العرض محمود حسين تحويله إلى اداء حركي، وكأنه عجز في لحظة ما عن استكمال ما قدمه في الجزء الأول من العرض، فعوض عنه بالحوار.
وننتقل إلى الضلع الأخير للحكاية الذي يشير إلى تاريخ المصريين في صراعهم مع الحاكم، وذلك في العرض المسرحي الختامي «ابناء الدولة» الذي يقدم قصة معاصرة عما حدث في الشارع المصري خلال السنوات القليلة الماضية، الإنسان المصلوب الذي اعتقل أو مات غرقاً وهو يحاول بلوغ الأمل في مكان آخر، أو الذي مات بسبب الاهمال، اخماد أصوات المعارضة واغتيال الإعلام والصحف الخاصة، والموت المجاني الذي يطال الجميع، وتسرب الأمل من بين يدي الأجيال الجديدة في الحصول على مستقبل في ظل حالة التردي السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي. العرض شهد ارتفاع نبرة الاحتجاج التي وصلت إلى وصف الدولة بالعاهرة، هو الأمر الذي لا يتكرر كثيراً خاصة في العروض المسرحية التي تقام على مسارح تمتلكها الدولة، لكن ابطال العرض الختامي اختلسوا مساحة الحرية التي يمنحها لهم الفن للتعبير عن حقيقة يشعرون بها، لكن استخدام الممثلين للغة الفصحى عوضاً عن العامية كان نغمة نشاز اطلقت في عرض يعبر عن أحداث معاصرة، وتميزت العروض جميعها بعفوية الأداء التمثيلي الذي كان الأبرز والأنضج بين عناصر العرض المسرحي الأخرى.
القدس العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق