مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
يوسف الرقة ، كاتب مسرحي لبناني بدأ حياته كممثل في مسرحيات شبابية ، كان يعتلي المسرح دون إعطاء علم للأهل الذين كانوا يخافون من تأثير المسرح على تحصيله الدراسي ، ثم شاءت الظروف أن يشارك في كتابة نص مسرحي يأخذ الطابع الوطني أو ” الثوري ” في ذلك الزمن ، أي زمن الاندفاع القومي ، وقام باخراج العمل في باحة المدرسة ، حيث طلب من عمال البناء إحضار بعض الأخشاب من ورشهم لبناء منصة مسرح في ملعب المدرسة ..
ثم اختار معهد الفنون في الجامعة اللبنانية لدراسة المسرح وتخرج عام 1981، بعد ذلك، وكتب مسرحية ” الشاطر” المستوحاة عن نص لكاتب ألماني هو برتولت برشت، وأخرج هذا العمل على خشبة المركز الثقافي الألماني، وهناك اكتشف نفسه ككاتب، حين طلبت رئيسة المعهد من أحد مساعديها مقارنة ما كتبه مع النص الأصلي، فوجدت أنه شرع إلى كتابة نص جديد مستوحى من النص الأصلي.
ثم كتب مسرحية ” 33 صلاة في جوف الحوت ” التي أخرجتها المخرجة الكندية (أليس رون فارد) وفاز بجائزة وتقدير اتحاد كتاب الدراما في مونتريال … بعد ذلك كتب ” أحلام يومية ” الذي لفت اهتمام الهيئة التحكيمية لهيئة المسرح العربي في الشارقة واختارته بين 20 نصا عربيا من أصل 140 مشاركا في مسابقة التأليف المسرحي لعام 2015.
ويؤكد الكاتب المسرحي اللبناني يوسف رقة بانّ نص مسرحيته الجديدة " أحلام يومية " ينبع من إيمان عميق بالقيم الإنسانية ولا يتعارض مع الإيمان بل هو دعوة إلى الإيمان والابتعاد عن المغالاة التي قد تؤدي إلى تفتيت المنطقة وتقسيمها إلى دويلات متناحرة باسم الدين.. "أضواء المدى" التقت بالكاتب يوسف رقة بعد حفل توقيع نصه المسرحي في معرض بيروت الدولي للكتاب وبادرناه بالسؤال التالي :
أولا نرحب بك استاذ يوسف ونبارك لك صدور نص مسرحيتك الجديدة " أحلام يومية "، ماذا تقول عنها ؟
- هي مسرحية مسلية، خيالية وإن كانت تستند في مكوناتها إلى رؤية مريرة لواقع المنطقة، وهي تحاول إطلاق صرخة لرفض هذا الواقع المتزمت الذي أدخلنا في حروب وويلات لا يعرف حجم بشاعتها إلا الذين خاضوا غمارها.. إنني من الذين عاشوا الحرب الداخلية اللبنانية بفصولها كاملة وأردت أن أحذر الآخرين والأجيال الصاعدة الذين يعتقدون بان الحرب نزهة ورجولة بان الحروب التي لا توجه إلى عدو خارجي محتل هي حروب خاسرة دائما وتحطم كل آمال المستقبل.. الحروب داخل الارض الواحدة والوطن الواحد والامة الواحدة في حروب عبثية لا نفع لها سوى تدمير البلاد ومحو ثقافتها وتراثها وحضارتها الانسانية.
ما هي حكاية المسرحية ؟
- حكاية رجل وزوجته نزحا إلى خيمة في مكان ما ينتظران نهاية الحرب، وعند ما استقرت الأوضاع قررا العودة إلى ديارهما فوجدا بان البلاد باتت تحمل اسم مذاهب وأديان وليس اسم الأوطان، وبالتالي بات عليهما الافتراق لان زواجهما كان مختلطا أي ان الزوج من مذهب والزوجة من مذهب آخر، طبعا معالجة الحكاية مسرحيا ليست بالشكل الذي نسرد به الموضوع بل تأتي عبر أحلام خيالية تسلط الضوء على كثير من الاشارات التي تقلق الكاتب، إشارات فكرية وفلسفية إضافة إلى قضايا المنطقة وإشارات إلى عدم الاكتراث الدولي لما يحدث في بلادنا وفي فلسطين أيضا.
ماذا عن بدايتك المسرحية ؟
- مثل كل الاطفال الذين يتأثرون ببرامج التلفزة ويلعبون مع رفاقهم ويعيشون شخصيات من محض خيالهم، ولكن هناك بعض الاصدقاء وجدوا لدي مقدرة تمثيلية، وسرعان ما صدقتهم وبدات أشتري الكتب بدل شراء الكعك إلى أن عرض علي ّ التمثيل في إحدى المسرحيات حيث اصطدمت بمعارضة الاهل وخوفهم على دراستي، لكنني لم اكترث وبدات في المشاركة سرا في بعض الاعمال دون إخبارهم أو علمهم إلى أن جاءت الظروف ودعوتهم إلى عمل مسرحي كنت اشارك فيه ونلت إعجابهم..
بعد ذلك قمت بمشاركة بعض الاصدقاء بتاسيس فرقة للمسرح وبدأنا العروض والتجوال في قرى جنوب لبنان إلى أن قررت دراسة المسرح في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية ونلت دبلوم الدراسات العليا في المسرح في العام الدراسي 1980-1981.
يبدو بان بدايتك كانت في مجال التمثيل، ما الذي أخذك إلى التأليف؟؟
- الممثل يجسد الشخصية التي كتبها المؤلف وفق رؤية وتوجيهات الممثل، وبالتالي يجد متعة ذاتية بالخروج من شخصيته إلى الشخصية التي يلعبها على خشبة المسرح وأمام الجمهور.. أما الكاتب فهو يفرغ ما بداخله على الورق، يصرخ دون أن يسمعه أحد. ذهبت إلى الكتابة لأصرخ وأقول ما يقلقني، ربما يقرا أحدهم ما كتبته، ربما ينقل إلى الخشبة ما أريد قوله بصدق أو لا، لا اعلم، لأن الأمر يخرج عندها عن إرادتي ويصير بين أيدي المخرج، وبشكل رئيس تحت سيطرة الممثل عند فتح الستارة.. لذلك قلت في مقدمة كتابي : " أحمل قلقي وحيدا، أقرأ النص قبل النوم، أضحك قليلا، ثم أغفو".
أنت عملت في الإخراج المسرحي وفي التأليف، أيهما أقرب إليك ولماذا ؟
- العمل في الاخراج المسرحي متعة كبيرة لكنه مسؤولية كبيرة ايضا، مسؤولية عن الفريق الذي يعمل معك، مسؤولية عن النص وإيصال فكرة الكاتب والذي يصير وفجأة بين يدي الممثل عند العرض، حيث تفقد السيطرة على الممثل عند إعتلائه الخشبة أمام الجمهور، الاخراج رؤية بصرية للعرض.. الكتابة للمسرح رؤية فكرية وبصرية في آن، وهي الأساس أو المدماك الأول لبناء العرض المسرحي..بالنسبة لي أحب الابداع في الاخراج المسرحي لإمتاع عين المشاهد، واحب الكتابة للمسرح لامتاع فكر القارئ وإثارة الأسئلة في وعيه الثقافي والاجتماعي..
ما هو العمل المسرحي الذي تعتقد بأنه ترك بصمة في حياتك؟
- بدون أي تردد، هو العمل الذي قدمته في العام 1976 وحمل عنوان " برلمان " حيث طلبنا من عامل بناء في ورشة، بناء منصة خشبية في مدرسة بلدة شحور الجنوبية، وطلبنا من كل شخص إحضار كرسيه معه لمشاهدة المسرحية التي حملت الطابع الوطني، كان العمل ناجحا والأهم هو الألفة بين أعضاء الفرقة التي قدمت هذا العمل بشكل تطوعي هدفه الوحيد هو تنشيط الحركة الثقافية في تلك البلدة.
كيف تنظر إلى الفن العراقي اليوم؟
- الفن العراقي اليوم يحاول النهوض من جديد بعد أن انهكته الحروب المتتالية وباشكالها المختلفة وأخطرها ما نراه اليوم، الفن العراقي رغم ذلك يشهد حركة فنية لافتة داخل العراق وخارجه في الغناء والشعر والثقافة.. أما المسرح فمن المعروف عن العراقيين إهتمامهم بالمسرح وبالمدارس المسرحية التي أتوقع لها نهضة كبيرة على مستوى عال، وقد بدات هذه النهضة بالظهور مؤخرا بعد أن حصد كاتبان عراقيان جائزة الهيئة العربية للمسرح في التأليف المسرحي.
لو عاد بك الزمن إلى الوراء، هل تختار مجالا آخر غير الفن؟
- أصلا الفن هواية، وهو كذلك الآن، ولو عاد الزمن إلى الوراء فلن اختار إلا الفن الذي صنع شخصيتي وجعلني أكثر اقترابا من المجتمع وهمومه وثورته وإنسانه.. المسرح هو من علمني أن أكون إنسانا وأن أتواصل مع الآخرين.
كلمة أخيرة ترغب بقولها للشعب العراقي والعربي من خلال جريدة "المدى"، ماذا تقول؟
- كلام كثير، أختصره بجملة واحدة : ابتعدوا عما يخطط له العدو منذ مئات السنين، وهو إغراقكم في مستنقع المغالاة في الدين بهدف تفتيت بلادكم وتهجيركم وجعلكم في قوقعة من الانعزال وعدم التواصل فيما بينكم كشعب واحد يحمل آمالا واحدة ومصيرا مشتركا واحدا.
بيروت/ غفران حداد
المدى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق