تصنيفات مسرحية

الجمعة، 4 ديسمبر 2015

مسرحية “صدى الصمت” للكاتب العراقي الراحل قاسم مطرود بأخراج كويتي

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

عدوان.. لكنهما الآن لاجئين.. فصلت بينهم حدود ومعارك.. لكن جمعهما الآن جيرة ووجع واحد.. فرقتهما اللغة.. وجمع بينهما الحزن.. فليس عليك أن تقتل ابني أو أن تنطق بلساني ولغتي حتى نتواصل إنسانياً.. هو هذا الهم الذي أرخي بغماره على خيال العرض، الذي تمنى أن يرخيها أيضاً على خشبة الحياة الحقيقية. كل هذه الدهشة قدمها المخرج الكويتي فيصل العميري في عرض “صدى الصمت” للكاتب العراقي الراحل قاسم مطرود، وذلك على خشبة المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي في العاصمة عمّان، ضمن فعاليات اليوم الرابع من مهرجان الأردن المسرحي بدورته الثانية والعشرين. العميري كان مخرجاً وممثلاً في ذات الوقت، وشاركه في الأداء الفنانة الكويتية “سماح” التي جسدت شخصية الجارة والمبدع الفنان عبد الله التركماني، الذي أدى دور الـ”دراماتورج” في العمل، الذي أصبح فيما بعد مخرجاً وديكتاتورياً أيضاً. “ليس علينا أن نقتل أبنائنا حتى نتواصل”: كانت هذه مقولة العمل، التي قالها العميري على لسان الراحل العراقي “مطرود”، شخصيتان ملكومتان  من الحرب، اجتمعتا في اللجوء بدولة أخرى، تصادف أن كل واحدة منهما كان قد قُتل ابنها على يد جيش بلد الآخر. ويدور الصراع المذهل بينهما للتواصل إنسانياً بالرغم من أنهم لا يتحدثون اللغة ذاتها، وبالرغم من معرفة كل منهم بمأساة الآخر، ومن تسبب بهذه المأساة، وتدوم الحكاية التي صنعتها الصدفة بين الاثنين، حتى يعيشاه معاً إلى لحظاتهم الأخيرة، ولم يعرفوا لغة منطوقة للتواصل بعد. التجريب.. ولغة “العميري” الإخراجية: قدم العميري بعمله “صدى الصمت”، محاولة تجريبيةً ناجحة على كافة الأصعدة، بدأها بإخراج الـ”دراماتورج” من بين أوراقه ومكتبه، ووضعه على الخشبة يتحكم بتفاصيل العمل، ويوقف الفعل الدرامي ويعدل عليه ويكتبه متى يشاء وأمام الجمهور المتلقي. استغنى العميري عن موسيقى العرض المسجلة، ليخلق على يد الـ”دراماتورج” مؤثرات صوتية مباشرة على خشبة المسرح عن طريق الآلات الإيقاعية، الأمر الذي كان جزءاً مهماً من حالته التجريبية، والتي قدمها باحتراف مدروس، لم يُشعر الحاضرين بأي ارتباك أو خلل في إيقاع العمل الذي كان مضبوطاً بشكل كبير. كما عمل المخرج على إظهار المنولوج الداخلي للجمهور بشكل واضح، كجزء من رؤيته الإخراجية، عن طريق إيقاف الزمن والفعل الدرامي للمثلين، وإعطاءه مساحته الخاصة، والاستفادة منه ليكون جانباً كوميدياً، ربما أقرب إلى الكوميديا السوداء منه إلى أي نوع آخر. الممثلين والنص.. وعمل يخلو من الثرثرة: كل من “العميري وسماح والتركماني”، أوجدوا على المسرح حالة احترافية في الأداء التمثيلي، فلم يطغَ فعل أحدهم الدرامي على الآخر، كانوا قادرين على الإمساك بزمام المساحات المترامية على خشبة الرئيسي بشكل مدروس، وذلك لا يعود الفضل فيه إلى المخرج فقط، بل إلى أداء جماعي عارف بأسس المسرح وتفاصيل الخشبة، كان أداء يخلو من أي ثرثرة مسرحية في الفعل وردوده. وتقمص الممثلون شخصياتهم بشكل كبير، فبرغم من انتقالهم من شخصية العرض إلى شخصية الممثل الذي يقوم بالبروفة حين يوقفهم الدراماتورج، كانوا على قدرة هائلة بالعودة مرة أخرى إلى شخصية اللاجئين في العمل. الأمر الذي عكسه إعداد العميري على نص المطرود، الذي قدم حوارات عظيمة منسجمة تماماً مع حالة اللغة المفقودة بين هذين الغريبين القريبين، فخلا النص من الثرثرة غير المدروسة، وكان مضبوطاً باحترافية عالية. ويذكر أن “صدى الصمت” كانت قد حازت على عدة أربع جوائز أساسية في مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي في شباط/ فبراير من العام الحالي، من بينها أفضل إخراج لـ”فيصل العميري” وأفضل ممثلة لـ”سماح” وأفضل سينوغرافيا لـ”فيصل العبيد” وأفضل مؤثرات لـ”عبد الله التركماني”. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق