مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
اتكأ العرض العراقي “مكاشفات” إخراج غانم حميد، والذي عرض مساء أمس على المسرح الرئيس في المركز الثقافي الملكي بعمان، ضمن فعاليات مهرجان الاردن المسرحي22، على أدوات الممثل وعناصر السينوغرافيا وبلاغة النص.
العرض الذي استهلت مشاهده بمؤثر صوتي يتصاعد من عمق الخشبة استحضر خطبة الحجاج في اهل العراق، جسد الصراع بين الطغيان وضحاياه، في اسقاط على الراهن العربي، من خلال حكاية عائشة بنت طلحة والحجاج بن يوسف الثقفي.
وسعى المخرج في العرض الذي نهض به في دوري عائشة والحجاج الفنانان القديران شذى سالم والدكتور ميمون الخالدي، الى خلق محاكاة بين الماضي والحاضر من خلال مفاهيم الشعب والمعارضة والسلطة الديكتاتورية، عبرت عنها مونولوجات وديالوجات العرض بلغة شعرية بليغة.
مسرحية “مكاشفات” التي لم تخل من اللمحات الكوميدية الخفيفة، واعدها الكاتب قاسم حميد عن نصي الاديبين السوري خالد محي الدين البرادعي “مكاشفات عائشة بنت طلحة” والمصري محمود تيمور “انا بن جلى” ونهلت من تقنيات واسلوبية المسرحية الشعرية المعاصرة، من حيث خلق واقع فني بديل من الواقع، يبتعد عنه زمانياً ومكانياً، الا انه غير بعيد من الناحية الدلالية، والتغريب وكسر الايهام المسرحي لأكثر من مرة، إضافة الى التمسرح داخل المسرح لاسيما مساهمة الادوار والشخصيات التي قدمها بإتقان الفنان فاضل عباس.
وفق المخرج حميد بتوظيف قدرات الممثلين المميزة وادائهم الشخصيات بين الماضي والحاضر والانتقال بها من حالة الى اخرى، وتمكنهم من امتلاك ادوات الالقاء والمحافظة على شعرية وجماليات النص المنطوق بالفصحى والغني بالانثيالات الشعرية والانتقال منه الى اللهجة العراقية المحكية دون إخلال.
النص المنطوق جاء محملا بالعديد من المضامين ومنها عبارة عائشة “حاضر الحجاج في كل زمان ومكان” و”كفاكم هذا الهذر ، هذر الخير وهذر الشر” على لسان الحجاج، وعبارة المؤثر الصوتي المتآتي من خلفية المسرح في ختام العرض “ركاب الرحلة 88 سرعة التوجه الى البوابة8 والمغادرة الى اللامكان”.
كما وفق المخرج بتوظيف تقنية الابعاد الثلاثة في الداتا شو من خلال تأثيث المسرح بشاشات بيضاء ثلاث وظفت فيها انعكاسات كبيرة لظلال شخصيتي عائشة والحجاج في مواقف تطلبت إبراز وتضخيم احدى الشخصيتين اوكلاهما والمتأتي من موقف او عبارة او مونولوج معين، إضافة الى استخدام الداتا شو في ختام العرض لمشاهد من المظاهرات التي جرت أخيرا في بغداد للتعبير عن السينوغرافيا التي نفذها الفنان علي السوداني، ساهمت الى درجة كبيرة بخلق بيئة درامية تتساوق مع فصاحة النص ولغته الشعرية ومحمولاته لاسيما الاضاءة المتغيرة والمتحركة بألوانها الحمراء والخضراء والصفراء والتي جاءت منسجمة ومعبرة مع سياقات العرض، والديكور لاسيما الكتلة الضحمة المتموضعة الى يسار منتصف الخشبة والتي مثلت مقعد السلطة المرتفع بدرجاته السبع، على الشعب، غير المنشغل سوى بسيفه للقمع والتنكيل، علاوة على الازياء واكسسوارتها المختلفة والتي ارتداها الفنانون سالم والخالدي وعباس وعبرت في محمولاتها عن تلك السياقات.
ولاحظ مهتمون ان المخرج لم يوفق في العرض الذي كان يمكن اختزاله، بتوظيف الداتا شو في مشاهد الختام العاطفية لشخصيتي عائشة والحجاج، إذ لم تقدم إضافة الى العرض وساهمت في هبوط إيقاعه الدرامي، خصوصا انه تلتها مشاهد المظاهرات التي اختتم فيها العرض.
مجدي التل - بترا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق