تصنيفات مسرحية

السبت، 30 يناير 2016

مهرجان شرم الشيخ الدولي يتجاهل المسرح التونسي

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

في دورته الأولى، وعلى رغم أخطائه التنظيمية التي كادت تطيحه، نجح مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، أن يجمع عدداً من العروض الجيدة (عربية وعالمية)، تتحدث لغة مسرح بسيطة بقدر ما هي جميلة وآسرة.
شارك في المهرجان أكثر من عشرين عرضاً مثلت صربيا وروسيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والإمارات والكويت والسعودية وسلطنة عمان والعراق وسورية والأردن والجزائر وتونس وليبيا ومصر. والعروض الأكثر جمالاً هي عروض صربيا «ملهى ضد الحرب» وتونس «زنازين النور – الصابرات» والكويت «رسالة إلى ...» والأردن «حرير آدم» وإيطاليا «كوميديا ديلارتى» وروسيا «يوميات رجل مجنون». إلا أن لجنة تحكيم المهرجان والتي ترأسها الممثل المصري أحمد عبد العزيز تجاهلت العرضين التونسيين «زنازين النور»، و»الصابرات» إلا من جائزتين حصل عليهما الأخير؛ جائزة ملابس، وجائزة أحسن ممثلة ثانية، حصلت عليها خديجة البكوش مناصفة مع ممثلة الإمارات نوال عباس.
في عرض «زنازين النور» الذي قدمته فرقة «مسرح المدينة» التونسية وأخرجه حافظ خليفة عن نص كتبه الراحل إبراهيم بن عمر، تحول كل من الشاعر أحمد فؤاد نجم ورفيق دربه الملحن والمغني إمام عيسى إلى أيقونتين، ونجح كل من منذر العابد وبسام بن حمادي في تجسيد شخصيتيهما، مبتعدين من ملامحهما الشكلية، غائصين في عمق ما يمثلانه من معنى. فالعرض لم يحفل ولم يكن هدفه تقديم مسيرة الرفيقين المحتشدة بنضالات ومراحل يصلح كل منها عملاً درامياً قائماً بذاته، بل الاتكاء على هاتين الأيقونتين، بما يمثلانه في وجدان الشعب العربي، للكشف عن الواقع الراهن المتراجع إلى حد الحسرة.
اختار المخرج وصانع السينوغرافيا حافظ خليفة أن يكون الفضاء المسرحي مفتوحاً إلا من سواتر بيضاء في الخلفية، تجتمع فتصنع ستاراً جاثماً مانعاً، وتنفصل ليتحول كل منها إلى دلالة مغايرة. فهي مشاهد قبور أحياناً، وهضاب صحراوية أحياناً أخرى، وزنازين في أحايين كثيرة. وعبر تشكيلات إضائية بسيطة ومحسوبة بدقة، تتبدل الدلالات وتتكثف، ليصبح بطلا العرض ومعهما ممثلان؛ أحدهما يمثل الشاعر المستدعى من زمان أبعد هو بشار بن برد، والثاني صحافي حاصرته السلطة حتى أصابه جنون تمثل في هذيان زاد من شجن العرض، وسيلة إدانة لانقلاب هرم الحياة.
يبدأ العرض بقرار إفراج عن المسجونين (نجم وعيسى) ليخرجا إلى حيث لا يعلمان، لنكتشف معهما أن خروجهما لم يكن من سجن مادي بقدر ما هو استدعاء من المكان الذي يرقدان فيه الآن. وهو الاستدعاء الذي سيمنح العرض سباحة في الأزمنة والأمكنة بين زمان بشار بن برد، وزماننا الحالي، وبين صحراء الوطن وبحاره. لينتهي العرض بعودة الرفيقين إلى حيث نور محجوب خلف الستار الجاثم في الخلفية يدخلانه وهما يرددان قسمهما الخاص الباعث لأمل لم يمت بموتهما.
العرض بتفاصيله وانضباطه وقدرته على إثارة الدهشة، حظيَّ بإعجاب متابعي المهرجان، فتسابق بعضهم للصعود إلى خشبة المسرح يهنئون فنانيه/ ويؤكدون لهم أن منصة الجوائز ستشرف بإعلان «زنازين النور» كأفضل عرض. لكن المنصة خذلت فناني تونس وجمهور شرم الشيخ ورسمت بتجاهلها علامة استفهام ضخمة مصحوبة باستياء شديد.
أما عرض «الصابرات»، فهو عرض جماعي بامتياز، فعلى رغم أن صاحب فكرته وكاتبه الأول هو مخرجه حمادي الوهابي، إلا أن كاتبه الأصيل فوزي السنوسي تشارك مع الممثلين (خديجة البكوش وحسام الغريبي) في إعادة صياغة العرض بما يتوافق والإمكانات التمثيلية والواقعية، ما أغنى العرض كثيراً. الخشبة ساحة خالية إلا من مقعد حديقة في أقصى اليمين وعمودي إنارة؛ أحدهما في اليسار والآخر في اليمين. وشاشة بيضاء في الخلفية يستخدمها المخرج في عرض فيلم وثائقي لأحداث ما بعد الثورة تتمثل في محاولة هدم مبنى ما، كإشارة لكثير من هدم أصاب المجتمع وبخاصة بعد تولي السلفيين والإخوان السلطة. وهو المشهد البوابة للدخول في متن عرضه الذي سيأتي بمثابة اقتحام لعش دبابير. فالموضوع هو البغاء، وبطلاته أربع من البغايا أغلق السلفيون دارهم وطاردوهن في الشوارع. فمع انتهاء الفيلم يدخل ثلاث نساء مهرولات يتلفتن يساراً ويميناً يحدوهن رعب تجسده خطواتهن المتعثرة وأجسامهن المرتعشة وتداخل أصواتهن في عراك لا يفهم سببه بعد. لكن رويداً رويداً ستتكشف ملامح الحدث؛ إنهن يقررن أخيراً العودة إلى مبغاهن الذي تركن فيه ملابسهن وأموالهن في حراسة صاحبة الدار؛ «عزيزة».
اعتمد المخرج على التركيز على فن الأداء التمثيلي، مشيراً عبره إلى تبدل الأمكنة والأزمنة، فوسط خشبة مسرحية مفتوحة مع ثبات القطع الديكورية المتمثلة في عمودي الإنارة ومقعد الحديقة.
الحياة تجريبي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق