تصنيفات مسرحية

الجمعة، 4 مارس 2016

'ترام الرمل' على خشبة المسرح

مجلة الفنون المسرحية
المسرحية استطاعت أن تلمس عواطف المشاهدين لأنها حكت عنهم وعبرت عن مجتمعهم بشكل بسيط وواضح وقوي.


تمتاز الإسكندرية دائمًا بالعديد من السمات والخصائص عن باقي مدن مصر من حيث طبيعة السكان والأماكن، وإذا كان بحرها الساحر هو الأشهر في جذب السياح ومرتادي الثغر إلا أن هناك معلمًا آخر لا يقل قوة في تأثيره المجتمعي على سكان المدينة وعلى مرتاديها، وهو "ترام الرمل" أو "الترام الزرقاء" كما يحب أن يطلق عليه الإسكندرانية.

فترام الرمل بالإسكندرية ليست مجرد وسيلة مواصلات عادية تنقل الراكب من محطة الرمل (أول الخط) إلى فيكتوريا (نهاية الخط)، مرورا بالعديد من المحطات الهامة والأماكن والأحياء الراقية والفقيرة، بل هي نسيج مجتمعي غريب يدمج طوائف عديدة من المجتمع بكل أشكالها وألوانها.

واستطاع الشاعر المتميز ميسرة صلاح الدين أن يلتقط هذا العنصر الهام في النسيج المجتمعي السكندري بشكل خاص والمصري بشكل عام، ويكتبه في مسرحية شعرية غنائية بنفس الاسم "ترام الرمل" وتعاون مع محمد حسني وفرقة "ابن البلد" في تقديم رؤية موسيقية ومسرحية عرضت على مسرح مكتبة الإسكندرية في حضور جمهور غفير من الشباب والكبار، الكل جاء من أجل مشاهدة "ترام الرمل" بدلا من أن يركبها.

لفت نظري في البداية الديكور البسيط والمعبر للترام على المسرح، فهو يصور مقاعد الترام ويجلس عليها عدد من الركاب يهتزون مع سير الترام كالعادة، ويحكي كل منهم قصته التي تعبر عن حال المجتمع ومشاكله.

كما بدأ الممثلون في توزيع "تذاكر" على الجمهور وهي عبارة عن ورقة صفراء بها أسم العمل والقائمين عليه، وأخذوا ينادون "تذاكر.. تذاكر" مما لفت نظر الجمهور لهم قبل أن تبدأ المسرحية.

عرضت المسرحية من خلال مرور الترام على المحطات المختلفة لكثير من المشاكل التي تعاني منها الإسكندرية مثل البيوت القديمة وشكلها الهندسي الجميل وكيف تحولت هذه البيوت والفيلات إلى عمارات وأبراج سكنية ذات كتل أسمنتية قميئة، ثم قدمت رؤية للوجوه المختلفة من الناس من بائعين ومتجولين وشحاذين وطلبة وموظفين وشباب وكبار كلهم في نسيج واحد يركب نفس الوسيلة يوميا ويقضي وقتا طويلا داخل هذه الوسيلة ليذهب من بيته إلى عمله أو كليته أو العكس.

قدمت المسرحية أيضا رؤية كوميدية لمشكلة الزواج وإلحاح الأهل على الفتاة بسرعة الزواج مما يسبب مشاكل عديدة، وكيف أن الفتاة تخشى من شبح العنوسة مجرد أن يتخطى سنها بضع سنوات بعد العشرين لتحاول أن تجذب عريسا بأي طريقة حتى لا تقع ضحية للعنوسة.

كما عرضت المسرحية أيضا لمشكلة أطفال الشوارع التي يعاني منها المجتمع دون أي حل واضح ومؤثر لوقفها، مرورًا بحكايات متنوعة على لسان الأبناء والآباء عن التعليم والإعلام والتلفزيون وغيرها من المشاكل اليومية التي تعاني منها الأسرة المصرية.

وتطرقت أيضا لمشاكل العنف في المجتمع، ولعصر الفتوات الذي انتهى ليحل محله البلطجية دون منازع، والأولياء الصالحون والكرامات التي يؤمن بها كثير من الأهالي باختلاف تعليمهم.

لم ينس المؤلف أن يتطرق لمشاكل الشتاء بالإسكندرية وعرضها بشكل ساخر من مفاجأة النوات للمسئولين دائما، وكأنهم لا يعرفون موعدها.

استطاعت المسرحية أن تلمس عواطف كل المشاهدين لأنها حكت عنهم وعبرت عن مجتمعهم بشكل بسيط وواضح وقوي مما أوصلها إلى قلوبهم في سرعة وسهولة.

استمتعت فعلًا بعمل متميز مع مجموعة من شباب الممثلين والمطربين في أداء رائع، أخرجني من حالة إحباط تنتابني وتنتاب كثيرين ممن حولي، لتتملكني مشاعر الأمل من جديد.

_________________________
المصدر : ميدل ايست أونلاين  - حسام عبدالقادر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق