مجلة الفنون المسرحية
الكتاب: أضواء على الحياة المسرحية في العراق
المؤلف: د. سامي عبدالحميد
الناشر: دار المدى
الحجم: من القطع الكبير (246) صفحة
الطبعة الأولى 2010
قراءة: عبدالزهرة الركابي
الكتاب: أضواء على الحياة المسرحية في العراق
المؤلف: د. سامي عبدالحميد
الناشر: دار المدى
الحجم: من القطع الكبير (246) صفحة
الطبعة الأولى 2010
قراءة: عبدالزهرة الركابي
أحتوى الكتاب على مقدمة و أربعة فصول، تصدى المؤلف سامي عبدالحميد من خلاله الى النتاجات و الظواهر تناولا "تحليليا" و نقديا"، من التي ظهرت على خشبة المسرح العراقي منذ بداياته و تواصله، بما شكلته هذه النتاجات و الظواهر من حالة مزدهرة، جعلت هذا المسرح ينطلق من منصته الى رحاب التألق و الإبداع، حيث عزا هذه الإنطلاقة الى الجهود التي بذلها الرواد و الأكاديميون الذين نقلوا ما تعلموه أثناء دراستهم في الخارج، الى الوسط المسرحي العراقي، تدريسا"و تطبيقا"و عرضا"و أداء".
حيث يقول المؤلف سامي عبدالحميد في مقدمة كتابه، ((و في أحد فصول هذا الكتاب أبديت رأيا"خاصا"ببعض النتاجات المسرحية العراقية، سواء أكانت نصوصا"مسرحية أم عروضا"لتلك النصوص أو غيرها، كما تعرضت لبعض الظواهر و التجارب المعاصرة في المسرح العراقي و كشفت عن أوجه الخلاف أو الإفتراض بين مسرح الرواد و مسرح الشباب و التوجهات المسرحية المغامرة و المتطرفة .
و تطرقت الى كيفية تعامل المسرحيين العراقيين مع توجهات المنظرين المسرحيين أمثال ستانسلافسكي و بريخت و كيفية التعامل مع كتاب مشهورين مثل شكسبير، و كان لا بد من التعرض الى ظاهرة المسرح التجاري في العراق والتي برزت خلال عقدي الثمانينات و التسعينات من القرن العشرين لعدة أسباب منها اجتذاب أعداد كبيرة من المتفرجين و تدني المستوى الفني لعروض و طغيان الطابع الاستهلاكي)) .
في الفصل الأول و عبر خمسة كتابات تعريفية و تحليلية و دراسية، يحاول المؤلف أن يُعّرف بهوية المسرح من خلال البدايات الثقافية للمسرح عندما يذكر رواده و العاملين في بداية تأسيسه و نشأته و كذلك المصادر التي أسهمت فيه، كما يتناول المسرح كسلاح حضاري و يركز على أهدافه، و يدرس السبل لإيجاد مسرح عربي متميز، و يشير الى روافد المسرح العربي، و كذلك يدعو الى التوجه نحو إيجاد خصوصية للمسرح العراقي .
يحاول المؤلف في هذا الفصل أن يجعله ممرا"تمهيديا"، للانطلاق منه الى الفصول الأخرى، فهو أرخ من خلاله بداية تأسيس المسرح العراقي و العوامل التي أسهمت و ساعدت في قيامه، و أبرز المحطات و المنطلقات في هذه المرحلة، و لم يغفل الكتاب عن الإشارة الى الفائدة التي يقدمها المسرح للمجتمع على الصعيد الإنساني و الحضاري .
((بدأ المسرحيون في العراق يتثقفون و يدرسون جوانب الفن المسرحي المختلفة مع بداية الأربعينات من القرن العشرين و عندما تأسس فرع التمثيل في معهد الفنون الجميلة برئاسة حقي الشبلي بعد عودته من بعثة دراسية و تدريبية في باريس إذ راح يُدّرس طلابه تقنيات التمثيل و الإلقاء و فن الماكياج و علم الهيئة و تأريخ المسرح من محاضرات قام بترجمتها عن مصادر فرنسية أو أخذها من بعض الذين درّسوه أو أشرفوا على تدريبه، و كانت أكثر تلك المحاضرات مكتوبة بخط يده)) .
و قد وردت في الفصل دراسة حملت عنوان (السبيل لإيجاد مسرح عربي متميز) احتوت على طروحات تتعلق بالإغراق من الموروث، و كذلك يالتحوير و الاقتباس، بغرض تأصيل المسرح ، بعدما لم يعد المسرحيون ملتزمين بالصيغ التقليدية، خصوصا"في الاستفادة من رواية القصص الشعبية، و أن عملية البحث عن مسرح عربي متميز تعتمد على إيجاد أو إقامة ثلاثة دعامات: الأولى تتمثل في المصدر، و الأخرى في الأسلوب، و الثالثة و الأخيرة تكون في الإطار، و كل دعامة تكون على وجهين: أولهما الأصل المتطور، و ثانيتهما المقتبس المتطور .
و المؤلف في دراسته هذه يستنتج في خلاصتها و نهايتها بالقول ((لا بد أن يكون المسرح المستقبلي مقررا"لواقع معين من ناحية المضمون بل لا بد أن ينقد ذلك الواقع لتجاوزه الى واقع آخر أفضل و لا بد أن تكون مشكلة ذلك المسرح تفجيرية لا يقلد و لا يحاكي ما سبق و لا يفسر ما هو كائن)) .
في الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان (توجهات جديدة في المسرح العراقي)، يرصد المؤلف سامي عبدالحميد في التأريخ القديم لوادي الرافدين، مشاهد و صور تقترب من العروض المسرحية، و هذه المشاهد و الصور تتواصل في الحقب التأريخية الصاعدة، بيد أن المؤلف يستدرك خلال سرده التمهيدي لنشوء المسرح العراقي، عندما يقول، أن نشأة المسرح العراقي الحديث قد تأثرت بالإتجاهات المسرحية الأوروبية، في نهاية القرن التاسع عشر بتقديم عروض مسرحية لنصوص مترجمة .
و على هذا المنحى يحدد المؤلف الإتجاهات الواضحة التي تخللت مراحل المسرح العراقي، بدأت بطريقة ستانسلافسكي في الخمسينات، و بعد ذلك لجأ المسرح العراقي الى البريشتية نسبة الى برتولد بريشت من خلال نظريته في المسرح الملحمي، و يعزو هذا التوجه الى ((أن ابراهيم جلال عندما عاد من بعثته الدراسية في أمريكا أوائل الستينات قد أخذ يبشر بأفكار بريشت و كان أطلع عليها أثناء دراسته هناك و تقبل معظم المسرحيين العراقيين تلك الأفكار بشغف بالغ ... أن الكثير من مثقفي العراق في تلك المرحلة قد استوعبوا الفلسفة المادية الديالكتيكية و الفكر الماركسي بعد انتشارهما في أوروبا و باقي أنحاء العالم و لأن توجهات بريشت الفكرية تطابقت مع الدعوات للأشتراكية و الصراع الطيقي و مساوئ الرأسمالية)) .
يتطرق المؤلف أيضا"في هذا الفصل الى الأعمال المسرحية ذات التوجه البريشتي و كذلك أعمال مسرحية أخرى من إتجاهات أخرى مثل (أروين بيسكاتور و بيتر بروك و يوجينوباربا) و غيرهم ، بيد أن هذه الإتجاهات لم تتوقف عندها الحركة المسرحية في العراق و حسب، و إنما أوغلت في الطابع المحلي الى حد أن كفة هذا الطابع غدت راجحة، من خلال العروض المحلية التي قدمها يوسف العاني و عادل كاظم و طه سالم و نور الدين فارس ((و في مجال الاتجاهات اللاواقعية خاض المسرحيون العراقيون و منذ بداية الستينات و حتى الوقت الحاضر تجارب كثيرة جعلتهم على قدر طيب من الإمكانية في التجسيد و التعبير .
و كانت أولى محاولات الدخول الى المسرح التعبيري قد بدأت عندما قدم سامي عبدالحميد مسرحية - الكثيف الشعر – ليوجين أونيل مع طلبة معهد الفنون الجميلة عام 1968، و مسرحية – الإمبراطور جونز – للمؤلف نفسه مع طلبة أكاديمية الفنون الجميلة عام 1969، و مع فرقة اتحاد الفنانين قدم محسن العزاوي مسرحية – الطنطل – عام 1968)) .
في الفصل الثالث الذي جاء بعنوان (تجارب متميزة في مسرحنا)، يتناول سامي عبد الحميد فيه، تجارب المسرحيين العراقيين عبر الأعمال التي عرضوها، و يقوم بتوصيف و تحليل هذه التجارب و الأعمال وفق إتجاهات كانت في الغالب ذات طابع محلي، مثل الأعمال الثلاثة ليوسف العاني (صورة جديدة، المفتاح، الخرابة)، و التي قدمها العاني بعد انقطاع عن المسرح دام خمس سنوات، حيث أعتمد في تقديمها على التأريخ القديم في العراق، بالإضافة الى التراث العربي، و التأثر أيضا"بالاتجاه البريشتي .
و لم ينس المؤلف التطرق الى الأعمال التجريبية في ذلك الوقت، التي شكلت نشاطا"ديناميكيا"في مسار المسرح العراقي، حيث يستعرض هذه الأعمال التجريبية التي اعتمدت على التأريخ القديم لوادي الرافدين ((أن المسرح العراقي كان سباقا"في طموحاته، و نؤكد اليوم أيضا"، بأن ما كان تجريبيا"في الستينات قد يُعتبر تقليديا"في نظر الكثير منا نحن المسرحيين هذه الأيام، و المهم أن نتعرف على مكمن الصميمية في ذلك الإنتاج)) .
و في الفصل الرابع و الأخير، يعمد المؤلف سامي عبدالحميد الى تشخيص المسارات السائدة في المسرح العراقي، من خلال تسميتها على النحو التالي: مسار المسرح التجاري، مسار مسرح فرق الدولة، مسار مسرح الشباب، مسار المسرح الأكاديمي .
و يستعرض المؤلف في هذا الفصل ملامح المسارات التي تحدد نشاط المسرح العراقي وفق التسميات الآنفة، عندما يُشخص المؤلف هذه الاتجاهات، كما يقوم بذكرها و تشريحها على النحو الذي يكون طابعه و لونه، بما يشبه عملية جلد الذات عندما يقول ((و يمكننا و الحالة هذه أن نؤشر على بعض النقاط التي أتسم بها واقع الحال:
1 - زوال روح الحماسة للعمل عن أعضاء الفرقة و تحولها من حالة الشغف الى حالة قضاء اللازم .
2 - تسرب روح الشيخوخة في أجساد و أفكار الكثير من الأعضاء بما لا يتناسب و متطلبات العمل المسرحي المتجدد .
3 – شعور الأعضاء بالغبن – حتى مع زيادة الرواتب و بالتقصير في مكافأة عطاءاتهم المسرحية ماديا"قياسا"بما يتقاضاه زملاء لهم في مجال المسرح التجاري، ما أدى الى تهافت البعض منهم على العمل في الدراما الإذاعية و التلفزيونية)) .
كتاب سامي عبدالحميد هذا، يمثل كشفا"و عرضا"لأبرز المحطات التي تنقل من بينها المسرح العراقي، و قد كانت الدراسات و التحليلات و التشخيصات و حتى الملاحظات، هي بحد ذاتها تمثل أيضا"شهادات مضيئة لمسيرة هذا المسرح بكل تطوراته و تداعياته، هذا المسرح الذي كان في فترة ما، يقف في مقدمة الحركة المسرحية في المنطقة، حتى أن هناك عروضا"مسرحية عراقية، لقيت نجاحا"جماهيريا"كبيرا"عند عرضها في البلدان العربية .
كتاب (أضواء على الحياة المسرحية في العراق)، اضافة توثيقية لتأريخ المسرح العراقي، مثلما هو شهادة من أهل بيت هذا المسرح، تدون بداياته و إنطلاقته و محطاته و مكابداته .
المصدر : جريدة المدى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق