تصنيفات مسرحية

الاثنين، 11 أبريل 2016

ما هو المسرح ؟ تأملات في جذور الظاهرة المسرحية العربية وتاريخها / د. محمد سيف

مجلة الفنون المسرحية

ما هو المسرح ؟  
تأملات في جذور الظاهرة المسرحية العربية وتاريخها

إن العثور على تعريف للمسرح يكاد أن يكون اليوم مثلما -هو من قبل- عسيرا، إذا لم يكن مستحيلا، ذلك أن المسرح، بالمعنى الواسع للكلمة، بمثابة شكل من أشكال التعبير عن المشاعر والأحاسيس البشرية التي تلجا في التعبير عن نفسها إلى فن الكلام وفن الحركة، مع الاستعانة، بكل تأكيد، ببعض المؤثرات  الأخرى. علما بأنه ليس في هذا القول ما يمكن أن يحدد أو يعرف المسرح ... لأن المسرح بلا ريب، مثلما يقول "جان دوفينيو" في كتابه "سوسيولوجية المسرح" : (ذلك الفصل من علم الجمال الذي أثار أكبر قدر من الجدل، وأدى إلى أكبر قدر من الأهواء)1.  إن هذا المنطق يؤكد استحالة حصر المسرح في مجال محدد وتعريف معناه، لأنه في نفس الوقت يشتمل على جملة عناصر جمالية، واجتماعية، وفلسفية، وأخلاقية، وإنسانية تبحث في علم الإنسان وتطوره وأعرافه وعاداته ومعتقداته ثم أنه، على الرغم من كل ما كتب عنه وفيه وحوله حتى الآن- وهو كثير وفي لغات عدة-
وعلى الرغم من كل ما يبدو عليه من بساطة في المفهوم، نكاد لا نعثر له تعريف دقيق يمكن الاعتماد عليه بل لا يوجد تعريف واحد لا في المعاجم ولا في الكتب يمكن الاتفاق عليه. وان اكثر الأعمال الموسوعية المتخصصة في مجال المسرح تتحاشى الخوض في مسألة تعريفه وتحديد معناه بشكل تقريبي يطمأن إليه، ولقد اكتفت أغلبها بذكر اتجاهاته وأشكاله وعناصره مستعينة بتجارب هذا وذاك من المخرجين والمنظرين في مجالاته المتعددة والمختلفة، كما هو شأن، (القاموس المسرحي لميشيل كورفان ودائرة معترف عالم المسرح)2 على سبيل المثال .. وما تنوع ألوان المسرح وأشكاله إلا دليل على غنى وثراء ظاهرة المسرح، ودليل قاطع على تعقدها وتعدد جوانبها في الوقت ذاته. فهو مثلما يصفه رولان بارت، في كتابه محاولات نقدية: (يشبه إلى حد كبير آلة علمية تعمل على توجيه وإرسال عدة أخبار ورسائل إلى عنوان بيتك (…) بنشاط ووفقا لإيقاعات مختلفة بحيث تستلم وأنت في مكانك في وقت واحد أكثر من ست أو سبع معلومات مصدرها: الديكور، الملابس، الإنارة، مكان الممثلين حركاتهم، البانتوميم الذي يقومون فيه والحوارات التي يطلقونها)3. إذن المسرح يحتوي على أصوات ولغات وإشارات مختلفة الوظائف، حال اجتماعها تقدم ما يعزز التجربة على المستوى الروحي والجمالي، ولهذا يمكن أن نعزو ظاهرة تعثر المعاجم المسرحية وتلكؤها إزاء مسألة تعريف المسرح إلى شمولية هذا الأخير واحتوائه على مجموعة من المتناقضات والمختلفات التي تتجانس في قمة ارتطاماتها لكي تصنع في زمان ومكان غير محدد كتلة واحدة أو بالأحرى عدة كتل ورسائل تصل المتفرج، بغية أن تعزز بشكل شعوري ولا شعوري تجربته الفردية مع التجربة الجماعية. ويذهب "القاموس المسرحي"4 الجديد الذي وضعه "باتريس بافيس" أستاذ مادة المسرح في جامعة السوربون في باريس، على سبيل المثال، إلى إضاءة بعض المفاهيم النقدية المشوشة، مستعينا ببعض الطرق والمسالك التي غيرت اتجاهاتها، معتمدا في ذلك، على رؤى انعكاسية لبعض التطبيقات المسرحية التحليلية لفن الإخراج ومفرداته، على الخلق المسرحي بمعناه المجرد. بالإضافة إلى أنه يبحث في علم اشتقاقات الكلمات واصطلاحاتها ومدى صعوبة تحديد معناها، مثلما يهتم أيضا بفن العرض المسرحي الحي الذي يكون الفعل فيه موجها بدقة نحو خلق إحساس عميق ومنسق في الدراما، مثيرا مسألة توجه العرض لغريزة السمع والبصر ومخاطبته للفعل بشكل مباشر وغير مباشر، كما هو الشأن في مسرحية "هاملت" لوليم شكسبير، ثم يستنطق، أهمية استجابة الجمهور لما يقدم إليه من كوميديا أو تراجيديا أو أي نوع مسرحي آخر، ويرى بافيس في استجابة الجمهور عنصرا أساسيا للحكم على قيمة العمل وجودته، موليا اهتماما ثانويا للنص الأدبي إذا ما قيس بالجانب التنفيذي، لأن التأثير الفعال على الجمهور يأتي أولا وأخيرا في التمثيل وما قد يصاحبه من مقومات أخرى، غناء، رقص، مناظر مسرحية، مؤثرات موسيقية وضوئية وإلى أخره من المكملات، مشيرا إلى أن هذا الطرح لا يهون من شأن النص أو يقلل من قيمته الأدبية التي كثيرا ما تحظى باهتمام النقاد معتبرا النص عنصرا من مجموعة عناصر أخرى تتفاعل جميعها لكي تكون فن العرض المسرحي. علما أن ممارسة المسرح لا تقتصر على دراسة النص وان كان هذا الأخير ينتمي إلى العناصر المرئية وغير مرئية للمسرح* في آن واحد والتي تشمل الإخراج ومختلف تصورات العرض المسرحي الذي يجد المتفرج نفسه فيها معنيا بشكل مباشر وغير مباشر، ومتى ما وجد العمل الفني جمهوره، أفلت من يد مؤلفه، وأصبح منه على بعد متناه، لأن التمثيل المسرحي وفقا لما يقول جان دوفينيو: ( يحرك معتقدات وأهواء تقابل النبضات التي تتكون منها حياة الرهوط والمجتمعات وان الفن يصل هنا إلى تلك الدرجة من الشمول التي تتجاوز إطار الأدب المكتوب. وذلك لأن الشيء الجمالي معه يصبح معه عملا اجتماعيا)5. نسابا

إن عملية انصهار الجمالي بالاجتماعي هذه، لا تتم أو تتحقق ما لم ننظر إلى المسرح على أساس ظاهرة شمولية تجمع في طياتها مجموعة عناصر تتفاعل بينها لكي تعطينا في النهاية ما نسميه بالمسرح دون أن ننسى أو نغفل الجمهور من حيث هو عنصر فعال من غير مشاركته لا تكتمل التجليات المسرحية، فهو مثلما تقول آن أبوبوزفيلد (المعني بالخطاب المسرحي مثلما هو المتلقي الذي يتسلم جميع الرسائل والأخبار في عملية الاتصال، لأنه ملك الحفل وسيده الأوحد)6. نسابا

              والسؤال الذي يمكن طرحه في صدد تعريف المسرح وتحديد نشأته الأولى يكاد يكون اليوم شبه مستحيلا، لأنه من غير الممكن أن نجعل بداية المسرح تنحصر بمسالة العثور على نص أو مخطوط مثلما حصل في واقع الحال عندما عزا أغلب كتاب و المؤرخين الطفولة الأولى للمسرح إلى الإغريق معتمدين في ذلك على أقدم نص مسرحي عثر عليه في حوالي سنة 490 ق.م. والسؤال الملح هو: هل يحق لنا نحن كباحثين وكتاب بعد أن اطلعنا وعرفنا وخبرنا المسرح بشموليته عن بعد وقرب أن نعتبر الإغريق هم أول من عرف ظاهرة المسرح ونغض الطرف عن جميع التعريفات والشروحات المقدمة من قبل المختصين بالمسرح والتي تكاد أن تكون بمجملها عاجزة تقريبا أو غير قاطعة وأحيانا غامضة مبهمة ؟ ثم هل يحق لنا أن ننكر على الشعوب التي أحرزت تقدما حضاريا أكثر من غيرها أم نتعامل معه على أساس أنه ظاهرة جمالية، فلسفية، اجتماعية، أخلاقية وإنسانية بدائية ولدت ونشأت وتطورت مع الإنسان بصرف النظر عن زمانه ومكانه ومدى التطور الذي أحرزه على الإنسان الآخر الذي سبقه أو أتى من بعده؟

               إن الإجابة على هذا النوع من الأسئلة تعود بنا بالتأكيد إلى الماضي البعيد مثلما تدعونا للبحث عن وفي وحول الظاهرة المسرحية الرسمية وغير الرسمية والمقصود هنا بالرسمية، الفترة والتاريخ الذي مثلت فيه أقدم مسرحية (الضارعات) لاسخيلوس في حوالي سنة 490 ق.م. أمام الجمهور الاثيني. وسوف نبدأ أجابتنا على جميع الإشكاليات المطروحة أعلاه بأسئلة تحمل إجاباتها معها بشكل ضمني نبدأها:نسابا

- من يستطيع أن يؤكد لنا بشكل قطعي وحازم على أ، الاحتفال أو التسلية المسرحية لم يكن لها وجود أو أثر قبل هذا التاريخ الذكور، وان اسخيلوس وقدامى كتاب المسرح اليوناني مثل سوفكليس ويوربيدس لم يكونوا مدينين في موضوعاتهم وأشكالها المسرحية إلى رجال الدين الذين كانوا يقومون بأداء طقوسهم الدينية وفقا لتقاليد مسرحية عندما كان الكاهن يتولى كتابة النص، والإخراج وتوزيع الأدوار كما كان يقوم أيضا بأداء الأدوار الرئيسية بنفسه ؟ بالإضافة إلى أن كتاب اليونان القدامى لم يخترعوا المأساة اختراعا وإنما توارثوها عن تقاليد وعادات كانت سائدة نمت وترعرعت شيئا فشيئا حتى أثمرت المسرح الذي نعرفه اليوم، وذلك لأن ازدهار الدراما لدى الإغريق لا يعني أن نشأتها الأولى كانت إغريقية، لأن المسرح وفقا للكثير من الآراء الغربية والعربية، قد وجد في الحضارات القديمة التي سبقت الحضارة الإغريقية، ولكن بأشكال مغايرة أقل تطورا وأكثر بساطة، وأنه من المستبعد جدا أن تكون الإنسانية بكل اتساعها وتعدد ميادينها الثقافية كانت عاجزة عن اكتشاف الظاهرة المسرحية، وأن البشرية قد عاشت بدون مسرح حتى جاء القرن الخامس قبل الميلاد  الذي عرف فيه الإغريق ما لم تتعرف عليه باقي الشعوب خلال آلاف السنين.نسابا

       لسنا هنا بصدد بحث النشأة الأولى بقدر ما يهمنا أن نتتبع الخطوط العريضة للظاهرة المسرحية قبل وبعد تاريخها المدون في القرن الخامس ق.م من أجل التمهيد لموضوع بحثنا الذي يتكئ على الكثير من جوانبها، ولهذا لا بد لنا من أن نشير إلى الفعالية المسرحية التي وجدت مع وجود الإنسان عندما قام بمحاكاة الطبيعة، والفعالية مثلما يقول ارنست فيشر في كتابه المعنون "ضرورة الفن"(هي أقدم من البحث عن غاية، وبالأخرى اليد، لا الدماغ هي التي توغلت في عالم الاكتشاف)7. ولقد أثبتت الدراسات الأثرية من خلال النقوش التي حفرت على جدران الكهوف، أن الإنسان بدأ يحاكي الحيوانات ويتقمص أشكالها ويؤدي حركاتها في محاولة منه لاقتناصها. كان التقمص وسيلة من وسائل تحقيق التجانس المظهري معها، وفرض السيطرة عليها، ولقد تميزت طقوس القنص واقتربت من فن التمثيل بدرجة كبيرة بحيث يصور هذا الطقس عند زنوج الكونجو، مثلا كيف يخرج الرجال للقنص في طقس واحتفال تمتزج فيه الحركات المعبرة مع الموسيقى في شكل دراما موسيقية تتابع فيها التعبيرات بشكل هارموني وتتسارع وفقا لإيقاعات تدريجية تتزايد شيئا فشيئا حتى تنتهي بتمجيد أفعال القانصين، والاحتفال بهم. إن الإنسان البدائي قد أفرز أشكالا إيمائية وحركية من خلال لغة الجسد كردود فعل لتحديات الطبيعة، وهذا يعتبر بحد ذاته خطوة أولى في مضمار الرقص. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن هنالك مشابهات ومقاربات كثيرة تجمع الحياة الاجتماعية بالممارسة المسرحية، تجمع ما بين الفعاليات وفن التمثيل الدرامي.نسابا

              إن العثور على هذا النوع من المقاربات والهيئات المسرحية ليس بالمستحيل أو المتعذر خصوصا عندما نلقي نظرة على حياة مجتمعات ما قبل التاريخ التي كانت تستمد قناعتها بوجودها من هذا النوع التمثيلي شبه الخرافي. لقد اعتادت هذه الجماعات على محاكاة قصة خلق العالم وتكوينه بالرقص والغناء وفن الحكاية وبعض الممارسات البهلوانية التي يمتزج فيها الواقع بالخيال، الاجتماعي بالمسرحي فتعطي جملة رموز وإشارات تشخيصية تعبر عن انصهار الفرد بالجماعة والجماعة بالفرد.نسابا

     إن الإنسان البدائي مثلما يروي وولتر تيري في كتابه " الرقص في أمريكا": (استطاع الإنسان بغريزته أن يتوصل إلى الرقص وذلك بدوافع عديدة منها إفراغ شحنة الطاقة وتجسيد بطولته والاحتفال بالقنص، وكذلك الرقصات البدائية للإنسان الأول كانت تتضمن حيوية الرقص دون أن يكون لها طابع الفن)8. نسابا

      لهذا نجد اختلاطا في العناصر والمفردات داخل طقوس الشعوب البدائية التي كانت تضم إلى جانب المحتوى الدرامي الموسيقي للمشهد الاحتفالية فنونها أخرى كالرقص الذي يعتبر وسيلة إيضاحية في تحقيق التفاهم بعدها اصبح الإنسان مشروطا بحياة الجماعة، وهذا في الحقيقة ما يفسر تنوعه. فهناك الرقص النابع من الغريزة، والرقص المتأسس على فكرة، والرقص الذي يريد التعبير عن فكرة يود إيصالها، إضافة إلى ذلك وجود الفن التشكيلي المتمثل في الأقنعة المنحوتة على الخشب. لقد كانت تحتوي أغلب الطقوس على أبعاد شعائرية احتفالية ذات وظائف سحرية واجتماعية تحمل دلالات ورموزا تترجم عادات وتقاليد هذه الرهوط والجماعات في خروجها إلى الحرب، دعواتها في استنزال المطر، الانتصار والابتهاج. وفي ضوء ذلك يذكر شلدون تشيني، في كتابه الموسوم "تاريخ المسرح في ثلاثة آلاف عام"( إن أحد الأشخاص البدائيين إذا رقص لطوطمه أو أبتهج بمعركة كسبها، وكان صادرا في رقصه عن مجرد الغريزة، لم يكن رقصه ذلك من الرقص المسرحي في شيء ولكنه إذا رقص معبرا برقصه عن انتصاره في المعركة، مبينا لنا كيف تلصص حتى رأى عدوه ثم كيف قتله وفصل رأسه عن جسمه كان رقصه ذلك شديد القرب من المسرحية الصميمية)9. إن قرب هذه الفعالية من المسرحية الصميمية يعود في الحقيقة إلى قربها من التعريف الذي يقدمه "أرسطو" في كتابه " فن الشعر" لفنون التقليد الثلاثة: الملحمة، المأساة والرواية الهزلية. إن هذه الفنون الثلاثة لا تقدم شخصياتها إلا في حالة الفعل مثلما لو أنها تعمل ومن هنا نشأت الدراما وذلك لأنها تقلد شخصيات تعمل ولكنه تقليد بالمعنى المجازي للكلمة (المأساة لا تقلد الناس بل تقلد الفعل والحياة)10. بالإضافة إلى أن مكان إقامة التسلية يتحول بفعل مشاركة أفراد القبيلة وانسجامها مع الحدث المروي إلى مكان ذي جاذبية خاصة يفصل ما بين المقدس وغير المقدس ما بين المواقف التي تنتجها الحياة والمواقف التي تخلقها التسلية، وذلك أن اجتماع الناس في مكان عرض منظم يصنع المعجزة أو يؤلف العملية السحرية لأن المؤدي من أفراد القبيلة يقدم لهذه المجاميع الأشكال التي ستؤولها وتتمنها وفقا للتجربة الخاصة المعاشة لكل فرد منهم. نسابا

              وعلى هذا الأساس يمكننا القول إن المسرح في أبسط أشكاله اعتمد على الدراما الإنسانية الناجمة عن مواجهة الإنسان البدائي لقوى الطبيعة التي لم يكن يفهمها في بداية الأمر وأن ظروف الحياة الشاقة التي عاشها قد جعلته يتحد ويتعاون مع أفراد قبيلته من أجل الحصول على موارد مشتركة للغذاء، وللدفاع عن النفس. ولذا صنفت القبائل حسب أسلوبها في إنتاج الطعام باعتباره القاسم المشترك في الصراع من اجل البقاء، وبذلك أصبح لكل قبيلة تقاليدها وشعائرها الدينية وممارساتها الطقسية التي تضمنت بعض الملامح والعناصر المسرحية المتفردة. نسابا

    يصف السير جيمس فريزير، في كتابه "الغصن الذهبي" مخاض امرأة من قبائل Dayak في يورنيو قائلا: (حين يأتي المرأة المخاض تستدعي أحد السحرة لمساعدتها على الوضع وهذه عملية مقبولة عقلا إلا أنه في الوقت ذاته يقف ساحرا آخر خارج الحجرة، ويقوم بأداء بعض الحركات التي تهدف هي أيضا إلى نفس الغاية دون أ، تكون لها صلة مقبولة بعملية الوضع ذاتها فيربط حجرا كبيرا إلى بطنه بقطعة من القماش يلفها حول جسمه لتمثيل الطفل داخل الرحم ثم يقوم مسترشدا بالتعليمات التي يصدرها زميله من داخل الحجرة بتحريك الطفل المتوهم في جسمه مقلدا حرمات الطفل الحقيقي حتى الولادة)11. وهكذا تنتقل الرموز والدلالات من الكاهن إلى الشعب الذي بدوره يحيل إشاراته ودعواته إلى حقيقة من خلال مقابلته إياها بالتصديق والتشجيع. يقول "انتوان آرتو" في هذا الصدد: ( إن جمهور المسرح يعيد خلق القبيلة البدائية هذه وأن جمهور المتفرجين يبادل الإشارات التي تقدم إليه بالمعنى أو الدلالة والتصديق اللذين يسقطهما باتجاه الجموع الأخرى، أن دوره يقوم على إطالة وإتمام الإيحاء المقترح عليه من قبل مجموعة الأشخاص القابعين في الحيز المسرحي)12. نسابا

     ومهما يكن من أمر، فإن محاكاة أشكال الحيوانات بغية القنص أو النزوع للتسلية والتقليد في تكريس السحر وممارسة الرقص الإيمائي في تصوير الطوطم والقيام بطقوس الصلوات والأدعية وتقديم القرابين بكيفية العرض الديني سواء كان ذلك فعالية طقوسية أو نزعة غريزية فإنها في النهاية تقربنا من فن المسرح بمنحها إيانا شكلا أوليا لمظاهر شبه مسرحية. مضافا إلى ذلك أن التطور الأداواتي الذي رافق مسيرة العمل لدى الإنسان البدائي دفعه لأن يخلق وسائل وطرقا اتصالية تتماشى مع طبيعة وظرف العمل الجماعي الجديد، ولهذا لم يتوقف الإنسان البدائي عند الإيماءة والإشارة وتصوير الشيء بالحركة وإنما راح يبحث عن وسائل ومقومات أخرى تمد وتوسع حجم جسور التفاهم بينه والآخرين، فاكتشفت اللغة المتطورة من وعلى تلك الإيماءات والحركات التشبيهية الصامتة، وبما أن الضرورة أم الاختراع، فقد استطاعت هذه الجماعات المتآزرة والمتلاحمة روحيا ومعنويا أثناء ساعات العمل أن تؤلف وتنشد الأغاني احتفالا بالعمل وضرورته في استمرار الحياة. وبهذه الكيفية انطلقت الأغاني الجماعية وتكونت بانصهار مشاعر الفرد في مشاعر القبيلة التي لم تكن آنذاك مجتمعا كبيرا بحصر المعنى، وهذا ما جعل اليوميات الحياتية للأفراد تتشابه بحكم الظرف الواحد المحيط بهم. ويعتبر هذا التشابه واحدا من العوامل التي ساعدت على تضاؤل الشعور بالاستقلالية وتفوق وطغيان الشعور الجماعي الذي جعل من الأغنية الجماعية أكثر انتشارا ورواجا بين تلك المجتمعات. ولقد كان يرافق هذه الأغاني التي يؤديها أفراد القبيلة رقصات وحركات تترجم في شكلها ومضمونها معاني الكلمات المستعملة في الأغنية مثلما تحاكي الواقع الحياتي وفق تصورات اختلط فيها الأمل بالخوف والجنوح بالخيال وكانت الأغنية البدائية مثلما يقول س. م. يورا تحتوي ( على كلمات فيها فن حقيقي ونغم وشاعرية تختلف جدا عن الكلمات التي يستعملها الفرد في حياته اليومية وممارساته الكلامية الاعتيادية ورغم أن تلك الكلمات المنغمة ليست راقية جدا في تكوينها اللغوي إلا أنها صالحة تماما للتعبير عن المحيط الذي يعيش فيه الرجل البدائي)13. إن هذه الكلمات غير الراقية والنغم المصحوب بالرقص وشتى صنوف المحاكاة الحياتية الدنيوية والدينية بكيفيات مختلفة تعتبر بالنسبة للشعوب البدائية بمثابة دراما، ذات مشاهد تمثيلية واقعية وأن الغناء كما يذهب بعض الكتاب والباحثين، أن أصل الشعر في جميع الآداب القديمة وخصوصا السامية كان منها. فالشعر بموجب "طه باقر" يعني، تقريبا الغناء والنشيد مثل "شيرو" البابلية و"شير" العبرية و"شور" الآرامية وكانت هذه الكلمات الثلاث قد فقدت حرف العين المتوسط الذي لو افترضنا وجوده لأصبحت الكلمات وفقا لتسلسلها: شيرو= شعيرو وشير= شعير وشور= شعور، بالضافة إلى أن المصطلح العبراني "شيرهشيريم" الذي يعني نشيد الإنشاد المنسوب إلى سليمان في التوراة. نسابا

                       ولو تجاوزنا مرحلة المجتمعات البدائية وانتقلنا إلى مرحلة قيام الحضارات الأولى وازدهارها لطالعتنا الحضارة العراقية والمصرية القديمة بشواهد وإثباتات تؤكد وجود طقوس دينية واحتفالية كانت تقام في المعابد والساحات العامة. فلقد أنتجت هذه الحضارات نصوصا درامية وطقوسا دينية اعتمدت في مجملها على لغة الشعر المرسل الذي لم يكن يختلف عن شعر باقي الأمم، فهو مثلما يقول "طه باقر" في مقدمته لملحمة جلجامش: ( يخضع الشعر لفن خاص من النظم والتأليف فهو يتألف من أبيات قوام كل بيت من مصراعين "الصدر والعجز" وكان موزونا ولكنه غير مقفى، فهو بذلك مثل الشعر العبراني واليوناني والروماني)14. ويغلب على أوزان شعر الملحمة أن السطر الواحد فيها يتألف من أربعة أوتاد كما الأسطر الآتية المأخوذة من خطاب صاحبة الحانة إلى جلجامش مبينة له عبث نشدان الخلود:نسابا

          إلى أين تسعى يا جلجامش

 فالحياة التي تبغي لن تجد

          حينما خلقت الآلهة البشرية

          قدرت الموت على البشرية

          وتمسكت في الحياة بأيديها

          ولكن على الرغم من شهرة هذه الملحمة دراميا وقدمها واحتوائها على هيئات ومظاهر مسرحية حوارية ومناجاة تراجيدية طويلة مشابهة ومقاربة للمناجاة الإغريقية في نصوص اسخيلوس وسوفكليس، مثلا مشهد موت انكيدو وبكاء جلجامش عليه:نسابا

          (جلجامش يخاطب شيوخ أوروك)

          اسمعوني أيها الشيبة وأصغوا إلي

          من أجل انكيدو، خلي وصاحبي، أبكي وأنوح نواح الثكلى

          أنه الفأس التي في جنبي وقوة ساعدي

          والخنجر الذي في حزامي والمجن الذي بدأ عيني

          وفرحتي وبهجتي وكسوة عيدي15

          إلى أخره، وعلى الرغم من معالجاتها الإنسانية الشمولية لشتى المشاكل وتطرقها لأصعب العقد، مثل مشكلة الحياة والموت، وما بعد الموت والخلود، وانشغالها بموضوع حتمية الموت على البشر، وعلى بطلها جلجامش الذي ثلثاه من الآلهة الخالدة وثلثه الباقي من مادة البشر الفانية، وعلى الرغم من فريق مؤرخي الأدب الذي اعتبرها (أطول واكمل ملحمة عرفتها الحضارات القديم وليس هناك ما يقرن بها أو يضاهيها من أدب الحضارات القديمة قبل الإلياذة والأوديسيه في الأدب اليوناني)16. فإن شواهد قليلة ومحدودة اعتبرتها أو أشارت إلى كونها مادة درامية يرجع تاريخ تدوينها إلى ما قبل الألف الرابع قبل الميلاد. ولقد كشفت الأختام الأسطوانية وفن النحت البارز ونصوص تلك الفترة عن مشاهد تمثيلية تصور أجزاء من الملحمة. ففي أختام عصر فجر السلالات (2800-2400 ق.م) نشاهد تمثيل بطل وهو يصارع الحيوانات المفترسة وقد عين هذا البطل بأنه جلجامش. وختم آخر نقش عليه صورة بطل يصارع أسدا وفيه كتابة باسم أور جلجامش (أي، خادم أو صاحب جلجامش) مثلما أصبحت أعماله ومغامرته مادة لملاحم وقصص سومرية وبابلية عديدة. وان اسمه ورد مع أسماء الملوك السومريين من سلالة مدينة الوركاء حيث يأتي ترتيب حكمه خامس ملك من ملوك تلك السلالة. وبموجب نص طه باقر، أن سلالة مدينة الوركاء الأولى تعتبر السلالة الثانية التي حكمت بعد الطوفان. ولقد سبقتها في الحكم سلالة كيش، هذا بالإضافة إلى أن شخصية جلجامش انتقلت إلى معظم الآداب القديمة أو أن أفعاله وما جاء به من إنجازات نسبت إلى أبطال الأمم الأخرى مثل: هرقل، أخيل والاسكندر ذي القرنين والبطل أوديسيوس في الأوديسة. والسؤال الذي يمكن طرحه في ضوء انتشار وشيوع الملحمة ومغامراتها الكثيرة: هل صادف وأن مثلت هذه الملحمة ذائعة الصيت على الملأ ؟ وهل خضعت إلى تعاليم وإلى إشارات إخراجية مثلما خضعت باقي النصوص القديمة الأخرى، مثل: رثاء أور، ونزول عشتار إلى العالم السفلي وموت بعلن مردوخ ... والخ. إن الجواب الذي يمكن أن نستخلصه لدراستنا لهذا الأمر هو أن الملحمة ظلت في كثير من الأحيان حبيسة أسلوبها السردي القصصي الذي يشبه إلى حد كبير طريقة سرد القصص في " ألف ليلة وليلة " وهذا ما جعل بعض أجزائها تقرأ بكيفية حكواتية في الأعياد والمناسبات أمام الجمهور. أما الجزء الآخر الذي اعتمد في مشهديته على الفعل والمغامرة والقتال، مثل مشهد منازلة جلجامش وصديقه انكيدو للثور السماوي، مشهد قضائهم على الوحش المارد "خمبابا" إلى آخره من الأحداث التي انحصرت في النقوش والأختام والباروليفات النحتية البارزة، وما عدا ذلك فإن حضارة وادي الرافدين اقتصرت في مظاهرها وهيئاتها المسرحية على كل ما هو ديني يتعلق بقصص الآلهة واشتراطاتها على البشر. وهذا ما دعا أغلب الكتاب والمؤرخين والمختصين في مجال الدراما إلى أن يعتبروا الحضارة العراقية القديمة حضارة خالية من الأثر المسرحي المتكامل. وإن وجد هذا الأثر أو تلك الآثار فإنها لا تؤدي إلى وظائف درامية بالمعنى الغربي الإغريقي، وفي اعتقادنا أن هذه الآراء قد تأسست في شكلها ومضمونها على كون النشاط الدرامي في الحضارة العراقية القديمة كان مرتبطا ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة الدينية التي لم تحاول يوماً الخروج أو التمرد عليها واستنطاق ما هو دنيوي بدلا من الديني مثلما فعل الإغريق. ولكن هذا لا يمنع في نفس الوقت، من أن نلقي نظرة شبه تأملية على بعض مظاهرها الدرامية علنا نصل إلى شيء. إذ ليس من الممكن أن يكون العراقيون القدماء بما يمتلكونه من طقوس وإشارات دينية ونصوص درامية قد جهلوا وتجاهلوا حقيقة هذا النوع من الفن. نسابا

              لقد سجلت لنا الطقوس الدينية مظاهر درامية احتفالية كانت تمارس، في العادة بالمناسبات والأعياد الكبرى، ومن أهم هذه المظاهر:نسابا

-       قصة الخليقة البابلية

-       رأس السنة البابلية

-       موت وقيام مردوخ

-       هبوط عشتار إلى العالم السفلي

لقد كشفت الأيمان بأسطورة التكوين لدى البابليين عن السبب الذي أدى إلى تكرار الاحتفال بأعياد رأس السنة البابلية التي كانت تحتوي على شبه مسرحية تمثل معظمها في معارك الآلهة ونزاعاتها، لقد كانت تخاض معارك حيوية تشبيهية تذكرنا نوعاً ما بطقوس عاشوراء حيث كان يحتفل الأهالي بغياب الإله تموز وهبوطه في ظلومات الأرض مثلما تذكرنا طقوس ذاتها باحتفالات وادي الرافدين، بل هناك من يؤكد أن عاشوراء كاسم مأخوذ من اسم عشتار امرأة تموز، ففي عاشوراء كما يقول جعفر الخليل، في كتابه الموسوم "موسوعة العتبات" : (كانت النساء يمشين بشعور منثورة وأوجه مسودة وملابس ممزقة يلطمن الخدود ويولولن حزاً على الحسين الشهيد)18. ونساء بابل كن يفعلن نفس الشيء حزنا على هبوط تموز إلى العالم السفلي. ولقد اعتبر عاشوراء شهرا مباركا، كونه الشهر الذي تسقط فيه أول قطرة مطر في السنة مثلما يعتبر أيضا الشهر الذي خلق فيه آدم وحواء ومنحت فيه الرسالة المقدسة لأرواح العشرة آلاف رسول. إذن فهو شهر الخصب وفي نفس الوقت شهر الموت والميلاد، وإن رأس السنة البابلية يذكرنا بطقوس التعزية أو التعازي العاشورية التي كانت تحتوي على الكثير من التشابيه التمثيلية والطقوس والوقائع. ولقد كانت تستمر احتفالات رأس السنة البابلية أحد عشر يوما. إن السقف الزمني للاحتفال يلقي بنا من جديد في أحضان احتفالات عشرة أيام عاشوراء التي كان يحتفل فيها الشيعة من المسلمين باستشهاد الحسين وغيابه عن الأرض. لقد كانت تصور هذه الفعاليات التشخيصية اضطراب وفوضى العالم بعد غياب الإله: تحرير الإله مردوخ من أسر العالم السفلي:إعادة تمثيل قصة الخليقة، وخلال ذلك يتم تشخيص دور الإله مردوخ بينما تقوم إحدى كاهنات المعبد بدور " المرأة " في حين يقوم الشعب بدور المجاميع التي تشارك في المعارك. ولو تفحصنا عن قرب تلك الاحتفالات التي يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد والتي تتكرر سنويا، لوجدنا أن هناك أشخاصا يتقمصون ويحاكون الآلهة وشخصيات العالم السفلي، أي أنهم يجسدون شخصيات غير شخصياتهم في الحياة اليومية. ولقد كنت احتفالات رأس السنة البابلية بمثابة احتفال بالزواج المقدس حيث كان الكاهن يقوم بتشخيص دور الإله " تموز" مثلما تقوم الكاهنة بأداء دور "عشتار" عند استقبالها "تموز" ويقوم ممثل دور الإله "تموز" (بارتداء بدلة خاصة بهذه المناسبة ويضع على رأسه تاجا، ويقوم أحد الكهنة بتقديمه إلى عروسه "عشتار" التي تستقبله بدورها بأجمل وأبهى زينتها وأغلى حلتها)19.نسابا

    لقد كانت الغاية من وراء إقامة هذه الاحتفالات السنوية بالنسبة لإنسان العصور القديمة تكمن في تفسيره الخاص للظواهر الطبيعية والحضارية، وهذا التفسير كان مثلما ظل حتى الوقت الحاضر يختلف من حيث المنطق والمفهوم عن تفسيرات الإنسان المعاصر. تقول الباحثة " Mircea Eliade ": إن الإنسان المعاصر لا يعتبر نفسه حصيلة تاريخية، بينما يعتبر إنسان العصور القديمة نفسه حصيلة أحداث أسطورية ودينية. فالإنسان المعاصر مدين في واقعه الفكري والمادي إلى سلسلة متواصلة من المنجزات والأحداث التي وقعت عبر تاريخه الطويل وأسهمت في تطوره العلمي والفني والأدبي. أما إنسان العصور القديمة فقد كان حاضره يرتبط بسلسلة أحداث صنعتها قوى خارقة في البدء، أي أن الأبطال الذين صنعوا تأريخه كانوا آلهة وهو لذلك مقدس (...) ولهذا كان منطقيا أن يعيد الإنسان القديم ما حدث في البدء عن طريق إقامة الطقوس، ذلك لأن معرفة الإنسان القديم بالأساطير، أي لتأريخه المقدس كانت أمرا ضروريا ليس فقط لأنه تعطيه تفسيرا لأسرار الكون وعن كيفية وجوده هو بالذات فيه، وإنما لأنه يستطيع من خلال استذكار الأساطير ومن خلال إعادة وقائعها أن يعيد ما صنعته الآلهة والأبطال والأجداد في البدء)20. إذن كان من المنطق أن يعيد السومريون والبابليون، وأن يكرروا الوقائع والأحداث التي كانت تحاكي ذلك الزواج الإلهي كل عام، فيقوم ممثلو الآلهة من البشر كالملك أو الكاهن الأعظم، بتقمص شخصية الزوج الإله بينما تقوم الكاهنة العظمى بدور الزوجة الآلهة. وقد ورد في كتاب الدكتور فاضل عبد الواحد علي، "عشتار ومأساة تموز" : ( أن المراسيم تبدأ بالزواج الذي يعتبر الحدث الرئيسي للاحتفالات، حيث كان يقوم في المعبد وتحت أشراف الكهنة ومن أبرز هذه المراسيم: نسابا

-       وصول موكب الملك إلى معبد الآلهة -أنا.

-       تقديم الملك إلى عروسه الكاهنة.

وفي هذا الطقس الذي يعتمد على مبدأ الحيوية والتشبيه، يرتدي الملك بدلة خاصة ويضع على رأسه التاج، ويقوم أحد الكهنة بتقديمه إلى عروسه الكاهنة. وتستقبل الكاهنة زوجها الملك وهي في أجل ثيابها وأبهى زينتها وأغلى حليها. وتصف النصوص المسمارية لحظة اللقاء هذه: نسابا

( تغتسل العروس بالماء والصابون وتطيب جسمها بالدهان والعطور وفمها بالعنبر وتزين عينيها بالكحل ثم ترتدي الثياب النفيسة وتلبس الأساور والخواتم والقلائد المصنوعة من الذهب والأحجار الكريمة)21. بعد ذلك مباشرة، تردد الكاهنة أغنية عاطفية تستنطق فيها " الوصال الجنسي" باعتباره العنصر الأساس الذي تدور حوله عقيدة الخصب. ويذكر الدكتور فاضل عبد الواحد علي، مثالا لهذه الأغنية التي كانت تنشدها إحدى الكاهنات إلى عريسها شو-سن ( 2028-2030 ق.م) رابع ملوك سلالة أور الثالثة:نسابا

( أيها العريس العزيز على القلب،

  ما ألذ وصلك حلو كالشهد

  لقد أسرتني فها أنا مرتعشة أمامك،

  أيها العريس ليتك أخذتني إلى غرفة النوم،

  أيها العريس دعني أقبلك

  فقبلتي العزيزة أحلى من الشهد،

  أيها العريس لقد نلت مني رغبتك

  فأخبر أمي لكي تعطيك ما لذ وطاب،

  وأخبر أبي لكي يقدم لك الهدايا،

  نفسك ... أني أعرف كيف أين أدخل السرور إلى نفسك !

  أيها العريس تعال ونم في بيتنا حتى الفجر.

  قلبك .. أني اعرف أين أدخل السرور إلى قلبك !

  أيها الأسد تعال ونم في بيتنا حتى الفجر.

  وأنت مادمت تحبني

  أتوسل إليك أن أقبلك

  يا سيدي الإله يا سيدي الحافظ

  يا شو- سن يا من يدخل السرور إلى قلب أنابل

  أتوسل إليك أن أقبلك ..).

بعد مجيء سادس ملوك سلالة بابل الأولى حمورابي ( 1792-1595 ق.م) الذي استطاع توحيد القطر في مملكة واحدة بعدما كانت عدة ممالك تحكم فيها جملة سلالات متعاصرة متنازعة. تفرد حمورابي بزعامة البلاد بعدما حقق وحدتها السياسية، وعندما صارت بابل  تحتل مركز الصدارة في بلاد وادي الرافدين حل "مردوخ"، مكان "تموز" وهكذا أدمجت في الألف الأول ق.م طقوس آلهة الخصب باحتفالات نشأة الكون وأصبحت أعياد رأس السنة تحتوي على فكرة  الزواج وقصة الخليقة معا، وصار من أبرز مظاهر هذا الاحتفال السنوي قيام الملك بتقمص شخصية الإله "مردوخ" بطل أسطورة التكوين البابلية ومحاربة "كنكو" قائد قوات تيامة والقضاء عليه في مسرحية دينية تجسد وقائع أسطورة التكوين*، مثلما بات الملك يقوم أيضا بتمثيل شخصية "تموز" إله الخصب وشخصية "انليل" إله الكون معا، فصارت شخصية الإله مردوخ تجمع فعالية الخصب وفعالية الكون. وبهذه الكيفية تأسست الطقوس الدرامية لاحتفالات رأس السنة الجديدة، على تمثيل قصة التكوين "موت وقيامة مردوخ" حيث كانت تجري الأحداث وفقا لما جاء في كتاب عشتار ومأساة تموز في بيت "أكيتو" وهو مكان خاص للاحتفالات الجماهيرية ويقع خارج أسوار المدينة، ويجري تمثيل هذا الطقس المسرحي، أن صح التعبير بكيفيتين.نسابا

-       الكيفية الأولى: شعبية.

-       الكيفية الثانية: دينية خاصة.

تتجسد في الطقس الشعبي فوضى العالم بعد غياب إله الخلق، حيث يقوم الشعب بتمثيل حالة الحزن والأسى الذي يرافق موت إله الخصب وتدور الأحداث جميعها في الشارع. في حين تجري أحداث الطقس الديني في المعبد، بسرية مطلقة لا يطلع عليها الجمهور العادي ويتم خلالها تمثيل عملية تخليص وتحرير الإله مردوخ على يدي أبنه "نايو". إن الاحتفالات البابلية وطقوس الزواج، ومأساة تموز ونزوله العالم السفلي وانبعاثه من جديد، وجميع هذه الإشارات أن دلت على شيء فإنها تدل على أن الحضارة العراقية القديمة كانت تحتوي على أنشطة وفعاليات شبه مسرحية قوامها "المحاكاة " والتقليد للكثير من المظاهر والهيئات التمثيلية مثل: محاكاة الآلهة من قبل البشر وتمثيل الفوضى التي تدب في الأرض بعد غياب الآلهة وتصوير الحروب والمعارك بين الآلهة ومكان خارج أسوار المدينة والطقس السري لتحرير مردوخ من قبل ابنه، حيث يصاحب ذلك صوتان، الأول يعلق على الأحداث التي تنفذ بشكل إيمائي والآخر يلاقي الرد على شكل مونولوج طويل يأتي على لسان "كاهن" أو " كاهنة ". زد على ذلك أن هذه الاحتفالات والطقوس كانت لا تخلو من إشاعة روح المرح والغناء والرقص على أنغام الآلات الموسيقية البابلية. إن الشيء الوحيد الذي يؤسف له، أن جميع هذه الأنشطة والتسليات ظلت حبيسة نفسها، محصورة بمراسيم وطقوس داخل جدران المعابد والساحات المخصصة للاحتفال، لا تؤدي سوى وظيفة دينية لم تحاول أن تخرج عن إطارها الديني إلى الدنيوي ولهذا السبب بالذات، تعذر على الكثير من الكتاب والدارسين الحصول على صيغة مسرحية قائمة بحد ذاتها، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، أن مجسدي هذه التسليات المسرحية كانوا يقومون بأداء شخصيات وأحداث مقررة مسبقا ومعروفة، لذلك أن اهتمامهم لم يكن منصبا على الكيفية التي يمكن أن تقدم فيها الشخصيات، وإنما على الطقس الديني وما يدور به من فعاليات وأنشطة تحاكي الشعيرة الدينية.نسابا

   إن ما حدث في حضارة وادي الرافدين يمكن أن ينطبق ويسري على الحضارة الفرعونية التي شهدت هي الأخرى طقوسا شعائرية واحتفالات كرنفالية حاكت وخاطبت مثلما قلدت مظاهر دينية كثيرة شبه مسرحية، إذا لم تكن كذلك. ولقد لجأ الكثير من الدارسين والمهتمين بهذه الحضارة إلى افتراض تمثيليات ومشاهد مسرحية، معتمدين في ذلك على "البرديات" القديمة. ومن خلال هؤلاء الكتاب نذكر على سبيل المثال"  E. Drieton"الذي تحمس لقضية معرفة المصريين بالمسرح مثلما تحمست الكاتبة "مروزنجارتن" لقضية المسرح في وادي الرافدين حيث نشرت هذه الباحثة أكثر من مخطوط ومقال تشير فيهما وتؤكد على وجود مسرح ديني سومري22. فهي على سبيل المثال، درست مستويات الخطاب في نصوص "مراثي المدن" وبالذات نص "رثاء أور" الذي كتبه السومريون في ذكرى مدنهم التي غالبا ما كانت تتعرض للدمار والتخريب على أيدي الغزاة والبرابرة المحيطين بهم. ومن ثم قامت بتحليل ضمائر المتحدثين ومصائرهم ومكانتهم الاجتماعية والدينية والإلهية. ولقد ذهبت الكاتبة بعيدا في بحثها عندما حاولت أن تعقد مقارنات تطبيقية بين دور الجوقة في نص "رثاء أور" ودور الجوقة في التراجيديات الإغريقية عند اسخيلوس وسوفكليس. ثم لجأت إلى تقسيم النص إلى أربعة أزمان متسلسلة.نسابا

الزمن الأول: تهدم المدينة في الماضي.

الزمن الثاني: ترميمها في ماض أكثر حداثة.

الزمن الثالث: الأمنيات المتعلقة بالمستقبل.

لقد وصل الحال بحماس وإيمان هذه الباحثة إلى كتابة سيناريو ختامي استلهمته من أحداث النص الدرامي الذي تشير فيه إلى إمكانية أن يختم النص المسرحي في بيت شعري توجهه الجوقة إلى الآلة قائلة: (أيها الاله نانا، مدينتك المرممة، تسمو بك إلى المجد بأمجادك). وتقول الباحثة في هذا الصدد: ( يبدو لي بوضوح أن النص السومري قد مثل وقد مثلته جوقة قابلة إلى الانقسام إلى فئتين، ورئيس جوقة، في الأرجح، وعازفان على الصولو يقومان بدور الربة ننجال والمقدس في النشيد الأخير. وليس بمرفوض في هذه النظرية أن يعتبر التمثيل وكأنه عمل ديني، إن لم يكن طقسا من طقوس الدين، وأن يختار الممثلون من هيئة المعبد، فالربة والمقدس يمكن أن يكونا كاهنة وكاهن. فمما لا ريب فيه أن المجتمع السومري لم يعرف التمييز الذي يحدث في أفكارنا وفيما نعاني من أعمال بين الأمور الدنيوية والأمور المقدسة. ويبدو هذا ظاهرا في "مسرحه" كما هو ظاهر في المسرح الإغريقي الذي طالما رجعت إليه في تضاريس هذا البحث)23. نسابا

السيناريو الختامي وفقا لافتراضات الباحثة:

الجوقة:

62- الرؤوس السوداء التي طردت تخر ساجدة تعفر الوجه أمامك !

63- عبرات المدينة التي قلب عاليها سافلها، ذرفت حقا أمامك.

64- أيها الإله نانا لتغدُ مدينتك المرممة الآن متألقة زاهية من أجلك.

65- لتكن رفيعة الشأن كالنجمة النقية، فستمضي في طريقها أمام عينيك.

66- أيها الرب رجال مدينتك يحملون إليك عطاياهم.

67- وهذا الذي يقدم الهدايا سوف يصلي لك.

(دخول هذا الرجل)

المقدس

68- أيها الاله نانا، يا من تشفق على بلدك.

 69- أيها السيد الاله اشئمبابار، حين أعطف قلبك بكلماتي،

70- أيها الاله نانا، حرر أناسي مدينتك من أثمهم !



الجوقة:

71- أنت يا من تنطق بالصلاة، وفي وسعك أن تهدئ قلبه !

72- انظر بعين الرضا هذا الذي يقدم الهدايا والحاضرين من أبناء مدينتك.

73- أيها الاله نانا، يا من نظرته الرحيمة تبهج القلوب.

433- قلوب هذا الشعب الفاسدة وفي وسعك أن تردها كلها إلى الطهارة !

434- قلوب زبناء بلدك أفي وسعك أن تجعلها طيبة !

الجوقة

435: أيها الاله، مدينتك المرممة تسمو بك بأمجادها إلى مجدك24.



   لقد حاولت أيفون روزنجارتن، أن تبرهن على امتداد بحثها على وجود ظواهر وتجليات مسرحية في الحضارة العراقية القديمة شأنها شأن E. Deroton الذي يرد المسرح المصري إلى حوالي 3200 ق. م ويشاركه في هذا الرأي العالم الألماني Zita وهكذا تختلف الآراء والتقديرات حول تاريخ ظهور المسرح سواء في الحضارة العراقية أو المصرية، مثلما تختلف الأسئلة تتضارب حول السبب الذي أدى إلى عدم تطورها في كلتا الحضارتين اللتين سبقتا، من حيث الزمن الحضارة الإغريقية وشواهدها التمثيلية وطقوسها الجنائزية واحتفالاتها بأعياد الآلهة. ثم أن ارتباط وانطلاق المسرح الإغريقي من الطقس الديني دفع الكثير من المؤرخين والباحثين إلى القول بوجود مسرح عراقي ومصري قديم ولكنه بل اشك كان أقل تطورا من المسرح الإغريقي نتيجة لفارق الزمن والمرحلة والتاريخ واختلاف مشهدية الظاهرة. ومثلما تقول كتب التاريخ، أن الإنسان قد عاش شطرا كبيرا من حياته بنوع من البدائية في عصر أطلق عليه اسم "عصور ما قبل التاريخ" قبل أن يقفز إلى عصر فجر الحضارات. ولقد تحقق ذلك بانتقال سكان وادي الرافدين ووادي النيل من عصور ما قبل أواخر الألف الرابع قبل الميلاد إلى حياة الحضارة والمدينة، التي نشأت فيها المقومات الأساسية للحياة كالمدن والمعارف إلى غيرها من العناصر والمقومات التي يمكن الاطلاع عليها بشكل تفصيلي في كتاب طه باقر "مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة" الذي جاء فيه25، إن أدب وادي الرافدين لو قورن وقوبل مع آداب الحضارات القديمة الأخرى، فإنه يعتبر الأقدم. لأنه قد تم إبداعه وازدهاره في أواخر الألف الثالث ق. م وبداية الألف الثاني ق.م. في حين ينسب أدب مصر القديمة إلى عصر الأهرامات وهو عصر ازدهار الحضارة الفرعونية ونضجها في الألف الثالث ق.م. وبموجب باقر:(أن المنقبين والآثاريين قد اكتشفوا حديثا في "أغاريت" المدينة الكنعانية القديمة أدبا كنعانيا، يرقى تاريخه إلى حدود منتصف الألف الثاني ق.م، أي إلى ما بعد العهد الذي دون فيه أدب وادي الرافدين بأكثر من خمسمائة عام)26. وفي كل الأحوال فأن كلا الحضارتين العراقية والمصرية على اختلاف مراحل نشوئهما وتطورهما قد منحتا -في النتيجة- البشرية مثلما مهدتا لظهور المسرح أكثر بقليل مما مهدت عصور ما قبل التاريخ. ولكن على الرغم من كثرة المعلومات المتوافرة عن الحضارتين القديمتين، لم يستطع الباحثون والمؤرخون الاطمئنان إلى تلك المظاهر القديمة حتى بعد إعادة صياغتها ولهذا السبب ظل الشك والريبة يخيمان ويرافقان جميع البحوث التي عالجت موضوع المسرح. في حين يجد الكتاب والباحثون الغربيون ضالتهم عند الإغريق، في أناشيد الدايثرامبوس27 التي تعتبر أول أعمال تراجيدية تستنطق النظام الأخلاقي للكون في القرن الخامس ق. م على يد اسخيلوس ويوربيدس وغيرهما من الكتاب التراجيدين والكوميديين أمثال ارستوفانيس. لكن ميول هؤلاء الكتاب والمؤرخين إلى هذا الاعتقاد الصارم والجازم الذي ينكر على الشعوب الأخرى معرفتها بالمسرح، لا يستطيع أن يؤكد على أن النشأة الأولى للمسرح كانت إغريقية، لأن المسرح كفن يخضع للقواعد وأنظمة تتغير وفقا لتغير العصور والحضارات. إذن فهو فن لا يمكن أن يكون وليد اللحظة أو اليوم أو الليلة، وإنما تكون في البداية من نواة صغيرة نمت وتفرعت عند الشعوب البدائية وتغيرت ملامحها وأصولها على مر الأيام والسنين بعدما انتقل الإنسان البدائي إلى عصر الحضارات، حيث المدنية والقانون والعلوم والفن والأدب والمعمار. فالفن في جوهره نتاج حضاري معقد تصنعه الشعوب بتجاربها وبمعايشتها لشتى العناصر والظروف التي تتداخل فيما بينها لكي تعطي للظواهر مدلولاتها. وإذا كان البعض يعتبر المسرح اليوناني هو الأكثر انتشارا، وهو الأكثر مصداقية ورسمية من غيره، فلا بد لنا أن نسجل في الوقت نفسه، أن لكل مجتمع أو حضارة قديمة مسرحها وظواهرها التي تتميز عن غيرها.
المصادر :
1 -  جان دوفينيو، سوسيولوجية المسرح، مطبعة الجامعة، باريس 1965ن صفحة .4.
2–Michel Corvin, Dictionnaire Encyclopédique du théâtre Bordas, ذ York, 197.
                3 - رولان بارت، محاولات نقدية، دار نشر سوي، 1964، صفحة 20.
                4-  Patrice Bavis, Dictionnaire, Editios Sociales, Paris, 1987,
*- إن المسرح يخلف مثلما يرسل مختلف الآثار المرئية وغير المرئية والمقصود بالآثار المرئية: ما يقترحه وما تتركه معمارية المسرح، الديكورات، الملابس، النصوص ولكن تبقى النصوص على الرغم من ظاهرانيتها، تتأرجح ما بين الطريقين "للمرئي وغير المرئي" لأنها مغلقة في نفس الوقت، على الماضي من حيث المفهوم ومفتوحة على الحاضر من حيث المعنى وان هذا الانفتاح يجعله عرضة للتساؤلات المستمرة. أما الآثار غير المرئية فهي كل ما يخص الإخراج بشمولية التمثيل، الحركة وسرانيتها، الصوت وخفاياه، الصورة وانعكاساتها. فالمسرح في النهاية عبارة عن تنظيم لمجموعة من العناصر. "المؤلف"
5- جان دوفينيو، المصدر السابق، صفحة 6.
6-édition sociales, Paris Anne Ubersfeld, L école du spectateur,
7 – ارنست فيشر، "ضرورة الفن"، ترجمة ميشال كليمان، بيروت، دار الحقيقة، صفحة 26.
8– وولتر تيري، "الرقص في أمريكا"ن ترجمة أورخان ميسر، بيروت، دار اليقظة العربية، صفحة 17.
9- شلدون تشينين تاريخ المسرح في ثلاثة آلاف عام، ترجمة دريني خشبه، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة العامة للتأليف والطباعة والنشر، القاهرة 1963، صفحة 13.
10-Aristotles Poeties, Oxford. 1909, tranlatied by Ingram By Water. Chapter vi.
 11- السير جيمس فريزير، الغصن الذهبي، القاهرة الهيئة المصرية للتأليف والنشر 1917، ص 114                                                                                                         .
12- Le theatre et son double, by antonin Artaud, 1964 by Edition Galimard.
13-ش.م.يورا، التكوين والأداء في الأغنية البدائية, ترجمة عصام المحاويلي، مجلة التراث الشعبي، بغداد وزارة الثقافة والفنون 1977، العدد 12، ص 106.
14- طه باقر، ملحمة جلجامش، منشورات وزارة الأعلام- الجمهورية العراقية 1975، ص 12. 
15- طه باقر، نفس المصدر السابق، ص 108.
16- طه باقر، نفس المصدر السابق. انظر البحث للأستاذ "لادزربرجر" المنشور في خلاصة أبحاث المستشرقين من جماعة ثورودانجان في المؤتمر السابع المنعقد بباريس 1958.
18-  جعفر الخليل، موسوعة العتبات، قسم النجف، دار التعارف- بغداد 1965، ص 86.
19– انظر: مجلة سومر، فاضل عبد الواحد علي، أعراس الإله تموز ومأساته في طقوس الزواج المقدس والحزن الجماعي، جامعة بغداد 1975، صفحة 57.
20- مجلة سومر، نفس المصدر السابق.                                                                                                          
21 – فاضل عبد الواحد علي، عشتار ومأساة تموز، دار الحرية 1973، صفحة 131.
*- جاء في قصة التكوين في وادي الرافدين أن المياه الأزلية أبسو (المياه العذبة، مذكر) وتيامة (المياه المالحة، مؤنث) كانا مصدر الوجود وأنه نتيجة لامتزاجهما ولدت أجيال من الآلهة. غير أن الأجيال الجديدة لم تلبث أن اضطرت إلى خوض معركة مصيرية ضد أبويهما ابسو وتيامة عندما اكتشفوا أن أبسو دبر مكيدة لأباد الآلهة الجديدة بسبب انزعاجه من سلوكها وضوضائها. وقد انتهت الجولة الأولى بانتصار الآلهة الجديدة عليه وبمقتله، ولما عزمت زوجته تيامة على الانتقام له أصاب هذه الآلهة الذعر أمام قوتها السحرية الخارقة. وبعد الأخذ والرد وقع اختيار الآلهة على مردوخ "الإله القومي وبطل أسطورة التكوين في النسخة البابلية لقيادة الحملة ضد هجوم تيامة، وهكذا استطاع البطل الإله مردوخ دحر جيوش تيامة وتمكن من قتلها، وبعدئذ تقول الأسطورة البابلية أنه شطر جسمها فخلق من إحداهما السماء ومن الآخر الأرض ثم تبع ذلك خلق الإنسان والنبات والحيوان والحرف والصناعات. فاضل عبد الواحد علي، مجلة سومر، نفس المصدر السابق، ص 56.
22- انظر: أيفون روزنجارتن، في موضوع مسرح ديني سومري، مجلة سومر المجلد الثاني والعشرين 8/1972 بغداد.

-23  مجلة، سومر، أيفون روزنجارتن، تعريب فهد عكام، مديرية الآثار العامة، وزارة الأعلام، الجمهورية العراقية، المجلد الثامن والعشرون 1972، ص 284.
24  -  نفس المصدر السابق، ص 285.
 25  - مجلة سومر، نفس المصدر السابق، ص 285.
26  - انظر: طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، الطبعة الثانية، 1955، الجزء الأول، الفصل التاسع عشر.
27 - الديثورامبوس، هو أول نوع من أنواع الشعر الغنائي الذي كان ينظمه الشعراء وينشدونه في مهرجان ديونسيوس، وكان ينشد هذا الشعر في بادئ الأمر بمصاحبة الناس، وكان يتخذ موضوعا من أسطورة الأله. فيتحدث الشاعر عن ميلاده ويتعرض لتفاصيل حياته، ويصف الأخطار التي مضت به، وكان يضم إليه مجموعة من الناس يلقنهم بعض الأبيات التي تمتلئ بالحزن والأنين يرددونها أثناء إنشاد المقطوعة وكانت هذه الجماعة تكون ما يعرف بالجوقة وكانوا يرتدون في حفلات ديونسيوس جلود الماعز ليظهروا بمظهر السائبة اتباع الاله- الاراديس نيكول، المسرحية العالمية، الجزء الأول، ترجمة عثمان نويه، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، ص 10.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق