تصنيفات مسرحية

الأربعاء، 27 أبريل 2016

النص المسرحي العراقي بين سلطة الكلمة وأفق الصورة / راسم منصور

مجلة الفنون المسرحية
   
يستمد المسرح العراقي أهميته التي يمتاز بها بين مسارح الدول والأمم الأخرى كونه لم يهمل الكلمة ويتجاوز النص الأدبي كمنطلق أساسي ومرتكز أولي للفعل المسرحي الكامل، فالكلمة لدى المسرحيين العراقين لم تمت أو تفقد أهميتها في بناء عرض مسرحي ينطلق منها ويستنطقها وفق قراءات مختلفة. لربما اهتزت الكلمة والحوار في بعض الفترات واجتزأت الجمل والمنلوجات لغايات يعتقد من قام بها أنها ستسهم في خلق مسرح مختلف ومغاير للسائد والمألوف، وهنا أيضا لم يقفز صناع المسرح العراقي فوق (النص المسرحي) بشكله وتعريفه المتعارف عليه، بل حاولوا أن يجعلوا من إجتزاءات النص المسرحي وبعض الخروقات للمنطوق اللغوي شكلا جديداً يعتقد أنه يساهم في تقليل هيمنة اللغة والحوار والقفز نحو منطقة العرض المسرحي الذي يعتمد الصورة والشكل كأسلوب عرض جديد. وبالرغم من كثرة هذة المحاولات وأصرار عدد من صناع العروض المسرحية العراقية على انتهاج هذا الأسلوب والتركيز عليه لاسيما المخرج المسرحي (صلاح القصب) وقبله محمد حميد جواد ومنْ كان يتلاقى مع
طروحاتهم التي نظروا لها ولاقت أنتشاراً مناسبا، إلا أن الباحث المسرحي يجد أن حتى هذة المحاولات أنما هي ترتكز في أساسها على منطلقات النص الفكرية التي تتشكل بالكلمة والحوار وأن تم اغفال الحوار والكلمة ودورها في جسد العرض والركون الى استخدام المونتاج الصوري المعتمد على البنية الدائرية المشتتة  أو ما يطلق عليه ( البؤرة المشتتة) في مثل هكذا نوع من العروض المسرحية والتي أطلق عليها اسم (مسرح الصورة). وبالرغم من انتشار هذه العروض وبروز نوع آخر من العروض المسرحية والتي أطلق عليها مسرح (مابعد ٢٠٠٣ أو مسرح المحكي او المتداول ) والذي جاء نتيجة لاهتزازات كبيرة على مستوى القيم والأفكار وحتى الحالة السايكولوجية للمجتمع العراقي وفقدان الشعور بأهمية النص المكتوب الذي يحوي الأسس الأرسطية او الأسس الحديثة للنص المسرحي، إلا أن هذا النوع من العروض المسرحية لم يستطع أن يزحزح ثبات النص والكلمة والحوار الذي هو جوهر الفعل المسرحي واحد اهم أسباب بناء مشهدية الصورة المسرحية. فالشكل لا يتأتى إلا من مضمون والمضمون لا ينتج شكلاً عميقا دون قيم وأفكار تحملها الكلمة التي هي أساس الحوار المسرحي الذي يشكل مع الشخصيات والمكان والزمان اساسيات المسرح. فالمسرح مهما اختلفت أساليب تناوله وطرائق صناعته يبقى للكلمة والحوار الدور الأساسي في وجوده، وهنا يمكن القول أن المسرح العراقي واحد من أسباب ديمومته وبزوغه الواضح هو أصراره على اهمية الكلمة وأهمية المؤلف المسرحي ولم يشارك صناعه السابقون أو المعاصرون في مأتم (موت المؤلف) الذي أقيم في أكثر من مكان. فالمسرح في جوهره الحقيقي أدب وإن حاولنا أرشفته كفعل فني لكن التاريخ يؤكد دائماً في سياقاته أن المسرح رحلة بحث تبدأ بالأدب أولاً وتنتهي بالفنون ثانياً وهي رحلة بحث لا مستقر لها.

--------------------------------------------------
المصدر : كهرمانة نيوز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق