تصنيفات مسرحية

الجمعة، 8 أبريل 2016

قراءة في كتاب جمالية الرؤية الفنية في المسرح والسينما للدكتور عقيل مهدي / سعاد نعمة حسين

مجلة الفنون المسرحية

في الفصل الاول من كتابه ( جمالية الرؤية الفنية في المسرح والسينما ) الصادر عن دار الفتح للطباعة في بغداد ،يستعرض الاستاذ الدكتور عقيل مهدي مجموعة من الاعمال المسرحية العراقية بتجاربها المختلفة واساليبها المتنوعة من حيث النص والعرض والتي اجتمعت باتجاه واحد في التصدي للارهاب ، في محاولة لاعادة التاريخ ، كما يشير المؤلف في التمهيد لكتابه ، وبطريقة ايجابية ، تثير الحماسة الوطنية وترص موقفا موحدا للشعب ..، وكيف يصطف الفنان المسرحي الى جانب شعبه ، ويدعو الى ضرورة الانتصار على فاشية الارهاب ، وبالنقد والتحليل ، ومن اوجه متعددة تناول أكثر من عشرة عروض مسرحية في مقدمتها ( هلوسة تحت النصب ) تاليف واخراج عواطف نعيم ، اذ يظهر حجم الخراب والدمار الذي حل بتفاصيل الحياة ليقابل بالرد عبر الرفض والتحريض جماليا ،وفي هذا الصدد يقول  
( اجتمعت في العرض اجراس الكنائس وتكبيرات الجوامع وحب العراقي لاخيه والشعور بكبرياء النشيد الوطني ، بلغة واضحة وخطاب مباشر وعرض متقشف ، ولعل المتلقي حين يعرف اسباب الدمار ، فان بمقدوره الحراك للتغيير ..)  ويرصد صعود الحجاج وسقوطه في ( مكاشفات ) اخراج غانم حميد الذي اعاد بعضا من تقاليد المسرح العراقي من حيث تنفيذ سينوغرافيا مبتكرة في تجربة اخراجية لاتقل عنها اهمية تجربة د.ياسين اسماعيل  في ( سفينة آدم ) تاليف علي عبد النبي وجهود صفوة من الفنانين لتحفيز المتلقي على المشاركة في الحدث ، بما يمتلكون من مهارة متقنة ولباقة احترافية لصنع خطاب العرض الذي ينشط مهارات التأويل  في الصالة .

         وفي ( هل تسمعني أجب ؟ ) لماجد درندش ،اخراج خالد علوان ، يرى في النص أو بما اسماه (المشكاة الانفعالية الهائجة ) حافزا مثيرا للمتلقين المكلومين بعذابات الوطن والمؤمنين بان المسرح يعالج انحراف الاخلاق من خلال تقنيات فضاء النص الاحادي ، كما اراد الكاتب مع فضاء المسرح بزمانه وايقاعه وهندسة حركة الممثل كما اشتغل عليه المخرج .

      ويكشف عن التوحد والغربة والموت في في حكاية امراة مهمشة في عرض   ( نورية ) تاليف واخراج ليلى محمد ، اذ يعده عرضا نسويا بامتياز ، نظرا للجهد  المشترك بين كتابة ليلى محمد وتمثيل هناء محمد .وكان عرض ( وفجأة تحولت ) للدكتورة فاتن الجراح العمل الوحيد المختلف عن سواه ، من الجمهور المتلقي المتمثل بفئة الفتيان والداعم لمسرح الطفل ، اذ يتعرض لقضية مصيرية بالغة الاهمية ، الا وهي مشكلة الهجرة والعودة الى بغداد الوطن ، وقد حقق العمل هدفه الوطني والاخلاقي والجمالي وفقا للمؤلف .

         في مسرحية ( حصار آمرلي ) التي ترصد المواقف البطولية لابناء مدينة حوصرت من قبل الارهابيين وتظهر بسالة المدافعين والتاكيد على محبة الآخر بين اهالي المدينة  ، يلاحظ ان العرض اعتمد مفردات بسيطة تتجانس مع هدفه التحريضي التعبوي بلغة قريبة من هموم الناس البسطاء ، وحقق المخرج جمال الشاطي مع الكادر درسا تطبيقيا جاء بتضافر جهود الاساتذة والطلاب في معهد الفنون الجميلة ببغداد ، لافتا الى اهمية هذا الجانب لغرض تعزيز الدرس التربوي ، وكما هو الحال ايضا في عرض ( الحواسم ) تاليف عمر صالح واخراج كريم خنجر

جوانب اخرى مهمة

واللافت في المتابعة النقدية في هذا الفصل هو ان اغلب الاعمال التي تناولها بالدرس والتحليل ، لم يغفل جهود العاملين والفنيين في العروض على مختلف مستوياتهم وتقنياتهم ، منها على نحو خاص السينوغراف ، المؤثرات الصوتية ، الموسيقى …ألخ ، فهم لايقلون اهمية عن سواهم ، كونهم جزءا متكاملا من العرض ، وفي هذا الجانب يذكر على سبيل المثال في ( ساعة المبكى ) اعداد واخراج مهران عبد الجبار كاظم ( في الصورة المسرحية تضافرجهودالاضاءة  ،(ناظم حسن )،والداتاشو   حيدر فوزي و( ماكير ) ستار ،ومما اضفى بعدا بصريا حركيا ، كاسرا للسكونية ،الحركات ،الكوربورغرافي ( الحركات التعبيرية للمجموعة ) عامر، صبري ، سجاد ، أكرم ، قاسم ، وكذلك مونتاج محمد ومسكر عبير ، وكذلك يشيرالى هذا الجانب  في معرض حديثه عن الممثلين في مسرحية  (ضياع ) للمخرج حسين علي صالح ( .. ترابط الشكل والمحتوى والجسد والفكرة والذاكرة والخيال) في اطار فني واحد متماسك ، والى ان الاضاءة عززت المشهد الجمالي بظلاله والوانه وتكويناته اللونية التي وظفها في السينوغرافيا علي السوداني بمهارة واضحة ،.. وفي  الموسيقى وهي من تصميم وانتقاء ( علاء قحطان ) الذي اختار الحانا عالمية ومحلية ليعزز المتعة الحسية ، وكذلك يولي المؤلف  الاهتمام ويلفت الانتباه في هذا الاطار من خلال رصده لمسرحية ( وجهي ليس في المرآة ) اخراج نغم فؤاد سالم التي استعانت بالكيروغراف / الرقص التعبيري / من تصميم محمد عمر وكرار نوشي .

           ويختتم الفصل بعد الاشادة المسؤولة بالظاهرة المسرحية العراقية في مواجهة الارهاب مؤكدا ( ان كل عراقي في هذا الزمان والمكان يمر في لحظة تاريخية يستحيل فيها الفصل بين الثقافي والسياسي ، فهما مترابطان مع بعضهما ومع طبيعة المرحلة وكذلك يتناسبان مع الخطط الفكرية والجمالية والقانونية .

       في النقد المسرحي

وفي الفصل الثاني يكتب في النقد المسرحي ،منطلقا من قراءة رسالة المخرج البولوني ( كريستوف ورليكوفسكسي )  الموجهة الى المشتغلين بالمسرح والتاكيد على الابتعاد عن القوالب النمطية واستخراج المكنونات الثمينة للنص او البحث بين السطور والارتجال البعيد عن ما اسماه بالشطارة السطحية وكذلك ضرورة ادراك ماضي المسرح ومستقبله ، فالمبدع بحسب قراءة المؤلف لخطاب كريستوف ، لا بد من ان يكون مستقلا بين نفوذ الماضي وقوته وبين جاذبية المستقبل ورؤيته الجديدة والتواصل بين ما يرى ويلمس وبين القيم الجمالية والسياسية والاخلاقية .

       ويطلعنا د.عقيل على طائفة من الصور عن المسرح الهولندي عبر كتاب ( ضفاف امستل ) للفنان المغترب صالح حسن ويظهر سلسلة من العروض المنوعة التي تحفل بها الحياة الثقافية الهولندية ، بين تراجيديا شكسبيرية ويابانية كابوكية  ورقص كلاسيكي وحكاية جسدية عن الحب والحرب وغيرها وينتقل بنا الى مسرح الطفل بموضوعاته المبسطة ومسرحين اتراك في عرض ضدالارهاب،وعروض اخرى عديدة تعكس الحراك الفني في هولندا

         وبصدد مصطلح الميزانسين يحاجج د.عقيل مهدي  الاستاذ سامي عبد الحميد  ويرد عليه بالدليل في اكثر من موضع على ان ما يعنيه هو ان الميزانسين هو جزء من الاخراج ويخص عمل الممثل مع نفسه ومع الدور في بعد تشكيلي على وفق خطة مبتكرة ، ليست جاهزة قبليا من المخرج ،خلاف ما يذهب اليه عبد الحميد وبتمكن واضح يتناول المثاقفة المسرحية بوصفها الارضية الحقيقية في تداولية طائفة كبيرة من الكتاب والمخرجين الرواد والمسرحيين الشباب ، وخلال دراسة استطلاعية يكشف اهم الملامح في اتجاهات التداول في الرؤى الاخراجية  ،منها الملحمية البرشتية ،والواقعية  ، والموروث ، وظهور المؤلف المسرحي وصناعة النص كمسرح الصورة والسيرة الافتراضية ويخلص الى الخروج بتوصيات مهمة ، ابرزها ضرورة فتح التعاون العراقي والاقليمي والدولي مسرحيا ، واستثمار التكنولوجيا والسينوغرافيا العالمية والدعوة لكتابة نصوص مسرحية تحفظ القيم الوطنية وترصين الفكر المسرحي التنويري وتعميق الصلة بين تجارب الرواد والشباب .

كتاب مسرحيون ومخرجون

وفي الفصل الثالث  يسلط المؤلف الضوء على اسماء مهمة في المسرح بمستويات متعددة منها الفنانه سميحة ايوب ومشروع المسرح النسوي واسهامات هذه الممثلة المبدعة مشيراالى ابرز محطات حياتها الفنية ومواقفها مع شخصيات سياسية وثقافية ،حيث نالت اعجابهم على مستوى الاداء والتمثيل كعبد الناصر ،وميشيل جي وزير الثقافة الفرنسي ،وهلينا فايجل الممثلة الاولى في مسرح بريخت ،وجان بول سارتر ،ويخلص المؤلف الى القول في وصف سميحة ايوب الى انها واحدة من بين الممثلات العربيات وصلن القمة من خلال شخصية مثقفة ناجحة وموهبة تتكامل ابعادها وتقنياتها ،صوتا وجسدا وروحا وموقفا من التاريخ والمجتمع والفكر،ويتتبع مراحل ومحطات المسرح العراقي طوال مئة عام بدءا من محاولات حنا حبش الاولى في الموصل في العام 1880،ومرورا بما شهدته بغداد من فعاليات مسرحية ابان الاحتلال الانكليزي وتاسيس الدولة العراقية واثر الفرق الانكليزية والعربية في تشكيل نواة المسرح العراقي وجهود حقي الشبلي في ذلك ،الذي استقطب جيلا من المثقفين والكتاب وبروز الفرق المسرحية في فترة السبعينيات والثمانينيات،وما حققه الفنانون ابان تلك الفترة واثار ذلك على المسرحيين الشباب لاحقا .

ويفرد د.عقيل صفحات عدة لاضاءة سيرة حياة يوسف العاني ومتابعة ابرز العلامات فيها والمتغيرات والتطورات اللاحقة ،متتبعا سني دراسته الاولى وتأسيس فرقة المسرح الحديث ،اذ يرى المؤلف في تجربة العاني  منعطفات وتحولات في تقنياته الكتابية والتمثيلية ،ليجمع مابين رأس الشليله في العام 1954بين الواقعية والملحمية والتسجيلية والتعبيرية  ،متطرقا الى ابتكارات العاني في النص والعرض وتجربته في الخمسينيات والافادة من المسرح الالماني ومن ثم الانكليزي والمسرح الجديد في العراق ومسرح الحداثة والحداثيين الذين تعلموا الكثير من كتاباته وتمثيله .

ويضع المؤلف (الكاتب عادل كاظم ) في موضع الريادة التجريبية وتاسيس نص رصين ،وكيف اجتمعت لديه وتشكلت عنده ما اسماه (الانموذج المعرفي الخاص) ،وهو نتيجة تفاعل بين التجارب الدرامية العالمية والخبرة الحياتية ،واقام شهرته على اثر التفاعل بينه وبين المخرجين العراقيين ،يقدم بذلك عطاء دراميا منذ الستينيات ،بدءامن مسرحية الكاع ومرور بتموز يقرع الناقوس وغيرهما،وحتى نديمكم هذا المساء .

ويسترجع د.عقيل مهدي سيرة حياة الكاتب نور الدين فارس منذ تاسيس فرقة مسرح اليوم وانجازاته في النص المسرحي من (اشجار الطاعون )التي عالجت مشكلة الفلاحين والاقطاع وتطوراته اللاحقة التي اشرت لميلاد وضعية حضارية جديدة ،بحسب المؤلف , و مسرحية (العطش والقضية ) التي حظيت باهتمام نقدي بالغ ومسرحية (الغريب ) فضلا عن النصوص الاذاعية وكانت للمؤلف مع نور الدين فارس لقاءات وذكريات في سني الدراسة المشتركة في , بلغاريا اذ يصف تجربة فارس المسرحية بانها متوافرة على افكار وموضوعات اجتماعية يدين من خلالها التشكيلات الاجتماعية المتخلفة بفعل الصراعات الطبقية . وعن عزيز عبد الصاحب مؤلفا وممثلا مسرحيا يخصص د.عقيل صفحات عدة اذ يكتشف في مشروع هذا الفنان وتجربته انه يغوص في داخله اكثر من خارجه وبجلباب صوفي متأخر في زمانه امثال الحلاج وابن عربي والسهروردي راصدا مشروعه منذ زنزانته رقم 16 وكتاباته وتمثيله في مسرحيات عدة منها شجرة العائلة , ابن ماجد , بشر ابن الحارث , و الباب العالي … الخ

 مستعيدا في ذاكرة المسرح العراقي الكاتب بنيان صالح الذي كان يحرص على الاقتراب من مشكلات المجتمع التي يغذيها بافكار تقدميه تعزز دلالاتها ما يجري في الشارع العراقي مسلطا الضوء على ابرز ابداعاته من خلال د.عباس الجميلي في كتابه ( جمالية الوثائقية الفكرية في الدراما ) مستعرضا حياته ومسرحياته كسيرة ( اس ) , العمة  الزرقاء , المانيكان , البندورة وتحليل البنية فيها .

ويتحدث د.عقيل عن جذور تجربته وعلى نحو خاص في مسرحية السياب (1984) اذ يرى في السياب انه يدمج صفة واحدة الغموض بالمأساة وكيف استطاع د.مهدي ان يضيف صوتا مسرحيا في اصوات الشاعر الثنائية , صوته الخاص وهو يخاطب القراء وصوت المسرح لتجسيد شخصيات رئيسه في قصائد السياب ويشير الى تجربته بخلاف سواه في مسرحة القصيدة الى كتابة مسرحية وشخوصها ( 10 ) مع السياب وليس وحده مؤكدا حقيقة مفادها هو ان في الدراما الشعرية ( مسرحة الشعر ) ينبغي ان يتحقق التكامل بين النمط الدرامي والنمط الموسيقي دون ان تفقد الاتصال بحياة الناس اليومية .

وضم الفصل دراسة نقدية لسعد عزيز اتخذت من د. عقيل مهدي انموذجا في كتابة السيرة الافتراضية في المسرح العراقي ،وبوصفه المؤلف والمخرج والفاتح لافاق جديدة والخارج عن المتوارث التقليدي للواقعية في المسرح العراقي واستعادة السيرة بشكلها الافتراضي وبعدها  عن موضوعات التاريخ و السياسة , والعودة للماضي كانت طريقة للخلاص من الرقيب الايديولوجي ابان الثمانينيات والتسعينيات , كما هو الحال في اعماله ،السياب, يوسف العاني يغني , جواد سليم يرتقي برج بابل , مسرح ايام زمان , في محاولة لاخضاع الوثيقة التاريخية للضرورة الدرامية بصيغة جديدة . وقدم المؤلف اضاءات في الفلم السينمائي وقضايا التنظير في الفصل الرابع والاخير , مستعرضا قيس الزبيدي مؤلفا ومخرجا سينمائيا وابراز مجموعة من التقنيات والمفاهيم الحديثة السينمائية ورؤية طائفة من المشاهير فيها وكذلك النقاد والفنانين من خلال كتابه بنيةالمسلسل التلفزيوني ويرى د.عقيل مهدي في جهود المؤلف ورصانة مراجعه من خلال الوظائف الخاصة ببنية الفلم وبقدرة تأويلية وممارسة فنية مبدعة لاثراء حساسية المتلقي وفي سياق متصل بالسينما يتناول المؤلف تجربة المخرج طارق الجبوري الذي بدء مشواره السينمائي بالافلام الوثائقية ليقدم فلمه الجديد ( الكعكة الصفراء ) في طريقة مغايرة للاسلوب العراقي ، ويجد د.عقيل في الجبوري جانبا ابداعيا خلاقا في التوفر على تقنيات فلم الاكشن بدراية واضحة.

 في التنظيرالسينمائي

 ويسلط الضوء على ابرز الافكار الجمالية بين السينما والصحافة في كتاب (البناء الدلالي لسردية الشكل السينمائي) للناقد احمد جبار ومناقشة قضايا وثيقة الصلة في هذا المجال كاهمية زوايا الكاميرا , والازياء , المونتاج , والمكياج وكذلك المبنى الحكائي ونقد الخطاب الفني بابعاده البنائية والفكرية بما تحتويه من شفرات دلالية ،ويرى د.عقيل مهدي ان احمد جبار الذي استطاع تأكيد عنوان كتابه اجرائيا هو من النقاد العضويين الذين يواصلون التعريف بجانب الدلالي وبسردية شكل الفلم على مستوى القارىء العام والمتخصص على السواء لاغناء الصحافة بالثقافة السينمائية الرصينة .

------------------------------------
المصدر : الخشبة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق