مجلة الفنون المسرحية
يخصص الكاتب الروسي "يو.أ.كرينكي" كتابه "المنهج العلمي في تربية الممثل" الصادر عن منشورات المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق فصول مؤلفه للحديث عن المهام والتمارين والأمثلة في أداء الممثل مع طرائق العمل بها حيث تأتي أهمية دور المدرس في حرفة التمثيل كون معلمي هذا الفن هم المرجع الأساسي في كل معضلة تعيق عمل طلاب الأكاديميات المسرحية خلال دربهم الصاعد باتجاه الشخصية أو الدور الذي ينوون تقديمه على الخشبة.
ويلهم الكتاب قراءه بأن مدرس فن التمثيل هو الصوت الذي يتردد في ذاكرة الممثل لينهاه عن الكذب في الأداء ويحثه على العمل بصدق واجتهاد فمدرس التمثيل هو منبع الثقة والنافذة التي يرى من خلالها طالب التمثيل كل ما غاب عنه لقلة معرفته وخبرته الحياتية كون أستاذ التمثيل هو الرأي الفيصل الذي يستقر عليه الممثل بعد أي أداء أو حتى عرض مسرحي.
ويقول مترجم الكتاب أكثم حمادة في معرض تصديره لكتاب كرينكي.. إن سبب اختيار هذا الكتاب دون غيره كي أترجمه عن الروسية هو أنه موجه إلى مدرسي التمثيل فضلاً عن أنه مرفق بالتوضيحات والتمارين والأساليب التربوية والحرفية في فن التمثيل فالمكتبة العربية تفتقر إلى مثل هذا النوع من الكتب المسرحية العلمية ولحاجة المدرس العربي إلى كتابٍ يعينه في مسيرته التعليمية الشريفة إذ يسعى هذا المؤلف إلى توحيد المنهجية التي يتم عبرها تدريب الممثلين والإشارة إلى الطريقة الأدق والأصح في التعليم.
ويوضح حمادة أن هذا الكتاب جاء لتفسير العديد من المفاهيم والمصطلحات المسرحية التي أسيئت ترجمتها في الماضي فساء فهمها حيث صيغ الكتاب بترتيب وتسلسل منهجي دقيقين لذا وجب أثناء العمل عليه ألا يكون العمل انتقائياً أو عشوائياً إنما متسلسل من بدايته إلى آخره فيبدأ منذ السنة الأولى لطالب التمثيل بتعلم القوانين الأساسية للتقنية الداخلية وينتهي بالخطوات العملية في الشغل على الدور المسرحي وبناء الشخصية.
ويتطرق الكتاب إلى فن المسرح وجوهره كفن جماعي يوحد ويجمع صنوف الفن كافة حيث يبدأ مع طلاب السنة الأولى بتمارين
الانتباه والحرية العضلية وتدريبات الخيال والفانتازيا واللعب على الخشبة ببناء علاقة جدية مع كل ما هو غير حقيقي إضافةً لتمارين التحكم بالنفس والمهمات المسرحية والإحساس بالفعل والرغبة والكيفية على الخشبة فضلاً عن فنون التعامل مع الشريك والارتجال معه واستخراج فكرة النص بالعمل على النبرة الصوتية والإشارات كأدوات للتعبير عن العلاقة بالنص والتدرب على المخالطة كفعل متبادل داخلي بين الممثلين.
أما في السنة الثانية فيشرح الكتاب كيفية العمل على العناصر المكونة للشخصية المسرحية وحس المراقبة لدى الممثل كالتقليد من خلال ذات الممثل والحديث عن مفهوم الحرفية وتجسيد الحرف المختلفة كتدريب الممثل على دور الحذاء بشرح منهجي أو مشهد في السيرك أو مشاهد لا على التعيين من تفاصيل الحياة مثل الذهاب إلى الحلاق إضافةً إلى الحديث عن المزايا الداخلية للشخصية بالبحث عن علاقة الشخصية بالعالم الخارجي وكذلك البحث عن المزايا الخارجية للشخصية كطريقة المشي وتقليد مختلف الحيوانات ومحاكاتها فضلاً عن أمثلة عن عيوب الكلام وأساليب التقليد ولعبة الكلمات والعمل على المشاهد ذات القصة البسيطة.
وأيضاً: توفير وسائل للتغلب على ضجيج الجمهور المسرحي، للإبقاء على وضوح أصوات الممثلين ووصولها إلى الجمهور بشكل سليم ونقي. ثم ينتهي الكتاب إلى وضع توجهات منهجيّة عامة، منها:
جعل الدروس حيّة وممتعة ومفعمة بالسعادة الإبداعيّة، التشديد على التطبيق العملي للمعارف النظريّة (لأن كل شيء في الفن المسرحي، يقوم على هذا الجانب، ومن يكتفي بتنفيذ التمارين العمليّة بشكل ذهني، لا يمكن له أن يُصبح ممثلاً جيداً). وفي أوراقه الأخيرة، يُطلق الكتاب تحذيرات وقائيّة، أبرزها: الحذر من الوقوع في الجفاف أثناء التمرين على الشخصية.
كما يوضح كرنيكي في كتابه منهج التمثيل في السنة الثالثة فيتحدث عن المهام المعطاة للطالب مثل اكتشاف مفهوم الحقيقة لدى الشخصية التي يقوم بأدائها عبر قوانين المسرحة كخضوع الفعل للزمن المسرحي وقوانين تلقي الجمهور إضافةً إلى شرحه لقوانين الديناميكية كأسلوب التسمر في المكان الذي يعبر عن الحياة الداخلية الغنية للشخصية إضافةً إلى البلاغة ودقة التعبير المسرحية عبر الجسد وحركة عضلات الوجه والإشارات فضلاً عن شرح الكتاب لرسم الحركة الميزانسين على الخشبة.
وفي السنة الرابعة يتطرق الكتاب إلى مفهوم التشكيل الحركي من خلال التوضعات المسرحية الأساسية والانتقالية بالحديث عن التوضعات ومتطلباتها كالعفوية والبساطة والبلاغة ودقة التعبير وشروط الميزانسين النظيفة بمعنى أن تكون الشخصية مرئية ومسموعة فلا يبحث الجمهور عنها عبر السعي إلى بناء رسم متماسك للحركة بحيث يتلقى الجمهور مجموع الممثلين كوحدة متكاملة كلوحات الفنانين العظماء وذلك بعد الإخلال بالتوازن أثناء التشكيل الحركي والاهتمام بملامح الوجه عند الممثل فمن خلال وجهه يفهم الجمهور الشخصية.
ويسعى الكتاب الذي يقع في 399 صفحة من القطع المتوسط إلى توضيح التمارين الرياضية والعملية الخاصة بالتشكيل الحركي شارحاً المجالات الثلاث للحركة على الخشبة وهي المجال الصغير الذي يشكل كل حركات الجسد التي لا تستدعي نقل الوزن من قدم إلى أخرى ويندرج تحته كل الحركات التي تنشأ بدءاً من الجذع والقسم الأعلى من الجسم أما القسم الثاني فهو المجال المتوسط وينضوي تحته كل الحركات التي تتم بنقل الوزن إلى الأقدام دون أن ترتفع أو تتحرك عن الأرض فيما المجال الثالث المسمى بالكبير فيحتوي كل الحركات السابقة إضافة إلى إمكانية نزع قدم واحدة عن الأرض لتبقى القدم الثانية ثابتة.
ويخصص الكتاب جزءاً أخيراً لنحت المجموعات التمثالية عبر تمارين الركض حسب شخصية الموسيقى.. استخدام مختلف أنواع السطوح مثل الكرسي والطاولة ودرجات السلم.. والتوضع بشكل أفقي على الخشبة حسب مهمة محددة وبشكل تمثال.. إضافةً لتمارين مشهد العطش.. مشهد سطح السفينة.. مشهد تحت الأرض أو تحت الماء.. مشهد في شقة مشبوهة.. ومشهد على سطح سفينة حربية فضلاً عن ذكر الكتاب لتوجيهات منهجية عامة لمدرسي التمثيل وطريقة تعاطيهم أثناء التدريبات مع طلابهم وأسلوب توجيه الملاحظات التقويمية لهم لتعديل أدائهم وتحسينه وتطويره عاماً بعد آخر.
الهوامش :
"يو.ا. كرينكي" كاتب وأكاديمي روسي، متخصص في شوؤن المسرح والعاملين في مرافقه. لديه مؤلفات ودراسات وأبحاث، عديدة في المجال، لاسيّما المتعلقة بعملية إعداد وتأهيل الكوادر الفنيّة المسرحيّة وطرائق توجيهها أكاديمياً، ذلك بهدف صقل مواهبها وتنميتها، وفق الأصول والمناهج العلميّة الصحيحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق