مجلة الفنون المسرحية
صدرت في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة في كليات الفنون الجميلة في الجامعات العراقية رسائل للماجستير وإطاري للدكتوراه تخص فن الماكياج ومنح أصحابها الشهادات العلمية المطلوبة كما منح غيرهم مثل تلك الشهادات عن بحوث تخص فن التمثيل وفن الإخراج المسرحي والديكور والأزياء ، وفي كل تلك الاختصاصات يغلب الجانب العملي الجانب النظري وعليه تخرج عن النطاق الفلسفي.
بعد هذا أتساءل وليسمح لي عمداء كليات الفنون العراقية ان اسألهم: هل هناك جامعة في العالم تمنح شهادة دكتوراه في الماكياج او في التمثيل او في الإخراج او في الأزياء او في الإضاءة؟ واسأل ايضاً: هل يجوز اعتماد اي بحث علمي على مصدر واحد او مصدرين او حتى ثلاثة في الاختصاصات المذكورة سلفاً (خصوصاً في الماكياج والديكور والأزياء والإضاءة)؟ وحتى اذا منحت تلك الشهادات في تلك الاختصاصات فلكون بحوثها تعتمد النظريات وليس الممارسة العلمية كما هو حال البحوث الخاصة بالماكياج المشار اليها وادرج عنواناتها في أدناه:
1- تصميم وتطبيق وحدة تعليمية نمطية في مادة الماكياج المسرحي.
2- التحولات الفنية لفن التنكر وتوظيفاتها في العرض المسرحي المعاصر، علماً ان (التنكر Disguise) غير ( الماكياج make-up).
3- عمل منظومة الماكياج في تجسيد الشخصية المسرحية في مسرح الطفل.
4- الماكياج والتعبير الدلالي في العرض المسرحي العراقي.
5- دور الحاسوب في عمل الماكياج المسرحي و فوائده العلمية.
6- الثابت والمتحول للماكياج في العرض المسرحي العراقي.
7- جماليات الماكياج في العرض المسرحي الواقعي العراقي.
وهنا أتساءل مرة اخرى هل لدينا فعلاً متخصصون ماهرون في فن الماكياج تدربوا على أيدي اساتذة لهم معرفتهم وخبرتهم المتراكمة؟ وأتساءل ايضاً كم ستفيد تلك البحوث المذكورة سلفاً في تطوير فن الماكياج في العراق؟ اليس هم (الحلاقون) من يمارس هذا الفن هذه الايام وما قبلها عندنا؟ كيف يمكن لشخص لايمتلك موهبة فن الرسم وفن النحت وليست لديه معلومات كافية عن علم التشريح وعلم الفراسة وحضارات العالم، ان يصبح ماكيراً؟ وفن الماكياج يعتمد على كل تلك الفنون والعلوم.
وجدت الجامعات في أميركا حلاً لمشكلة منح الشهادات العليا في الموضوعات التي يغلب عليها الطابع العلمي المهني كالتمثيل والإخراج والديكور والماكياج وغيرها حيث استخدمت (اعلى شهادة في الاختصاص)للمتخرج في تلك الاختصاصات وسموها (ماجستير الفنون الجميلة MFA) وتمنح للمتخرج بعد ان يقدم مشروعاً فنياً مدعوماً ببحث نظري مصغر وتتم مناقشته من قبل لجنة مختصة كما هو الحال مع مناقشة الماجستير والدكتوراه.
ومن الجدير بالذكر ان هناك عدداً من فناني الرسم والتصميم والسيراميك في بلدنا ممن درسوا في الولايات المتحدة ويحملون مثل تلك الشهادات التي هي الأعلى في الاختصاص والتي تعادل الدكتوراه.
ومرة اخيرة اسأل: هل سمعتم او قرأتم يوماً ان ممثلين أمثال (لورنس اوليفيه) الانكليزي و (سموكتنوفسكي) الروسي و (سيزلاك) البولوني و (داستن هوفمان) الامريكي يحملون شهادة الدكتوراه؟ وهل يحمل الألماني (راينهارت) والفرنسي (كوبو) والانكليزي (كريغ) والروسي ( لوبيموف) شهادة الدكتوراه في الإخراج؟ والعكس هو الصحيح فهناك الكثير من الدراسات العلمية التي تناولت وصف وتقييم ومقارنة أعمال أولئك الفنانين العظام بأعمال الاخرين واستنتاج ما تركه اولئك من اضافات وإبداعات وابتكارات في فنونهم.
لا أريد بهذه المقالة ان ابخس جهود الباحثين العراقيين في مجال الفنون المسرحية فهم حتماً حاولوا تقديم اضافات معرفية وفعلوا ذلك فعلً ولكن ما مدى مساهمة أبحاثهم القيمة في تطوير العمل الميداني؟ كنت وما زلت اشك فكل الأبحاث بقيت مركونة على الرفوف.
-----------------------------
المصدر : جريدة المدى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق