تصنيفات مسرحية

الاثنين، 23 مايو 2016

تأريخ مسرح الطفل في العراق

مجلة الفنون المسرحية



منذ عقود طويلة كانت الطفولة أكثر الفئات تضرراً ومعاناة في العراق الحديث الذي شهد حروبا وانقلابات وثورات ومتغيرات سياسية واجتماعية متلاحقة وغالبا ما كانت السلطات (تتاجر) بهذه الطفولة سياسيا وإعلاميا وتدعي اهتمام بها ورعايتها لمصالحها والدفاع عن حقوقها دون ان تحول هذه (الشعارات ) الى برامج عمل حقيقية وفاعلة .

وتأسيسا على ما تقدم تدهورت ثقافة الطفل في العراق بجميع مفاصلها ولم تسعفها بعض الألتماعات والإشاعات الفردية هنا وهناك في ظل غياب فلسفة تربوية حقيقية مرتبطة بحاجات الطفولة وسايكلوجيتها وخصوصيتها في ظل مؤسسات رصينة وفاعلة تخطط وترسم البرامج التربوية والتعليمية التي تسهم في تكوين ثقافة الطفل بعيداً عن التأثيرات السياسية والأيديولوجية .


ووفق ماتقدم شهد العراق نقصا حادا وخطيرا في ثقافة الطفل عامة رغم وجود بعض الأنشطة والاصدارات والبرامج المحدودة هنا وهناك والتي تفتقر في معظمها الى تخطيط واسس علمية مدروسة وموضوعة وفقا لاهداف المجتمع والدولة . وتعد مسرحية (طير السعد ) قاسم محمد هي الخطوة الحقيقية والراسخة الاولى في هذا المضمار رغم وجود محاولات فردية متناثرة هنا وهناك وقد سبقت هذه الخطوة في عقد الستينات .

           تأخر قيام مسرح الطفل في العراق بالمفهوم العلمي والحقيقي ﴿ولم يظهر في العراق الابعد فترة طويلة من انتشار النشاطات التمثيلية في المدارس المختلفة ، وبعد ان اختط المسرح خارج المدرسة مسارا احترافيا له ﴾ نشط المسرح في المدارس في عقد الأربعينات وقد كانت هذه المرحلة مرحلة تأسيس حقيقي للمسرح العراقي من خلال ارتباطه بالوظيفة التعليمية والتربوية وقد قدمت في هذه الحقبة مسرحيات تاريخية ووطنية ذات غاية عظيمة حتى ان بعض هذه التجارب اقتربت في مضمون خطابها من المسرح التعليمي القريب من عالم مسرح الطفل  .   


(عقد الأربعينات )

 قدمت في الاربعينيات العشرات من المسرحيات في المدارس حيث يتولى المعلمون الأشراف عليها ويقوم الطلبة بتمثيلها ويعرضون نتاجهم للجمهور العام ,حيث ظل المسرح المدرسي طوال عقد الأربعينات وما تلاه حبيس المدارس والقاعات المدرسية وجمهور البيئة المدرسية من طلاب واصدقائهم وعوائلهم ولم يتوفر خلال هذا العقد بشكل عام أي عرض خاص للأطفال يمكن النظر اليه على انه ظاهرة لافتة للنظر .


(عقد الخمسينات )

عقد الخمسينات وبالتحديد عام 1952 انتقل الاخراج الخاص بالمسرح المدرسي الى الصالات والقاعات المسرحية العامة ومن هذه المبادرات قدم الفنان المسرحي عبد القادر رحيم الذي درس نظريات المسرح في معهد الدولة بموسكو لمدة ثلاث سنوات بعد تخرجه من معهد الفنون الجميلة عام 1960 قدم العديد من المسرحيات التي استمد موضوعاتها من المواد الدراسية من قصص الف ليلة وليلة وقصص التراث العربي  في عروض مسرحية موجهة للأطفال والفتيان فعين في الأشراف الفني في مديرية النشاط المدرسي في منتصف تلك الفترة .

ومن اعماله :

مسرحية ﴿امير الالوان ﴾ 1953

 مسرحية ﴿خليفة في الخيال ﴾1954

مسرحية ﴿ابو قاسم الطنبوري ﴾1954

 مسرحية ﴿حلاق بغداد﴾ 1955

مسرحية ﴿عصفور بابل﴾ 1955

وقد كانت جميع هذه المسرحيات من تأليفه واخراجه .  وبذلك يمكن اعتبار تجربة الفنان عبد القادر رحيم مرحلة تمهيدية وتحضيرية لمسرح الطفل في العراق فيما بعد ذلك انه كانت البذرة الاولى والمنطلق الاول الذي بنيت عليه تجارب من جاء وبعد ممن طرق ابواب مسرح الطفل .  

(عقد الستينات )

و في مرحلة الستينات التي شهدت بدورها محاولات فردية شحيحة في هذا الميدان . ومن التجارب التي قدمت ابان عقد الستينات مسرحية ﴿كنز الحمراء﴾ عن نص اجنبي والتي قدمها الفنان سامي عبد الحميد عام 1963.

غير ان تجربة سامي عبد الحميد هذه كانت منقطعة عن المسار المسرحي ولم تؤسس بدورها لتجربة متواصلة فظلت كما هو الحال مع تجربة عبد القادر رحيم ، تجربة فردية لم تتبلور ملامح علمية وفنية واضحة وراسخة . وقد شهد عقد الستينات في اعوامه الأخيرة ايضا تجربة فردية منقطعة لمعهد بغداد التجريبي للمسرح الذي كان بادارة ابراهيم جلال وجاسم العبودي من خلال تقديم مسرحية ﴿علاء الدين والمصباح السحري ﴾ وهي من تأليف حبيس نورين ولم تأخذ هذه المسرحية مداها .

وحين شارف عقد الستينات على الأنتهاء قدمت الفرقة القومية للتمثيل التي قد تشكلت حديثاً تجربة غير واضحة المعالم والهوية . اذ  قدمت الفرقة مسرحية ﴿على جناح التبريزي وتابعه قفه ﴾ للكاتب المسرحي الفريد فرج وقام بأخراجها الفنان فوزي مهدي الذي عمد الى معالجة المسرحية كمسرحية اطفال رغم كونها مسرحية لم تكتب في نصها الأصلي لهذا الغرض وقد استمر عرض المسرحية لمدة ﴿24﴾ يوم وحضرها جمهور من الأطفال تجاوز الثلاثة الاف وستمائة متفرج . الا ان هذه المسرحية ورغم انها توجهت الى جمهورالأطفال الا انها قد افتقدت معظم خواص مسرح الطفل كونها معدة اصلا للكبار فلم يوفق المخرج في اعداد هذه المسرحية لكي تكون ملائمة للمتلقي الصغير وبقيت هذه المسرحية عصية على جمهور الأطفال .

(عقد السبعينات )

هي مرحلة لتأسيس مسرح طفل حقيقي :

        شرعت الفرقة القومية للتمثيل في ولوج ميدان مسرح الطفل من خلال تجربة ﴿علي جناح التبريزي ﴾ التي افتقدت الى معظم خواص مسرح الأطفال لكن هاجس تأسيس مسرح الطفل ظل قائماً في تفكير وتخطيط الفرقة فاعقبت الفرقة خطواتها الأولى المتلكئة بخطوة  ثانية بعد ان قررت ادخال تقديم مسرحيات للأطفال في منهاج مواسمها المسرحية فكان ان قدمت عام 1970 مسرحية ﴿طير السعد ﴾ التي اعدها واخرجها الفنان قاسم محمد وقد استمر عرض المسرحية قرابة الشهر وتجاوز عدد جمهورها الـ ﴿11 الف ﴾ متفرج . كانت تجربة قاسم محمد في ﴿طير السعد ﴾ تجربة واضحة وراكزة في شكلها ومضمونها القريب جداً من عالم الطفل وتوجهاته لذلك اعتبرت هذه المسرحية ﴿الأنطلاقة الحقيقية لمسرح الطفل في العراق ﴾ والمحطة التأسيسية الأولى له . وقد أكد قاسم محمد توجهه الخاص وتوجه الفرقة الجاد والحثيث للتواصل في هذا الميدان ليقدم تجربته الثانية عام 1972 وهي مسرحية ﴿الصبي الخشبي ﴾ التي قام الفنان قاسم محمد بأعدادها بنفسه عن قصة بينوكيو للكاتب الأيطالي ﴿كارلو كالودي ﴾ وأخرجها بنفسه وقد عدت من المسرحيات الناجحة بالرغم من بعض أفكارها الفلسفية الصعبة الأستيعاب عند الطفل . ثم توالت التجارب المسرحية في هذا الميدان من قبل الفرقة القومية للتمثيل ولم يعد قاسم محمد المبادر الوحيد في تقديم مسرحيات للأطفال فتوالت التجارب والأسماء ليدخل الميدان ﴿سعدون العبيدي وسليم الجزائري وبهنام ميخائيل ومحسن العزاوي وأخرون ﴾ وقد كان لتجربة سعدون العبيدي تحديداً ما يميزها ويعطيها أسهاما ريادياً ففي عام 1975 أخرج سعدون العبيدي مسرحية ﴿زهرة الأقحوان ﴾ وهي من تأليفه وقد عدت ﴿اول مسرحية عراقية اصيلة للأطفال ﴾  اذا ما أخذنا بنظر الأعتبار ان تجربتي قاسم محمد ﴿طير السعد ﴾ و ﴿الصبي الخشبي ﴾ هي مسرحيات معدة وماخوذة من مصادر قام قاسم محمد باعداد مسرحي

لها فهي ليست مسرحيات خالصة التأليف  لاسيما مسرحية ﴿الصبي الخشبي ﴾ الماخوذة عن قصة اجنبية وبذلك يكون لمسرحية ﴿زهرة الأقحوان ﴾ السبق في مجال التاليف المسرحي العراقي للطفل . وتدور أحداث هذه المسرحية في اتحاد قوى الخير وانتصارها على قوى الشر فضلاً عن ان هذه المسرحية قد راعت مستوى ادراك الفئات العمرية الصغيرة وقدرتها الأستيعابية اذ اكد العبيدي ﴿ان ثمة علاقة بين مضمون المسرحية وعمر الطفل ﴾

وكان للمخرج والفنان عباس الخفاجي دورا مهما في احياء مهرجان مسرح الطفل بعد عام 2000 من خلال حرصه السنوي على اقامة مهرجان خاص بالطفولة يمتد الى ايام عدة تشارك فيها فرق مسرحية تعنى بالطفل في ظرف عصيب وامكانيات محدودة .


----------------------------------------
المصدر : كتاب  (مسرح الطفل في العراق ارقام  و اعلام ومؤشرات ودلالات ) تاليف الدكتور حسين علي هارف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق