مجلة الفنون المسرحية
--------------------------------------------------------------
المصدر : ميدل ايست اونلاين
على الرغم من اختلاف التوجهات والانتماءات السياسية، وعلى الرغم من تنوع التجارب بقسوتها وقباحتها، يجب أن نعترف أن كل السوريين يعيشون في هذه المرحلة حياةً معقدة كرست لديهم الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية، تضاهي من حيث الخطورة، الذي يحصل من تدمير وخراب على الأراضي السورية. وما جعل العديد منهم يتوجهون نحو الفن، لعله ينهض بالأرواح المتعبة ويرمم كل الأجساد المتآكلة.
ويأتي المسرح التفاعلي في مقدمة الفنون التي تم استخدامها كوسيلة علاجية للشعب السوري، ليس بصفته الفنية فحسب، بل أيضاً بصفته التربوية المنبثقة من المجتمع نفسه. إذ يعنى هذا المسرح بإشكاليات المجتمع الذي هو فيه، ويتجه دوماً نحو إيجاد الحلول للمشكلات والظواهر الاجتماعية والنفسية والسياسية، من خلال آلياته المتنوعة والتي تتكئ بشكلٍ أساسي على طبيعة العلاقة مع الجمهور.
لكن تجدر بنا الإشارة في البداية، إلى أننا لا نقصد بـ “الوسيلة العلاجية” أن المسرح التفاعلي يحمل خصائص الطب النفسي أو
حتى يتم التعامل معه ضمن هذا الحيّز. لكننا نقصد أنه يسعى من خلال آلياته إلى التغيير، وغالباً ما ينجح إذا ما تمت الاستعانة به في الزمان والمكان المناسبين وبطريقة صحيحة تقوم على مبادئه التي أسسها الناشط السياسي والمسرحي البرازيلي أوغستو بوال. وهو وباعتباره مسرح تحفيزي، يحدث أن يمتلك وسائل درامية بأبعاد ثورية متمردة، فنياً واجتماعياً وسياسياً.
يكسر المسرح التفاعلي القالب المتعارف عليه للمتلقي في المسرح التقليدي، يحارب سلبيته ويضعه في قلب الحدث. يحفزه على التفكير والتساؤل ومن بعدها على التغيير. عدا عن أنه يغيّر بالعاملين فيه، كونه ينطلق بقصته وأحداثه من قضاياهم ويسمح لهم بالكثير من البوح. بالإضافة إلى تمارينه المحفزة على التفاعل وكسر الحواجز الروتينية في المجتمعات، حتى أنها تخرج الأشخاص إذا ما مارسوها بشكلٍ صحيح من حالة الانكفاء على الذات، الشيء الذي يؤدي فعلاً إلى تغيير جذري ترافقه غالباً راحة نفسية.
من هنا، انطلق المتخصصون في هذا المجال إلى الأماكن التي يجتمع فيها السوريون المتضررون من الحرب بشكلٍ مباشر، مثل مخيمات اللجوء في الأردن ولبنان. حيث قاموا بورشات مسرح تفاعلي للكبار والصغار، تكللت بعروض أثبتت بدورها أن هذه الوسائل الفنية قادرة على التغيير الإيجابي، وعلى التخلص من آثار العنف والدمار عن طريق الفن، حتى أنها في بعض الحالات قادت إلى تغييرات واسعة على مستوى شرائح بأكملها، يمكننا الجزم أنها فتحت أمام المشاركين فيها فضاءات من الحياة على الصعيد الإنساني والمهني في الوقت نفسه.
وقد حدث وأن توجّه كثيرون من المدربين الذين سبق وعملوا في مشروع المسرح التفاعلي داخل المدارس الحكومية في سوريا، إلى مخيمات اللاجئين السوريين، مصطحبين معهم كل الأدوات التفاعلية لعلهم يعيدون إلى من شارك معهم بعضاً من الحياة. وهي خطوة جادة في سبيل مواجهة الظروف السياسية والاجتماعية السيئة، خاصةً وأن الوضع الاجتماعي بالذات، وفي ظل ما عاشه السوريون من تشرد وقسوة، مهدد بالتراجع نحو الأسوأ، إن لم يكن قد تراجع فعلاً.
وتؤكد مصممة السينوغرافيا بيسان الشريف ومن خلال عملها في مشروع العرض المسرحي “الطرواديات” من إحدى مخيمات اللجوء في الأردن، أن المسرح التفاعلي وسيلة فاعلة يحتاجها السوريون اليوم، للوصول إلى حالة من التصالح الحقيقي مع الذات، وليتمكنوا من التعايش من جديد مع واقعٍ مؤلم يحيط بهم من كل جانب. وتصرّ على ضرورة الاستمرارية في مثل هذه العروض والأعمال، إذ لا فائدة حسب وجهة نظرها من أي مشروع مسرح تفاعلي إذا توقف أو تمّ العمل فيه لمرة واحدة فقط. مشيرةً إلى قيامهم الآن بتدوير عرض “الطرواديات” خارج مكان عرضه في عمان.
وتقول الشريف إن التجربة هي تجربة مهمة بالنسبة للنساء اللواتي شاركن معهم، حيث لمسوا تغييراً مباشراً لديهن باعتبار أن قصص العرض تتقاطع بين النص اليوناني الأصلي وبين قصصهن، وجاء التغيير ليس فقط على الصعيد النفسي والاجتماعي، بل على الصعيد المهني أيضاً. فقد شاركت النساء بتصميم أزياء العرض وتنفيذها، وتمّ على إثر ذلك، افتتاح ورشة خياطة تساعدهن على في حياتهن اليومية.
نهاية لا بد من تبني مشروع المسرح التفاعلي من قبل مؤسسات أو هيئات رسمية دولية تستطيع تحمل كل التكاليف الناتجة عن العمل فيه. وأن تتم دراسة الشرائح العمرية والاجتماعية المستهدفة من السوريين لتحقق الهدف المطلوب. فالتجارب الفردية وعلى الرغم من أهميتها، لا تستطيع أن تحدث تغييراً كبيراً في الجسم السوري، الشيء الذي تستطيع المشاريع المنفذة على مستوى واسع أن تفعله.
المصدر : ميدل ايست اونلاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق