تصنيفات مسرحية

الخميس، 26 مايو 2016

نظريات في الدراما والعرض المسرحي / عواد علي

مجلة الفنون المسرحية
لئن فكّك إدوارد سعيد في كتابه “الاستشراق” (1978) الأسس المعرفية للخطاب الاستعماري وعلاقته بالسلطة، ومثل ذلك جهدا جوهريا في دراسات “ما بعد الكولونيالية”، فقد رسم فيه التطور التاريخي لمفهوم الشرق في كتابات الروائيين والمفكرين والرحّالة الغربيين، وعلاقة هذا المفهوم بتعريف الغرب لنفسه كمفهوم مناقض للشرق، فإن مفهوم “ما بعد الكولونيالية”، تطور أكثر ليشمل حتى الأعمال الدرامية والمسرحية.


تطورت نظريـة “ما بعـد الكولـونياليـة” على يد باحثين ومفكرين مـرمـوقين، منهـم: غيـاتري سبيفـاك، هـومي بـابـا، بيـل أشكروفت، غـاريث غريفيـت، وهيلـين تيفـن… لكـن النظرية عموما متأثرة أعمق التأثر بأعمـال المفكـرين الفرنسيين، خاصة فوكـو، لاكـان، وديريدا.
ركزت الدراسات ما بعد الكولونيالية، في قراءتها للأعمال الأدبية والفنية التي كشفت عن الآثار الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للاستعمار على الشعوب والأقطار التي خضعت له، على الخطاب الروائي أكثر من الخطاب الشعري والدرامي والسينمائي. وقد يكون مرد ذلك إلى الخاصية الجوهرية التي ينفرد بها السرد عن بقية الأجناس الأدبية الأخرى، وهي قدرته التخيلية على إضاءة مساحات معتمة من العالم المسرود، واستكناه بواطنه وأسراره وتركيباته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرمزية، وإبراز صوت الفئات المهمشة فيه، والعلاقات المتشابكة بين أفراده، إلخ.

وإذا كانت السينما قد حظيت بقسط لا بأس به من الدراسات النقدية ما بعد الكولونيالية، فإن المسرح لم ينل إلاّ الاهتمام القليل منها، ولا شك في أن تهميشه يشكّل فجوة كبيرة في هذا النوع من الدراسات.

من بين أبرز الكتب التي عنيت بالمسرح والدراما، من وجهة نظر ما بعد الكولونيالية باللغة الإنكليزية، كتاب “الدراما ما بعد الكولونيالية: النظرية والممارسة والسياسة” لهيلين جيلبرت وجوان تومبكينز، المنشور في لندن عام 1996، وقد ترجمه سامح فكري، وصدر ضمن إصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي.

يقول مؤلفا الكتاب في المقدمة، التي تحمل عنوان “رد الفعل إزاء الإمبراطورية”، “إن ما بعد الكولونيالية يتناول ردود الأفعال
إزاء الكولونيالية، وذلك في سياق لا يتحدد بالضرورة من خلال محددات زمنية؛ ويتمثل هذا السياق في المسرحيات والروايات، والكتابات الشعرية والأفلام ما بعد الكولونيالية، والتي تصبح جميعا تعبيرا نصيا/ ثقافيا عن مقاومة الاستعمار، ومن ثم فإن ما بعد الكولونيالية يمثّل أثرا نصيا واستراتيجيا للقراءة…”.

يركّز الكتاب على مسرحيات من أستراليا، كندا، الهند، إيرلندا، نيوزلندا، وبلدان مختلفة من أفريقيا، وأجزاء من شرق آسيا، وجزر الكاريبي. ورغم سعيه إلى إضاءة الموضوع الذي يتناوله من خلال المنحى النظري الذي انتقاه، فإنه يرمي أيضا إلى توسيع الحدود الحالية لهذا المنحى، وفي هذا الخصوص يجد مؤلفا الكتاب أن نظريات الدراما والعرض المسرحي لديها الكثير لتضيفه إلى الجدل المثار حول الكيفية التي تعبّر بها القوة الإمبريالية عن نفسها من جهة، والكيفية التي تناهض بها هذه القوة من جهة أخرى.

يقسم تومبكينز وجيلبرت الكتاب إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي: اللغة الدرامية (الصوتية والبصرية كما يُعبّر عنها من خلال جسد المؤدي)، وتنظيم الفضاء والزمن المسرحيين، والتحكّم في الموضوعات السردية والأدائية للدراما.

ويركزان داخل هذا الإطار على العلاقات بين الشكل والمحتوى، وهي العلاقات التي يأخذها في الاعتبار دائماً أي منحى مسيّس في دراسة المسرح. كما يطوران أُطر ما بعد كولونيالية وأدائية ونظرية بالارتباط مع مسرحيات منتقاة من دول عدة.

يحدد المؤلفان، تمشيا مع أهداف الكتاب، معالم المسرحية ما بعد الكولونيالية بوصفها تتضمن ما يأتي: أفعالا تتجاوب مع تجربة الإمبريالية، سواء على نحو مباشر أو غير مباشر، وأخرى تُؤدى بغرض استمرار وابتعاث المجتمعات المستعمَرة (وأحيانا المجتمعات التي لم تتصل بغيرها من المجتمعات الأخرى)، وثالثة تُؤدي إلى وجود وعي بالصيغ والأشكال الناتجة عن الاتصال بالمجتمعات الأخرى، بل أحيانا يجري إدراج وإدخال هذه الصيغ، ورابعة تستجوب الهيمنة التي تنطوي عليها عملية التمثيل الإمبريالي.

--------------------------------
المصدر :صحيفة العرب 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق