مجلة الفنون المسرحية
تنظير فلسفي / جدل في الفكر حصرا بعيدا عن الإخراج والتمثيل
الحلقة الاولى : توضيح أولي
في البدء نوضح مثلث الوجود الذي تضمنه العرض المسرحي على نحو التراتب الآتي :
وجود١ : الرب — مجرد لا متعين
وجود٢ : الام — مجسد متعين
وجود ٣ : موسى — مجسد متعين فيه : العصا — مجسد متعين بافتراض تغيير الجنس
ان استكمال تعيين الوجود كما هو بذاته يمظهر لنا موجودات العرض على نحو الوجود المباشر في اول مظهر له وهو وجود مستقل بذاته ، متكيف في نفسه ، مفروغ من ايما ارتباط او علاقة . لكن هذا الوجود المباشر يخضع الى شرط تصنيفه الاول وحسب ، ولكي يخرج من عباءة ذلك التصنيف غير المتفاعل بعد والذي يعرف به ولا يعرف عنه لزم ان يتعالق مع غيره وهذا التعالق يفرض حالة الاختلاف على آس ان الرب غير الام والام غير موسى النبي وهكذا .. وان الاختلاف بالضرورة سيؤكد لنا حالة من الفهم بين طرفين مختلفين اذ عبر دوائر الاختلاف يتجلى الفهم وهي حالة تشير الى توافر الجدل ما بين الضدين لحظة الرابطة بينهما او العلاقة ، وهذه الحالة ستكون على :
ماهية ١ : الرب — السبب الفاعل
ماهية ٢ : الام — النتيجة المنفعلة
ماهية ٣ : موسى — النتيجة المنفعلة
وبما ان العرض المسرحي هو مفاعلة جدلية بين السبب والنتيجة ، بين الفاعل والمنفعل إذن ماهية المثلث هي حالة من وساطة بين أطراف مختلفة ف :
– الرب تتوسط فيه بالضرورة الام وموسى
– الام يتوسط فيها بالضرورة الرب وموسى
– موسى يتوسط فيه بالضرورة الرب والام
ومن هذه الوساطة تتوالد ماهية العرض وتكون هذه الماهية قد أوصلتنا الى طريق فهم يجمع بين مختلفين اثنين او اكثر في ان واحد . وكل مختلف منهما – على الرغم من لحظته الخاصة التي تكيف واستقل بها – الا انه يتضمن في نفسه المختلف عنه . وهكذا لأجل إثبات واحدة الهوية في لحظة الجدل كانت :
– الرب = الام + موسى ، لحظة تضمنها الرب في نفسه
– الام = الرب + موسى ، لحظة تضمنتها الام في نفسها
– موسى = الرب + موسى ، لحظة تضمنها موسى في نفسه
لكن هذا الاختلاف الذي يعبر عن ماهية وجود المثلث بأضلاعه الذي وجدناه لضرورة ما بين اقطاب المثلث ، في لحظة ما اقترب من درجة سوف تنقله لان يكون فكرا حرا . هذه الانتقالة ستجعل الوجود كما هو مباشر اول مرة والماهية كتلازم ضروري بين مختلفين اثنين او اكثر عند انبثاق العرض المسرحي في تفاعل حر ثم سوف تدخل في جدل واع تنضوي فيه الذات في شكل اخر من أشكال الوساطة بين أطراف التفاعل : هي وساطة ترمي الى فرض وحدة فكرية من شانها ان توحد المختلفين في هوية واحدة ، في مواجهة تكون تلك الهوية التي دلت على نفسها بنفسها بوصفها فكرة ما .
إذن ، المضمر ، غير المعلن . المتلازم بالضرورة في تمظهر العرض المسرحي : يارب ، لتلك الذوات او المواضيع خرج الان الى دكة الظهور وفي خروجه اعلان بدء العرض . ومن هنا صار ما تمظهر بدءً وماهية ومفتعلة فكر العرض وهذا الفكر نمى في ثلاث درجات لأجل تبيانها جدلا بوضوح ومن بعد ذلك الجدل عند التبيان يتم تصدير الحكم على الفكر في حالاته الثلاث :
فكر ١ : الرب
فكر ٢ : الام
فكر ٣ : موسى
الحلقة الثانية
عرفنا مما تقدم لأجل الكشف عن ( فكرة ما ) انها تتمرحل في مدار : الوجود – الماهية – الفكر . هذه الصورة الممرحلة هي انظومة متكاملة في ذاتها لتلك الفكرة ، متداخلة في لحظة تبيانها واحدة متمظهرة ، وهي تتطور وتنمو على نحو الانتقال من طور الى طور : اذ تنتقل باستمرار كما في العرض كأنها في ان واحد قد تمثلت : الرب – الام – موسى ، من الوجود المباشر الى الماهية وصولا الى الفكر في حالة من الحرية الفاعلة .
بقي مما يلفت الانتباه : هل ان الفكر لحظة ولوجه عالم الكشف بلغ درجة من حريته في الفعل والانفعال ؟ تلك الحرية غير المشروطة بمحاذير سوء الفهم او التراتب المنطقي او التراتب الاعتباري في ضوء ثنائية المقدس والمدنس وغيرها . هنا يمكن تبيان ان الامر على انه طالما ثمة تطور يحدث في عمليات السبب والنتيجة على مجريات الأحداث : احداث الفكرة ذاتها ، او مجريات الأفعال في شخصيات العرض المسرحي ضمن مستوى الحضور او مستوى الغياب وهي كلها عبارة عن مقولات الماهية التي تتضمن تلك الضرورة الكامنة في حالة الجوهر والعرض : حالة المحمول والموضوع في لحظة تطور ونمو الى سلمة التفاعل بين فكر٣،٢،١ . هذا التفاعل سوف يحل مشكل الاختلاف ويصبح المنظور الدرامي عموما نشاطا حرا طالما ان ذلك التفاعل يفضي الى مبدأ الحرية الذي يجعل قابلية تضمين الرب كلا من الام وموسى وتضمين الام كلا من الرب وموسى وتضمين موسى كلا من الرب والام .. هكذا في هوية واحدة لتحقيق فكرة شاملة .
الان ما يشكل على العرض من حيث الفكر هو الالتباس الحاصل بين الكلي والجزئي وحجم بقاء الحد بينهما او رفعه او تداخله او بعبارة ثانية : الشكل الذي سيتوافق عليه الموضوع عند التعين / التجسد ب ( علاقة ما ) مع المحمول / اللامتعين – المجرد وكذلك فض الالتباس بين الكلي بوصفه فكرة مطلقة لا تتضمن الاختلاف او تتضمن الجزئي فيها بل هي خالصة التجريد وبين الكلي بوصفه فكرة هنا تتضمن الجزئي فيها مثلما تتضمن المختلف .
في العرض المسرحي ، جدلا ، لا غاية لنا من الكلي المطلق لانه لا يحقق لنا اي فعل دراماتيكي او منطقي وعرضنا الوحيد هو الفكرة في كليتها المتضمنة الجزئي والمختلف فمثلا :
١- ان الرب في لحظة العرض المسرحي هو كلي متضمن تلك الأجزاء : الام ، موسى ، العصا .
٢- كذلك سوف ندرك ان كل جزئي هو ايضا في لحظة موضوعيته يكون متضمنا لذلك الكلي / المحمول وذلك مثلما انكشف عندنا سابقا في مسالة وحدة الهوية عبر لحظة التوسط بين الطرفين المختلفين : الكلي والجزئي .
٣- للقول بالماهية يتجلى الكلي متحدا مع اضداده بشكل صريح عند ذلك التوسط .
اتضح هنا ان الكلي هو الجوهر بل هو الهوية حين تتحد بنفسها مع نفسها وتحتوي في نفسها ما يخالفها او يناقضها . وهي في البدء تحديد ذاتي خالص لكن حتى تنكشف فكرة ما لابد ان يتوفر في ذلك الكلي ما هو جزئي : الجزئي الذي يتخارج عن الكلي بسبب الاختلاف وبسبب حالة من السلب التي كانت مجردة قبل ظهورها في الفكر بوصفه وحدة كلية اي ان الاختلاف المتوافر في الكل سبب انبثاق الجزء وبعبارة ثانية ان الام ، موسى ، اجزاء امتلكوا ( الحد ) الذي يجعلها اجزاء مستقلة من جهة ومتضامنة في ذلك الكلي من جهة ثانية .
نلاحظ هنا مسالة تحديد : الكلي فيه سلب وان ذلك السلب المختلف عنه هو الجزئي كما في مثال الام وموسى بالنسبة للرب او حتى العكس وانه من وراء ذلك التحديد سنصل الى فرادة كل عنصر عن غيره نتيجة استقلاله بنفسه ، وهنا ايضا سنصل الى لحظة فردية في مستوى الكل او مستوى الجزء .
ويمكن تبيان ذلك على نحو :
١- الكلي هوية تمتلك قدرة تحديد نفسها بنفسها
٢- الجزئي هو ما تضمنه في نفسه الكلي من سلب او اختلاف
٣- الكلي هو الجزئي بذاته وهنا يتحقق للعنصر حضوره الفردي
كذلك ما نلاحظه أعلاه مسالة غاية في الأهمية : ذلك ان اجتماع الكلي مع الجزئي وما تفرد فيهما يشكل فكرة ما واحدة متحدة اذ أنهما في لحظة تمثلوا ادوارا وحدودا مختلفة ولكن لتمثيل مقولة واحدة . بمعنى ان الرب غير منفصل عن الام وموسى وهو منفصل في ان واحد ، وهكذا بالنسبة لعناصر العرض الاخرى : الام ، موسى .
ولتوضيح الامر اكثر يمكن القول :
•ان الكلي هو الذي في هوية مع نفسه بنفسه وهذا يشمل الرب ، الام ، موسى .
• ان الجزئي هو المختلف او الصفة المعينة مثل الام ، موسى ، الرب .
• ان الفردي هو المتعين كموضوع يمتلك صفاته كالجنين والنوع : إنسان ، حيوان . ذكر ، أنثى ..
شارك هاذا المقال !
الحلقة الثالثة
أودّ إبتداءً ان أوضح مسألتين مهمتين :
مسالة١ : اننا ابدا ازاء فكرتين في واقع الامر :
فكرة١ : هي فكرة مطلقة خالصة التجريد لم تنزل عن عرش تجريدها ابدا ..
فكرة٢: فكرة تشمل التجريد والتجسيد في ان واحد . فكرة توسمت في نفسها التجريد وبالوقت ذاته توسمت في نفسها تضمين ذلك الجزئي / المجسد والذي بالضرورة هو مختلف عنها وهي فكرة دراماتيكية تفيدنا كثيرا في اللعب المسرحي . مثال على ذلك الام ، وفيها :
١- الام كفكرة كلية شاملة لكل الأمومة وهي محمول موجب مستقل بذاته .
٢- الام كموضوع جزئي متجسد يعد جزء من الفكرة الكلية مثل : ام محمد ، ام خالد .. وهي موضوع سالب .
٣- الام في خصيصة فردية والتي هي : زوجة ، أنثى ، ثكلى .. الامر الذي يجعلها تتفرد ، وهي موضوع سالب بني على اثر موضوع جزئي سالب . ان هذا التفرد يمنحها الكلية من وجهة ثانية طالما تحقق عندها الاستقلال التام .
مسالة٢ : ان الفكر يتحلى بخاصية التداخل : تداخل الرب ، الام ، موسى كما أشرنا الى تداخل الفكرة الواحدة في نفسها وهي على نحو : كلي – جزئي – فردي او بعبارة ثانية : الوجود – الماهية – الفكر .
تلاحظ معي ان مستوى العرض المسرحي : يارب ، كان في طروحاته كلها ينتظم دراميا في لحظة الفكر اي تلك اللحظة التي تقبل التداخل على نحو كليتها وجزئيتها وفرديتها وهي اذ تؤشر حاجتها الى الخلاص من ( قضية ما ) فان خلاصها يكون على مستوى تلك الفكرة التي تتجادل صعودا او نزولا في معراج الكلي المحمول : الرب ..
كذلك أودّ ان يتبين القارىء ان العرض المسرحي حكيا كان في ثلاث حالات :
حالة ١: الام عراقية ثكلى غاضبة مفوضة عن جميع الأمهات تطلب مقابلة الرب وفض مشكل قتل الأبناء في حروب لا نهاية لها وان تحصل المقابلة بل والموافقة على شرط سلام الوطن وعودة الأبناء الى الأمهات سوف يتمردن الأمهات على الرب وتكون النتيجة أنهن يرفضن التعبد به .
حالة ٢ : موسى : ذلك النبي الذي ارسله الرب لأجل التفاوض مع الام
حالة ٣: الرب : فكر كلي
نخلص هنا الى الطريق التي تفضي الى تحقيق ( حكم ) ما ازاء صراع ما في تمظهر فكر ما وهذا الحكم يتجلى في :
اولا : اذا قلنا ان الكلي هو لحظة الهوية . تلك اللحظة التي تؤلف نفسها بنفسها قلنا ايضا ان الجزئي يشكل لحظة الاختلاف . تلك اللحظة التي تخرج من عباءة التجريد لتدخل عباءة التجسيد او لنقل من عباءة المحمول الى عباءة الموضوع . ايضا قلنا ان التفرد الذي كانت عليه الام في مثالنا أعلاه حين كانت بالحد الثاني وهو حد الزوجة ، الأنثى .. وهو حد على حد . اي هو حد الزوجة ، الأنثى .. على حد ام احمد ، ام خالد .. وهكذا
ما يثيرنا من تداخل هنا ان حد الفردي يملك استقلالا تاما بنفسه وهذا الحد الذي هو سلب على سلب : الام الثكلى سلب ثان على سلب اول هو الام حين تقرن بأبنائها وهذا يعني ان الفردي متضمن في داخله ما هو كلي وما هو جزئي . انه يشمل تلك اللحظتين في ان واحد . إذن الام الثكلى / موضوع سالب هي فردي تضمن الام بأبنائها / موضوع سالب جزئي اخر وكلا الموضوعين هما في ذات محمول كلي اي الام كتجريد موجب .
صديقنا الكاتب علي عبد النبي الزيدي يعرفن نفسه هنا حين لا يجد مانعا من التنقل بين الحد الكلي والحد الجزئي والحد الفردي صعودا من الاول الى الثاني الى الثالث او نزولا من الثالث الى الثاني الى الاول .. وهكذا يجد في الام ربا وفي الرب اما ..
ثانيا اننا اذا توافقنا مع ذلك الانقسام إذن توافقنا على معرفة الحد لكل قسم وان تلك المعرفة من شانها ان تمنحنا فرض الحكم . اذ طالما عرفنا ان الام الثكلى هي فردي في نظام الفكر تشمل الجزئي / الام وتشمل الكلي / الرب وترتبط بينهما كلحظتين في فكر واحد . إذن هنا سوف يتفرد حكم ما
ثالثا : ان وجود الحد من شانه ان يؤشر الى استقلال الموضوع عن المحمول الذي تدركه الاذهان وهو قيمة تجريد الأمومة
رابعا : كان الموضوع ( هو ) المحمول في لحظة ما وفي هذا إشارة الى امكان ( السياحة ) من جهة وإمكان إقرار ( حكم ) لتوافر اختلاف حدين من جهة ثانية .
خامسا : كذلك يتوافر في الحكم ورود قضية ما : الام الثكلى تريد التفاوض مع الرب . ان الحكم يختلف عن القضية . الحكم مرده الاختلاف في الحدود مع تعزيز الهوية بين الموضوع والمحمول في تطارح جدلي
سادسا : بعبارة ان مركز او قلب كل شيء فكرته نكون قد وصلنا الى الموضوع اذ يحمل محموله مثلما المحمول اذ يحمل موضوعه : ان الام الثكلى كحد موضوعي حاضر تحمل الرب كحد محمولي غائب
ومن هنا يتجلى الحكم
الحلقة الرابعة : ترسيمات توضيحية
انظر الترسيمات أدناه التي بمجملها تمنحنا الإمكان العملي ل : ١- جواز الانتقال من التجريد الى التجسيد او من المحمول الى الموضوع . من الرب الى الام الثكلى والعكس ايضا صحيح ٢- فُض مشكل القياس بأسلوب التناظر على أساس : المقدس والمدنس اذ ان التداخل الحاصل بين الموضوع والمحمول يجعل في قلب كل ام رب وفي قلب كل رب ام . بعبارة ثانية ان الفكرة الواحدة هي فكرة مستقطعة ، مستقلة المكونات ومتحدة في ان واحد ولما كانت كذلك فان الفردي في الفكرة هو جزئي وكلي وكذلك الجزئي او الكلي يمارس نفس الدور في التحول
٣- تحقيق الهوية بالاختلاف تدفعنا لفهم الماهية من وراء العرض
حتى هنا وقبل البدء بتسطير عمليات الحكم يتضح ان لا ريب ان يدخل الكاتب على عبد النبي الزيدي الى المقدس او يخرج منه جدلا طالما توفر الإمكان بنائيا حسبما العمل بكل فكرة ذاتيا او العمل مع الأفكار الاخرى في السلسلة والنسق موضوعيا
وهكذا سوف يتجلى لنا الحكم اكثر وضوحا وكما سنبينه لاحقا
تنظير فلسفي / جدل في الفكر حصرا
الحلقة الخامسة
عرفنا انه بالوقت الذي كانت الفكرة تتراتب في نفسها لدرجة الاستقلال الذاتي في مكوناتها : الكلي – الجزئي – الفردي ، عرفنا ايضا ان ما يحصل في الفكرة من تخارج نحو الاخر ، المختلف . اذ يشكل حكما لما يجري من تحولات او تغايرات نتيجة لوقوع علاقات مع الاخر ..
هنا أطلقنا الحكم ، حضر الحكم في صورته الاولى : الرب غير الام .. بل ان الام بذاتها في اللحظة الكلية تبدو مستقلة عن اللحظة الجزئية . وبعبارة ثانية ان الموضوع منفصل عن المحمول بل مستقل عنه وربما هذا ما وقع الالتباس فيه فجرى اللغط بمثل ما جرى الغمط في حق العرض المسرحي ( يارب ) من حيث الفكر .
ان هذا الحكم المباشر يتكيف في صور، منها :
• الام الثكلى ، موسى النبي المتفاوض هما فردي مباشر وكلاهما موضوع يمتلك حدا مستقلا .
• الكلي / الرب بلا توسط هنا ، وهو تجريد أولي مستقل او غير متضمن لما هو جزئي او فردي .
إذن حين نقول ان الام ثكلى فان مفردة ( ثكلى ) لا ترتبط بالرب وهي صفة خارجة عنه ليست من طبيعته بشيء وبالتالي يمكن القول ان اعتراض الام الموضوع في هكذا عنوان تحت مسمى عودة الأبناء من الحروب الى الأمهات لا مبرر له منطقي وهو مرفوض طالما ان ذلك الموضوع غير متعال مع المحمول .
• هنا تبدو النتيجة واضحة ان الام موجب مستقل بذاته وان الرب موجب مستقل بدأته ذلك لعدم وجود رابطة .
• ان الام الثكلى لها جانب فردي يضم في نفسه كليته الخاصة .
لكن مثلما نظرنا الى الام الثكلى بوصفها فردي / موضوع في لحظة الاستقلال يمكن النظر هنا الى المحمول الرب بوصفه موضوعا فرديا في حال تقبل الانعكاس . والامر مقبول ليس بوصف الكلي المطلق بل الكلي الذي في اول صوره العرضية المباشرة في التجريد .
انظر :
الكلي – هو – الفردي
المحمول – هو – الموضوع
او
الفردي – هو – الكلي
الموضوع – هو – المحمول
يعني :
الرب – هو – الام الثكلى
الام الثكلى – هي – الرب
لا يمكن ان يكون القصد ها هنا بمعنى الرب المطلق بل يكون القصد هو ان لفظ ( ثكلى ) قد شكل فرادة بالنسبة للام مما يجعل الام هنا منطقيا ان تكون محموله ولما كانت هي محموله تأكد لنا انها ربه وبالتالي ان تساوق التجريد في المحمول الام صار يتلازم كضرورة مع تساوق التجسيد في الموضوع : اللفظ ثكلى
بمعنى اخر توفر رابطة منطقية بين المحمول والموضوع . بين الام والأبناء ( في حالة الثكل ) . ولما توفرت الرابطة المنطقية بين الموضوع والمحمول صار الحكم بالاستقلال بينهما يعد حكما ناقصا ذلك لوجود تداخل.
اننا هنا آزاء حكم نستشفه من حيث استكشاف التداخل بل استكشاف اللحظة التي نجد فيها ان المحمول يضم الى نفسه موضوعه ويحتويه . يعني ان لفظ ثكلى هو من استيعابات الام المثيرة هذا على الرغم من ان لفظ ثكلى ليس بشيء من الام اذ لا يوجد تكافىوء حضوري بينهما . ان الأبناء يشكلون بعض المعطيات الفردية للأمهات كما لهن من بعد معطيات اخرى كالزوجة والأنثى والموظفة ..
قد نصل الى انفصال تام طالما تحدثنا ان الفردي ليس من الكلي اذ هناك محمولات كثيرة متفاوتة للفردي فان لم تكن الام ثكلى فهذا بعني اعترافا ان لها معطيات اخرى . وهذه المعطيات بطبيعة الحال منفصلة نوعا ما . وإذا توصلنا الى ذلك يعني إنتا في وضع موجب بكل الأحوال حتى يصير ما هو فردي جزئي وهكذا نتبين ان المحمول ينعزل عن الموضوع . بل لا يتحدث عنه بشيء . لا يعمل على التماس به ويبدو حكمنا هنا هواء في شبك بل حكما موهوما لا محل له من الحضور ..
انظر تبيان ذلك على نحو :
– الرب لا يتحدث الى الام اي المحمول لا يتحدث الى الموضوع وهو هنا موجب
– الام ليست الرب اي الموضوع ليس المحمول وهو هنا سالب
– الام هي الزوجة ، الثكلى ، الموظفة .. هي الموضوع في سلبيته الثانية عندما لا تجد محمولا تتحول الى جزئي : ام احمد ، ام خالد .. وهكذا
الحلقة السادسة :
لاحظتم معي في الحلقة السابقة كيف ان الكلي انتهى بحد معلوم عند الجزئي وأصبحت الام التكلم هي تجريد وتجسيد ، محمول وموضوع ، في ان واحد . ولكن على نحو الاستقلال ، وأصبحت الدوائر الثلاث لحظة تحقيق عملها في كيف يستقل به الكلي عن الجزئي عن الفردي وكذلك الفردي عن الجزئي عن الكلي وصولا الى تلك اللحظة التي تجد فيها الام الثكلى / فردي مقيدة بجزييتها وحسب : ام احمد ، ام خالد .. بلا كلي . تعاني الانفصال التام عن المحمول بوصفها ذلك الموضوع الذي يمر في طورين من السلب : ام احمد ، ام خالد .. وانتهاء بالام الثكلى .
إذن عموما وصلنا الى مرحلة جديدة من مراحل الحكم : مرحلة يكون فيها المحمول قد تباين ، انعزل ، عن الموضوع وتركت الام وحدها بلا محمول ، تعيش في صورتها الفردية الموحشة : تلك الام الثكلى . فهي الان بلا تلك المرحلة الجزئية التي كانت عليها : ام احمد ، ام خالد .. وأصبحت فقط الام الثكلى في فرادتها وعزلتها وفي لحظة انحذف فيها فجاة محمولها / الكلي .
لكن ما يلزمنا اننا اذا انتهينا الى هذه الحال عدنا بلا حكم اذ طالما لا تتوافر علاقة بين طرفين طالما يحصل انتفاء الحاجة او الضرورة لوجود حكم وهذا يعني منطقيا مغادرة الكيف الذي لازم الام في مرحلتها الاولى والعبور الى مرحلة فُض مشكل التناقض الذاتي . هذا التناقض في نفسه يؤشر الى :
١- عدم وجود علاقة يفرض وجود علاقة اخرى . اي ان الحذف هو نفسه علاقة ما . اي ان المحمول هنا صار يعبر عن علاقة ثانية غير العلاقة التي وجدناه عليها . هي علاقة ما بعد علاقة ..
٢- طالما ان هذه العلاقة لم يحدد محمولها الموضوع الذي يفترض ملازمته اي لم يجد الكلي جزءً له إذن هناك علاقة اخروية عامة وهي علاقة خارجة عن التحديد العارض للشيء .
٣- من هنا يمكن عد ( ثكلى ) صفة تحمل المحمول الذي يراهن في علاقاته على أشياء اخرى .
٤- هنا يحدث الانعكاس الجديد بين المحمول والموضوع ومفاد هذا الانعكاس إيجاد اضافة او نسبة ما او رابطة بالاشياء ومن ثم إيجاد التوسط عبر دالة الصفات بالاشياء وهي تبتعد عن المباشرة في الحكم كما هي الحال فيما ورد في الحلقة الخامسة .
إذن، وصل الحكم الى وضع ماهوي يشترط العلاقة ضرورة ، يكون فيه الموضوع قد قرن نفسه عبر علاقة ما باشياء اخرى مما يعني من وراء ذلك :
١- كانت الام ثكلى في كيف مباشر تحدد من خلاله الوضع الفردي للام
٢- لكن من بعد ذلك الكيف المباشر أدركنا ان الام تمتلك صفة تلازمها وهي الثكل اي ان الفردي بموضوعه صار يقرن عبر علاقة بشيء اخر . بعبارة ثانية صرنا نعرف الام من معرفة الثكل او العكس .
٣- هنا عاد المحمول الى الموضوع اي ان الثكل يمكن له ان يكون محمولا للام بوصفها موضوعه او العكس .
لاحظ معي ايضا انه في الحكم المباشر بين المحمول والموضوع كان المحمول هو الذي ينمو وهو الذي يبادر بذاته الى التطور بينما عند خروجنا من كيفيات المباشر ولزومنا حالة انعكاس العلاقة بين الفردي وصفته .اي بين الام والصفة ثكلى .. وهكذا نجد ان ما تطور ونمى هو الموضوع بذاته .
ما يواجهنا الان ان ثكلى هي الاخرى طارئة ، عارضة عن الأصل : الام . اي ان ثكلى لم تكن جزء من الطبيعة المكوناتية للام وفي هذا تدليل واضح : عدم امكان توفر لضرورة ارتباط بين الموضوع والمحمول . وهذا ايضا لا يعني عدم وجود رابطة ضمنية غير ظاهرة اذ حينما كان المحمول يمثل اللحظة الجوهرية لما يداخل الموضوع كانت العلاقة بينهما ايضا باطنية
.. هكذا يمكن القول ان الام : ام احمد ، ام خالد .. تفقد فرديتها واستقلالها ثم ونتيجة لتطورها الوضعي تدخل في علاقة ما .
لنعيد التفكير تارة اخرى بذلك الجزئي المسمى : الام في لحظة حكم سالبة وموجبة بوقت واحد . هي الام وهي ايضا ليست الام؛ كالزوجة ، الصديقة ، الموظفة .. هنا يحصل تناقض اذ هي الام وهي ايضا شيء اخر . هذا يعني ان الحكم الجزئي سيكون صادقا على فئة معينة وغير صادق على فئات اخر وهذا ما يجعلنا نتجه للبحث عن حكم كلي يصدق بنسبة عامة .
الحلقة السابعة
نزلت بِنَا عربة التفكير الى الكشف عن حكم كلي يعزز فينا تحول الفردي الى كلي لحظة التفكير وقلنا ان ثكلى تلك الصفة التي رافقت الام أخذت الحال الكلي لذات الام وقلنا ايضا امكان توفر الانعكاس بين الطرفين وهذا من شانه ان يقربنا من نتيجة مفادها :
– كل ام ثكلى
اي كل ما يطرأ على المشهد العراقي من حروب يمكن ان يودي الى تلك النتيجة الكارثية . ليس بواقع الحال وحسب . ولكن بطبيعة المنطق الذي سيودي الى هكذا ننتاىج . وَمِمَّا يعنيه ذلك ان فردية الام دخلت بشكل ما كلية الحكم . ذلك لضرورة التلازم والانعكاس الذي رافق الام بصفتها وأننا ازاء ذلك لا نبغي مقاربة احصائية او نسعى لتعميمات شاملة تموضعت عليها الام عندما تلبست دور صفتها او تلبست الصفة دور موصوفتها الام فَلَو قدر وكانت المسالة مجرد احصاء لعاد الفردي الى حاضنة الجزئي اي ان تلك الكلية عبر دالة الثكل تبدو ناقصة اذا ما تصورنا او وضعنا صفات اخروية غير الثكل .
من هنا ، ولفض مشكل النقص هذا تطلب تجنيس المحمول اي إنتا بدلا من ان نقول ان كل الأمهات ثمالة في عراقنا اليوم سنقول ان الأمهات نساء عراقيات . هكذا تكون الام نوعا وتكون المرأة المتلازمة فيها بالضرورة جنسا اي يكون الموضوع / الام نوعا وتكون المرأة / المحمول جنسا . وهذا ما يدخلنا في حكم الضرورة وهو حكم سوف يتجلى في : لنقل ان المرأة يمكن ان تكون : زوجة ، حبيبة ، صديقة .. عندها سنرى ان المرأة هنا تحمل نوعها لتربطه بالجنس الذي يرافق حالها فالزوجة ، الحبيبة ، الصديقة .. هن من محمولات المرأة . آنذاك يترتب حكم حملي واضح : ان الام امرأة .
وَمِمَّا جاء نتأكد ان تلك الضرورة التي جمعت المرأة بالام هي علاقة جوهرية متكيفة على وضع عام وماهوي . على ذلك الوضع الذي افرز الام كمرآة اي حدد نوعها من جنسها في لحظة حملية واضحة بينهما . كذلك هي لحظة تتاكد عبرها قيمة المرأة الجوهرية . بعبارة اخرى إنتا أبعدنا نوعا ما تلك الصفات الاخرى والتي تبدو غير جوهرية عن المرأة / الام مثل صفة الثكلى .
لكن هذه اللازمة المباعدة للصفات الاخرى ايضا شكلت نقيصة ما . اذ ليست المرأة خصيصة للبشر بل هناك ايضا للطير والحيوانات البرية او الحيوانات البحرية وهي متعددة ومتغيرة . ولهذا السبب توجب وجود حكم يرتقي الى وضع جديد اكثر تطورا من وضعيات الأحكام السابقة . بل ولهذا وجدنا مما تقدم ان الشيء ايما شيء يبلغ نوعه الخاص به وان هذا النوع بطبيعة الحال يكون جزءً من كل أعم ولأجله لابد من ظهور الحكم اكثر اذ بدلا من ان يكون ضمنيا لابد ان يكون علنيا وهذه العلانية تتوضح اكثر حين نساير بين النوع والجنس على نحو ان هناك سببا رابطا بينهما فإذا كانت المرأة هنا فبالتأكيد انها هناك تسير على نحو سببي بالام وهذه الام ستكون نتيجتها المحتمة .
إذن ، المرأة — ام وهذا حكم يشترط اتصال الطرفين اتصالا جوهريا يفضي بهما الى العلن .
ولكن ماذا لو إننا لم نجد تلك الرابطة السببية بين الطرفين . ماذا لو لم نبلغ ضرورة الربط بين المقدمة والنتيجة في لحظة تغيب عنا وضوح هوية الربط
آنذاك سوف نصل الى معالجة جديدة نبدأها على نحو : اذا قلنا ان ف تتجه الى ف على وفق السبب والنتيجة وأنها لم تحصل على تلك السببية سنقول انها تتجه الى ط ، ج ، د .. وهذه طبيعة توجه الأشياء عموما . آنذاك سنصل الى توافق جديد بين الموضوع والمحمول بل هو اتفاق بينهما وصل الى لحظة ليعلن عن نفسه . هذا الاتفاق سوف يبدل الشرطية المتصلة بين الموضوع والمحمول الى شرطية منفصلة .. هكذا يمكن التوصل الى ان الام هي جنس المرأة ومن وراء ذلك التوصل نتبين ان المحمول سيكون هو نفسه الموضوع اي ان الكلي هو نفسه الجزئي والفردي في ان واحد .
------------------------
المصدر : الخشبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق