مجلة الفنون المسرحية
القدر لم يعد متحكماً بمصير البطل
-------------------------------------------
المصدر : عصمان فارس - صدى نت
القدر لم يعد متحكماً بمصير البطل
بعد الحرب العالمية الثانية تطورت الحياة المدنية والاجتماعية في امريكا ،وحصل تطور كبير واهتمام بمسرح يوجين اونيل، تنيسي وليامز والكاتب ارثر ميلر وتجاوزت شهرة كتابها انجلترا والولايات المتحدة وخاصة تنيسي وليامز ومسرحية اللعب الزجاجية،وحققت مسرحية عربة اسمها اللذة شهرة عالمية، ومسرحية قطة فوق سطح من الصفيح الساخن .ومسرح أرثر ميلر وفاقت شهرته العالمية في مسرحية موت بائع متجول، ومسرحية كلهم ابنائي، مسرحية مشهد من فوق الجسر، اما يوجين اونيل والمسرح المعاصر فهو يختلف عن وليامز وارثر من ناحية النغمة اوالروح ونهجه يختلف عن كتاب اوروبا مثل انوي ويونسكو والكل هم كتاب الموجة الجديدة، فمسرح اونيل مأساوي يفهمه من تخصص في دراسة الادب المسرحي واتسع فهمه للمأساة من سوفوكليس وشكسبير.
الاحتجاج الاجتماعي
مسرح المأساة الحديثة منذ ظهور فرويد والجانب النفسي الاختلاف مابين المأساة القديمة والمأساة الجديدة ماعاد القدر يتحكم بمصير البطل لكن دخل علينا عامل دنيوي سلوك المجتمع فبدلآ من التطهير في النفس ظهر الاحتجاج الاجتماعي وذات قيم اكثر
جمالآ وانفعالآ من التعريف الارسطي.وكان الاقرب الي اونيل في مأساته ارثر ميلر وخاصة في مسرحية كلهم اولادي ربما يقول ناقد ان النقد الاجتماعي في مسرحيات ميلر اكثر دقة في المسأساة وخاصة في مسرحيته موت بائع متجول لكنها مسرحية احتجاج اجتماعي وليست مأساة ويشترك الكاتبان اونيل وميلر في صفة مهمة وهما كتاب المسرح المعاصر ويؤكدان علي الايمان بقيمة الان بقيمة واهمية الانسان وكرامته.وخاصة لما تعرض له الكاتب من محاكمات مكارثية وتقييد الحريات وانعكس ذلك علي مواقفه المعادية لعنجهية الحروب واضطهاد الشعوب.
اما الكاتب تينيسي وليامز والذي يعتبر نفسه في صف الملائكة، ومسرحياته تتناول ارواح مريضة،وشخصياته تعيش مراحل شاذة لكنها روعة ورائعة في قالبها الدرامي وخاصة في عالمه السحري ومغناطيسية الجذب في حركة وافعال شخصياته يجد االمتفرج نفسه مشدود ويستمع لحكايات وسلوك وتصرفات كل الشخصيات الشاذة وغيرالشاذة،وكذلك اليأس هي السمة البارزة في شخصياته واحيانآ التصرف الغير اخلاقي مثل الخيانة والانانية والمخادعة وشخصيات فضة وقاسية ونزقة في تصرفاتها.
فشخصيات اونيل تكاد تكون نظيفة رغم تعرضه الي الانتقاد بسبب اهتمامه بالجنس،ولكنها علي اختلاف كبيرمع شخصيات وليامز رغم جديته في معالجة الموضوعات،لكن شخصيات اونيل تجعل المتفرج ان يتعاطف ويشع بالشفقة والرثاء، اما شخصيات وليامز تثير الاشمئزاز والاحتقار والسخرية، واكثر مسرحيات اونيل ذات صفة قاتمة وسوداء وهويكتب لعصره واحيانآ تغرق موضوعاته بالبساطة،وقد وصفه برنادشو :ان يوجين اونيل شكسبير بدائي من خلال مسرحيته الامبراطور جونز،ويصف اونيل علي انه صاحب موهبة ولكنه يفتقر الي بعض التي توجه وتتحكم بهذه الموهبة وفي مسرحياته الحداد يليق اليكترا جمع اونيل البعد النفسي لدي فرويد،واضفي طابع الميثولوجيا الحديثة علي نصه ان معظم مسرحيات تينيسي وليامز ذات طابع جنسي او مايدور حول الشذوذ الجنسي ماعدا مسرحية الحيوانات الزجاجية موضوعها عن الزواج،وسبب اختياره لهذه الموضوعات لكونه كاتب صادق يعكس البيئة التي يعيش فيها والواقع الاجتماعي.وليامز تأثر بالكاتب د.هه لورانس وعاش كليهما نفس البيئة والظروف.ففي مسرحية قطة علي سطح من الصفيح الساخن نجد اسرة غنية لكنها مفككة ،الاب لايحب زوجته،اما الابن فاقد الحنان عند اهله فيختار العلاقة مع صديقه وزميله الرياضي ورأي نفسه عاجزآعن فهم ظروف المجتمع المحيط به والتكيف معها،وفشل الابن في بلوغ اي قدر من التفاهم حتي مع اقرب الناس اليه..زوجته وابيه. وكانت النتيجة ان لجأ الي الخمر فأدمن الشراب ولم يعد يجد في الحياة لذة سواها،واستقال من عمله كمذيع للبرامج الرياضية،ومن ثم تحاول زوجته ماجي فرض سيطرتها عليه،تلك السيطرة التي بلغ ذروتها في الفصل الثالث عندما ترغمه علي مضاجعتها؛ وهي تحقق بغيتها بعد ان حرمته من الخمر نديم حياته ـ وفرضت عليه شروطها.وبقي ابيه خائف علي علاقة الابن المريبة ويتابع الوالد ابنه ويسأله: عن سبب الاكثار من شرب الخمر، عليك ياولدي ان لاتبدد حياتك هباء مثل هذه الموضوعات الجنسية قد نجد من يتفق معه ومن يختلف معه فتينيسي وليامز يعيش مايكتبه من خلال حالات التوتر في اعصابه واحاسيسه. يستخدم الرموز والصور وكل صورة توضح المعني ،والصورة والرمز حالة طبيعية في الدراما،وشخصياته تندفع بحرارة وحيوية وايقاعها سريع علي خشبة المسرح مع الموسيقي والديكور والاغاني كل هذه التفاصيل يهتم وليامز عند كتابةالنص المسرحي.ويمتاز وليامز بأنه من الصعب تفسير مسرحياته،يقع المتفرج والناقد فيحيرة وتردد في فهم المعني المقصود منها،وهي اليأس منمن الطبيعة البشرية أواحيانآ انعدام الاخلاق وخاصة في مسرحيته عربة اسمها الرغبة،ويعتبر وليامز من الكتاب المحدثين وان كانت مسرحياته تثيرجدلآ ومناقشات متباينة.ويري تينيسي وليامز ان الحياة اسيرة الزمن ذلك الوحش القاتل الصارخ، والزمن يجري بسرعة لاهثآ مجنونآ وطائشآ،وقد اثر هذا فينا،وهذه السرعة تنزع من حياتنا جلالها ووقارها وكرامتها .الزمن له تأثيرعلي حياة شخوصه،والمسرحية تقدم لنا شخوص ونماذج خارج عرين الزمن الهائج والعجول،شخصياته تصرخ وتشتكي وهي شخصيات من الواقع اليومي،واخرين ليس لديهم الوقت الكافي الي الاستماع اليهم، ولهم مواعيد اخري يتحكم بها الزمن، هذا المارد يجعلنا دائمآ قلقين،حائرين وطامعين وفاقدين الوقار باحثين بيأس عن معني لحياتنا، عندما نشاهد حركة وتصرفات شخوصه ،
المسرح الامريكي
نستطيع الحكم علي سلوك البطل اوالبطلة في هدوء،وربما بوضوح،من خلال الاستعداد النفسي والعاطفي. فتينيسي وليامز يعيش مايكتبه بكل اعصابه واحاسيسه،وهو يستقي مايكتبه من حالة التوتر التي يعيشها.ويضع وليامز كل المقتضيات المسرحية في ذهنه، فالمسرحية تكتب لغرض التمثيل .وفي مسرحية عربة اسمها اللذة تطل علينا سيدة وهي في الثلاثين من عمرها تحمل حقائب السفر،انيقة في مظهرها وتبدو عليهاالحيرة،اسمها بلانش، كالفراشة في حقول خالية من الزهور ، في هذا الحي الفقير تسأل عن عنوان اختها ستيلا،فتدلها سيدة علي جنة عدن ،بيت فقراء كل شيئ في صالة واحدة الحمام وغرفة النوم ، تقابلها ستيلا الاخت بترحيب وزوجها السكير ولاعب القمار ،تشكو لاختها عن فظاظة زوجها ستانلي يقضي ليله مع شلة من الاصدقاء ،ستانلي يشاكس بلانش ويتهمها بابشع الصور والعلاقات المشبوهة والوشايات،وتقف ستيلا حزينة علي اختها بلانش من سوء تصرفات زوجها.في الختام ينقلها الي مستشفي الامراض العقلية.وترضي بلانش ان تعيش علي كرم الغرباء ولاجحيم ستانلي زوج اختها ستيلا هذه المسرحية تحمل في طياتها الكثير من العقد الجنسية وقد تحفز الانسان علي فعل الكثير من عناصر المغامرة والطيش المبني علي العقل الباطني والذي يحفزالطبيعة البشرية،تلك الطاقة تكمن في تصرفات كل رجل وامرأة، وهناك عوامل اخري لاتقل عنها في الاهمية منها الجوع والنزوع الي القوة والسلطات صيغة اخري في مسرحيات تينيسي وليامز اعتماد صيغة الادب المكشوف،اي قيمة واهمية الجنس وخطورته علي حياتنا.فمعظم مسرحيات وليامز التي شاهدتها علي مسارح مهمة في السويد اعتمد المخرج علي فهم روحية النص والمؤلف وابراز هذه الروح وتجسيدها علي خشبة المسرح، وبناء الديكور التابث عدا تغيير بعض الاكسسوارات من خلال حركة الممثلين وادائهم النابض بالايقاع السريع.ويعتبر الكتاب الثلاثة وليامز،اونيل، وميلر علي رأس كتاب المسرح الامريكي،ونظرتهم الي الوجود فيها مسحة من الحزن والكأبة،وهم يعبرون عن جوانب من الروح الامريكية وهي غير متفائلة علي طول الخط اهم مايميز ارثر ميلر في معظم مسرحياته هو وعيه لمجتمع زائف،والحالة ممكن تغييرها،وخاصة في مسرحية كلهم ابنائي وفكرة المسرحية قريبة من توجهات مسرح ابسن النرويجي والمبنية علي كذبة خاصة تمهد لكذبة عامة.جوكلير يرتكب جريمة اجتماعية،كلير صاحب مصنع ارسل ادوات طيران احتياطية معطوبة ،ادت الي موت العديد من الطيارين ومن ضمنهم ابنه،وقد القي كلير ماحصل علي احد عامليه في المصنع وتبرأ من تهمه الجريمة حفاظآ علي سمعة مصنعه وخسارته المادية.في مسرحية كلهم اولادي يشعر جوكلير الاب بفضاحة الجريمة والشعور بالذنب والاضطهاد الجمعي، فجميع الذين كان السبب في قتلهم هم ضحايا انانيته وقد أدرك الكاتب ارثرميلر وفهمه العميق لمفهوم الضحية،الجمعي،الابناء يعانون بسبب سوء تصرفات وافعال الاباء.وفي مسرحيات ميلر تكون شخصياته خارج سلطة البوليس، وتختار شخوصه الفرصة المناسبة لأنتحاره ولكي يواجه مصيره ،لأنه المسوؤل عن تصرفاته ركز ميلر في مسرحيته كلهم اولادي علي الفردية الامريكية وانانيته وعدم التزامه بمصالح الاخرين.
موت بائع متجول
وكذلك نجد التضمين الاوسع في مسرحيتي موت بائع متجول ومسرحية منظر من الجسر والتركيز علي عزلة الفرد وهو الضحية في كل الظروف.وفي مسرحية موت بائع متجول تجد المأساة فيها عبارة عن صورة من صورعصرنا الفوضوي،وماانتهي اليه الانسان في جعجعة الحضارةالصناعية وكيف يسحق ويطحن الانسان تحت ماكينة الجشعين، وضعف الانسان وسط غابة رساميل ووحوش الغابة،وبطل المسرحية لومان شخص بسيط يعيش في دنياه البسيطة،ويزاول عمله كبائع وسائق سيارة خمسآ وثلاثون سنة في خدمة الشركات، وقد شاخ وماعاد يسحر الزبائن في الترويج لبيع حاجياته حلمه الاسري تحطم بسبب سلوك اولاده.فميلر في مسرحيته مشهد من الجسر من حيث مضمونها الانشائي الاخلاقي،تتناول المسرحية القانون الجامد والذي يسنه مجتمع اناني يحتكر ثروة القارة لامريكية لنفسه والمتمثل بقوانين الهجرة والاقامة الا بترخيص خاص.وقد تميزت واقعية ارثرميلربتفجير الاطار التقليدي للمسرح،وطريقته الذكية في الانتقال من مشهد الي مشهد واستخدامه الازمنة وتداخلها مع بعض بكل براعة وبطريقة خلابة. فهو يدمج مابين الواقعية التقليدية باسلوب ومزاج المسرح الحديث وامكانياته المتطورةوالمتجددة. اما تجربة يوجين اونيل المأساوية وتأكيده علي ان حياة الفرد لاتستقيم الا بالصراع،ومأساة الانسان المنعزل ومحاولته السيطرة علي الحياة ،وهذه قمة المبالغة من خلال وجود كيان اسرة مدمرة تعيش العزلة وتفكك في العلاقات وخاصة في مسرحية الحداد يليق بالكترا و مسرحية رحلة النهار الطويلة نحو الليل،وهي صورة اونيل واسرته،اما الكاتب المسرحي الامريكي يوجين اونيل في اغلب مسرحياته يستخدم اسلوب دراسة الصراع من داخل عقل الشخصية مستندآ علي البواعث الشعورية والحاجات.
وفي مسرحيته رحلة النهار الطويل الي الليل مضوعها يتناول حياة الكاتب العائلية ، اونيل اشعل فتيل ثورة المسرح الامريكي بكل مواضيعه الواقعية واستخدامه تقنية كتابة مميزة في كتابة مسرحياته،في مسرحية وراء الافق واستخدام تراجيديا الرمز في الامبراطور جونز،ومسرحيته ذاث التحليل النفسي وهي مأخودة من المسرح الاغريقي وقد جسد فيها موضوعة الحرب الاهلية الامريكية. ـ كان يوجين اونيل اول كاتب مسرحي امريكي تمرس علي اساليب كثيرة للوصول الي ارقي الكتاب المسرحيين. ان موضوعاته تخلب اللب وتتصارع مسرحياته مع الممكنات لكنها مثل مسقط ماء يراق تذكرنا بسخاء الطبيعة المسرف اكثر ما تذكرنا بتهذيب واسلوب الفنان ولعل احسن شيء نذكر به اونيل هو مسرحية الحداد يليق بالكترا وتكتسب المسرحية قوي تأثيرها بفضل استخدام موضوع اورستيا لاسخيلوس. اما الحالات الانسانية في مسرح تنيسي وليامز مأساوية بسبب تدخل العقل في الصراع الحيواني الجنسي والموت المأساوي ومسرحية قطة علي سطح من الصفيح الساخن ومسرحية عربة اسمها الرغبة !عملية التحليل النفسي قوية في تجسيد شخوص تنيسي وليامز والكاتب يوجين اونيل وساهم الاثنان في دخول فرويد للمسرح الامريكي. فكل شخصيات يوجين اونيل تبني حياتها علي الوهم وخاصة اوهام الحب والشهرة او اوهام القوة او مشكلةالخلود، او الجري وراء الامل والبحث عن السعادة.وتينيسي وليامز يطرح قضية الجنس في مسرحياته،كدافع من أشد الدوافع البشرية تأثيرآ في التكوين النفسي للانسان وفي علاقاته الاجتماعية وموقفه من العالم،وهذا امر واقع في حضارةغدت التجربة الجنسية تغطي مساحات واسعة جدآ من الحياة،ووليامز يؤكد علي العلاقات الانسانية والحرية والثقافة الجنسية .وعندما يكون الجنس طاقة عنيفة تكمن وراء تصرفاتنا الغريبة وكل الحلول التي يطرحها في مسرحياته تعكس حياته الشخصيةوما قاسي من كبث جنسي،وكيف تصبح حياة الفرد عقيمة ومملة في المجتمعات الصناعية،وفد تأثر بلورنس والمذهب الرومانسي،وقد تصور ان العاشق الوحيد هو الشاعر وهو محرر النساء المتعطشات للجنس
المصدر : عصمان فارس - صدى نت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق