تصنيفات مسرحية

الأربعاء، 15 يونيو 2016

عرض مسرحية 'من القلب للقلب' أشعار معبرة في قالب مسرحي باهت

مجلة الفنون المسرحية
جملة شهيرة في عالم السياسة تقول إن النوايا الطيبة لا تصنع عملا ناجحا بالضرورة، وفي المسرح يمكن استعارتها مع بعض التحوير، لنقول إن الاستعانة بنصوص شعرية ناجحة لا تضمن تقديم دراما مسرحية مكتملة، وهو ما انسحب تماما على مسرحية “من القلب للقلب” التي تعرض حاليا بمصر.

يقدم على خشبة المسرح القومي في القاهرة منذ مدة عرض “من القلب للقلب”، عن نص أعده في السبعينات الشاعر الراحل فؤاد حداد نقلا عن رواية فرنسية شهيرة، مع التركيز على الجانب الإنساني الفلسفي في القصة.
رواية “الأمير الصغير” ذائعة الصيت كتبها الكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت أوكزبيري عام 1943، وتحقق مبيعات ضخمة حول العالم منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

مثلما تناولت الرواية، ترصد المسرحية أحوال الأمير الذي يزهد العيش في كوكبه البعيد عن الأرض، ويقرر الرحيل عنه بعد أن ملّ من الوردة المحبوسة في زجاجة، التي يحبها ويهتم بها بسبب دلالها الدائم عليه.

مسرح مباشر

تبدأ أحداث المسرحية بحوار بين طيار سقطت طائرته في الصحراء، والأمير الذي يحكي له عن رحلته في سبعة كواكب ليصل في النهاية إلى يقين يؤكد أن أهم ما يجب أن يتمتع به الإنسان هو قلبه، لأن ما يخرج منه يصل إلى قلب الآخر مباشرة..


من الواضح أن صاحب الرواية الأصلي أراد أن يقدم من خلالها إسقاطات على التغييرات التي طرأت على البشرية في تلك الفترة التي شهدت حروبا متتالية، وما صاحبها من ضياع للقيم المجتمعية، حيث أن الرواية كتبت إبان الحرب الثانية.

ورغم صياغة الفكرة في هذا الإطار، إلاّ أن مثل هذه الطريقة التي تحمل جانبا من المباشرة في نصح المشاهد تبدو أقرب لمسرح الطفل، وليس لمشاهد المسرح القومي الذي يفترض فيه أن يقدم عروضا أكثر نضجا وربما تعقيدا في التناول ومناقشة الأفكار.

كانت محاولات مخرج العرض رشدي الشامي واضحة لإضفاء حالة خاصة له مع الجمهور مستخدما واحدة من أكثر الفرق الغنائية مهارة وتميزا هي “إسكندريلا”، إلاّ أنه فصل المشاهد عنها بالتكوين الغريب الذي أظهر به الفرقة على المسرح دون مغزى محدد.

فقد وضع ستارة شفافة حالت بين الفرقة الموجودة على خشبة المسرح وبين رؤية الجمهور لها، في اختيار لا يبدو مبررا، فلم يظهر تطور الدراما في المسرحية سببا واحدا لهذا الإخفاء، وكان يمكنه لو لم يحتج لشخوص الفرقة الاكتفاء بتسجيل أغانيها وعرضها مع الأحداث.

المخرج لم يوازن بين مساحة الانتقالات للأمير من كوكب إلى آخر، وزادت مدة بعضها بشكل مبالغ فيه
وكان يمكنه في المقابل منحها مكانا مستترا بعيدا عن خشبة المسرح، لكنه تسبب في فصل المشاهد عن الحالة التي يريد منحها له بدفعه إلى الانسجام مع مثل هذه النوعيات من الدراما المسرحية التي تبدو أقرب للتفاعلية.

المخرج أيضا بعث حالة من الملل لدى المشاهد، لأن الفرقة الغنائية كانت تعيد غناء نفس كلمات ومواقف الحوار الدائر بين الأمير والطيار المفقود، فلم تقدم جديدا، وكان يمكن بقليل من الحرفية تقسيم الحوار بين الدراما والغناء ليكمل كل منهما ما توقف عنده الآخر.

ازداد الأمر سوءا حينما قرر الأمير الصغير الهبوط على كوكب أحد الملوك، حيث جرت الاستعانة بالفنانة لانا مشتاق (أحد أعضاء الفرقة) التي تنكرت في دور رجل لتؤدي الدور أيضا دون سبب محدد.

ومع اجتهاداتها في تفخيم طبقة صوتها في بعض المناطق لتقوم بتجسيد الصوت الذكوري، إلاّ أنها لم توفق كثيرا بسبب اختلاف طبيعة الصوت التي كانت تحتاجها الشخصية، الأمر الذي بدا واضحا للجمهور، لكن هذه العيوب الدقيقة لا تلغي البهجة التي أضفتها فرقة “إسكندريلا” على العرض.


هنات متتالية

ديكور العرض كان بمثابة أزمة كبيرة لعدة أسباب لا تكمن فقط في كونه خاليا من الإبداع والابتكار، إنما يمتد إلى الحركة على خشبة المسرح، حيث نشاهد مجموعة من الأشخاص يظهرون فجأة ليضعوا قطع الديكور، بل إن بعضهم يحمل كشافا بيديه.

هذه الأمور أحدثت ارتباكا للجمهور، نظرا لأن الحركة السريعة التي يراها واضحة أمامه على المسرح تقتنص جزءا من انتباهه لما سيراه من مشاهد قادمة بالعرض، كما تقلل من قيمة العمل الذي يبدو للمشاهد وكأنه بروفة في الكواليس يتحرك فيها العمال بقطع الديكور.

بطل العرض الفنان أحمد كمال ربما لم يأخذ حقه في العمل، حيث اختزل دوره في جزء صغير وجانبي من المسرح في أغلب الأحداث، وبدا كأنه قوام منفصل عنه
وأخفقت أيضا إضاءة العمل في بعض المشاهد، وأجادت في أخرى، غير أنها في النهاية لا تكشف عن إبداع ساحر يمكن أن يصل إلى المتلقي، في حين كانت الملابس تعبر عن شخوصها إلى حد كبير.

بطل العرض الفنان أحمد كمال ربما لم يأخذ حقه في العمل، حيث اختزل دوره في جزء صغير وجانبي من المسرح في أغلب الأحداث، وبدا كأنه قوام منفصل عنه أو مجرد متحدث إلى الجمهور، باستثناء مشاهد قليلة جمعته مع الأمير في منتصف المسرح.

كان الأكثر غرابة في شخصية الفنان أنه رغم تعطل طائرته بالصحراء لم نجد عليه أي آثار للإرهاق أو العناء من الرحلة، سواء على ملابسه أو ملامح وجهه.

طوال مدة العرض المسرحي، غلب الطابع الشعري، فكان سببا إضافيا لحالة الملل، بل إن المخرج لم يوازن بين مساحة الانتقالات للأمير من كوكب إلى آخر، وزادت مدة بعضها بشكل مبالغ فيه، مقابل اختصار مخل في بعضها الآخر.

“من القلب للقلب رسول” المقولة الشهيرة التي اختزل عنوانها في هذا العرض، قدمت حالة من البهجة، خصوصا من عشاق الشاعر الراحل فؤاد حداد وأداء فرقة “إسكندريلا” الخاطف للآذان.

ومع ذلك، يبقى العرض منقوصا ومرتبكا في الكثير من عناصره، وربما أراد مخرجه صناعة حالة معينة لم يحالفه التوفيق بها، ويبقى العرض في مجمله أكثر ملاءمة للطفل، الذي يعيش في رحلة اكتشافه للنفس البشرية.

-----------------------------
المصدر : سارة محمد - العرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق