مجلة الفنون المسرحية
-------------------------------------------------
المصدر :عرض : نادية سعد معوض - الأسلام اليوم
كتاب صادر تحت عنوان" رؤية المقاومة وتشكيلها في مسرح باكثير" للكاتب الدكتور أبو بكر البابكري عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة ضمن سلسلة دراسات مسرحية .. يقدم الكتاب نظرة جديدة إلى مسرح الكاتب الرائد علي أحمد باكثير الذي عاش في مصر وأسهم في النهضة الأدبية في أوائل القرن الماضي، وبرز اسمه كواحد من أهم كتاب المسرح في تلك الحقبة، حيث قدم إلى المكتبة العربية نحو أربعين مسرحية، وعدداً من الكتب الأخرى، وقد كانت تلك الحقبة حقبة تحرر ومقاومة للاستعمار، وعصر تأجج النضال العربي ضد الصهيونية العنصرية الاستعمارية، وانعكست تلك الأوضاع على كتابات باكثير .
مقاومة الصهيونية في مسرح باكثير
يضم الكتاب مقدمة وأربعة فصول تناول في الفصول الثلاثة الأولى موضوع مقاومة الصهيونية في مسرح باكثير، وفي الفصل الرابع يضيء على تناول باكثير الاستعمار الأوروبي في أجزاء من الوطن العربي، وأتبع ذلك بخاتمة استخلص فيها أهم النتائج التي خرج بها من دراسته .
في موضوع مقاومة الصهيونية ينطلق البابكري في الفصل الأول من مسرحية باكثير شيلوك الجديد، معتبراً أنها المسرحية الأم لكل مسرحيات باكثير الخاصة بالقضية الفلسطينية، مثل مسرحية شعب الله المختار، إله إسرائيل، ومأساة أوديب، وإبراهيم باشا، فكلها مأخوذة من أفكار واردة في صلب مسرحية شيلوك الجديد، ويورد الكاتب مقولة لباكثير يحدد فيها ظروف كتابته لهذه المسرحية، حيث يقول باكثير: كان ذلك في غضون سنة 1944 قبل نكبة فلسطين الكبرى، كانت القضية الفلسطينية تشغلني، وكنت أتابعها باهتمام سواء في ما ينشر عنها في الصحف أو ما يوضع عنها من الكتب وذات يوم قرأت أن الزعيم الصهيوني جابو تنسكي خطب مرة في مجلس العموم البريطاني فضرب المنضدة بيده، وهو يقول: أعطونا رطل اللحم، لن ننزل أبداً عن رطل اللحم، مشيراً بذلك إلى الوطن القومي الذي تضمنه وعد بلفور، فقلت في نفسي: قد وجدت الضالة التي كنت أنشدها، هذه الكلمة حجة على الصهيونية لا لها، وسأتخذها الفكرة الأساسية لمسرحيتي، واستحضرت في ذهني مسرحية تاجر البندقية لشكسبير، فأعدت قراءتها فلمحت الخطوط العريضة للموضوع الملائم للفكرة، ولم ألبث أن وضعت تصميم المسرحية، وتظهر هذه الفقرة مدى تغلغل فكرة مقاومة الصهيونية في ذهن باكثير، وانشغاله بالبحث عن موضوع لمسرحياته يستطيع من خلاله إدانة تلك الحركة الفاشية .
ثم يستعرض المؤلف في الفصل الثاني مسرحية إله إسرائيل التي بين فيها باكثير كيف أن الغدر والخيانة والاحتيال والسرقة وحب المال واحتقار الآخرين جزء من البنية النفسية والعقلية لأتباع الصهيونية، ورثوه عن أسلافهم منذ قرون غائرة في الزمن .
ويتتبع البابكري مسرحيات باكثير عن فلسطين دارساً بنياتها الدرامية من حيث التماسك وتطور الصراع في اتجاه الحل الذي يكون عادة موجهاً لتعزيز الفعل المقاوم، وتأكيد حق العرب في أرضهم، وكون فلسطين كتلة جغرافية وحضارية واحدة عربية الطابع، ثم يدرس أنواع الحوار ملاحظاً عمق المخزون المعرفي لباكثير، وتمرسه بصور الإقناع المنطقية، حيث يبدو الحوار في بعض الأحيان نقاشاً ملحمياً على أعلى مستويات الطرح الجدالي، وينتهي بدوره إلى ما يخدم رؤية باكثير في مقاومة العدو الصهيوني .
خصص الكاتب الفصل الثالث من دراسته لاستجلاء كيفية بناء باكثير رؤيته للمقاومة في فلسطين عبر أشكال مسرحية عدة، منها المسرح السياسي والتسجيلي وهو خطاب مسرحي مباشر يهتم بإيصال رسالة بلغة خطابية توجيهية، ومن تلك الأشكال أيضاً المسرح التراجيدي والمسرح الكوميدي، ويتوقف الكاتب عن هذا النوع الأخير ليستعرض قدرات باكثير على السخرية والإضحاك في مواضع كثيرة من مسرحياته، ومنها كذلك المسرح الذي يمزج بين المأساة والملهاة، فيظل يخفف عن المتفرج وطأة المأساة ببعض الفكاهة التي تخفف من الضغط النفسي لديه، ويستخلص البابكري من هذا الاستعراض مدى تمرس باكثير بفن المسرح، وقدرته على التنقل بين الأشكال خدمة لقضيته الكبرى التي وضعها نصب عينيه وهي مقاومة الصهيونية، فتوسل لذلك بكل الأشكال والمقاربات ليصل إلى كل أنواع المتفرجين .
الفصل الأخير خصصه لمقاومة أشكال الاستعمار قدم فيه مسرحيات انصبت على مقاومة الاستعمار البريطاني والفرنسي والهولندي والسوفييتي، وكذلك مقاومة أعداء العروبة، والأنظمة الفاسدة، وقد أظهر المؤلف تفاعل باكثير الكبير مع كل أشكال المقاومة في الوطن العربي الرافضة للهيمنة الخارجية الساعية إلى امتلاك حريتها وقدرتها على بناء نفسها والاستقلال بأرضها وثرواتها الطبيعية .
واستخلص البابكري أن روح المقاومة في مسرح باكثير تستحوذ على ثلثي إنتاجه المسرحي، واستأثرت مقاومة المشروع الصهيوني بالجزء الأكبر نظراً لمركزيتها في رؤية هذا المؤلف الكبير، وكانت صريحة لا لف فيها ولا دوران، وكذلك فعل مع أشكال الاستعمار الأخرى، أما مقاومة الأنظمة الفاسدة، فقد كان يلجأ للتعبير عنها إلى الإيحاء والرمز التاريخي أو الأسطوري مقيماً معادلاً موضوعياً للواقع الذي تصنع تلك الأنظمة، وينتهي إلى إدانتها بهدوء، وهو في كل أعماله ينطلق من انتماء راسخ إلى الفضاء الحضاري للعروبة والإسلام يصدر عنه ويعود إليه في كل ما يطرحه من رؤى ومفاهيم .
علي أحمد باكثير
وُلد علي أحمد باكثير في 22 ديسمبر 1910م بإندونيسيا لأبوين من حضرموت باليمن، وهاجر من وطنه الأصلي حضرموت سنة 1932م بعد فجيعته بوفاة زوجته الشابة إلى عدن ثم غادر عدن إلى المملكة العربية السعودية، ثم إلى مصر حيث استقرَّ بها حتى وفاته في العاشر من نوفمبر 1969م إثر أزمة قلبية حادة ودفن بمدافن الإمام الشافعي في مقبرة عائلة زوجته المصرية.
وقد ترك باكثير تراثًا أدبيًّا ضخمًا نُشر منه ما يقرب من ثمانين مسرحية وخمس روايات والمخطوط أربعة دواوين شعريَّة تنتمي لمراحل حياته الأربع: ديوان أزهار الربا في شعر الصبا شعره في المرحلة الحضرمية، ديوان سحر عدن وفخر اليمن شعره في المرحلة العدنية، ديوان صبا نجد وأنفاس الحجاز شعره في المرحلة السعودية أما أكبر دواوينه فهو ديوان وحي ضفاف النيل ويضمُّ شعر بقية حياته في مصر.
ورغم أن باكثير لم يصدر دواوين شعرية في حياته، فإنه يعدُّ رائد الشعر الحر بإجماع الكثير من كبار النقاد أمثال الدكتور عز الدين إسماعيل وباعتراف بدر شاكر السياب نفسه، وذلك بعد ترجمته لمسرحية روميو وجولييت سنة 1936م، وتأليفه مسرحية إخناتون ونفرتيتي سنة 1938م الشعريتين.
أما في الرواية، فيعدّ باكثير رائد الاتجاه الإسلامي في الرواية العربية التاريخية، وقد أنتجت له السينما ثلاثًا من رواياته أصبحت من أشهر الأفلام السينمائية وهي واإسلاماه والشيماء أخت الرسول صلى الله عليه وسلم في الرضاعة، وسلَّامة، الفيلم الذي مثلته أم كلثوم، أما في المسرح فباكثير رائد المسرحية السياسية في تاريخ المسرح العربي، وأهم أديب عربي تناول قضايا الأوطان العربية والإسلامية وكفاحها ضد الاستعمار، وهو الذي تنبَّأ بقيام دولة الكيان الصهيوني بثلاث سنوات في مسرحيته الشهيرة شايلوك الجديد التي صدرت سنة 1944م، وهو أكثر أديب عربي تناول قضية فلسطين في خمس مسرحيات منها التوراة الضائعة، وإله إسرائيل، وشعب الله المختار.
ملحمة عمر وغزو نابليون لمصر
حصل باكثير على منحة تفرغ لمدة عامين (1961-1963) حيث أنجز الملحمة الإسلامية الكبرى عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في 19 جزءاً، وتعد ثاني أطول عمل مسرحي عالمياً، وكان باكثير أول أديب يمنح هذا التفرغ في مصر. كما حصل على منحة تفرغ أخرى أنجز خلالها ثلاثية مسرحية عن غزو نابليون لمصر (الدودة والثعبان، أحلام نابليون، مأساة زينب) طبعت الأولى في حياته والأخرتين بعد وفاته.كان باكثير يجيد من اللغات الإنجليزية والفرنسية والملايوية بالإضافة إلى لغته الأم العربية.
المصدر :عرض : نادية سعد معوض - الأسلام اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق