تصنيفات مسرحية

الأحد، 10 يوليو 2016

المخرج أحمد شرجي: نسعى جميعا لتقديم عرض مسرحي يبقى في الذاكرة ولا ينسى بعد يوم من عرضه

مجلة الفنون المسرحية

لقد صدق الاستاذ الدكتور تيسيرالالوسي حين أكد أن الفنان الدكتور أحمد شرجي «جمع بين غواية التمثيل هواية وعشقاً وبين احترافه أداءً ودرساً أكاديمياَ.. الموهبة والغواية لا تكتملُ وتلمع إلا بالدّرس العلمي وزخمِ المعارف والخبرات، فإنَّ هذا يصدقُ تماماً وبتميِّزِ ملموسِ في حالةِ الفنان المبدع أحمد شرجي.
فلقد أضفى لموهبته وعشقه فن التمثيل خبراتِ عمليةَ وعلمية أكاديمية عبر مواصلة الدرس والقراءة المعرفية النظرية بخاصة في طريقِ حفل بثراء التنوع في مسيرة مسرحية احتفالية مرّت بشرق أوروبا في زاهر إنتاجها المسرحي في نهايات القرن المنصرم ومن ثمَّ الانتقال الأخير إلى حيث المسرح الغربي ممثلاً في معايشة فعلية له في الانموذج الهولندي… فضلاعن «مدارس مسرحية عديدة يَطـَّلعُ عليها [أحمد] عبر أساطين الفن المسرحي العربي المعاصر في العراق ومدارس أخرى في شرق القارة الأوروبية وغربها..». لقد نحت شرجي تجربته الفنية الابداعية نحتاً راسخا وعميقا فبات علامة من العلامات المشرقة في فضاءات المسرح العراقي والعربي بما قدمه من انتاجات تمثيلًا واخراجاً وبحثًا متميزاً شكلاً ومضمونًا وهاهو يعاود الكرة بعد انقطاع طويل للوقوف على الخشبة ولكن هذه المرة مع مخرج شاب وممثلين شباب من دون أن تعيقه نرجسية حادة ميزت غيره من المسرحيين ليضعها خلف ظهره وهو يدخل الى قاعة التمرين المسرحي متواضعاً وبإنضباط عال خال من الأنوية او الفوقية مع فريق المسرحية الجديدة « ستربتيز» إعداد وإخراج الفنان علاء قحطان لحساب الفرقة الوطنية للتمثيل وتمثيل الفنانين الشباب: وسام عدنان، هند نزار، ياسر قاسم، عامر نافع، والادارة المسرحية لمحمد سامي…
عن هذه التجربة الابداعية الجديدة للدكتور أحمد شرجي كان لنا هذه الجولة من الحوار:

* انقطعت عن صعود الخشبة ممثلا(في العراق) اكثر من عشرين عاماً ، فما الذي دعاك للعودة اليها مجددا؟

– انقطاعي كان فقط عن خشبات المسرح العراقي ، وإن كنت قدمت بعض العروض لجمهور عراقي في مهرجانات خارج البلد، طبعاً شعور غريب ، خوف وقلق ، وكأنها عملية لازالة ورم خبيث ، تحتاج عملية استئصاله لتفكير عميق وصعوبة باتخاذ القرار، بالرغم أنني تلقيت اكثر من عرض مسرحي منذ عام 2013 والى الان ، وفعلاً باشرت مع بعضها مدة أكثر من شهر على البروفات
وكانت مع الصديق حاتم عودة في مسرحية( فيلم ابيض واسود) ,لكن بسبب الدراسة وعدم التخطيط قررت الانسحاب . خشبة المسرح العراقي هي تعطيك هويتك الحقيقية ، وأظن قلت هذا معك في حوار قبل سنوات… قدمت الكثير من الاعمال التلفزيونية والسينمائية وأصدرت أكثر من إصدار، لكني مازلت انظر للخشبة برهبة كبيرة، برغم ما قدمته من أعمال في العراق أو المغرب ، تونس، هولندا، القاهرة… الاجيال الجديدة لم ترك على المسرح ، بل كونت لك صورة من خلال الاعلام أو الاصدارات أو الحضور التلفزيوني ، أو تواجدك في المهرجانات ، ولهذا تريد أن تراك على المسرح ،أحن إلى الخشبة العراقية إلى مشاكستها وقسوتها ، إلى مرارة الفشل ونشوة النجاح، أحن إلى الجمهور العراقي والذي تعرف نجاحك من خلال استقباله لك في التحية بعد العرض مباشرة…. لا هوية لي خير هوية المسرح وخشبته…. انتظر بلهفة وقلق كبيرين لحظة العرض ، لا أعرف أن أصف لك شعوري كلما ينتهي يوم البروفة ويقرب يوم العرض ، أخاف لحظة العرض وانتظرها بالوقت ذاته … مر وقت طويل بانقطاع التواصل بسبب سنوات النفي…. إنه العشق الابدي للخشبة وللخشبة وحدها، كثيراً ما كنت أحلم بالعودة على خشبة المسرح في بغداد، ووجدت ما يغريني حسب وجهة نظري لهذا الحلم في مسرحية ( ستربتيز) إنه عرض يعري كل الاشياء التي دمرت الحيوات العراقية.

*اذا كان الامر كذلك فكيف وجدت نفسك وانت تسلم قيادك للمخرج الشاب علاء قحطان المعروف بتجاربه الاخراجية المميزة؟

-أنا ابن الآن ، وليس الأمس ، ابن هذه اللحظة التي فيها علاء قحطان وأبناء جيله يمثلون ظاهرة في المسرح العراقي ، تعرفت على علاء قحطان بالمصادفة في مهرجان المنستير عام 2010 ,برفقة والده الفنان قحطان زغير ، كانا ضيوفاً على المهرجان قادمين من بغداد القلب، وانا قادماً للمهرجان من هولندا مشاركاً في المؤتمر العلمي للمهرجان، قضينا أوقات كثيرة نتحاور عن المسرح العراقي والتجربة المسرحية بعد 2003، لم أشعر للحظة بأني لا أعرف هذا الشاب، أهداني عرضه الاول ( جلسة سرية)، وعند مشاهدتي العرض ، وجدت مخرجاً عارفاً ما يريد ، ويصنع مشهده بشكل جميل وواع ، وبدأت علاقتنا تتوطد اكثر وشاهدت تجربته الثانية ( باسبورت) في مهرجان المسرحي العربي للشباب وكنت مدعوا للمهرجان ، وازداد ايماني بقدراته الاخراجية، يملك مشروعاً مسرحيًا قد يكون من الصعب تحديد سماته الان ، ولكن بوادره واضحة من خلال همه اليومي بالمسرح والمشاهدة ، ولهذا لم أتردد بالعمل معه ، واتفقنا على خطوط عريضة حتى جاء النص ، وكان الاتفاق ومن ثم جلسات الطاولة ، وترسخت صورة المخرج عندي للشاب الذي قابلته عام 2010 في المسنتير لنشترك في عام 2016 في مشروع مسرحي وتشاء المصادفة أن يتحقق حلمي بالوقوف على خشبة المسرح العراقي مجددًا من خلاله، علاء قحطان وزملائه يمثلون جيلاً مسرحيًا مغايراً لكل ما قدم سابقاً ، قد نختلف كثيرًا و نتفق على تجاربهم المسرحية ، لكنهم جيل يمتلك روح المشاكسة والمغامرة ,ويسعى بكل قوة لاثبات مشروعه المسرحي… جيل يمثل ظاهرة مسرحية ، بعد أن توقف الكثير من الاجيال المسرحية عن تقديم شيء ، ولهذا نراهم يهمشون هذا الجيل باتهامات متعالية، علينا أن نناقش تجربة هذا الجيل بعقلية واعية ومثقفة من خلال النقد البناء ، بعيدًا عن صراعات وهمية…. ليس من الضروري أن نتشابه فيما نقدمه ، الاختلاف ظاهرة صحية ، لايمكن أن نستنسخ تجارب الاجيال السابقة فلكل جيل خصوصيته وهويته الثقافية والاجتماعية وعلينا أن نعي هذا جيدًا، فكيف في بلد مثل العراق وأحداثه متغيرة يومًيا ، جيل ولد فنيا بعد 2003، لا تنتظر منه أن يقدم لك اعمالًا مسرحية باشترطات زمنية ماضوية… لهذا تغمرني فرحة كبيرة بتقديم عمل مسرحي مع أحد فرسان هذا الجيل.

*تعاملت ايضا مع فريق من الممثلين الشباب ..هل أحسست بالغربة معهم…وكيف كان رد فعلك ورد فعلهم؟

– ما ذكرته عن علاء قحطان ينطبق أيضًا على فريق الممثلين( وسام عدنان، هند نزار، ياسر قاسم، عامر نافع، محمد سامي )، نحن زملاء في عمل مسرحي يقوده مخرج ، ولكل منا خصوصيته وعوالم شخصيته داخل العرض، يملكون حرصًا كبيراً لانجاح التجربة، في جلسات القراءة كان بعض الحرج ، وحاولنا شيئا فشيئا تذويب المسافات ، وهي ليست مسافات نرجسية بقدر ماهي احترام متبادل ، وكان الاتفاق نحن فريق عمل مسرحي ، نسعى لتقديم شيء يليق بنا جميعا، نحن ممثلون ولا يوجد تميز لشخص عن آخر ابداً، وعلاء قحطان قائد جيد ، يشعر الجميع بأهيمتهم داخل المشروع ، حقيقة يمثلون طاقة ايجابية كبيرة لي من خلال التزامهم بوقت البروفات ، واخلاصهم للمشروع ، وانضباطهم العالي،…..مختصر الكلام أنهم رائعون بكل شيء ، وأشعر بسعادة كبيرة وقت البروفة بوجودهم.

*وعلى ماذا تراهن في خوض هذه التجربة؟ وماالذي تريد ايصاله من رسالة رسائل عبرها؟

-أراهن على الانتصار على الخراب الذي يعم البلد، لابد أن نعمل من أجل أن نثبت بأن هذا البلد حي ولاتوقف عجلته الابداعية المفخخات ولا الارهاب، ولا الساسة الذين قتلوا حيوات العراق برمته ، حتى اصبحت بغداد مدينة خربة ، فتاة مشوهة الوجه تضع الكثير من المكياج لعلها تخفي تلك التشوهات.
هذا من جهة ، ومن جهة ثانية بالتأكيد كل عمل مسرحي له خطابه الخاص الذي يريد أن يوصله إلى المتلقي، وعملنا المسرحي يذهب بهذا الاتجاه ، العائلة العراقية التي نخرت المتغيرات السياسية والحروب نسيجها الاجتماعي وروابطها العائلية ، حتى ارتضت لنفسها أن تختبيء في مكان قذر ، لتهرب من عالم أكثر قذارة، العائلة رمز للمجتمع العراقي برمته، على المستوى الشخصي أراهن على مغامرات الشباب في التصدي لموضوعات خطرة ، المسكوت عنه في الهامش العراقي، وتحويله الى خطاب درامي بجمالية عالية ، قد نتفق أو نختلف على ذلك ، لكن المهم هناك رؤى مختلفة ومغايرة للسائد في المسرح العراقي، هذه التجارب تحتاج الى الدعم والمساندة الان وبكل قوة، ونفككها نقديا بعد سنوات ، ولا يحتم علينا اطلاق الرصاص عليها، لانها جزء من حركة ثقافية واجتماعية ولدت بعد 2003.

* وما الذي تتوقعه لهذا العرض في ضوء المسرح السائد المسرحي عراقيا وعربيا وربما دوليا؟

– لنترك ما يقدم دولياً لأن هناك هوة كبيرة بين ما يقدم في المسرح العربي وما يقدم هناك ، بحكم الاختلاف الثقافي والسياسي والاقتصادي ، أما عربيًا حسب رأيي فما يقدم في أغلبية العروض هو انعكاس طبيعي للمتغير السياسي وتداعياته الاجتماعية ، لهذا عرض ( ستربتيز) لا يشذ عن هذه القاعدة وإن كان يتخذ له خطاباً جمالياً وعلاماتياً مغايراً على وفق رؤية المخرج وقصدياته الارسالية ، ليس المهم ما أتوقعه ، لأن ذائقتك قد تتقاطع مع ذائقة المتلقي، نحن نقدم عرضاً مسرحياً بقصدية واضحة على وفق اشتراطات فنية جمالية ، وبما أن العرض المسرحي يمكنك أن تلاحظ نجاحه بعد انتهاء العرض مباشرة من خلال استقبال الجمهور والاحتفال به، أعتقد ما ينجز من عروض مسرحية بعد 2003 تقترب من الانسان البسيط وليست عروضاً متعالية عليه .
ان الفن بشكل عام للناس وليس للنخبة ، وهذا لا يعني أن أدعم عروضاً بسيطة وسطحية لأنها تقترب من الناس ، لا ما اقصده العكس تمامًا، عروض تتحدث لهجته وتتناول همه الانساني وتعيد ذلك بطرق جمالية وفنية عالية المستوى للارتقاء بالذائقة الاجتماعية….

-------------------------------------------------
المصدر : حوار ـ عبد العليم البناء - الصباح الجديد 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق