مجلة الفنون المسرحية
-------------------------------------------------
المصدر : ريسان الخزعلي - المدى - ملحق منارات
لم يلتفت الشعراء الرواد في العراق (السياب، نازك الملائكة، عبد الوهاب البياتي، بلند الحيدري) الى كتابة المسرحية الشعرية لاسباب يبررها الانشغال في موضوع التجديد الذي شكلوا علاماته الاساسية، ومع تصاعد زخم اندفاعهم الشعري المعروف لم يتوفر أي منهم على كتابة مسرحية شعرية خالصة..الا ان اهتماماً لاحقاً قد حصل...حيث كتب البياتي (محاكمة في نيسابور)
غير ان هذه المسرحية لم تكن ذات بناء درامي ملموس، كما حصل في النسيج الشعري عند بلند الحيدري وذلك باعتماد تنويعات درامية في بعض قصائد (اغاني الحارس المتعب) وبوضوح كمي/ فني في (حوار عبر الابعاد الثلاثة)..ومثل هذه الاشتغالات لم تؤشر اتجاهاً في كتابة مسرحية شعرية عراقية وبقيت في حدودها المتحققة..
ومن شعراء الجيل اللاحق للرواد.. اهتم الشاعر (سعدي يوسف) في كتابة المسرحية الشعرية وبمساحة ضيقة تقع ضمن مجاميعه الشعرية (قصائد مرئية، نهايات الشمال الافريقي) وغيرها. وللشاعر (خالد الشواف) اسهاماته المعروفة في هذا المجال غير انها لم تكن ذات فاعلية فنية مؤثرة تكسبها التوصيف الدرامي الكامل.و كما ان شعراء عراقيين من الاجيال اللاحقة قد كتبوا في المسرح الشعري وعلى فترات متباعدة غير ان هذه الكتابات ظلت هي الاخرى في حدودها المتحققة ولم تشر الى اتجاه واضح لاسباب متعددة منها..تجريبية المحاولات وتشعب عناصر التأسيس الفني المتشكلة من مدرسيات ومنهجيات مختلفة، اضافة لابتعاد المخرجين المسرحيين العراقيين عن اظهار هذه المحاولات على منصات المسرح لاسباب مجهولة وغامضة، لا نعرف عنها شيئاً البتة!
ومن الشعراء العرب في كتابة المسرحية الشعرية الخالصة..هناك تجربة الشاعر يوسف الخال في مسرحية (هيروديا) وهي تجربة فنية متميزة..حيث كتبت عام 1954 باستعادة تاريخية معروفة الجذور، كما ان تجارب الشاعر (ادونيس) في كتابه (المسرح والمرايا) هي الاخرى تشكل استدراكاً اضافياً نوعياً في كتابة المسرحية الشعرية الخالصة وللعديد من الشعراء العرب اسهامات متنوعة في هذا الحقل الابداعي غير ان اياً منهم لم يتواصل في تأسيس مشروعه، وبقيت المحاولات تراوح في انتشار محدود..حيث سرعان ما يعود الشاعر الى هاجسه الشعري الألصق بتجربته ويعتد بأن (القصيدة) هي الرهان الاكيد في مضمار الكتابة الشعرية.
غير ان اهتمام الشاعر (صلاح عبد الصبور) كان هو الاوضح والارسخ في تاسيس كتابة مسرحية شعرية وبانفرادات فنية وجمالية وسمت تجربته التي اضاء حدودها في كتابه (حياتي في الشعر)... ويمكن تلمس هذا الرسوخ حتى في الرنين الايقاعي لعبارة (حياتي في الشعر) وليس حياتي مع الشعر.
ان مسرحيات صلاح عبد الصبور تقوم على فهم متجذر لفاعلية وجدوى المسرح في الشعر والحياة، وليس تنويعاً آنياً في الكتابة الشعرية.. وهكذا تنوع (الصراع) ايضاً في مسرحياته بحيث لم يعد هنالك تشابهاً مكروراً في طبيعة الصراع من مسرحية الى اخرى...، وحتى قراءة الشاعر عبد الصبور للشعر العربي القديم قد جاءت قراءة مسرحية هي الاخرى في كتابه (قراءة جديدة لشعرنا القديم) وعلى خلاف مع الكثير من القراءات الشعرية. ان الالتفات لكتابة المسرحية الشعرية قد جاء مبكراً وبتواز مع الاصدار الشعري.. حيث اصدر الشاعر مجموعته الشعرية الاولى عام 1957 ومسرحيته الشعرية الاولى (مأساة الحلاج) عام 1964 ثم توالت الاصدارات بالتناوب كما سنوضحها احصائياً في الفقرات اللاحقة للتدليل على جذور في كتابة المسرحية الشعرية الخالصة على مستوى الكم والنوع وتراجع في (الكم) الشعري مقارنة بما يليه حيث انتصفت الكتابة المسرحية نشاطه الشعري وشغلته بهم فني-درامي شعري- يكمل التجربة الشعرية كوحدة متجانسة وليس تنويعاً لاحقاً يقترن بصفة الاضافة التكميلية.
صلاح عبد الصبور..المجاميع الشعرية..
1- الناس في بلادي.. 1957م.
2- اقول لكم...1961م.
3- احلام الفارس القديم..1964م.
4- تأملات في زمن جريح...1970م.
5- شجر الليل...1973م.
6- الابحار في الذاكرة...1980م.
صلاح عبد الصبور..المسرحيات الشعرية,,,
1- مأساة الحلاج...1964م.
2- مسافر ليل...1970م.
3- الاميرة تنتظر...1970م.
4- ليلى والمجنون...1971م.
5- بعد ان يموت الملك...1972م.
ويتحليل احصائي نستطيع تلمس (كثافة) كتابة المسرحية الشعرية مقارنة بكثافة كتابة المجموعة الشعرية لنجد الترابط الابداعي-رغم الانتصاف الذي اشرت اليه- في فهم الشاعر صلاح عبد الصبور المتناوب بين كتابة الشعر والمسرحية الشعرية على حد سواء.
ان مثل هذا التحليل نجده مبرراً كافياً لوصف تجربة عبد الصبور بالريادة في المسرح الشعري العربي بعد اضافة العناصر الفنية (الجمالية) وتنوع الصراع في مجمل ابداعه في المسرح الشعري..فمن (ماساة الحلاج) ودراميتها المتحققة اساساً في التاريخ وقد اضفى عليها الكثير شعرياً الى الاخريات (مسافر ليل، ليلى والمجنون، الاميرة تنتظر، بعد ان يموت الملك)، حيث يكون التأمل الشعري -الدرامي (صفة عالية) في الوجود ومصير الانسان المجهول، برع عبد الصبور في تأسيس كتابة مسرحية شعرية مثلت تفرده وانفراده في هذا الابداع.
ان (الدراما) وبإضافة نوعية وادراك فني تتسلل الى معظم قصائد الشاعر عبد الصبور التي تقيم تاسيسها على الحوار، وتعدد الاصوات، مما يجعل الانتباه جازماً بان المسرح الشعري لب (القضية) التي تشغل الشاعر في تأكيد خصوصيته الابداعية. وبذلك تكون مسرحيات هذا الشاعر بين حدود الريادة والكم الشعري اشارة عالية التردد في الشعرية العربية وبأطياف متسقة الالوان، يشع فيها المسرحي والشعري..ولنكرر قوله..(ويبدو جسمها الذهبي متكئاً على الصحراء، يكون الشاهدان عليكما، النجم والانداء، ويبقى الحب للاباء موصولاً).
انه المسرح..انه الحياة..انه الحب الموصول بين ماضي تحقق وحاضر يطمح في ان يتحقق ومستقبل في نية ان يقدم نفسه ممسرحاً...هكذا عللت الوجود مسرحياً..يا صلاح!!
المصدر : ريسان الخزعلي - المدى - ملحق منارات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق