مجلة الفنون المسرحية
----------------------------------------------
المصدر : أوراس زيباوي- باريس - الدوحة
لمع اسم الممثلة والكاتبة اللبنانية-السورية دارينا الجندي في فرنسا بعد تقديمها مسرحيّة بعنوان «اليوم الذي توقّفت فيه نينا سيمون عن الغناء» والتي قُدّمت أيضاً في بعض المدن الأوروبية والأميركية. وها هي الآن تُقدِّم، على خشبة مسرح «لابرويير» في باريس، عملاً مسرحياً جديداً كتبت نصه بنفسها وهو بعنوان «ما مارسيّيز»، أي «نشيدي الوطني الفرنسي»، وهو من إخراج الفرنسي ألين تيمار.
بعد باريس، سينتقل هذا العرض إلى العديد من المدن الفرنسية والأوروبية. وكان نصّ المسرحيّة قد صدر في كتاب يحمل العنوان نفسه ضمن سلسلة مسرحية صادرة عن منشورات «لي كاتر فان»، كما صدر نصّ عرضها الأول «اليوم الذي توقفت فيه نينا سيمون عن الغناء» عن دار «آكت سود» في العاصمة الفرنسية وتُرجم إلى تسع لغات.
التقينا دارينا الجندي وكان لنا معها هذا الحوار:
* في مسرحيتك الجديدة، كما في عرضك المسرحي الأول، أنتِ بمفردك على الخشبة وتؤدّين شخصية امرأة عربية تدعى نون تتحدث عن أوجاعها وعن الظلم الذي لحق بها، بينما تؤكّد على إصرارها على العيش بكرامة وحرية. ما هي الرسالة التي أردت إيصالها من خلال عملك الجديد؟
- بطلتي تدعى نون كما أشرتِ، والنون هي حرف النسوة وليست صدفة أنني اخترت لها هذا الاسم. إنها إمرأة عربية تعيش في حالة ثورة دائمة ولا تستطيع أن تلتزم الصمت. تريد أن تصرخ ضد كل أشكال التمييز الذي تعاني منه النساء في الشرق وفي الغرب على السواء.
* أنتِ أيضاً من كتب نصَّي العرضين المسرحيين المستوحَيين من سيرتك الشخصية، كيف جئتِ إلى الكتابة المسرحيّة؟
- بدأت رحلتي مع نون في مسرحيّتي الأولى «اليوم الذي توقفت فيه نينا سيمون عن الغناء»، وقد أستمر معها في رحلة ثالثة أو حتى رابعة. هنا أحب أن أشير إلى تأثّري بالممثل الفرنسي المعروف فيليب كوبير الذي قدّم ولمدة عشر سنوات عرضاً مسرحياً بعنوان «رواية الممثل»، وكان مستوحى من سيرته الشخصية، وقد كتب النص بنفسه متناولاً أحداثاً متنوعة تغطّي المرحلة الممتدة بين الخمسينات والسبعينات من القرن الماضي. حظيت مسرحيته بنجاح كبير كرّسه كأحد أهمّ الممثلين في فرنسا.
تابعتُ نتاج فيليب كوبير واستوعبت طريقة عمله وأسلوب مزجه بين الذاتي والفنّي والثقافي. هكذا ولدت شخصية نون بطلة مسرحيتي الأولى، ثم اكتملت ونضجت في العرض الذي أقدمه حالياً في باريس.
* تنطلقين في المسرحيّتَين من تجربتك الذاتية وتتناولين مجموعة من القضايا العامة ومنها تلك المتعلقة بالمرأة العربية، وهو موضوع حساس وملتبس في الغرب. إلى أيّ مدى تعتبرين أنّ الطريقة التي تقدّمين فيها هذه القضية تساهم في إجلاء صورة المرأة العربية في الخارج وإعطائها بعداً أكثر موضوعية؟
- كما قلت، بطلتي نون إمرأة لا تستطيع أن تصمت، فهي تتحدث إلى جمهورها عن الثورة التي تعتمل في داخلها. ونون التي ولدت ونشأت مثلي في العالم العربي كانت تبحث عن أمكنة تستطيع أن تعبّر فيها عن نفسها بحرّية. لقد سافرت إلى دول عدّة منها الولايات المتحدة الأميركية، لكنها اختارت أن تستقر في باريس لما تقدمه لها من حرية وحياة ثقافية واجتماعية. غير أنها في موطنها الجديد اصطدمت بالعقلية السائدة التي تتعامل مع العالم العربي انطلاقاً من الأفكار المسبقة و«الكليشيهات» المهيمنة على وسائل الإعلام.
في عروضي المسرحية، أتوجّه إلى جمهوري وأقول له: رجاءً لا تضعني في القوالب الجاهزة. أنا قادمة من عالم متنوّع بشخصياته وثقافاته. المجتمعات العربية شبيهة بالمجتمعات الأخرى في العالم، ونعثر فيها على المتسامحين والمتعصبين، المؤمنين والملحدين، المتعلّمين والأميين... المرأة العربية كبقية نساء العالم تعاني من العقلية الذكورية، كما تعاني من التمييز في سوق العمل وداخل الأسرة، وعليها أن تنتزع حقوقها بنفسها.
* ما هو إذاً الأسلوب الذي تعتمدين عليه من أجل إيصال رسالتك إلى الجمهور الغربي بصورة عامّة والفرنسي بالأخصّ؟
- بطلتي نون تتحدث بعفوية ولا تتفلسف، كما يقال باللهجة العامية اللبنانية. تعبّر عن مشاعرها وأفكارها ببساطة وروح ساخرة ولا تتردد في اللجوء إلى النكات. باختصار، إنها تريد أن تصل إلى قلوب والناس وعقولهم. أعتقد أنني نجحت في ذلك. في مهرجان «أفينيون» المسرحي، حلّت مسرحية «اليوم الذي توقفت فيه نينا سيمون عن الغناء» في المرتبة الثالثة من حيث استقطاب الجمهور، أما مسرحية «ما مارسييز» (نشيدي الوطني الفرنسي) فقد احتلّت المرتبة الثانية عندما عرضت في الصيف الماضي في مهرجان «أفينيون» أيضاً. وبفضل هذا النجاح أتيح لي أن أعرضها في مسرح خاص في باريس ولمدة موسم كامل. أنتِ تعرفين أنّ الشروط المفروضة على الفنانين لعرض مسرحياتهم بشكل موسمي ليست سهلة على الإطلاق، وأوّلها تأمين جمهور كل مساء حتى لا يتعرّض المسرح للخسارة.
* تشيرين في المسرحيّة وبالأسماء إلى نساء عربيات رائدات ومنهن مي زيادة وهدى شعراوي ونبوية موسى... ما الذي يربطك بهذا النوع من النساء؟
- سبق أن ذكرتُ أنّ بطلتي نون تتحدث عن رفضها للواقع الذي تعيشه، وتجربتها لا تأتي من فراغ، بل هي تكمّل مسيرة آلوف النساء العربيات اللواتي ناضلن من أجل كرامة العيش. أنا أتواصل معهنّ باستمرار حتى لو كنّ اليوم جزءاً من الماضي. تربطني علاقة خاصة بمي زيادة وقد ألّفت بالفرنسية رواية عن سيرتها التي افتتنتُ بها، وستصدر عن دار «غراسيه» في باريس.
* بموازاة قضية المرأة، تحضر في عرضك الجديد قضية المهاجرين إلى أوروبا والصعوبات الكبيرة التي يواجهونها للحصول على الإقامة وعلى جنسية البلد المضيف. هنا تروين للجمهور تجربتك الخاصة في هذا المجال وترافق صوتك موسيقى النشيد الوطني الفرنسي، كما نسمعك تنشدينه بنفسك من حين إلى آخر...
- عندما عرضتُ المسرحية في مهرجان «أفينيون» لاقت تغطية واسعة في الصحافة الفرنسية ومنها جريدة «لوموند» التي روت كفاحي من أجل تأمين جميع الأوراق اللازمة للحصول على الجنسية الفرنسية، كما روت فشلي في الحصول عليها بعد أن رفضت السلطات المعنية أن تعطيني إياها بحجة عدم استكمالي لجميع الشروط المطلوبة على الرغم من معرفتي باللغة والثقافة الفرنسيتين وحضوري في المشهد الثقافي الفرنسي. في النهار نفسه لصدور مقال جريدة «لوموند»، اتصلت وزارة الداخلية الفرنسية بالمسرح الذي أقدّم فيه المسرحية وطلبت منّي أن أعيد تقديم طلبي. كذلك اتصل بي وزير الثقافة السابق جاك لانغ وعرض مساعدته. اليوم، أصبحت فرنسية، لكنني لم أعدّل نهاية المسرحية وبطلتي نون ما زالت تكافح من أجل شرعية إقامتها. فالقضية ليست قضية دارينا الجندي الشخصية بل هي قضية عامة تطال ألوف المهاجرين، وأنا أريد أن أكون صوتهم في فرنسا. أروي لكِ هذه التفاصيل لأبيّن ردود الفعل الإيجابية، وكيف يمكن للفنّ أن يكون له دور في إسماع الصوت العربي المختلف في أوروبا.
* بالعودة إلى موضوع المرأة، أنتِ تتحدثين في مسرحيتك أيضاً عن النساء المهاجرات وعن موضوع الهوية الثقافية المطروح بحدة اليوم في فرنسا، ما موقفك بالنسبة لهذه القضية؟
- قلتها في مسرحيّتي وكرّرتها في اللقاء الذي دعتني إليه وزيرة حقوق المرأة نجاة بلقاسم-فالو للحديث عن دور الفنّ في دعم قضايا المرأة اليوم: الهوية الثقافية بالنسبة لي هي أمر ينفصل عن الدين. في مسرحيتي، أنتقد مظاهر العودة إلى الهويات المغلقة لدى فئة من المهاجرين العرب والمسلمين، وأعزو ذلك لسببين: أولهما فشل الدولة الفرنسية في دمجهم وإعطائهم الفرص اللازمة للانخراط في المجتمع، وثانيهما مما أتاح للمتطرفين ملء الفراغ الذي تركه المثقفون. أتحدث في مسرحيتي أيضاً عن نتاج المثقفين الطليعيين الذي أتمنى أن يعرّف بهم في الضواحي ومنهم قاسم أمين، ومحمد عبده، ونصر حامد أبو زيد. وأحلم باليوم الذي توزّع فيه كتبهم على أبناء المتحدّرين من أصول عربية فيساهم ذلك في منحهم هوية ثقافية مفتوحة على هموم العصر وقادرة على مواجهة تحديات المستقبل.
المصدر : أوراس زيباوي- باريس - الدوحة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق