مجلة الفنون المسرحية
رغم أن المصممة المعمارية الراحلة زهاء حديد احتلت أرفع مكانة عالمية وصلت إليها مبدعة عراقية حتى الآن، فإن ثمة مبدعات عراقيات أخريات حققن حضورا كبيرا في الغرب، على مختلف الأصعدة الثقافية. من هؤلاء الكاتبة والممثلة المسرحية هيذر رفّو، ابنة مهندس مدني عراقي مهاجر إلى أميركا، ولدت ونشأت في مدينة أوكيموس بميشيغان، وحصلت على البكالوريوس من جامعة ميشيغان والماجستير في الأدب من جامعة سان دييغو، وشهادة في المسرح من الأكاديمية الملكية للدراما في لندن.
اشتهرت رفّو بعرضها المسرحي «تسعة أجزاء للرغبة» وهو من نوع «مسرحية الممثلة الواحدة»(One-Woman Play)، الذي استغرقت في جمع مادة نصه وكتابته عشر سنين (1993- 2003) وأخرجته جوانا سيتل، وقدمته أول مرة العام 2003 في مسرح ترافر بأدنبره، ثم في مسرح بوش في غرب لندن، حيث عده النقاد واحدا من أفضل خمسة عروض في العاصمة البريطانية لذلك العام، وفي مهرجان الربيع بنيويورك أواخر العام 2004، ثم في مسرح انسمبل في مانهاتن نفس العام، واستمر عرضه في هذا المسرح تسعة أشهر، ثم في مسرح غيفين في لوس انجليس. أما في العراق فقد عرض في الجامعة الأميركية بالسليمانية العام
2013. وقد نالت رفّو عن العرض جوائز عديدة منها: جائزة سوزان سميث بلاكبيرن، وجائزة ماريان سيلديس- جارسون كانين، وجائزة لوسيل لورتيل. يتألف العرض، الذي استلهمت رفّو أحداثه من لوحة لليلى العطار، شاهدتها والتقطت صورة لها أثناء زيارتها لبغداد العام 1993، تصور امرأة عارية مقهورة تتشبث بشجرة جرداء، يتألف من سلسلة مشاهد لممثلة واحدة (رفّو نفسها) تؤدي فيها أدوار تسع نساء عراقيات مقهورات: واحدة رسامة جميلة اسمها «ليالي» (مأخوذ عن اسم ليلى العطار)، وهي المتحدثة الرئيسة، تروي تفاصيل إعدام واحدة من صديقاتها، ورمي جثتها طعاما للكلاب، وثانية امرأة بدوية اسمها «أمل» تحكي قصص حبها التعيسة، وثالثة صبية عمرها 9 سنين أوقفتها والدتها عن الدراسة بعد دخول بعض الجنود الأميركيين إلى مدرستها، وهي تجلس مذهولة أمام التلفزيون لمتابعة نشاطات الثقافة الشعبية الأميركية، ومشاهد من الحرب، وتصف مقتل جديها، ورابعة بائعة متجولة عاجزة وحدباء تصف أعمال السلب والنهب في بغداد، وخامسة شيوعية اسمها «هدى» عمرها 70 عاما لاجئة تعيش في لندن منذ العام 1963، وسادسة ملاية تقود طقس البكاء واللطم على الجنائز، وسابعة طبيبة حامل تتحدث عن حزنها على عدد الأطفال الذين ولدوا مشوهين نتيجة للحروب السابقة، وثامنة سيدة عجوز اسمها «أم غادة» ترشد الزائرين إلى أرجاء ما تبقى من ملجأ العامرية الذي كانت أسرتها من بين 400 شخص قتلوا فيه خلال قصف أميركي له العام 1991، وتاسعة امرأة عراقية لاجئة في مانهاتن تحرص على متابعة أخبار الحرب في العراق من خلال قناة «سي إن إن»، وتردد أسماء أقاربها وهي تشاهد تغطية لانفجار وقع في بغداد.
اقتبست رفوّ عنوان المسرحية، كما تذكر، من نص تراثي يقول إن «الله خلق الرغبة الجنسية في عشرة أجزاء، أعطى تسعة منها للمرأة، وأعطى الجزء العاشر للرجل»، وهي ذات شكل تسجيلي مؤثر يسلط الضوء على حياة المرأة العراقية المعاصرة، وتبدو كل بورتريهاتها ممهورة بالحيوية، والتفاصيل التي لا تنسى، ومقياس الغنائية فيها مشروط بأدائها الآسر والفعال، الذي شكلته بدقة وحساسية المخرجة جوانا سيتل. وحينما تنتقل من شخصية إلى أخرى لا تختفي بقية الشخصيات كليا، بل تظل أصواتها في الخلفية، مستخدمة إياها في مزيج من التناقضات: حية وخافتة، متطورة وساذجة، مغرية وفاترة، لكنها تشكل، من خلال ترابطها، صورة جماعية قوية للمعاناة والمحنة.
كتب النقاد الأميركيون عشرات المقالات عن هذا العرض، أكد فيها أغلبهم أنه عرض جدير بالمشاهدة، يظهر فيه أداء هيذر رفّو حاذقا مفعما بالحيوية، ويتسم نصه بالذكاء والاهتمام بالتفاصيل الشخصية الدقيقة. ومن بين العديد من جماليات العرض قدرتها على تغيير، ليس فقط الشخصية، بل درجة السرعة في الحركة التي تعطي للمسرحية طابعها الخاص العنيف المثير للغضب. ورأى بعض هؤلاء النقاد أن المسرحية مثال على الكيفية التي يمكن للفن فيها أن يعيد صنع العالم. كما لفت العرض اهتمام الكثير من وسائل الإعلام إلى رفو، فظهرت في العديد من المقابلات في البرامج التلفزيونية الأميركية. وتحدثت لنادي الصحافة الوطني، ومجلة «أوبرا». وحقق نجاحا كبيرا في مدن أميركية أخرى مثل واشنطن وسياتل وشيكاغو وفيلادلفيا، وجرت ترجمة النص في فرنسا والبرازيل وتركيا، ومثلته الفنانة العراقية ليلى محمد وقدمته في أميركا العام 2012.
كتبت رفّو أول عمل لها متأثرة بمسرحية «للفتيات الملونات اللواتي اعتبرن منتحرات...» للكاتبة المسرحية والشاعرة الأميركية إنتوزاكي شانغ، واختيرت واحدة من ستة كتاب شاركوا في كتابة مسرحية حول التطورات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط والصراعات في لبنان وإسرائيل والعراق. كما كتبت نص أوبرا «الفلوجة»، حول معركة الفلوجة الثانية التي حدثت العام 2004، وقدم العرض العام 2012. في هذا العمل يتحدث الجندي الأميركي الشاب (كريستيان ايليس) عن معاناته التي لاتطاق خلال الحرب وكيف عاد الى اهله محملا بالصراع النفسي والفزع من الأهوال التي عاشها هناك.
-------------------------------------
المصدر : الصباح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق