تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

رولان بارت: المعنى بُنية عمودية قراءة سيميائية / د. سلام الأعرجي

مجلة الفنون المسرحية
رولان بارت

يعتقد رولان  بارت أن خطاب الادب منجز مقنن , علامي , يرتبط بمرجعيات خاصة تكشف عن  علاقة لعبية - متحركة - بين الدال والمدلول على وفق نهج متحكم في ماهية  العلامة - رمز , شفرة - وطبيعتها فيفرض عليها تعددية معنوية تتمثل سببا في  طبيعة العلاقة بين دواله ومدلولاته , فهي علاقة ارتدادية.ان النص ازدواجية  جوهرية ,تؤكد وتنفي شفافيته أو ظاهراتيته,


 ففي الوقت الذي يسمح بالاختراق معنياتيا ليولد اثره الادبي من باب الرديف او القرين او الموازي فهو يسموا عليه ويتجاوزه لتوفره على آثار مجاورة قد توازيه قيمة في المعنى الا انه يتجاوزها ويتخطاها فهي نتاج وعي قرائي , لان النص كما يقول بارت في كتابه درس السيميولوجيا , النص بدعة وخروج عن حدود الآراء السائدة

  , واذا كان الأثر او المعنى يشكل تداعيا حضاري داخل منظومة الدليل والعلامة فالخطاب او النص يشكل مرجعيات لانهائية بدواله
ذات العلاقة اللعبية بمدلولاتها وما تؤسسه من نظم هلامية تكتسب أثر ذلك فضائها الرمزي المفتوح لأن النص حسب رئيه تمددي , مجاله هو مجال الدال , اذا فالنص ليس قصدي الاثر ولا يمكن ان يكون منطقا أفهاميا يتقوقع في أثره ويسجل موته ان النص واثره يشكل الرمز احد اهم مرتكزاتها , ففي النص لا ينفتح الرمز على تعددية معنوية أنما يؤكد تعدد ذات المعنى وان انحسر في معنى سرعان ما يستهلك ذاته في أثره , أنه يتحرك بالقراءة. ان الكاتب وفعل الكتابة يقفان على خط فعل زمني واحد يشكل (آن) الانجاز الصفري المتوفر على معناه والمتحكم في رموزه , فيحركها لتنفتح على معان جديدة في ذات المعنى للنص او خطاب الادب , ليس بسبب قدرتها - الرموز - او لماهيتها، بل لما يتيحه لها الدال في سعة اجاله الحركي الذي يلقي ظلاله على الدلالات أولا. ان الفعل القرائي ليس التأويلي ينتمي الى (آن) مرتبط في جنسه وتاريخه المؤكد لديمومته الذاتية , وحتمية الاثر بعد الانجاز وهذا يؤكد ان الخطاب يتوفر على قدرة أحالية فهو يحيل الى بنية لغوية مفتوحة غير متمركزة. يرى بارت ان الخطاب يحتوي ذاته ويمتلكها بالموازنة مع الدليل , الاشارة , أما الحدث فينحصر في المدلول , أنه يحيل الاثر النصي على مفهوم المدلول فهو برأيه ليس بالشيء الواقعي وليس بالاثر النفسي، بل هو ما يمكن ان يقال , فالمدلول اذاً , ذلك الشيء الذي يعنيه مستعمل العلامة - حسب رولان بارت في كتابه مبادىء في علم الدلالة - وهذا ما يؤكد أحادية المعنى للاثر النصي , واقتران النص ذاته بالدليل يعني البوح والكشف عن فعل موحد الدال بالمدلول فعل نتاجه الدليل وهذا ما يفسر ديمومة النص موازنة بأثره - معناه - ان انحسار الأثر وارتباطه بالمدلول يعني عدم قدرته على تجاوز احدى الدلالتين حسب بارت , الدلالة الظاهراتية المعنية بحرفية المعنى وهي تقود الى استهلاكه , والدلالة الأظاهراتية المنفتحة على فعل تاويلي يقحم الاثر حتما في تموضع شيء حتمي سيقود الى استهلاكه حتما. النص عوالم متعددة الانتماءات لمستويات ثقافية وحضارية وهو في حوار دائم يعيش التناقض او الانسجام الا انه يلتقي في بؤرة واحدة هي , بؤرة القراءة , لذلك يؤكد (بارت) ان نسبة النص الى مؤلفه , إيقاف النص وحده واعطائه معنى نهائيا , اي إفراغه من تعددية معنياتية نهائيا. 
ان زمن الكتابة في مفهوم بارت زمن شرطي فهو محكوم بظرفية الكتابة ومرجعياتها الحضارية والثقافية والاقتصادية فضلا عن تلك الخصوصية الصرفة التي تفرضها لغة الكاتب التي تحقق كيانه في ذات النص وكيان النص اذا ما نظرنا اليه على انه ليس سوى تقنية الدلالة كما يؤكد ذلك بارت في كتابه اصول الخطاب النقدي , انه يشير الى كينونته عبر شكله في انتاج المعني فالشكل هو العمل، وهذا يعني انه لا يدعو الى انتاج معناه على اساس المحتوى او الرسالة التي تؤكد معناه المنتج اصلا ويرى (تيترنيز هوكز) في مجال فهمه لبارت ان تقويم النص واحتوائه وفهمه واستيعابه لابد ان يركز اهتمامنا (على الدالات وان لا ننصاع الى المدلولات التي تتضمنها هذه الدلالات). ان قراءة النص على اساس دالاته ومدلولاته سيقود الى ايقاف فعل البحث والاستكشاف اي استبعاد الانتاج التكراري للنص الذي يكتشف فيه دالا متجددا يبقي على رمزيته ويترك للدال القدرة على الانفتاح على مدلولات عدة ترتقي برمزية النص الصورة الاحادية الى التعددية المعنياتية لتؤكد ايضا اصالته - الرمز أزاء فعل القراءة وتعترف بان الرمز ثابت اما الوعي الذي يملكه المجتمع والحقوق التي يعطيها له فهي التي تتغير. 
ان ثبات الرمز لا يعني عدم قدرة الرسالة على اقصائه , فالمعنى الذي تراه القراءة لا يمكن للنص تجاهله ما دامة القراءة تخضع للنظام الرمزي المؤسس للنص وقبول القراءة العيش داخله او كما يقول بارت: ما دمت انا شخصيا اخضع للنظام الرمزي الذي يؤسسه , أي منذ اللحظة التي اقبل لا فيها ان اسجل قراءتي في فضاء الرمز , فالنص لا يعترض على المعنى الذي أعطيه إياه الا ان بارت في الوقت الذي يدعو فيه الى تقنين الدلالة لا يدع الرمز تجريداً يمكن مسخه بآلية التعادلية وانتزاع قيمته الشفراتية وحشره في آلية مفرغة هي ما يسمى بالرمزية. ان ديمومة النص مهما كان جنسه او نوعه الادبي رهن بمعناه , ومعناه نتيجة حتمية لماهية القراءة , ولما كان فعل الكتابة يتمتع بقدرة توفيقية فائقة بين الحرية والذاكرة التاريخ والحاضر فان لابد لها ان تعيش ذات التوتر داخل مفاهيم الخطاب وبنيته بين قصديته الوظيفية في الماضي والحاضر , نوع ونمط القراءة يتجاوز مفهوم الرفض والقبول للنص , يتخطى الاستهلاك لدور المؤلف كمنتج له , نوع من القراءة معني بالبنى الشفراتية للنص لينتج معناه على وفق نظرية المعنى العمودية لرولان بارت , حيث تضع المحتوى في مستويات معنوية , الاول يكشف عن معنى العلاقة التبادلية بين الدال والمدلول لا يشكل دالا جديدا منتجا لمستوى معنوي ثانٍ وثالث , فاذا شكل المستوى الاول للمعنى فهما داخل حاجته التاريخية يحقق فيه التاريخ ذاته بكل مفرداته الحضارية والثقافية ويكون حالة ارجاعية سلفية للمستوى الثاني الذي يفرضه التاريخ ايضا , اي ثمة عملية بناء وهدم يمارسها التاريخ على معنى النص طبقا لحاجات معاصرة , فثمة متتالية معنياتية يمثل فيها التاريخ دور الممثل والمستولي المناقض للمعنى السلفي بعد احتوائه بعيدا عن مفهوم السببية وايديولوجيتها ايضا ليطرح شكله الخاص المستجيب للحاضر الا ان بارت يفكك الخطاب الى وحدات معنى مدعومة بشفرات مختلفة تتصرف بصفتها وسائط تكليف المعنى ويحدد بارت خمس شفرات تدعم المعنى في بنية الخطاب ووحداته التاسيسية وهي: 
1- الشفرة التأويلية 2- شفرة الدلالات 3- الشفرة الرمزية 4- الشفرة التخمينية 5- الشفرة الحضارية. اما الشفرة التأويلية فيعني بها الاستفهامية المعنية بخلق اشكالية او تأزم داخل وحدات بنائية الحدث او داخل سلسلة الأنظمة المكونة منحى تعبيري يتوفر بالنتيجة على خلق تشويق يتبعه انكشاف , فهي القدرة على ادارة الفعل وانتاجه من قبل الشخصيات وتكثيفه ودفعه الى تراكمية تقود الى تازم لا يمكن تلافيه في داخل وحداته الانتاجية ولو امعنا النظر في الاسئلة التي يطرحها (اوديب) كما يقرأها (اسماعيل فهد اسماعيل في كتابه الفعل الدرامي ونقيضه)لأدركنا مفهوم التشويق والاكتشاف اوديب: كيف قتل لايوس؟ بدافع المال؟ لماذا لم تبحثوا عن القاتل؟ هل مَن يدلنا عليه؟ كريون: لايوس ذهب ضحية عصابة في طريق ثلاثي الشعب! رئيس الجوقة: أني أعرف ذلك العرافة تريزياس. اوديب: اتبعت نصيحة كريون وطلبته واني لأعجب من تأخره... ها هو تريزياس بالله عليك لا تنصرف عنا وخبرنا ما علمت...نتوسل اليك...انك لشر الأشرار. تريزياس: انت رجس هذه الارض ووبائها. كذلك الحال في مشهد الساحرات في (مكبث لشكسبير) النبوءة / التفاضل / بشارة مكبث - ستكون غطريف كودور وكلاميس والآتي في الغد اعظم , فضول بانكو لمعرفة ما يدور في خلد مكبث / الرسالة قرينتي المحبوبة لقيتهن وأنبأنني... حتى يتكشف الحدث في تناميه المشوق كما يقول بارت في مقولة الليدي مكبث , لن ترى الشمس طلعت ذلك الغد , ثم ينعقد النص على فعله الجديد في الكيفية.أما شفرة الدالات فيعني بها رولان بارت: الشفرات المعالجة للثيمات او الموضوعات او البنى الثيمية , وهي الاكثر امساكا بالمعنى لأنها لا تعنى بالدال الظاهري بقدر ما تكون معنية في البحث عن مضامين جانبية فهي ملازمة للحدث على وفق تدليل معين يعكس للوهلة الاولى زمنيا أن وقوعه الا انها تكشف عن دال مفهوماتي جديد بعد الانتقال الى احداث اخرى مثلا: بحث اوديب عن الرجس / عن تريزياس / اوديب الرجس ذاته , الانعكاس الاني لفهم الحدث مجددا. بحث اوديب عن البراءة / الراعي / تسليمه الى راعي كورنثة / اوديب هو الرجس / انعكاس آني لفهم الحدث مجددا , عصابة التي قتلت لايوس الملك /كذب الحرس فهو فرد شاب / اوديب هو الرجس كل تلك الاحداث الجانبية تلازم الحدث في آن زمني معين لتنقله الى مستوى من الصراع جديد. الشفرة الرمزية: وان بدت لايمكن الفصل بينها وبين شفرة الدلات الا انها الشكل التجميعي لقصدية الشفرة الدالة والذي يظهر مهيمنا وبصيغ متعددة في عموم النص. ان مفهوم الخيانة دال مهيمن في (هملت شكسبير) يكشف عنه التجميعات والاشكال المتكررة بانتظام وبصيغفي النص تولد هذه الوسائل في النهاية الشكل المسيطر. اي المعاني الخفية كما يسميها رولان بارت.أن الشفرتين الرمزية والدالية متلازمتان من حيث المعنى , تشكل الاولى المحتوى فيما تشكل الثانية الشكل المتوفر على الدوال والرموز والشفرات , فأذا كان مفهوم الخيانة دالا مهيمنا سائدا فقد ظهر في صيغ متعددة في حبكة النص , جنون هملت / ظهور الشبح / خبز الجنازة المقدم باردا على موائد العرس / العباءة السوداء وما اخفت تحتها / الستارة التي تخفي بولونيوس خلفا / رد هدايا اوفيليا / القدح المسموم / السيف المسموم. اما الشفرة التخمينية: فهي شفرات احتمالية توقعية لا تجانب ماهية الحدث الا انها تعتمد وعي القارىء في تحديد تنامي الحدث , تشكل تراكم معنياتي ربما ليست بالطريقة المؤدية الى الاحداث الرئيسة , لذلك فهي تجريبية وغير جديرة في ان نمضي في تحليلها ابعد من ذلك , أن شبح دنكان وبانكو في مسرحية مكبث لشكسبير ونوبة الجنون التي تنتاب مكبث سفر هملت للدراسة الطاعون المتفشي في فلورنسا بمسرحية غاليلو لبرشت قد تشكل انعطافا في متتاليات الاحداث جراء فعل القراءة , أي ان تتالي الاحداث بجانب تلك الانعطافات التوقعية بسبب ارتباط شفرة الدلالة بالشفراة التخمينية , فالشفرات الدالة لاتسمح بذلك حيث ستقود الى خلق تعددية في استويات انجاز المعني تمتاز بالتضاد (الاني) تاركة لوظيفة الشفرة التخمينية تحقيق ما يدعوه بارت اللذة التي يولدها النص , فكان المعنى عارضا ومنطويا على قابلية نقضه حسب رولان بارت في كتابه لذة النص , ويعني بارت بالشفرة الحضارية الصوت الجمعي او المنهج المقاوم داخل النص الذي يحقق انفلاته من خلفية وسياق القيود التي تفرضها على مداه القواعد العرفية للبحث التاريخي والنقد , فالصراع بين قوى الخير والشراوالفرد الجاهل بقوانين القدر والقدر ذاته الذي تصوره اوديب سوفوكليس يمكن ان ينسحب الى مفاهيم اخرى تهيأها الشفرة الحضارية في نصها القرائي كمفهوم اوديب /الثورة /الثورة المضادة اي تفسير او تقرأعلى هذا الاساس ان الشفرة الحضارية يمكن ان تدل او تكشف عما يسعى الخطاب الى قوله اي انها تحرر الشفرات انفة الذكر من الارتباط الوثيق بالفكرة الاساس لتجعل منه ذو اتجاهات اخرى , أن بارت يحل النص محل مؤلفه ويسقط عنه صفة القدسية والتملك فهو فضاء لغوي يعبر عن لانهائية موضوعاتيه , يتحرك في التاريخ وبه عند كل صورة ذهنية واداة تعبيرية , أن تفكيك النص كفيل بولادة النص الرديف فليس من الضروري اعتماد الفعل القرائي المباشر بل الفعل القرائي التفكيكي , التحليلي وهو كفيل بذلك او كما يؤكد ذلك رولان بارت في درس السيميولوجيا حيث يقول ان الامتناع عن حصر المعنى وايقافه معناه في النهاية رفض الاهوت ودعائمه من عقل وعلم وقانون. 

--------------------------------------------------



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق