تصنيفات مسرحية

الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

المسرح.. والتربية الأخلاقية

مجلة الفنون المسرحية

المسرح.. والتربية الأخلاقية

جاسم عبيد الزعابي

المسرح هو «أبو الفنون في العالم»، فهو أول فن تمثيلي جرى استخدامه في عصور الدول القديمة، كالإغريقية والرومانية والبيزنطية والفرعونية والعربية الإسلامية وغيرها، إلى عصور الدولة الحديثة، في مختلف قارات العالم.. ويمكننا القول، إن المسرح هو «أبو الفنون التمثيلية في الوطن العربي»، وقد كانت بداية المسرح الحديث في الوطن العربي، خلال القرن التاسع عشر، في لبنان وسورية، وتحديداً في عام 1847، ثم في الربع الأول من القرن العشرين في كل من: (السودان عام 1902)، و(تونس العام 1908)، و(فلسطين عام 1917)، و(البحرين عام 1919)، و(الجزائر عام 1921)، و(المغرب عام 1923)، و(ليبيا عام 1925)، و(الكويت عام 1938)، وغيرها من الدول العربية الأخرى.. ويمكننا القول أيضاً إن المسرح هو «أبو الفنون في دولة الإمارات العربية المتحدة»، فقد بدأ عرض المسرحيات المدرسية، ثم غير المدرسية، قبل قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 على أيدي المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه)، وإخوانه أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، حكام الإمارات من القادة المؤسسين، حيث لعب المسرح، ولا يزال، دوراً ثقافياً وتربوياً مميزاً في دولة الإمارات، منذ انطلاقته الفعلية قبل سبعة عقود من الزمن.

شكل المسرح المدرسي ما يشبه النواة الأولى للمسرح في الإمارات، أي قبل ظهور الفنون التمثيلية الأخرى في الإذاعة والتلفزيون والسينما، فأول مسرحية مدرسية عرضت في الدولة عام 1950، وكانت بعنوان «فاصل تمثيلي»، وذلك في مدرسة القاسمية في مدينة الشارقة، وكتبها وأخرجها ومثلها الفنان علي بورحيمة، أي قبل 8 أعوام من عرض أول مسرحية غير مدرسية في مدينة دبي، وهي مسرحية «الإسلام والتعاون» للفنان جمعة غريب التي عرضت عامي 1958 و1959. أما تاريخ عرض أول مسرحية إماراتية خارج الدولة، فكان في ليبيا عام 1975 عندما عرضت مسرحية «غلطة بو أحمد».

ومن المسرحيات الإماراتية المميزة، التي شكلت بداية فعلية للمسرح في دولة الإمارات، عرض مسرحية «وكلاء صهيون» في نادي الشعب في مدينة الشارقة عام 1963، وكانت من تأليف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، حيث كان سموه وقتها لا يزال طالباً، وشارك في تمثيل أدوار بطولة في هذه المسرحية.




الدور الثقافي والتربوي
المسرح فن ثقافي وتربوي، يسهم في نشر القيم والمبادئ والتوعية لدى الجمهور من مختلف الفئات والأعمار، وقد أسهم المسرح في دولة الإمارات، ولا يزال، في تأكيد الولاء والوفاء لقيادة البلاد الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وتعزيز الهوية الوطنية، والتعبير عن العادات والتقاليد الإماراتية العربية الإسلامية الأصيلة، والإضاءة على الظواهر الاجتماعية والثقافية، ونشر التوعية في مختلف مجالاتها الأمنية والصحية والاجتماعية وغيرها، وفي إحياء المناسبات الوطنية، مثل «اليوم الوطني» و«يوم الشهيد» وغيرها، والفعاليات العالمية التوعوية، كاليوم العالمي لمكافحة المخدرات، واليوم العالمي لمكافحة التدخين...، وذلك عبر عدد من المسرحيات ذات الرسائل الوطنية، والثقافية والتربوية والتوعوية، التي عرضت في جميع أنحاء الإمارات.

ويعتبر التمثيل المسرحي من أهم الفنون في العصر الحديث، كونه الطريق المباشر والأقصر للتواصل مع الجمهور، وتوجيه الرسائل الثقافية والتربوية المختلفة، بأسلوب سهل وجذاب، ومن ثم فإن السير في درب التمثيل وإتقان فنونه، يعد من أكبر المزايا التي يمكن أن يتمتع بها أي صاحب رسالة ثقافية تربوية، لذلك يعتبر العمل في التمثيل المسرحي منحة كبيرة، لمن يحصل عليها، تجعله يسهم بشكل كبير في تنشئة أجيال وأجيال.

وقد حملت مسرحية «وكلاء صهيون» التي عرضت في إمارة الشارقة عام 1963، رسالة وطنية وثقافية وتربوية مهمة، تحذر من الأطماع الخارجية التي تهدد بلادنا ومقدساتنا وثقافتنا العربية والإسلامية، كما شددت مسرحية «الإسلام والتعاون»، التي عرضت عامي 1958 و1959 في إمارة دبي، على التمسك بديننا الإسلامي الحنيف السمح، والوسطي والمعتدل، والتعاون لما فيه خير العرب والمسلمين والإنسانية.

وما أحوجنا اليوم في دولة الإمارات إلى مواكبة توجهات وجهود قيادة البلاد الرشيدة، عبر إنتاج وعرض المزيد من المسرحيات التي تحمل رسائل وطنية وثقافية وتربوية، تتناول نعمة الأمن والأمان، ومسيرة التطور والرخاء والسعادة التي ينعم بها المواطنون والمقيمون والزوار على حد سواء، التي تنشر قيم الدين الإسلامي الحنيف، ووسطيته واعتداله وسماحته، في ظل ما يشهده العديد من الدول من أطماع خارجية، وصراعات داخلية، وتطرف وإرهاب.




لقد آمنت قيادة البلاد الرشيدة بالدور الثقافي والتربوي للمسرح في الإمارات، فبدأت منذ عام 1980 إرسال الطلاب لدراسة المسرح أكاديمياً في الجامعات والمعاهد العربية والغربية، مثل الكويت ومصر وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، ونال بعض الطلاب الإماراتيين المبتعثين درجة الدكتوراه في المسرح. وقد أسهم المبتعثون، بعد عودتهم إلى ربوع الوطن في تقوية المسرح وزيادة انتشاره في الإمارات.
والمطلوب اليوم زيادة تشجيع الطلاب والطالبات الإماراتيين على دراسة المسرح أكاديمياً، داخل وخارج الدولة، لرفد المسرح بأساليب وتقنيات حديثة، في الكتابة والتمثيل والإخراج، تسهم في إيصال رسالته الثقافية والتربوية، بشكل عصري، يستسيغه جيل اليوم، الذي ينشغل بالهواتف المتحركة الذكية، ومواقع «الإنترنت» التواصل الاجتماعي (فيس بوك، وتويتر، وإنستغرام، وسناب شات...).

ويعد التعليم أحد العوامل الأساسية لتطور المسرح في دولة الإمارات، ونجاح دوره الثقافي والتربوي، وهو أيضاً ما آمنت به قيادة البلاد الرشيدة، فبعد قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، استقدمت وزارة التربية والتعليم حينها الفنان زكي طليمات الذي أعد دراسة مفصلة للوزارة، أشار فيها إلى أن تطور المسرح في دولة الإمارات العربية المتحدة لا يتم إلا بتطور المسرح المدرسي فيها، وهذا ما حصل على مستوى وزارة التربية والتعليم الاتحادية، وعلى مستوى مجالس التعليم في إمارات الدولة، فأصبح المسرح المدرسي، ومن ثم المسرح الجامعي من أهم الوسائل الثقافية والتربوية المستخدمة في دولة الإمارات، إذ إن العديد من المدارس والجامعات والكليات، الحكومية والخاصة، في جميع إمارات الدولة، تستخدم المسرح المدرسي والجامعي في تعليم بعض المواد، مثل اللغات والتربية والعلوم وغيرها، لأنه ثبت بالعلم والتجربة أن تحويل بعض المعلومات في المواد الدراسية إلى مشاهد تمثيلية مسرحية يساعد الطلاب والطالبات، في مختلف المراحل الدراسية، على فهم هذه المعلومات بشكل أسرع وأعمق، خصوصاً أن نسبة الفهم والاستيعاب تختلف بين طالب وآخر، ويساعد المسرح المدرسي والجامعي أيضاً في معالجة بعض المشكلات لدى عدد من الطلاب والطالبات، مثل عدم الثقة بالنفس، والخجل، وعدم الشعور بالمسؤولية، وصعوبات النطق...

التربية الأخلاقية

خرجت من المسرح المدرسي والجامعي الكثير من المواهب المسرحية في الإمارات، كتابة وتمثيلاً وإخراجاً، وأصبح الكثير من هذه المواهب مشهوراً في المجال المسرحي، محلياً وخارجياً، وفازوا بجوائز محلية وخليجية، عربية وعالمية، خلال المهرجانات والمسابقات المسرحية التي شاركوا فيها، بصفة شخصية، أو كممثلين عن دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي الوقت الحالي، أعلنت وزارة التربية والتعليم إدراج «مادة التربية الأخلاقية» ضمن المناهج والمقررات الدراسية بدولة الإمارات، في خطوة ريادية مميزة، تعد الأولى من نوعها على مستوى الوطن العربي، وذلك استجابة لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بإدخال «مادة التربية الأخلاقية»، ضمن مناهج ومقررات وزارة التربية والتعليم، وذلك بهدف ترسيخ قيم التسامح والاحترام وروح الانتماء وغيرها من المعايير السلوكية لدى الطلبة في المدارس الحكومية والخاصة بالدولة، هذا الإعلان الرسمي المهم يبرز مجدداً الدور الثقافي والتربوي المهم للمسرح في الإمارات عموما، والمسرح المدرسي خصوصاً.

وفي إمكان الجهات المعنية بتدريس «مادة التربية الأخلاقية» الاستفادة من معارف خبرات أهل المسرح في الإمارات، من كتاب وممثلين ومخرجين، وذلك عبر تشجيعهم ودعمهم على إعداد وعرض مسرحيات داخل المدارس الحكومية والخاصة، في جميع إمارات الدولة، يشارك فيها عدد من الطلاب والطالبات، وتتضمن رسائل ثقافية وتربوية مستمدة من «مادة التربية الأخلاقية»، ويمكن في هذا المجال الاستفادة من شخصية «الدبدوب» التي كان لي شرف تأديتها منذ عام 1975، أي منذ نحو أربعة عقود، التي صنفها مجلس أبوظبي للتعليم، كأكثر شخصية محببة لدى طلاب وطلبات المدارس الحكومية والخاصة في إمارة أبوظبي، وقد أوصلت من خلال هذه الشخصية العديد من الرسائل التوعوية والتثقيفية والتربوية لطلاب الروضة والمدارس، ولجميع فئات المجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وكلاء صهيون

من المسرحيات الإماراتية المميزة التي شكلت بداية فعلية للمسرح في دولة الإمارات مسرحية «وكلاء صهيون» التي ألفها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، وقد عرضت في نادي الشعب في مدينة الشارقة العام 1963.

استثمار

يمكن للجهات المعنية بتدريس «مادة التربية الأخلاقية» الاستفادة من معارف خبرات أهل المسرح في الإمارات، من كتاب وممثلين ومخرجين، وذلك عبر تشجيعهم ودعمهم على إعداد وعرض مسرحيات داخل المدارس الحكومية والخاصة، في جميع إمارات الدولة، يشارك فيها عدد من الطلاب والطالبات، وتتضمن رسائل ثقافية وتربوية مستمدة من «مادة التربية الأخلاقية».

--------------------------------------------
المصدر : الأتحاد 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق