مجلة الفنون المسرحية
(1) ماري إلياس وحنان قصاب حسن : المعجم المسرحي ، مصدر سابق ، ص 65 .
(2) أيوجينيو باربا : زورق من ورق – عرض المباديء العامة لأنثروبولوجية المسرح ، تر : قاسم بياتلي ، ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2006 ) ، ص 31 .
(3) المصدر نفسه ، ص ص 32 – 33 .
(1) ماري إلياس وحنان قصاب حسن : المعجم المسرحي ، مصدر سابق ، ص 65 .
(2) المصدر نفسه ، الصفحة نفسها .
(3) المصدر نفسه ، ص 66 .
(4) يٌنظر : المصدر نفسه ، الصفحة نفسها .
(5) المصدر نفسه ، الصفحة نفسها .
(6) يُنظر : إيوجينيو باربا : زورق من ورق – عرض المباديء العامة لأنثروبولوجية المسرح ، مصدر سابق ، ص ص 33 – 34 .
(1) إيان واطسون : نحو مسرح ثالث – إيوجينيو باربا ومسرح أودن ، تر : منى سلام ، ( القاهرة : مطابع المجلس الأعلى للآثار ، 2000 ) ، ص 84 .
* الحوارات الموضوعة بين قوسين ومُميزة بالخط العريض مأخوذة عن نص عرض التعزية المُفرّغ من العرض مباشرة ، وأية أقتباسات ترد مرة أخرى للحوار مأخوذة من المصدر نفسه .
** أعدّ نص التعزية الكاتب جاسم أبو فياض عن كتاب ( مقتل الحسين ) للعلامة السيد عبد الرزاق المقرّم وقد جاء في الصفحة الأولى بأن النص ( سيناريو ) لواقعة الطف الخالدة ، وهو نسخة خطّية غير منشورة ، وجميع الاقتباسات التي سترد في الدراسة مأخوذة عن هذه المخطوطة التي يحتفظ الباحث بنسخة منها في أرشيفه الخاص .
مصادر البحث :
- القران الكريم
(1) ماري إلياس وحنان قصّاب حسن : المعجم المسرحي ( بيروت : مكتبة لبنان ناشرون ، 1997 )
(2) جيمس فريزر : الغصن الذهبي – دراسة في السحر والدين ، تر : أحمد أبو زيد ، ج1 ، ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، 1971 )
(3) محمد صبري صالح : المسرح العراقي القديم ، ( بغداد : مطبعة المعارف ، 1991 )
(4) فراس السوّاح : مغامرة العقل الأولى – دراسة في الأسطورة : سوريا وبلاد الرافدين ، ط11 ، ( دمشق : دار علاء الدين ، 1996 )
(5) قاسم الشوّاف : ديوان الأساطير سومر وأكاد وآشور: الكتاب الثاني – الآلهة والبشر ، ( بيروت : دار الساقي ، 1997 )
(6) محمد غلاب : الفلسفة الشرقية ، ط2 ، ( القاهرة :مكتبة الأنجلو المصرية ، د . ت )
(7) جفري بارندر : المعتقدات الدينية لدى الشعوب ، ترجمة : إمام عبد الفتاح إمام ، سلسلة عالم المعرفة 173 ( الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، 1993 )
(8) السير وَلِس بَدْج : الديانة الفرعونية ، تر : يوسف سامي اليوسف ( عمّان : دار منارات ، 1985 )
(9) أحمد علي عجينة : دراسات في الأديان الوثنية القديمة ، ( القاهرة : دار الآفاق العربية ، 2004 )
(10) فوبيون باورز : المسرح في الشرق ، ترجمة : أحمد رضا محمد رضا ( القاهرة : دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ، د : ط . ت )
(11) إتيان سوريو : الجمالية عبر العصور ، ترجمة : ميشال عاصي ، ط2 ( بيروت – باريس : منشورات عويدات ، 1982 )
(12) نزار سليم : من المسرح الصيني ( بغداد : مطبعة الجمهورية ، 1973 )
(13) إدوين ديور : فن التمثيل الآفاق والأعماق ج1 ، تر : مركز اللغات والترجمة – أكاديمية الفنون ( القاهرة : مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ، 1999 )
(14) جون رسل تيلر : الموسوعة المسرحية ، ج1 ، تر: سمير عبد الرحيم الجلبي ( بغداد : دائرة الإعلام ، 1990 )
(15) عز الدين إسماعيل : الفن والإنسان ( بيروت : دار القلم ، يونيو 1974 )
(16) أحمد شوقي قاسم : المسرح الإسلامي – روافده ومناهجه ( القاهرة : دار الفكر العربي ، 1980 )
(17) علي شريعتي : مجموعة الآثار الكاملة (9) – معرفة الإسلام ، تر : حيدر مجيد ( بيروت : دار الأمير للثقافة والعلوم ، 2004 )
(18) كولين كونل : علامات الأداء المسرحي ، تر : أمين حسين الرباط ( القاهرة : مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ، 1998 )
(19) جعفر السبحاني : العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت ، تر : جعفر الهادي ، ( بيروت : دار التعارف للمطبوعات ، د : ط . ت )
(20) فاطمة برجكاني : تاريخ المسرح في إيران منذ البداية إلى اليوم ، ( بيروت : مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي ، 2008 )
(21) محمد عزيزة : الإسلام والمسرح ، ترجمة : رفيق الصبان ( القاهرة : دار الهلال ، إبريل 1971 )
(22) بيتر بروك وآخرون : التفسير والتفكيك والأيديولوجية ، ، ترجمة : نهاد صليحة و سناء صليحة وسارة عناني ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2000 )
(23) إبراهيم الحيدري : تراجيديا كربلاء – سوسيولوجيا الخطاب الشيعي ، ( بيروت : دار الساقي ، 1999 )
(24) أحمد محمد خالد : مسرح العرب بين نص الإسلام وسيرورته ( دمشق : منشورات وزارة الثقافة – المعهد العالي للفنون المسرحية ، 1997 )
(25) أيوجينيو باربا : زورق من ورق – عرض المباديء العامة لأنثروبولوجية المسرح ، تر : قاسم بياتلي ، ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2006 )
(26) إيان واطسون : نحو مسرح ثالث – إيوجينيو باربا ومسرح أودن ، تر : منى سلام ، ( القاهرة : مطابع المجلس الأعلى للآثار ، 2000 )
الأشكال ما قبل المسرحية ومرجعياتها الأنثروبولوجية
( التعزية أنموذجاً )
أ.م.د. محمد حسين محمد حبيب م.م. ياسر عبد الصاحب براك
جامعة
بابل
جامعة ذي قار
مقدمة البحث :
على مدى القرون الماضية كان النمط المسرحي الغربي هو السائد في المشهد المسرحي العالمي ، وهو نمط موروث أصلاً من بلاد الإغريق القديمة التي ابتكرته ووضعت قوانينه في القرن الخامس قبل الميلاد ، لتتلقفه أوربا بعد ظهور المسيحية عن طريق الرومان ، لكن الكنيسة سرعان ما شعرت بالخطر الكامن في الفن المسرحي فقامت بتحريمه للحد من ذلك الخطر ، لكن الحاجة للتعبير عن الأفكار الجديدة هي التي جعلت الكنيسة نفسها تعيد اكتشاف المسرح من جديد عبر مسرحياتها ذات الطابع الديني ، وعلى الرغم من سيطرة هذا الطابع على تلك المسرحيات لقرون أخرى ، سرعان ما خرجت تلك المسرحيات إلى الشوارع والساحات العامة لتلتحم بالجمهور ، وفي تلك التحولات كلها كان التمثيل ظاهرة أنثروبولوجية يمارسها الإنسان البدائي قديماً ، والمتحضّر حديثاً ، ما يخلق نوعاً من المتبقيات الحضارية ( الرواسب ) بين الأشكال المتعددة للثقافات ، وهو ما تم التعبير عنه مع مطلع القرن العشرين في ما يُسمى بتيار ( العودة إلى الأصول ) عبر حركة ارتدادية قائمة على المقولات الأنثروبولوجية التي وفرها هذا العلم في البحث عن أصول المسرح ، أي أشكال التعبير البدائية الأولى ، ولم يكن خطاب العودة إلى الأصول الذي نادى به أنتونان آرتو ومايرخولد وكروتوفسكي وغيرهم مع مطلع القرن العشرين ، ذلك الخطاب القائم على نقد المركزية الغربية في التصور المسرحي ، بدون مؤثرات خارجية ، فعلى الرغم من الحركة التطورية الكبيرة التي شهدها المسرح الغربي عبر قرونه الطويلة ، كان بحاجة إلى نوع من ( الصدمة الحضارية ) التي تُعيد للمسرحيين الغربيين صحوتهم بوجود الآخر المختلف ، وهي
صحوة بدأت بوادرها عبر طريقين ، الأول تمثل في الفرق المسرحية الشرقية التي زارت البلدان الغربية لتقدّم أشكالها التقليدية ( النو ) و ( الكابوكي ) اليابانيين و ( الأوبرا ) الصينية و ( الكاتاكالي ) الهندي و ( الرقص التعبيري ) لجزيرة بالي في أندونيسيا ، إلى جانب فنون الشرق الأخرى في ماليزيا وإيران ، أما الطريق الثاني فكان عبر الغزو الكولونيالي لدول الشرق الذي مهّد الطريق لرحلات استكشافية في المعرفة المسرحية قام بها كثير من المهتمين بالشأن المسرحي أمثال بيتر بروك وكروتوفسكي وأوجينيو باربا ، وقد أدّت هذه المؤثرات الخارجية في المسرح الغربي إلى مراجعة فكرة التمركز الغربي في النظرية المسرحية حيث جرى الحديث عن نمطين من أنماط المسرح الأول غربي والثاني شرقي ، ما يعني وجود تقاليد مسرحية مختلفة بين الاثنين على الرغم من كونهما – من وجهة نظر أنثروبولوجية – يُعبّران تعبيراً واحداً عن حالة الجماعة البشرية وهي في حالة ( العَرْض ) ، سواء كان ذلك العرض فردياً أو جماعياً ، وهي حالة تعني الاستخدام الجسدي والذهني بحسب حالة تعبيرية محددة تتحكم بها قوانين الحياة اليومية ، واكتشاف الغرب للمسرح الشرقي أدّى إلى الحديث عن نمط آخر من التعبير المسرحي أطلق عليه ( الأشكال ما قبل المسرحية ) ، وهي أشكال تزخر بها جميع الشعوب وتختلف مستويات انتمائها أو ابتعادها للشكل المسرحي الغربي ، لذلك حاول المخرجين الغربيين توظيف خصوصية تلك الأشكال لتجديد البحث المسرحي والسعي لاكتشاف وسائل تعبير جديدة ، كما فعل آرتو في تعامله مع الرقص التعبيري لراقصات بالي وتأسيسه لنظرية ( مسرح القسوة ) بالاعتماد على ذلك المنحى الميتافيزيقي / الروحاني في تلك الرقصات ليصبح مرجعية جمالية للمسرح الذي نادى به ، أو إفادة كروتوفسكي من فنون اليوغا الهندية والفلسفة البوذية في تدريبات ممثليه للوصول إلى حالة الوجد الصوفي في عروضه المسرحية سواء للممثل أو للجمهور ، ولاشك أن هذه التجارب كلها هي في واقع الحال ذات منحى أنثروبولوجي لأنها تنطلق من دراسة " وضع المسرح في المجتمع وربطه بالطقس ، لكنها في نفس الوقت أخذت اليوم منحى ترتبط فيه بالممارسة المسرحية "(1)، وقد عمل ( أوجينيو باربا ) على هذا المنحى إذ قام عام 1979 بتأسيس ( المدرسة العالمية للأنثروبولوجيا المسرحية I . S . T . A ) ، بعد أن كان قد أسس فرقة ( الأودين ) في النرويج عام 1964 ، وهو من أطلق تعبير ( الأنثروبولوجيا المسرحية ) حيث عُرِفَ ببحوثه في هذا المضمار .(2)
أصبح لتعبير ( الأشكال ما قبل المسرحية ) تأثيره ليس على المشهد المسرحي العالمي فقط ، بل على المشهد المسرحي العربي كذلك ، إذ إنه وبفعل المثاقفة الحضارية أفرزت الحقبة الكولونيالية ظهور المسرح بشكله الغربي في البلاد العربية عبر الاستيراد الذي مارسه بعض المثقفين العرب أمثال ( مارون النقاش ) لهذا النمط من التعبير الجماعي ، وعلى الرغم من محاولة رواد المسرح العربي الأوائل ( تعريب ) هذا الشكل ، بقي محافظاً على أصوله الغربية ، لذلك شهدت البلاد العربية بعد الخلاص النسبي من المرحلة الكولونيالية حركة واسعة باتجاه البحث في التاريخ والتراث والموروث العربي عن وجودات افتراضية لشكل مسرحي ما يمنح العرب معرفتهم الحقيقية بفن المسرح ، وبغض النظر عن الدوافع المختلفة وراء تلك الحركة الارتدادية للوراء التي مارسها المسرحيون العرب ، أفرزت لنا رؤى وأشكالاً يختلف في تصنيفها المسرحيون أنفسهم ، فمنهم من رأى في تلك الأشكال أشكالاً ( غير مكتملة ) كما عند علي عقلة عرسان ، ومنهم من رأى أنها ( أشكال مسرحية ) كما عند شموئيل مورييه ، لكن الرأي الشائع يكمن في عدّها ( أشكالاً ما قبل مسرحية ) مثل رأي محمد عزيزة ، وقد تنوّعت تلك الأشكال واختلفت من بلد عربي وإسلامي إلى آخر بحسب طبيعة المجتمعات وخصوصيتها ، ومن بين تلك الأشكال تتفرد ( التعزية ) التي تُقدَّم فعالياتها في العديد من البلدان العربية والإسلامية كل عام في ذكرى العاشر من محرّم ، وهي الذكرى السنوية لاستشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) في معركة الطف عام 61 هـ ، لذلك وجد الباحثان مسوّغاً لمشكلة بحثه تتلخص في الاستفهام الآتي :
- ما هي الأشكال ما قبل المسرحية ، وما هي أبرز مرجعياتها الأنثروبولوجية لاسيما موضوعة البحث ( التعزية ) ؟
وتأتي أهمية البحث الحالي من كونه يتناول موضوعة ( التعزية ) بوصفها شكلاً من الأشكال ما قبل المسرحية والوقوف عند أبرز مرجعياتها الأنثروبولوجية عبر تقصّي العلاقة بين المسرح بوصفه ظاهرة اجتماعية ومعطيات التحليل الأنثروبولوجي لتطوّر الظواهر الاجتماعية ومن بينها الظواهر الثقافية والفنية التي يُعدّ المسرح واحداً منها ، بينما تجلّت الحاجة إليه في أنه يشكّل حافزاً لذوي الاختصاص لدراسة أشكال ما قبل مسرحية أخرى يمكن أن تفيد البحث والتجريب المسرحي .
اما هدف البحث فهو: تعرّف الأشكال ما قبل المسرحية ومرجعياتها الأنثروبولوجية لاسيما التعزية بوصفها طقساً دينياً يقترب من صيغ الأداء المسرحي .وحدود البحث هي :الزمانية : 2004 – 2008 ، إذ تسنّى للباحثين مشاهدة الطقس في العراق بعد التغيير السياسي حيث كانت تمنع ممارسته قبل هذا الزمن ، علاوة على إمكانية الحصول على تسجيلات للطقس نفسه في إيران , والمكانية : إيران ( قودجان ) ، والعراق ( كربلاء ) ، لأن هذان البلدان يشتهران بإقامة الطقس كل عام , اما الموضوعية فهي دراسة موضوعة التعزية بوصفها طقساً دينياً يقترب من صيغ الأداء المسرحي .
المبحث الأول : ( الأشكال ما قبل المسرحية) في الحضارات الشرقية القديمة وأنثروبولوجيا المسرح
وفّر البحث الأنثروبولوجي في ميدان المسرح للغربيين فرصة لقراءة الآخر المختلف / الشرقي على وجه التحديد ، إذ عمل على إعادة ترتيب رؤيتهم للمسرح عبر ما يوفره هذا الميدان من مادة إثنوغرافية تؤسس لتأريخ جديد من ( الأصول المسرحية ) التي تحتاج إلى الفحص المستمر وأستنباط جمالياتها الخاصة بوصفها أشكالاً ( لا أرسطية ) ، لذلك مارست أنثروبولوجيا المسرح نقداً لمركزية الخطاب الأرسطي في الثقافة المسرحية الغربية بوصفه مهيمناً من مهيمنات الفكر المسرحي الغربي حتى مطلع القرن العشرين ، وللوقوف على أهم الأشكال ما قبل المسرحية ( اللاأرسطية ) في الحضارات الشرقية القديمة ينبغي التوقف عند الآتي :
أولاً : التشابيه الرافدينية(*) :
إرتبطت مظاهر ( الأداء التشبيهي ) في العراق القديم ( وادي الرافدين ) بالعقيدة الدينية التي كان يعتنقها العراقيون القدماء ، فكانت تلك المظاهر تتجسد في : أساطير الخليقة ، وطقوس الزواج المقدس ، ومواكب الحزن الجماعي ، وشدّدت تلك الشعائر أساساً على مبدأ ( الخصوبة ) بوصفه المحرّك الرئيس للممارسة الشعائرية ، وهذه الخصوبة في نظرهم كانت مهددة دوماً بقوى غيبية شريرة يعتقدون أنها دائماً تهدد وجودهم ، لذلك راحوا يبحثون عن سبل عملية توفر لهم الأطمئنان والحماية والتقرّب إلى الآلهة ، فوجدوا في السحر طريقاً لدفع الضرر عن حياتهم ووجودهم المُهدَّد ، فظهر السحر البدائي الذي يقوم على مبدأين أساسين : (3*)
- الأول : هو قانون (التشابه ) ، ويعني أن الشبيه ينتج الشبيه ، أو أن المعلول يشبه علته ، ويستنتج الساحر من هذا المبدأ أن في أستطاعته تحقيق الأهداف والنتائج التي يريدها عن طريق محاكاتها أو تقليدها .
- الثاني : هو قانون ( الاتصال ) أو ( التلامس ) ، ويعني أن الأشياء التي كانت متصلة بعضها ببعض في وقت ما تستمر في التأثير بعضها في بعض من بعيد بعد أن تنفصل فيزيقياً ، ومن هذا المبدأ يستنتج أن كل ما يفعله لأي شيء مادي سوف يؤثر تأثيراً مماثلاً في الشخص الذي كان هذا الشيء متصلاً به في وقت من الأوقات سواء أكان يؤلف جزءاً من جسمه أو لا يؤلف .
هذان المبدآن شكلا في واقع الحال جوهر الممارسة السحرية التي كان سكان العراق القديم يُمارسونها في حياتهم اليومية لدرء الشر عنهم ، تلك الممارسة التي أنعكست على طقوسهم الدينية القائمة على تمثيل الآلهة بالبشر العاديين ، إذ " إن أهم ما يُميز الديانة العراقية القديمة ما يُعرف بصفة ( التشبيه ) أي تشبيه الآلهة بالبشر في هيئتها العامة وحياتها وحواسها وعلاقتها الاجتماعية ، غير أنها كانت تنفرد عن البشر بصفة الخلود ، لذلك مثل بعض الآلهة على هيئة آدمية مع أختلافات في التاج أو العرش ، والميزة الثانية هي ( الحيوية ) أي الاعتقاد بوجود الأرواح في المظاهر الطبيعية(4).
ثانياً : المُحجَّبات الفرعونية(**):
هي الوجه السري غير المعلن من الاحتفال الذي كان يقيمه المعبد والكهنة سنويا للإله أوزوريس وذلك بعد موته وأنبعاثه من جديد ، إذ أعتمدت العقيدة الدينية للمصريين القدماء على تقديس عناصر الطبيعة مثل الشمس والقمر وبقية المظاهر الطبيعية الأخرى ، بل إن أسطورة ( الخليقة المصرية ) تقوم أساساً على ما يُطلق عليه بـ ( التاسوع المقدس ) كما ورد في أسطورة ( هليوبولس ) التي تمثل أشهر أساطير الخلق المصرية ، ويتكوّن هذا التاسوع على النحو الآتي : (5)
رع أو الشمس / شو أو الهواء / تفنوت أو الرطوبة / جب أو الأرض / نوت أو السماء / أوزيريس أو النيل / إيزيس أو الأرض المخصبة / ست أو الصحراء / نفتيس أو الأرض القاحلة .
خوّلت العقيدة المصرية القديمة الكهنة القيام بالطقوس الجنائزية التي تمثل بدورها نوعاً من الأسرار الدينية التي كان لا يطلع عليها إلا الكهنة أنفسهم لأنها ارتبطت بالإله ( أوزوريس ) ، وكانوا يقيمونها في المعبد ، " والتمثيل الدرامي للأسطورة كان أوضح ما يكون في علاقته بأوزريس ، فهناك نص من الأسرة الثانية عشرة يصف قتالاً على سطح بحيرة بين أوزريس وأعدائه ، ويمثل المنظر مرسى منطقة ( أبيدوس ) حيث يتم تصوير موت الإله ودفنه ، ثم يعقب ذلك انتصاره وعودته ليطرد أعدائه "(6) ، الأمر الذي أشَّر وجود شعائر دينية ذات طبيعة ( مُحجّبة ) يجري فيها إحياء ذكرى العثور على ( أوزوريس ) الذي تعرّض إلى خديعة من شقيقه الإله (ست) إله الصحراء إذ قام بقتله وتقطيع أوصاله ونثرها في البلاد ، فما كان من أخته وزوجته ( إيزيس ) إلا البحث عنه وتجميع تلك الأوصال وإعادتها للحياة مؤقتاً لتتصل به جنسياً فتلد منه ابنه الإله ( حورس ) الذي لم يسلم هو الآخر من شر الإله ( ست ) فأرسل له عقرباً ليلدغه وهو نائم بعد أن أخفته ( إيزيس ) عن ست ، لكن الأخير قام بالاهتداء إليه وقتله ، فتبكيه إيزيس بكاءً مرّاً ، فيرق لحالها الإله ( تحوتي ) وزير إله الشمس وإله المخطوطات وكتب السحر ، ويعيد الحياة للطفل ( حورس ) الذي يكبر ويخوض معركة شرسة ضد ست وأعوانه فينتصر عليه أخيراً ويعيد الحياة لأبيه ( أوزوريس ) ، فقد " آمن المصريون ... بأن أوزيريس ذو أصل مقدس ، وأنه كابد الموت والتمثيل بجسده على أيدي قوى الشر ، وأنه بعد صراع جبار ضد هذه القوى قد نهض مرة ثانية ، وأنه قد صار منذ ذلك الحين ملك العالم السفلي وقاضي الموتى ، وأنه بسبب من تفوقه على الموت فان المستقيمين كذلك يمكنهم أن يقهروا الموت ، ولقد رفع المصريون أوزيريس إلى مكانة مبجلة في السماء بحيث أصبح يكافئ رع ، إله الشمس ، بل يتفوق عليه في قضايا معينة " (7)، وهذه المكانة المقدسة لأوزيريس فرضت على المعبد الفرعوني وكهنته الاحتفال السنوي بموته وأنبعاثه إلى الحياة من جديد ، وقد كان الاحتفال ذا وجهين الأول سرّي وغير مُعلن ( مُحجَّب ) وهو الجزء الأهم من الطقس الجنائزي لا يُقيمه سوى كهنة المعبد ، والثاني مُعلن يشترك فيه عامة الناس إلى جانب الكهنة أنفسهم .
ثالثاً : ( الناتيافيدا ) الهندية(***) :
نشأت ( الناتيافيدا = الدراما ) الهندية في ظل الطقوس والشعائر الدينية التي كان يُمارسها معتنقو الديانات القديمة كالهندوسية ، والبوذية ، والجاينية ، إذ تنوعت العقيدة الدينية لدى الهنود القدماء بتنوع الطوائف التي استوطنت رقعة واسعة من الأرض " متباينة في أجوائها ومناخها واقتضى هذا التباين في الأجواء الطبيعية أن يختلف سكانها في أجسامهم وطبائعهم وأيضاً في أتجاهاتهم وعقائدهم وطقوسهم الدينية "(8)، وقد أظهرت المادة الإثنوغرافية المتوافرة عن الحضارة الهندية أن هذه البلاد كان يستوطنها أقوام يطلق عليهم ( الشعب الدارفيدي ) وهم السكان الأصليون للبلاد قبل أن تقوم القبائل الآرية بغزو الهند عام 1500 ق . م لتستقر فيها ، إذ سيطروا على البلاد وجلبوا معهم " آلهتهم ودياناتهم وحاربوا السكان الأصليين وحاولوا التخلص من جميع آثارهم الدينية والعقائدية بشتى الوسائل – ولكنهم لم يستطيعوا – ذلك لأنهم تشربوا من حضارة وادي نهر الهند ، واقتبسوا من السكان الأصليين لبلاد الهند معظم مزاياهم الدينية ، كما أدخلوا كثيراً من آلهتهم في صميم عقائدهم الدينية وصبغوها بالصبغة الآرية "(9)، فقد شهدت الهند ديانات متنوعة قبل مجيء الآريين لها ، لذلك نجد أن الهنود قد عبدوا آلهة عديدة مثل : الآلهة الأنثى ، وآلهة الفروج وآلهة أخرى تشبه الإله سيفا عند الآريين .
• ناتيا شاسترا Natyashastra أو نظرية الدراما السنسكريتية :
يُعدُّ كتاب ( ناتيا شاسترا Natyashastra) لمؤلفه ( بهاراتا Bharata ) من المؤلفات التي قننت لنظرية المسرح السنسكريتي ، ويُرجح أن تاريخ تأليفه يعود إلى قبل ولادة السيد المسيح ، أو ربما بعد ولادته بقليل ، وبالتأكيد فإن هذا الكتاب لم يأتِ من فراغ ، بل ربما سبق تأليفه الأطلاع على العديد من المسرحيات المتنوعة التي ألهمت ( بهاراتا ) التوصل إلى قوانين الدراما السنسكريتية " وإنا لنجد في هذا المؤلف قوائم تضم أوفى التفاصيل في العرض المسرحي ، من الأزياء ، والمكياج ، إلى حركات العنق ومقلة العين ، ومن المواقف والخطة الدرامية ، والمشاهد الممنوعة ( فالأكل والزنا والموت مشاهد غير لائقة في التمثيل المسرحي ) ، إلى مختلف أوضاع الجسم وهيئاته الراقصة ( ومنها وضع بهلواني بارع يقتضي من الراقصة التي تؤديه أن تضع رأسها بين ساقيها ، ووجهها مرتفع إلى أعلى ) . وقد حدد بالكتاب كل الألوان الحرفية المسرحية ، مع جميع الشروح والتعليقات " (10)، وتعتمد الدراما السنسكريتية على مرجعيات أساس أبرزها :
- مرجعيات ملحمية وأسطورية متصلة بملحمتي ( الرامايانا ) و ( المهابهاراتا ) .
- مرجعيات واقعية تتصل بالأحداث العصرية أو الأحداث التاريخية القريبة .
- مرجعيات شعبية تستمد مادتها الأساس من القصص الشعبي السائد آنذاك .
رابعاً : الأوبرا الصينية (****) :
تمثل ( الأوبرا ) الصينية الشكل الأدائي الأساس من بين الأشكال ما قبل المسرحية ( اللاأرسطية ) التي نشأت في الصين ، فعلى الرغم من التأثيرات الجمالية ( الإسطاطيقية ) التي مارستها الهند في الفنون الصينية بفعل المُبشرين البوذيين الذين نشروا الديانة البوذية في الصين ، أستطاع المسرح الصيني وعبر قرون عديدة أن يحقق جمالياته الخاصة به ، تلك الجماليات المُستمدة أيضاً من مرجعيات دينية وأسطورية شكّلت المخيلة الأنثروبولوجية للشعب الصيني .
مارس الدين إلى جانب الطبيعة الاجتماعية للصينيين القدماء تأثيره المباشر في الفن الصيني عموماً والدراما بشكل خاص ، فقد كانت طبيعة المجتمع الصيني زراعية مدينية ، ومن ثم فإن الاحتفالات الاجتماعية والسياسية كانت لا تخرج عن الصبغة الزراعية المرتبطة بالأرض مثل احتفالات الخصب ، ودورة الفصول ، والاحتفال بذكرى الأسلاف ، وفي هذه الاحتفالات كلها يؤدي الإمبراطور دور الوسيط السحري بين السماء ذات العطاء الزاخر بوصفه يحكم الأرض بأمرها ، وبين الأرض التي تنتج سبل المعيشة والحياة ، لذلك نجد أن الفن الصيني قد تمثّل تلك العلاقة في الاحتفالات المُقامة ، فنجده قد " أرتبط بتجربة شعورية تتوخى المشاركة الكونية ، وهذه على كل حال تجربة مرتبطة بالمسار الأعمق للفكر الصيني ... وهي مشاركة تتكون في بعض مصادرها من البوذية ، وترتبط بعض مصادرها الأخرى بتلك النزعة من الطمأنينة الصينية"(11).
تُعدّ المسرحيات الحربية والمدنية رئسيتين في المسرح الصيني إذ نجد أن الحربية تزخر بشخصيات القادة المخلصين ، والأباطرة الأمجاد ، وموظفي الحكومة العقلاء ، وكل هؤلاء يكافحون قوى الخيانة ، والعدوان ، أما المدنية فإنها تهتم بسعادة البيت أو شقاءه ، وطاعة الأبناء ، وإخلاص الزوجات ، وتأثير الأشباح والأرواح في حياة عامة الناس ، وغالباً ما يكون الصراع واحداً في أغلب المسرحيات ، ففي الحربية نجد الصراع بين الخير والشر إذ " يتصارع الاثنان وفق خطة معينة ( الذروة ) ، ويقتل الشر( حل العقدة ) ، أما المسرحية المدنية ، فإن شخصية ما (أ) تستغل وتخدع شخصية أخرى (ب) ، ومن ثم تقاسي (ب) ( الذروة ) ، وتظهر شخصية (ج) فتزيل سوء التفاهم أو تمحي الخطأ ، ( حل العقدة ) ... وتتميز المسرحيات الصينية بإدراك عميق للفضيلة ، والبطل فيها دائماً إمرأة تغوي الرجال ، وتسبب قدراً كبيراً من الأذى والضرر للهيئة الاجتماعية التي تضم الأسرة المحترمة "(12)، وتضم هذه المسرحيات شخصيات تقليدية تحدد طبيعة أداء الممثل وأزيائه وماكياجه إذ نجد أن الممثلين الذين يقومون بأدوار الرجال يُسمون ( شنك ) (13).
خامساً : النو الياباني*:
تعود أصول مسرح ( النو ) الياباني إلى العقيدة الدينية اليابانية والأسطورية على وجه التحديد ، إذ أدّت الديانتان ( الشنتوية ) و ( البوذية ) دوراً كبيراً في تكوين المرجعيات الأنثروبولوجية له ، إذ تشير المادة الإثنوغرافية المدونة في كتاب ( الكوجيكي ) أو ( سجل الأحوال القديمة ) الذي كُتب عام 712 م(14)، ويروي وقائع عديدة عن التاريخ الياباني القديم الحافل بالأساطير والحكايات الموغلة في القدم ، إلى أن نشوء المسرح يعود إلى الأسطورة التي تتحدث عن آلهة الشمس ( أماتيراسو أو ميكامي Amaterasu-O-Mikomi )** ، وهذه الأسطورة تعني أن الآلهة هي مصدر المسرح الياباني ، بمعنى أن قوانينه وجماليته لا تخرج عن نطاق التعاليم المقدسة التي ترتبط بالآلهة كونها راعية للمسرح وخالقة له ، وتكشف هذه الأسطورة عن ثلاث صور رئيسة من صور فن المسرح الياباني السائدة هي: ( 15)
1- العنصر العقائدي الخيالي الذي أقترن بمسرح ( النوه ) الياباني .
2- العنصر السخري المميز لمسرح ( كابوكي ) من ملامح المسرح الحديث .
3- عنصر الرقص ، وهو جزء حيوي أساسي في كل الفنون الدرامية اليابانية .
تكشف هذه العناصر الثلاثة إلى جانب الطبيعة الجمالية التي يتمتع بها المسرح الياباني ، طبيعة الديانات اليابانية القائمة على عبادة الأرواح وقوى الطبيعة وخاصة الشمس إذ تكون – بحسب أسطورة الخلق المسرحي اليابانية – مركزاً في حدث الأسطورة الذي يكشف أيضاً عن ماهية الممارسة المسرحية عبر فعل السخرية والتسلية ومن ثم إعادة النور للعالم ، ما يحدد الطبيعة الأخلاقية والجمالية للمسرح الياباني ، ولمعرفة مدى تأثير هذه المرجعيات الأنثروبولوجية في هذا المسرح لابد أولاً من معرفة المبادئ العامة في الديانة اليابانية .
أثّر النظام الطبقي في اليابان على الوضع المسرحي بشكل كبير ، فعلى الرغم من وجود الأشكال المسرحية المتعددة التي كانت نتاجاً للطبقات الشعبية كمسرح ( الكابوكي ) مثلاً ، كان الشكل الأبرز في المسرح الياباني يتمثل في نتاج الطبقة الأرستقراطية المسمى مسرح ( النو No ) ويمزج هذا الشكل بين الرقص والغناء والدراما ، ويعود تاريخ مسرح النو إلى القرن الرابع عشر إذ بلغ أوج تطوره على يد ( كانامي كيوتسوجو ) وأبنه ( زيامي موتوكيو ) ، إلا أن اللغة المكتوبة بها المسرحيات المنسوبة لهما تعود إلى أكثر من قرنين من هذا الوقت ، وتعني كلمة ( نو No ) مهارة أو إنجازاً وهو من الطقوس الشنتوية التي كان يُمارسها اليابانيون ، تلك الطقوس التي بدأت راقصة ولكن بمرور الوقت دخل العنصر الدرامي فيها ، كما أثرت احتفالات البلاط في نشوئه ومختلف " لعب التنكر والرقصات الشعبية . وقد كان غرض نو هو تسلية العامة في ساحات المعبد ، ثم عندما تعهدهم ( السامورايSamurai ) ، أو النبلاء في القرن الخامس عشر ، كانت تعرض بممثلين يتقاضون إعانة في القصور والمعابد ، أو القرى ، أو حتى في المهرجانات التي تُقام في الأماكن المقدسة في أبعد المقاطعات ، وبعد ذلك صارت في المقام الأول تسلية أرستقراطية "(16)، وظلت هذه المسرحيات تتوالد لقرون طويلة حتى بلغت أكثر من مائتين وخمسين مسرحية ، وتتوزع هذه المسرحيات القصيرة التي تشبه مسرحيات الفصل الواحد الغربية على خمسة أنواع رئيسة(17).
المبحث الثاني : الأشكال ما قبل المسرحية في الحضارة العربية – الإسلامية وأنثروبولوجيا التعزية
تنبثق الأشكال ما قبل المسرحية ( اللاأرسطية ) في الحضارة العربية – الإسلامية من ( الفرجة )* المسرحية الناتجة عن الممارسات الأحتفالية والطقسية التي تمارسها الشعوب بمختلف لغاتها وهوياتها الإثنية ، إذ تخضع أشكال الفرجة لمؤثرات بيئية ونفسية تتحكم بشكل إنتاجها ، لذلك نجد أن هذه الأشكال ظلت محكومة بمرجعيات أنثروبولوجية تتصل بطبيعة الديانات التي عرفتها الحضارة العربية – الإسلامية ، قبل ظهور الإسلام وبعده ، علاوة على المؤثرات المحليّة التي أدّت دوراً في إنضاج هذه الأشكال في البلدان الأخرى التي فتحها الإسلام مثل : تركيا وإيران والصين والهند ، وتندرج ضمن مفهوم ( الفرجة )** الممارسات الطقسية جميعها التي كان يقيمها العرب في الجاهلية علاوة على الأمم الأخرى قبل دخول الإسلام إليها كالاحتفالات الدينية وصلوات الأستسقاء والألعاب والكرنفالات وطقوس الزواج ومواسم الحصاد وحلقات السمر ، وفي البلاد العربية كانت حلقات الزجل والحكواتي والقرّاداتي والسامر والبساط وسلطان الطلبة وحلقات الذكر والمولوية والزّار والتعزية ، هي المصادر الأهم للفرجة العربية التي كانت مثار جدل واسع بين المستشرقين والعرب على حدٍّ سواء فيما إذا كانت أشكال الفرجة هذه " عناصر مولِّدة للمسرح أو مسرحاً بالفعل "(18)، لذلك وجد الباحثان أن هؤلاء ينقسمون على ثلاثة آراء:
- الأول : يرى أن أشكال الفرجة هذه على الرغم من إحتوائها على عناصر درامية ، ليست مسرحاً ، وهم يقيسون في ذلك على النموذج الدرامي الأرسطي .
- الثاني : يرى أن هذه الأشكال الفرجوية تمثل مسرحاً خالصاً يضم كل عناصر( التمسرح ) التي تتقاطع مع النظرة الدرامية الأرسطية ، ويرون أنه ليس من الصواب القياس على النموذج الأرسطي ، بل ينبغي البحث في جماليات هذه الأشكال وأستنباط قوانينها الدرامية الخاصة .
- الثالث : يرى أن هذه الأشكال مظاهر شبه درامية ، أو هي نواة مولِّدة للمسرح ، لكن أغلبها لم يتطور إلى الشكل الدرامي الأرسطي المعروف لأسباب منها ذاتية وأخرى موضوعية ، وهم يُصدرون في أحكامهم عن النموذج الأرسطي أيضاً بوصفه مقياساً للنوع الدرامي .
1- يرى الباحثان ، أن هذا التنوّع والأختلاف في الآراء بإزاء الأشكال الفرجوية العربية ومدى أنتمائها للمسرح يأتي بسبب هيمنة الشكل الأرسطي على العقلية العربية والأستشراقية في الوقت نفسه ، إلا أن هذا التباين وفّر مادة إثنوغرافية تتصل بالشعوب العربية والإسلامية التي يمكن دراسة طبيعتها الأنثروبولوجية وفقاً لهذه المادة .
• الفرجة العربية قبل الإسلام :
رأى الباحثون من العرب والمستشرقين عدم وجود مظاهر فرجوية كبيرة يُعتد بها قبل الإسلام ، ويعود السبب الأساس لذلك الغياب إلى أندثار معظم الحضارات العربية التي نشأت قبل الإسلام ، كما " أن الشعور الديني لدى العرب في العصر الجاهلي لم يكن قد إهتدى إلى موضوعه الحقيقي ، بل كان قلقاً مضطرباً ، لا ثبات له في النفوس ولا تكامل . ولا غرو بعد ذلك أن تخلو مخلفات ذلك العصر من الآثار الفنية التي تعكس العقيدة ، أو تتأثر بها وتصدر عن روحها " (20)، لذلك ليس بمستغرب ألاّ نجدَ أشكالاً من الفرجة العربية التي تلبي حاجة ( التمسرح ) عند الإنسان العربي ، ولكن مع ذلك يستطيع الباحث أن يشير إلى طائفة من الفنون الأدائية المرتبطة بحياة الإنسان العربي في العصر الجاهلي مثل : (22)
الأسواق الأدبية وتشتمل على الفنون الآتية :
أ – الخطابة .
ب – الشعر :
1- تهاليل الطواف في الحج .
2- الأستسقاء :
3- المنافرة :
• الفرجة العربية بعد الإسلام :
نبعت الفرجة العربية بعد الإسلام من التنوع الحضاري الذي أوجده الدين الجديد ، فعلى الرغم من أن الجزيرة العربية كانت موطناً لهذا الحدث الكبير الذي غيّر مسار البشرية ، إلا أن الحركة التطورية للإسلام بإتجاه الحضارات الأخرى التي كانت قائمة آنذاك منحته هذه الأهمية ، فتاريخ الإسلام " يُمثّل حلقة الوصل في المجرى الحضاري والتاريخ الإنساني العام ، فقد ورث الحضارات البشرية القديمة في وادي الرافدين ووادي النيل والهند والصين وإيران واليونان والرومان ، وصبّها في قالبه الحضاري الخاص ، ومن ثمّ عاد وأعاد الأمانة إلى الحضارة الغربية الجديدة بعد أن أفل نجمه وتدهورت مكانته التاريخية والحضارية . وبهذا يكون الإسلام ناقلاً للتجارب المادية والمعنوية للإنسان القديم إلى إنسان اليوم (22)، لذلك يمكن القول إن الإسلام مارس نوعاً من المثاقفة التي تنوّعت على أشكال ثلاثة : أولها ( المثاقفة العفوية ) القائمة على قناعة غير المسلمين بمباديء الإسلام عبر الاتصال الدائم الذي تم عن طريق العلاقات التجارية وإستيراد الأيديولوجيات ، إذ كان ظهور الإسلام في مكّة كمركز تجاري وديني محققاً لشروط هذه المثاقفة ، أما الشكل الثاني فهو ( المثاقفة القسرية ) التي نشأت عن السياق أو الوضعية التي خلقها الإسلام في مختلف المجتمعات التي قام بفتحها ، وكان ذلك مرهوناً بمبادرة الجماعات والأفراد على تقبّل الإسلام بوصفه ديناً جديداً في مبادئه وأفكاره وقيمه ، والشكل الثالث من أشكال المثاقفة هو ( المثاقفة الإجبارية ) التي نشأت عن طريق الفتوحات الإسلامية التي عدّت كل من لا يدخل في الدين الجديد من ( أهل الذّمة ) ، أي من غير المسلمين الذين يجب عليهم دفع ( الجزية ) مقابل سكنهم في دار الإسلام وحمايتهم ، إذ جرى تذويبهم بمرور الزمن في المجتمع الإسلامي من خلال القوانين التي كانت تُسن لتنظيم العلاقة بين المسلمين الفاتحين والذّميين ، وقد كمنت أهمية هذه المثاقفة في أن الإسلام أستطاع أن يمنح هذه الشعوب تفسيرات جديدة للكون والعالم ، بمعنى أنه وفّر منظومة فكرية متكاملة تجيب عن الأسئلة التي تشغل الإنسان ، تلك الأسئلة التي تتعلق بوجود الإنسان وكينونته وعلاقته بالعالم القائم ، ولفهم أشكال الفرجة العربية بعد الإسلام لابد من معرفة أصول الإسلام نفسه أولاً ، لأن هذه الأصول تمثل المرجعيات الأنثروبولوجية لكل الشعائر والطقوس الدينية في المجتمعات الإسلامية جميعها التي أنتجت لنا أشكالاً متنوّعة من الفرجة ، لذلك فقد قام الإسلام على الأصول الآتية :( التوحيد ، والعدل ، والمعاد ، والنبوّة ، والإمامة * ) .
أنثروبولوجيا المسرح :
تُعدّ أنثروبولوجيا المسرح من الميادين الحديثة في علم الأنثروبولوجيا عموماً وأنثروبولوجيا الفن على وجه الخصوص ، فقد تنبّه الغربيون بشكل متأخر إلى أهمية الأشكال المسرحية غير الغربية لذلك وجدوا في هذا الحقل مدخلاً مهماً من مداخل البحث المسرحي ، وأنثروبولوجيا المسرح " لا تشكّل علماً مستقلاً وإنما توجهاً في البحث المسرحي يُغطي اليوم مجالات عديدة تشمل من جهة الدراسات التي أهتمت بالظواهر الأنثروبولوجية الموجودة في المسرح ، ومن جهة أخرى الظواهر المسرحية في المجتمعات البدائية . وكان لهذا التوجه تأثيره على الممارسة المسرحية "(23). وقد كان المخرج الفرنسي أنتونان آرتو أوّل من تنبه للأشكال المسرحية غير الغربية عند مشاهدته لعروض الرقص القادمة إلى فرنسا من جزيرة بالي الاندونيسية ، حيث تحدّث عن ( مسرح شرقي ) في مقابل ( المسرح الغربي ) ما شكّل – فيما بعد – ميداناً خصباً للبحث المسرحي ، ويحدد إيوجينيو باربا ميدان عمل أنثروبولوجيا المسرح في : " دراسة السلوك المشهدي ( المسرحي ) لـ ( ما قبل – التعبير Pre – espressivo ) ، الذي يوجد كأساس لمختلف الأجناس والأساليب والأدوار للتقاليد الشخصية والجماعية . ولهذا ، عندما نجد مفردة ( ممثل ) أثناء قراءتنا ، علينا أن نعرف أنه يُراد بها ( الممثل والراقص ) ، سواء الرجل أو المرأة . وعندما نجد مفردة ( مسرح ) علينا أن نعلم أنه يُراد بها ( المسرح والرقص ) (24)، وهذا التحديد الذي يذهب إليه باربا بوصفه المؤسس الحقيقي لأنثروبولوجيا المسرح يحدد في واقع الحال وبدقة الميدان الذي تشتغل فيه أنثروبولوجيا المسرح لأنها " تقوم بتوجيه أنتباهنا نحو الواقع التطبيقي ( الأمبيريقي ) ، من أجل شق طريق ما بين مختلف نظم ... الاختصاصات التكنيكية والجمالية التي تهتم بالفعل المُنجز في المشهد . فهي لا تصبو إلى تأسيس ، أو تكديس أو تصنيف تكنيكات الممثل . إنها تبحث في البسيط : تكنيك التكنيكات ... (25)، ولم يأتِ أهتمام باربا دون مرجعيات محددة لذلك فقد تتلمذ على يد المخرج البولندي جيرزي غروتوفسكي للمدة من 1961 – 1964 الذي كان قد تعامل مع أنثروبولوجيا المسرح بوصفها علماً عبر أعتماده على التدريبات الطقسية للممثل والإفادة من الفلسفات الشرقية في تكوين نظرية ( المسرح الفقير ) التي أعتمدت بشكل أساس على تحرير طاقة الممثل عبر العديد من الرياضات الروحية وفي مقدمتها الإفادة من تكنيكات فن اليوغا الهندية ، ما دفع باربا إلى تأسيس ( المدرسة العالمية للأنثروبولوجيا المسرحية I . S . T . A ) عام 1979 ، إذ كان هو من أطلق تعبير ( الأنثروبولوجيا المسرحية ) الذي عرّفه بأنه " دراسة التصرُّفات البيولوجية والثقافية للإنسان وهو في حالة العَرْض ، أي حين يستخدم حضوره الجسدي والذهني حسب مبادئ مختلفة عن تلك التي تتحكم بالحياة اليومية (26)، لذلك كان أهتمام باربا في بحثه المسرحي ينصب على الممثل بوصفه الخالق للطقس المسرحي والسارد لتفاصيله ، وقد أفاد من عالم الأنثروبولوجيا مارسيل موس الذي كان قد كتب دراسة حول تقنيات الجسد عام 1934 إذ كان يرى : " أن تقنية الجسد وحركته مشروطة بالظروف المُحيطة الثقافية والاجتماعية التي تتحكم بها (28)، إذ فرّق باربا بين الحركة التي يمارسها الممثل في الواقع والحركة التي يمارسها على خشبة المسرح وهو من المبادئ الأساس في المسرح الشرقي التي لم يتعرّف عليها المسرح في الغرب إلا عبر أنفتاحه على ما يحمله المسرح الشرقي من جماليات خاصة به ، ومن الميادين المهمّة التي تتناولها أنثروبولوجيا المسرح هو ( الطقس ) بوصفه أحتفالاً أجتماعياً وعرضاً مرمزاً ، وعُدَّ " المسرح الشرقي مثالاً على عرض مسرحي يجمع بين هذين البُعدين لأن فيه روحية الطقس وله روامزه المُتكاملة . وتستعير الأنثروبولوجيا المسرحية أدواتها ولغتها من علم الأنثروبولوجيا وخاصة في مجال دراسة الطقوس والاحتفال ، كظاهرة فيها بُعد مسرحي تتجذَّر فيما هو أجتماعي (29)، وبالنظر لسعة الميدان الذي تتناوله الأنثروبولوجيا فقد راحت هي الأخرى تتوزع على ميادين عدّة تتصل بمختلف أساسيات الظاهرة المسرحية ، فظهر أتجاه يميل إلى دراسة أصول المسرح سُمّي بـ ( الأنثروبولوجيا التكوينية Anthropologie Onthologique ) (30)، يبحث في تكوّن المسرح بوصفه قائماً على ثنائية الإنتاج ( العرض ) والاستقبال ( الجمهور ) " والأبحاث المسرحية التي تدخل في هذا التوجه تسعى لإلغاء التقسيم التقليدي بين العرض والجمهور ، وتحاول أستعادة وسائل التعبير البدائية وحالة المتفرّج البدائي المعني والمُشارك ضمن الرَّغبة في العودة إلى جوهر المسرح كعمل جماعي على مستوى الفرقة المسرحية (31) 0
كشف أيوجينيو باربا عن أن أنثروبولوجيا المسرح لا يمكن تصنيفها ضمن الأنثروبولوجيا الثقافية لأن الأولى تشير إلى حقل جديد من التحرّيات في سلوك الإنسان ما قبل – التعبير ، أي وهو في حالة من العرض التمثيلي المُنظَّم ، لذلك يرى أن الممثل – من وجهة نظر أنثروبولوجية – يقوم بمزج ثلاثة مستويات من التنظيم في عمله وإبرازها في صورة واحدة ، إلا أن هذه المستويات يمكن التمييز فيما بينها كالآتي : (32)
1- المستوى الذاتي : ويشمل شخصية الممثل ، أحاسيسه وذكاءه الفني ، وذاتيته الاجتماعية التي تجعل الممثل على أنفراده وحيداً من نوعه ولا يمكن أن يتكرر مثله .
2- المستوى الجماعي : الذي يشترك فيه العاملون كلهم الذين يعملون في الجنس العرضي نفسه ويتضمن خصوصية التراث المشهدي ، والظروف التاريخية – الثقافية التي تظهر فيها شخصية الممثل التي لا تتكرر.
3- المستوى الجماعي / التاريخي : ويربط بين الممثلين كافة في الأزمنة والثقافات المختلفة ويتضمن توظيف الجسد – الذهن بحسب التكنيكات الخارجة عن المعتاد... التي تستند إلى المبادئ – التي – تتكرر ... متجاوزة حدود الثقافة الواحدة . وهذه المباديء – التي – تتكرر هي التي تدعوها أنثروبولوجية المسرح بـ ( ما قبل – التعبير ... ) .
إهتمّت أنثروبولوجيا المسرح أيضاً بالوظيفة التي يمكن أن يؤديها المسرح بوصفه فعلاً أجتماعياً ، فقد رأى باربا أن " المسرح لا يستطيع تغيير المجتمع ككل . ولكنه .... لديه الإمكانيات لتغيير من يعملون فيه – من خلال جعل المسرح أسلوباً لحياتهم ، بدلاً من مجرّد مهنة يحترمونها . وأيضاً لديه القدرة على تغيير من تكون له صلة بهؤلاء الذين جعلوا المسرح مركزاً لحياتهم (33)، لذلك أهتم باربا بشكل أساس بـ ( الجماعة المسرحية ) وهو مفهوم سبق أن عمل عليه غروتوفسكي فيما سمّاه بـ ( قرية خارج الحدود الثقافية ) تكون منبعاً للمسرح لأنها تمتلك مقوّمات التربية المسرحية الخاصة .
إجراءات البحث
أولا : التعزية الإيرانية
أسم التعزية : شهادة الإمام الحسين ( ع )
المكان : حسينية أبو الفضل العبّاس / قرية قودجان – خونسار – إقليم شهرستان / إيران
الزمان : 10 محرم 1428 هـ / 2006 م .
الجهة المُنظمة : حسينية أبو الفضل العباس .
زمن التعزية : 280 دقيقة
تبدأ تعزية ( شهادة الإمام الحسين ) بدخول الفرقة الموسيقية وهي ترتدي زياً موحداً أسود اللون موشى بخيوط ذهبية ( سوتاج ) من أحد مداخل الحسينية إلى الداخل وتدور في الممر وهي تتجه إلى مكان أُعِدَّ لها مسبقاً ، ويصحب دخولها العزف الحي الذي يستمر على مدى أحداث التعزية ، وقد يبدو للوهلة الأولى أن الموسيقى تأخذ إيقاعاً واحداً يتسم بالرتابة ، ولكننا لو دققنا في النغمات التي تنبعث من الآلات الموسيقية البسيطة المستخدمة مثل ( الطبول والأبواق ) لوجدنا أنها تتغير بتغير الشخصيات والأحداث ، وربما يعود هذا التضليل السمعي في نغماتها الرتيبة والمملة ، وخاصة للجمهور من غير الإيرانيين ، إلى أن مناخها يكون أقرب إلى الموسيقى العسكرية ، وهي تعمل على مستويين : الأول ، أنها تشكل فواصل سمعية بين أصوات المؤدين وهم يؤدون حواراتهم الإنشادية الطويلة ، والثاني أنها تشكّل خلفية للأداء الإنشادي الذي يحمل نغمة معينة لكل شخصية كما سنرى بعد ذلك عند تحليلنا للمستوى الأدائي للمؤدين في شقيه السمعي والبصري ، ثم يبدأ الحدث الرئيسي في التعزية ( القصة ) حيث يدخل رجلان أجنبيان ( مستشرقان ) وهما يرتديان أزياءً تاريخية فرنسية تعود إلى القرن التاسع عشر يعبران في حوارهما عن رغبتهما في زيارة المناطق العربية لكنهما في ذات الوقت يُبديان خشيتهما من الطريق وقطّاعه ومن الوحوش التي تهاجم القوافل ، ويسردان كيفية دخولهما في الدين الإسلامي إذ تعرفا على رجل درويش ذكر لهما الحسين بن علي وما جرى عليه من قتل وتقطيع للأوصال وسبي لأطفاله ونساءه من قبل الجيش الأموي ، وكيف أن الحسين له ( كرامات ) في إنقاذ المؤمنين الذين يقعون في مأزق فيندبونه في وقت الشدائد ، ومع عدم تصديق الرجلين للدرويش ، إلا أنهما يُجربان الاستغاثة بالحسين حينما يهاجمهما أسد وهما في الطريق ، فيأتيهما الحسين على فرسه فعلاً وهو مُدمّى فينقذهما من الأسد الذي يستأنس بالحسين ويتمسح بدمه ، وواضح من هذا المطلع الافتتاحي للتعزية الإيرانية أن المدوّنة النصيّة تضع في مقدمتها حكاية مسلية ذات مغزى أخلاقي ترتبط بالحكاية الأصل المتعلقة بأحداث واقعة الطف ، ما يعني أن هناك حكايتين متجاورتين في التعزية ، الأولى هي التي سوف نُطلق عليها ( الحكاية المركزية ) والتي تُعْنى بتفصيلات إستشهاد الإمام الحسين ، والثانية سنسميها ( الحكاية الهامشية ) التي تُعنى بالرجلين الأجنبيين ، وتسمى الحكاية الثانية في أدبيات التعزية الإيرانية بـ ( ديش واقعة ) أي ( حدث قبل الحدث ) ، وغالباً ما تكون الشخصيات في هذه الحكاية شخصيات أسطورية إسلامية أو أناساً عاديين يعيشون في زمن تقديم التعزية ، حيث تتذكر هذه الشخصيات أحداث كربلاء كي تُشفي آلامها ، ثم بعد ذلك يبدأ الحدث الرئيس في التعزية أي ( الحكاية المركزية ) ، وفي تعزية ( شهادة الإمام الحسين ) نجد أن الرجلين الأجنبيين يسردان لنا الحكاية وكأنهما يستعيدان حدثاً ماضياً سيقومان بتجسيده واقعياً ، ويبدأ التجسيد الأولي لهذا الحدث عبر المستوى السمعي إذ يتناوب المؤديان لهاتين الشخصيتين في حوار إنشادي مطوّل لكل حوار نغمته الموسيقية الخاصة ، ثم حين ينتهيان من حوارهما يتصافحان ويعتليان فرسيهما ويبدآن الرحلة التي كانت سبباً في دخولهما الإسلام ومعرفتهما بالحسين وكراماته ، ونجد في هذا الحوار الإنشادي الذي يكوّن نص التعزية على الرغم من تشابهه الحاد مع حوار التراجيديات الإغريقية جنساً آخر يتقاطع مع ضوابط الدراما الأرسطية القائمة على القيم الدراماتيكية المعروفة ، فالنص في بنائه العام يميل إلى ( البناء الإنشادي ) الذي يعتمد على توالي الأناشيد للتعبير عن حالة الحزن الجماعي لشخصيات الواقعة ، فالنشيد الأول يأتي على لسان الرجلين الأجنبيين والرجل الدرويش ويصفان فيه كيفية دخولهما في الإسلام والكرامات التي ترتبط بالإمام الحسين – كما أسلفنا – إذ يختار كل منهما أسلوبه الأدائي المناسب للتعبير عن ما يكنانه للإمام الحسين ، ويشغل هذا النشيد الأبيات الشعرية التي تشكّل فاتحة حدث التعزية بما فيها النشيد الجوابي الذي يأتي على لسان الرجل الدرويش في أبيات تلخص المكانة العظيمة والسامية التي يتمتع بها الحسين بعد إستشهاده ، إذ يحث الجمهور في حواره على الصلوات ، فيستجيب له الجمهور بصوت متجانس ( اللهم صلِّ على محمد وآل محمد ) سواء وهو يسير في الممر بعد دخوله إلى ساحة التشبيه أو عند أعتلاءه المنصّة ، ولا يقتصر الإنشاد الثلاثي بين هذه الشخصيات بوصفه نشيداً أولاً على الأداء من الممر ومن فوق المنصّة ، بل يتعدى ذلك إلى الأداء من فوق ظهور الخيل عندما يتهيأ الأجنبيان للسفر وهما يعتليان فرسيهما .
النشيد الثاني يأتي على شكل متوالية ثنائية بين ( رقية ) و ( فاطمة الصغرى ) إبنتي الإمام الحسين اللتين يؤدي دوريهما صبيان ذكران لكنهما يتمتعان بملامح أنثوية سواء عبر الوجه أو من خلال الصوت ، لذلك نجد أن طقس التعزية يُظهرهما بلا نقاب بعكس ما سوف يحصل مع مؤدي شخصية زينب بنت علي التي يؤدي دورها رجل أيضاً ، وهذه المتوالية الثنائية ليست ثنائية ( حوارية ) بالمعنى الأرسطي المتعارف عليه ، أي ( الديالوج ) ، إنما هي ثنائية تقوم على ( التكرار ) و ( التوازي ) وهما سمتان أساسيتان في شكل ( البناء الإنشادي ) كما سنرى فيما بعد عند تحليلنا لنص التعزية ، ففي حين توجه ( رقية ) خطابها إلى الجمهور ، فأن ( فاطمة الصغرى ) ترد عليها بخطاب آخر يصف حالها وكأنه بوح ذاتي ، لكنه غير موجه إلى ( رقية ) ، بل هو موجه إلى المشاركين في طقس البكاء أيضاً ، وفي الوقت نفسه فإنه يمهد لظهور نشيد الرجل الأعرابي ، تقوم رقية بتدوين كلمات على ورقة وهي تعتلي سريراً وكأنها تدوّن سفر الواقعة وما حصل عليهم من نكبات ومآسي في كتاب ثم تعطيه للأعرابي ، وتقوم بفتح صرّة صفراء تضم باقات من الزهور البيض وثوباً لطفل صغير أخضر اللون وعباءة خضراء اللون أيضاً ، ومع الحوار الإنشادي بين رقية والرجل الأعرابي ، نجد أنهما يُمهدان لدخول مؤدي شخصية الإمام الحسين الذي سيقوم برواية حادثة الطف كما جرت من قبل ، ما يعني أن فعل الاستعادة أو الاستذكار هو الذي يتحكّم بسياق الحكاية المركزية بوصف التعزية لا تُقدِّم أحداث الواقعة كما هي ، بل عبر بناء سردي تتداخل فيه الأحداث وتذوب محدداتها الزمانية والمكانية .
تنتقل التعزية بعد ذلك في قصتها إلى مفاصل أساسية إذ يظهر ابن سعد مُبدياً توعده للحسين إن لم يُبايع يزيد في الوقت نفسه الذي يدخل فيه حرملة إلى ساحة التشبيه ، وشمر ، وآخرون وهم يعتلون الخيل في حركة دائرية داخل الممر متوعدين الحسين وآل بيته ، وفي حين يكون الحسين نائماً بسلام يُعبر الأطفال وعمتهم زينب عن خوفهم من حركة العسكر عبر إيماءات وإشارات وحركة دائرية تُسهم في إغناء المشهد بالفعل الحركي علاوة على إهالة التراب فوق رؤوسهم ، ثم يبدأ الأداء الإنشادي جماعياً يستغيث فيه الأطفال وعمتهم زينب بالحسين الذي لا يزال مستلقياً على السرير ، بينما يستمر توعد شمر وتعبيره الفعلي عن رغبته في قتل الحسين فيستل خنجراً ويهم بصعود المنصّة لأكثر من مرة لتنفيذ جريمته ، لكن الحسين يستيقظ على رثاء زينب الإنشادي الذي يعبر عن غربتهم وفجيعتهم القادمة ، ويبدأ الإنشاد الثنائي بينه وبين أخته موصياً إياها بالصبر على البلاء ومراعاة الأيتام بعد موته ، مُخبراً إياها بما سيقع عليهم من مآسي بعد مقتله ، وفي الوقت الذي يستمر فيه الأداء الإنشادي بين الاثنين يكون الجيش الأموي قد انتشر على مساحة الممر الدائري بعدد كبير من الجند علاوة على الخيول التي تدور في حركة مع فرسانها حول الحسين وزينب وبقية الأطفال ، ثم يعتلي الحسين فرسه للتعبير عن استعداده للقتال فيجري حوار بينه وبين الجيش الأموي وفي مقدمتهم ابن سعد وشمر وحرملة على ظهور الخيل عارضاً عليهم الرجوع عن إلحاق الأذى بنسل رسول الله ، إلا أن القوم متلهفون لقتله والتمثيل بجسده ، لذلك ييأس الحسين من هدايتهم واصفاً إياهم بأن قلوبهم قد إستحوذ عليها الشيطان ، فيما يُخيره إبن سعد بين البيعة ليزيد أو الموت ، فيستعد الحسين لمواجهة مصيره المحتوم ، وينبغي الإشارة هنا إلى أن التعزية الإيرانية لا تلتزم بالسياق التقليدي للقصة التاريخية التي تروي مصرع الحسين وقبله أصحابه وآل بيته ، بل هي تُعطينا خطوطاً عامة للقصة على اعتبار أن الجمهور يعرف سياقها السردي ، لذلك نجد ثمّة وحدات سردية متقطعة بداخل الوحدة السردية الكبرى التي تشكّل الحكاية المركزية في التعزية ، ثم نجد الحسين مودعاً لأخته زينب وزوجته وبناته قائلاً : ( السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ، السلام عليكم يا معدن الرسالة ، يا رباب ويا زينب ويا أم كلثوم ويا فاطمة ويا سكينة ويا رقية هذا فراق بيني وبينكنّ إلى يوم القيامة ) ، فتقوم زينب بتوديعه في حوار إنشادي يُعبر عن فجيعة الأخت التي سترى مصرع أخيها بعينها ، وهذا الحضور الكبير لشخصية زينب في التعزية الإيرانية علاوة على النساء الأخريات مثل ( فضّة ) خادمة ( فاطمة الزهراء ) أم الحسين و فاطمة الصغرى ورقية يؤشر إهتمام المدوّنة النصيّة بالحضور النسوي في أحداث الطقس التشبيهي على الرغم من إسناد أدوارهن إلى مؤدين من الرجال ، بمعنى أن التعزية تؤسس لصيغة من الحضور التعادلي بين العناصر الذكورية والأنثوية ما يُعطي للأحداث تنوعها السردي علاوة على منحاها الأخلاقي الواضح بما تمثله المرأة من رموز ودلالات في الطقس .
تنادي زينب على أمها الزهراء التي كانت قد أوصتها بأخيها الحسين قبل موتها ، وتكون الإستجابة عبر شخصية الخادمة ( فضّة ) التي تكون معادلاً موضوعياً للزهراء ، وعبر حوار إنشادي مطول تندب فيه زينب ما سيؤول إليه مصير أخيها الحسين ، بينما تشاركها فضّة الرثاء أيضاً ، وتقوم فضّة بفتح صندوق فيه أمانة من سيدتها الزهراء فتجد فيه كفناً أبيضاً لأجل الحسين فتحاول أن تُخفيه عن زينب لكن الأخيرة تنتزعه منها فتعرف أنه كفن للحسين كانت قد أعدّته له أمه ، ويزداد تأثر فضّة وتروح تندب الحسين في حوار إنشادي مُنغّم ، بينما تقوم زينب بعرض الكفن أمام الجمهور كاشفة أمامهم المصيبة التي ستحل بالحسين ، ثم تتعانقان وتبكيان معاً إذ يُغمى على زينب من شدة الحزن على مصير أخيها القادم ، بعدها تقوم فضّة بتقديم الكفن للحسين الذي يقوم بإيحاء رمزي وبوساطة السيف بتوجيه طعنات للكفن بطريقة تعبيرية توحي بقرب مقتله وهو يخاطب جده رسول الله وأبيه علي وأمه فاطمة عارضاً أمامهم كيفية مقتله ، ثم يرتدي الكفن مستعداً للموت الذي لابد منه قائلاً : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، أفوّض أمري إلى الله ، إنّ الله لطيف بالعباد ، إنّا فتحنا لك فتحاً مُبينا ) ، ويستمر مع فضّة في حوار إنشادي تمتزج فيه مشاعر الحزن مع مشاعر الاستعداد للموت ومفارقة الأهل والأحبة ، إذ يقوم بإيقاظ زينب من الإغماء فتعانقه وتقبله ، لكنها حينما تراه يرتدي الكفن يُغمى عليها مرة أخرى فيتلطف بها الحسين ويحاول أن يُصبّرها على قضاء الله وقدره ويشرع الاثنان في متوالية إنشادية تقوم فيها زينب بندب حالها في حالة موت الحسين ، بينما يحاول الحسين أن يُسلِّم بمصيره مادام ذلك يُرضي الله ، فيوصيها بعدم شق الجيوب أو خمش الوجه أو الحزن المبالغ فيه ، كذلك يوصيها بالحفاظ على أبنه العليل الإمام ( زين العابدين ) حتى لا ينقطع نسله وتخلو الأرض من إمام لأنه سيكون هو الإمام من بعده كما أوصى بذلك رسول الله الذي أخبر بأسماء الخلفاء من بعده من نسل الحسين حسب العقيدة الشيعية .
ثانياً : التعزية العراقية
أسم التعزية : واقعة الطف .
المكان : ملعب كربلاء الرياضي / كربلاء المقدسة – العراق .
الزمان : 6 محرم 1430 هـ / 2008 م .
الجهة المُنظمة : مؤسسة الشباب والتنظيمات الجماهيرية – مكتب الثقافة والفن لمنظمة بدر / كربلاء المقدسة .
زمن التعزية : 110 دقيقة .
تنطلق أحداث التعزية العراقية من وقائع اليوم العاشر من المحرم في مطابقة واقعية مع الحدث التاريخي الأصلي دون أن تُعطي خلفية تلك الأحداث وتُعرِّف الجمهور المُشارك في إقامتها بمرجعياتها ومسبباتها سواء عبر السرد الروائي ( السمعي ) أو عبر السرد الأدائي ( المشهدي ) وذلك لأنها تُقدَّم لجمهور يعرف تفاصيل المأساة ويعيش وقائعها اليومية ، بل إن أبطال الواقعة أنفسهم مدفونون بالقرب منه ( الحسين ، والعباس ، وعلي الأكبر ، والقاسم ) ، ما يعطي لهذه التعزية صدقها وحرارتها ومناخها العام خاصة بعد أن توفر مناخ من الحرية النسبية في العراق لإقامتها ، وسنجد كيف أن منع إقامة هذا الطقس لأكثر من ثلاثين عاماً خلال الحكم الدكتاتوري قد أثّر بشكل كبير في بنيته وشكل ممارسته على الرغم من أن الشعائر التي تشكّل التعزية جزءً منها كانت تُمارس في حدود ضيقة وأحياناً بسريّة تامة ، لذلك نجد أن نص التعزية العراقية المأخوذ عن كتب ( المقاتل ) خاصة مقتل ( عبد الرزاق المقرّم )* يسرد أحداث الواقعة بشكل تفصيلي أقرب إلى الترجمة السمعية والبصرية للمدونة التاريخية التي جاءت على لسان الرواة في كتب التاريخ والتي سيكون للقاريء ( عبد الزهرة الكعبي ) أثراً كبيراً فيها ، فهو من القرّاء القليلين الذين برعوا في قراءة المقتل بصورة سمعية عبر جهاز المذياع أو المُسجل خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي ومازال صوته يشكّل مرجعية للذاكرة الجمعية التي تختزن تفاصيل أحداث الطف نتيجة للبراعة الأدائية التي أدّى بها الكعبي نص المقتل إذ شكّلت تلك الطريقة مهيمناً أدائياً على التعزية العراقية لم تستطع التخلص منه ، لذلك نجد أن التعزية في مستواها الأدائي التشبيهي وظفت تلك الطريقة الأدائية لصالحها من أجل تعميق الأثر العاطفي لدى الجمهور ، ومع أن صوت الكعبي يشكّل في أغلب مقاطع التعزية العراقية صوت الراوي عبر وصفه الدقيق للمعركة ومشاعر الأبطال فيها خاصة من معسكر الحسين ، أعتمد القائمون على إنتاجها على راوٍ آخر يشكل حلقة وصل بين رواية الكعبي وشكل التشبيه العياني الذي يجري أمام الجمهور بحيث يسير أداء الراويين في مستوى أدائي متوازي وبطريقة متناوبة ، ولبيان أثر هذا التناوب في السرد وجمالياته في التعزية العراقية لابد من تحديد الكيفية التي تبدأ بها على مستوى الحركة التي تضم في تفصيلاتها تحديداً للمساحات الجغرافية التي يجري فيها التشبيه ، لذلك نجد أن القائمين على إنتاج التعزية – أي المُنظمين لها – يعملون على توظيف مساحة الملعب الرياضي لبيان جغرافيا الأحداث التي ستجري أمام الجمهور ، فمدرجات الملعب المحجوزة بسياج مشبك ( RC ) عن ساحة اللعب تحدد مساحة الجمهور الذي ينفصل عن مساحة التشبيه بوساطة هذا السياج ، ما يمنح التعزية قدرة تنظيمية واضحة ، إذ أنه من المتوقع – وعبر تجارب سابقة – أن يقوم الجمهور ببعض الأفعال غير اللائقة نتيجة انفعاله الشديد مثل الاعتداء بالضرب على المشاركين في الأداء التشبيهي خاصة الذين يؤدون أدوار الجيش الأموي مثل ( شمر ) و ( حرملة ) ، بل أن هذا التأثير يمتد إلى الحياة العامة واليومية لهؤلاء المؤدين ، لذلك يحرص المنظمون للتعزية على تجنب الاحتكاك المباشر بين المؤدين والجمهور قدر الإمكان ، كما أن أعمدة وعوارض مرمى كرة القدم يجري إخفاؤها بوساطة قطع من القماش المناسب إذ تشكّل جزءً من المُخيّم سواء بالنسبة لمعسكر الحسين أو بالنسبة لمعسكر ابن سعد ، ويشكل هذا المحو لتلك الأعمدة والعوارض عملية تأثيث قصدي للمكان الذي يجري فيه الطقس التشبيهي تتجاوز الممارسة الفطرية ، بمعنى أن التعزية لا تكتفي بالمساحة الفارغة لتقديم أحداثها بل تعيد إنتاج تلك المساحة عبر فعل التأثيث الذي يتماشى مع طبيعة الأحداث لإضفاء مصداقية أكبر على ما يدور أمام الجمهور ، ويشمل ذلك أيضاً الحدود العامة للفضاء المسرحي الخالي حيث نجد أن المُنظمين يعملون على تطويق مساحة التشبيه بالرايات التي تشكّل بدورها حلقة دائرية أو مستطيلاً طويلاً يحد الأحداث من أربعة جوانب ، وما يُلفت النظر في هذه الرايات أنها تُقسِّم الدائرة أو المستطيل على قسمين : قسم يمثل معسكر الحسين وتحيط به الرايات السود ، وقسم آخر يُمثّل معسكر إبن سعد وتحيط به الرايات الملونة ذات الألوان الحارة ( حمراء ، قرمزية ، بنفسجية ، برتقالية ، وردية ، ... الخ ) ، وتأخذ الدلالة اللونية مداها في شكل الرايات فقد دأب القائمون على إقامة التعزية على وصف كل معسكر عبر الدلالة اللونية ، لذلك نجد أن الألوان الحارة ترتبط بمعسكر ابن سعد ، بينما تكون الألوان الباردة مرتبطة بمعسكر الحسين ، وسيكشف لنا تحليل دلالة اللون في التعزية العراقية الكثير من تلك الدلالات اللونية التي تشير إلى فلسفة جمالية خاصة في اللون تعتمدها التعزية ، فلسفة تقوم على مطابقة الدلالة اللونية بالبعد السايكلوجي للشخصيات .
يُعلن الحر توبته لله أمام الحسين لأنه كان قد جعجع به ومنع عنه الماء والظل هو وأصحابه وعياله ، ويطلب إليه الإذن بالقتال تكفيراً عن خطيئته ، فينطلق صوت الراوي الثاني ( الكعبي ) واصفاً حالة الحر أثناء بروزه للقتال مُرتجزا ومفتخراً بالذود عن ( خير من حلّ بأرض الحيفِ ) قاصداً بذلك الحسين ليس لخصاله الشخصية فقط ، بل لحقه في الخلافة النبوية ، ذلك الحق الذي أغتصبه ابن سعد ومن وراءه ابن زياد ثم يزيد ، وتعميقاً للمناخ المأساوي في التعزية يستخدم القائمون على تنظيمها أطواراً من ( النعي ) العراقي عبر أصوات المُنشدين أو ( الرواديد ) وباللهجة العامية لإحداث أثر عاطفي في نفسية الجمهور ، فالتنغيم الإيقاعي الذي يؤسسه صوت المُنشد أو الرادود يصور حالة الحزن والفقدان والخسارة الكبيرة بموت الحر بعد أن يتكالب عليه جند إبن سعد .
تقوم جماعة من أصحاب الحسين بنقل جثة الحر إلى المعسكر ، بينما يقوم جيش ابن سعد بحملة جديدة على معسكر الحسين يختزلها الراوي الأول بحوار قصير ، فينقلنا إلى قيمة أخرى من قيم الواقعة تتمثل بعلاقة الصحبة والصداقة ، إذ أن أصحاب الحسين يثبتون في وجه حملة الجيش الأموي التي جاءت هذه المرة من ناحية نهر الفرات حتى يُثخنوا بالجراح وفيهم ( مسلم بن عوسجة ) الذي يسقط صريعاً في الرمق الأخير ، ولأن ابن عوسجة من أشجع شجعان العرب يتباهى الجيش الأموي بقتله ، ما يدفع الحسين وحبيب بن مظاهر الأسدي إلى الإسراع إليه والوقوف عند رأسه ، ويقوم ابن عوسجة وهو يحتضر بالطلب من حبيب أن يموت دون الحسين فيعده حبيب بذلك مبشراً إياه بالجنة ، ثم يقوم غلمان للحسين بحمل جثته إلى المخيم ، وعندها يحين وقت الصلاة فيطلب الحسين من أصحابه أن ينادوا القوم بأن يكفوا عن القتال لغرض الصلاة ، فيناديهم ( سعيد بن عبد الله ) بالكف عن القتال ، ويقف هو و ( زهير بن القين ) يقيان الحسين والمصلين من السهام التي أخذ الجيش الأموي برميها مستهدفاً المصلين ، فيخر سعيد صريعاً بعد أن يصلي الجميع ( صلاة الخوف ) ، هذا الفعل الذي لا ينسجم مع أخلاقيات الحرب التي تعرفها العرب يدفع بزهير بن القين إلى طلب الإذن من الحسين لمقاتلة الجيش الأموي فيأذن له الإمام ، ليبرز إليهم مرتجزاً ، ومرّة أخرى يتطابق صوت الراوي الأول مع الفعل الحركي ( القتال ) الذي يقوم به مؤدي شخصية إبن القين ، كذلك الحال مع الراوي الثاني ، إذ يتناوب الراويان في وصف أجواء المعركة ، هذا التناوب يخلق إمتدادات زمنية بين صوت الراوي الأول الذي يشير إلى الزمن المعاصر ( زمن الطقس الراهن ) ، وصوت الراوي الثاني الذي يشير إلى الزمن الماضي القريب ( زمن الطقس قبل المنع ) أي قبل حوالي ثلاثين عاماً بمعنى أن التعزية تحاول ترميم الفجوة التاريخية التي أصابت الطقس ( التشبيه على وجه الخصوص ) بسبب المنع ، بواسطة هذا التناوب في صوت الراويين بما يشير إليه كل راوٍ من دلالة زمنية .
تحتشد المقولات الأنثروبولوجية في التعزية بشكل كبير ومن بينها مقولة ( العِرْق ) إذ نجد أن الواقعة التشبيهية لا تهمل بعض المواقف التي تعتقد أنها تعزز من رسالتها الأيديولوجية فتُعطي مساحة مناسبة لهذه المقولة عبر شخصية ( جون ) مولى ( أبي ذر الغفاري ) الذي يطلب من الحسين الإذن بالقتال ، لكن الحسين يُشفق عليه لأنه مُجرد خادم يتبع رزقه فيعفيه من القتال ، بينما يُصر جون على الموت بين يدي إمامه لأنه يطمح إلى التحرر من عقدة اللون .
تشيع التعزية من خلال شخصية جون مجموعة من القيم التي ترتبط بأصول الدين الإسلامي فلا فرق ولا تمييز في العِرْق أو اللون أو القومية أو ما إلى ذلك من توصيفات ، لأن الإسلام يحارب التمييز العنصري ، وتأتي الشعائر الدينية لتعمّق ذلك عبر عرض وقائع من التاريخ تؤيد هذا المفهوم ، فنجد أن التعزية تتوقف عند هذا المشهد بإمعان تأكيداً لوظيفتها التبليغية ، إذ إن فعل الاستعادة السنوية لواقعة الطف عبر التشبيه يجعل الإنسان المعاصر ملتصقاً برموزه التاريخية ، خاصة إذا كانت بعض الرموز المعاصرة التي تمثل الإسلام مزيفة ، ما يعني أن هذا الطقس يُقدّم أنموذجاً مختلفاً للشخصية الإسلامية يقوم على الإيثار والتضحية والزهد حتى بالروح من أجل إقامة دعائم الدين ، الأمر الذي يُفسّر أيضاً هذا الإنشداد التلقائي للجمهور في المشاركة بطقس التعزية .
تشدّد التعزية أيضاً على مقولة أخرى من المقولات الأنثروبولوجية هي ( القرابة ) ، فبعد أن لم يبقَ مع الحسين إلا أهل بيته وبني عمومته يُقدّم ولده ( علي الأكبر ) أمام الجميع ليُقاتل الجيش الأموي ، فإذا كانت القرابة بوصفها نسقاً ثقافياً يسعى الفرد للمحافظة عليه لأنه يُديم وجوده المستمر في المجتمع فإن الحسين يستغني عن هذه الديمومة عبر تقديم ولده الأعز ، ما يُرسل للآخرين عدّة رسائل أهمها عدالة القضية التي يُضحي لأجلها بفلذة كبده في صيغة ( قربان بشري ) ، الأمر الذي يُشجع الآخرين ليكونوا قرابين بشرية أيضاً من أجل الدين ، فيبرز علي الأكبر وهو يرتجز مع صيحات معسكر الحسين ( الله أكبر .. الله أكبر ) ليؤكد الطقس مرة أخرى على فلسفته الفكرية التي تتماشى مع عقيدة التوحيد ، لذلك نجد أن علي الأكبر يلتحم بالجيش بكل شجاعة ، لكن في المفهوم الحربي فإن الكثرة قد تغلب الشجاعة ، فيحيط الجيش الأموي بالأكبر ويوسعه تمزيقاً بالسيوف وفي رمقه الأخير يطلب إلى أبيه الحسين شربة ماء لأن العطش يكاد يقتله إضافة إلى ثقل الحديد الذي يرتديه ، ويقف الحسين حائراً فهو عطشان هو الآخر فمن أين يأتي إليه بشربة ماء ؟ ولا يملك إلا أن يُصبّره على هذا البلاء فقد إنتُزعت الرحمة من قلوب القوم وحجزوا الماء عن الحسين وآل بيته وليس أمامهم سوى الموت ، وسنجد من خلال سياق أحداث التعزية كيف أن الماء – بوصفه عنصر الحياة والخصوبة – يأخذ معاني رمزية كبيرة ، فعندما يصل العباس إلى نهر الفرات يهم بشرب الماء لكنه يتذكر عطش الحسين فيرمي بالماء من يده ، وعندما يطلب الحسين شربة ماء لرضيعه ( عبد الله ) يأتيه الجواب بسهم مثلث في نحر الرضيع فيذبحه من الوريد إلى الوريد ، وحين يصل الحسين بدوره إلى نهر الفرات أيضاً بعد قتال شرس ويهم بشرب الماء يمنع نفسه عن الشرب لأنه يجد فرسه وقد همّت بالشرب قبله فيُقدّم فرسه على نفسه ، وعندما يحاول مرة أخرى أن يشرب هو يُعيّره أحد أفراد الجيش الأموي كيف يلتذ بالماء وقد إنتُهك حرمه إذ يُغير الجيش الأموي على معسكر الحسين الذي ليس فيه سوى النساء والأطفال ، فيرمي بالماء دون أن يشرب ويُسرع لإنقاذ حرمه ، وهكذا نجد أن الماء يُشكل أحد المرموزات الأنثروبولوجية التي تدفع بالطقس التشبيهي إلى أسطرة أحداثه بما يتوافق مع تنوع دلالة الماء كرمز فيه .
يكون مصرع العباس نقطة مفصلية في حدث التعزية ، فالطقس التشبيهي يأخذ مديات أخرى لم تكن حاضرة فيه من قبل إلا بصورة هامشية ، ففي هذه الحادثة تتوزع مشاعر الحزن بين عاطفة الأخ التي يمثلها الحسين ، والأخت التي تمثلها زينب بنت علي ، والعم التي يمثلها الأطفال الصغار ، والحمو التي تمثلها نساء الحسين ، وأجتماع هذه العواطف بعضها مع بعض يُعطي للطقس دفقاً شعورياً كبيراً يؤثر بشكل مباشر في وجدان الجمهور ، لذلك نبدأ بسماع أصوات النساء تنادي ( وا عباساه ) ، والأطفال أيضاً ( وا عماه ) ، بينما يُعبّر الحسين عن وحدته بمقتل العباس قائلا : ( الآن إنكسر ظهري وقلّت حيلتي ) ، وينتقل فعل التصعيد بالموسيقى إلى التصعيد بوساطة الأداء الإنشادي عبر النعي الذي يأتي بصوت المجموعة ( الجوقة ) هذه المرّة ، صوت ذكوري واحد مع أصوات الأطفال المتعددة خالقة بدورها حزناً جماعياً وفجيعة شمولية من حيث التعبير عن المشاعر ، ويكون لصوت الناي الحزين بصوته الفردي وحضوره السمعي البليغ كخلفية للتعبير عن وحدة الحسين وغربته ، مغزاه الكبير في توفير مستوى سمعي دال على دواخل الشخصيات ومكنوناتها الداخلية ، فالتعزية لا تُقدّم طقساً شكلياً فقط ، بل أنها تُقدّم طقساً مملوءاً بالروح المتحركة التي تعزز من العناصر الميتافيزيقية الكامنة في مثل طقوس كهذه لأنها بوصفها أداءً تشبيهياً مساحة للتعابر بين الرمزي والواقعي ، الحقيقي والأسطوري ، المادي والمُجرّد ، الطبيعي والميتافيزيقي ، الإنساني والحيواني ، ولذلك نجد أنه على الرغم من عقود المنع الطويلة عاد الطقس إلى شكل ممارسته بالقوة نفسها التي كان يقوم بها فيما مضى ، وكأن هذا الانقطاع الزماني الكبير لم يؤثر في صيرورة الطقس ، صحيح أنه قد تأثر في مستوى الشكل حيث لم تتطور آليات تنفيذه إلا قليلاًٍ وبقيت ممارسته فطرية ، لكنه على مستوى المضمون ( أي الفعالية الروحية ) كأنه مازال مستمراً دون أنقطاع ، ما يعني أن الذاكرة الجمعية الشعبية التي تختزن ( روح الطقس ) هي التي تُفجّر هذا الدفق الشعوري المستمر عند المؤدين والجمهور وأندغامهما في حالة طقسية واحدة تذوب فيها الحواجز الافتراضية بين ثنائية ( المؤدي / المتفرج ) لتُنتج لنا حالة فريدة من السمو الروحي .
تكشف حادثة مصرع العباس عن دور المرأة في التعزية بشكل كبير من خلال دور الأخت ( زينب ) ، دور يتسع حتى نهاية التعزية ، ويتعزز هذا الدور بوساطة الموائمة بين المستوى السمعي والبصري في تجسيد الشخصية ، ومع أن مساحة إنشائية الحركة محدودة بالنسبة لها ، فمساحة الفعل أكبر بكثير ، إذ تأتي مُتجسده في المستوى السمعي سواء عبر الحوار النثري الاعتيادي أو التقليدي الذي يأتي بلغة فصيحة ، أو عن طريق النعي الشعري الذي يأتي بلهجة عاميّة ، وقد يبدو أن ثمّة تناقضاً بين الأدائين ، إلا أن من يدقق في فلسفة التعزية وجمالياتها سيجد أن ليس هناك تناقض ، فالأداء فيها يقوم على التشبيه ، بمعنى أن المؤدي لا يذوب في الشخصية التي يؤديها لكنه في الوقت نفسه يؤثر في جمهوره ، أي أن المؤدي حين يتحدّث اللغة الفصيحة فإنه يمنح الشخصية صورتها التي ينبني عليها الطقس فالشخصية تقوم بالفعل من وجهة نظرها هي ، بينما عندما يُمارس المؤدي الأداء الإنشادي ( النعي مثلاً ) بوساطة اللهجة العامية ، فانه لا يكون الشخصية ذاتها ، بل لسان حالها ، وكأنه – المؤدي – يصف لنا ما تشعر به الشخصية ولكن من وجهة نظره هو ( أي بلغته الخاصة ) ، وهذا التنوع بين ( حضور الشخصية / حضور المؤدي ) هو الذي يُعطي للتعزية بوصفها طقساً دينياً خصوصيتها الجمالية على مستوى الأداء ، ومع أن الممارسة الأدائية فيها فطرية ، أستطاعت أن تخلق نُظمها الخاصة بالأداء تلك التي تقوم على ( التلقائية ، والارتجال ، والإيمان ، والتشبيه ، والفطرية ، والإيحاء ، والترميز ) بمعنى أن شكل الأداء فيها يأخذ طابعاً طقوسياً متسماً بالشعائرية خاصة عند تلاحم المؤدين بالجمهور في حالة واحدة من الوجد الصوفي أو العرفاني تكون فيه الروح هي المركز ، بينما يغيب الجسد أو يتلاشى أو تسيل دماؤه دون شعور بالألم .
الإستنتاجات
1- تعتمد التعازي – بوصفها أشكالاً ما قبل مسرحية – في إنشاء مدوّناتها النصيّة على مرجعيات تاريخية تتصل بواقعة الطف ، وتختلف طرائق توظيف أحداث تلك الواقعة بين المطابقة التاريخية مع الأحداث كما في التعزية اللبنانية والعراقية ، أو التشديد على شخصية محددة من شخصيات الواقعة وتصديرها في المدوّنة النصيّة كما في التعزية الإيرانية .
2- يعتمد بناء الحدث في التعازي على شكلين : الأول يخضع لتراتبية منطقية من حيث تسلسل الأحداث في المرجعيات التاريخية كما في التعزية العراقية ، والثاني يجتزئ جزءاً من تلك الأحداث ويقدمها بطريقة فنية لا تعتمد التراتبية في الحدث كما في التعزية الإيرانية .
3- تلتزم التعزية بالواقعة التاريخية في صياغة مدوّنتها النصيّة دون إدخال أي عنصر معاصر من عناصر الحدث فيها كما في التعزية العراقية ، بينما تعتمد التعزية الإيرانية على إدخال عناصر معاصرة في الحدث التاريخي عبر إنشاء حكاية هامشية بداخل الحكاية المركزية ، وتكون شخصيات تلك الحكاية منتمية لزمن إقامة التعزية وليس لأحداث الواقعة التاريخية .
4- تلتزم التعزية العربية ( العراقية ) بالعنصر الواقعي في الحدث بما فيه الإشارات الغرائبية الواردة في المرجعيات التاريخية عن الواقعة ، بينما يكون العنصر الغرائبي مهيمناً أساسياً في أحداث التعزية الإيرانية لما للخيال الفارسي من تأثير كبير في مناخاتها المضمونية والشكلية .
5- تفتقر التعزية العربية إلى عنصر الخيال الجامح فتقدم أحداثها طبقاً لما جاء في كتب المقاتل ، بينما يؤدي الخيال أثراً كبيراً في تأويل الوقائع التاريخية في التعزية الإيرانية ، الأمر الذي يجعلها تتوافر على مستوى عالٍ من الشعرية التي لا نجدها في التعزية العربية .
6- تعتمد التعزية ( العراقية والإيرانية ) على فكرة البطل / الشهيد المستمدّة من فلسفة التوحيد الإسلامية ، إلا أننا نجد ثمّة مؤثرات وثنية للديانات القديمة في التعزية الإيرانية بسبب أكتسابها لعناصر محليّة تتصل بالمرجعيات الأنثروبولوجية للحضارة الفارسية .
7- تُقَدَّم التعزية العربية في فضاء مفتوح ومتسع يحقق كونية الأحداث وشموليتها ، بينما يجري تقديم التعزية الإيرانية في فضاء مغلق بسبب تشديدها الدائم على العناصر الفردية في الحدث مثل مركزية الشخصية التي يجري إنشاء النص لإبرازها وبيان مواقفها في أحداث الواقعة .
8- تتصل التعزية الإيرانية بمرجعيات أسطورية مستمدّة من الملاحم والأساطير الفارسية إذ نجد أن الشخصيات البشرية تتجاور إلى جانب شخصيات الشياطين والملائكة والعفاريت والحيوانات وغيرها من العناصر الأسطورية التي لا نجد لها حضوراً في التعزية العربية إلا مع أستثناءات قليلة تفرضها المرويات التاريخية عن الواقعة نفسها ، وليس العناصر الحضارية المتجسدة على شكل ( بقايا ) أو ( رواسب ثقافية ) في الذاكرة الجمعية .
9- تستخدم التعزية العراقية والإيرانية تقنية السرد المتناوب ( السمعي والبصري ) في آنٍ واحد لبيان أحداث الواقعة وتتباين مستويات الحضور السردي بحسب تباين صياغة المدوّنات النصية للتعزية .
10 - تتخذ التعزية من اللغة الشعرية نسقاً حوارياً لها كما في التعزية الإيرانية ويكون النثر عنصراً ثانوياً جداً ، بينما نجد العكس في التعزية العراقية إذ نجد أن النثر يحضر بشكل أكبر من حضور اللغة الشعرية .
11 تعتمد التعزية العراقية على المزاوجة بين اللغة الفصيحة والعاميّة ، بينما تقتصر اللغة في التعزية
12 الإيرانية على اللهجات المحلية فقط .
13 تشترك التعزية العراقية والإيرانية في فكرة ( القربان البشري ) إذ تمثل موضوعة التضحية والشهادة مرجعية أنثروبولوجية لهذه الفكرة التي يجري تنفيذها بمستويات مختلفة من حيث علاقات الحضور والغياب .
14 تتفق التعزية العراقية والإيرانية بشكل نسق القرابة في أحداث الواقعة ، فيجري تصدير نسق القرابة العقائدية على حساب نسق القرابة الرحمية إذ يأخذ ذلك النسق بُعداً رمزياً يتصل بفلسفة العقيدة الإسلامية .
15 يتسع دور المرأة في التعزية الإيرانية ، بينما يكون أقل أهمية في التعزية العراقية ، على الرغم من أن أدوار النساء في التعزية الإيرانية يقوم بأدائها الذكور ، بينما تقوم النساء بأنفسهنَّ في أداء أدوار المرأة في التعزية العراقية .
16 تعتمد التعزية على فلسفة اللون التي تتصل بمرجعيات العقيدة الدينية من حيث الدلالة الجمالية والبُعد الرمزي ، سواء كان ذلك في الأزياء أو بقية الملحقات المُستخدمة في تجسيد الطقس التشبيهي ، وتكون بالقدر نفسه من الدلالة في التعزية العراقية والإيرانية على حدٍّ سواء .
17 إن الذاكرة الجمعية الشعبية التي تختزن ( روح الطقس ) في التعزية هي التي تفجّر الدفق الشعوري المستمر عند المؤدين والجمهور وأندغامهما في حالة طقسية واحدة تذوب فيها الحواجز الأفتراضية بين ثنائية ( المؤدي / المتفرّج ) لتُنتج لنا حالة فريدة من السمو الروحي .
18 أسهمت التعزية في جانب من وظائفها بالحفاظ على هوية الجماعة المذهبية وكانت على الدوام طقساً شعبياً يُمارس خارج نطاق ( المؤسسة ) سواء كانت حكومية أو دينية .
19 أثّر منع إقامة طقس التعزية لأكثر من ثلاثين عاماً بشكل كبير على بنيتها وشكل ممارستها ، الأمر الذي حال دون تطورها بشكل ملحوظ .
الهوامش:
(1) ماري إلياس وحنان قصّاب حسن : المعجم المسرحي ( بيروت : مكتبة لبنان ناشرون ، 1997 ) ص 68 .
(2) المصدر نفسه ، الصفحة نفسها .
* ينحت – الباحثان – مصطلح ( التشابيه الرافدينية ) لوصف مظاهر الأداء التشبيهي في العراق القديم بالاعتماد على المرجعيات الأنثروبولوجية لتلك المظاهر وفي مقدمتها العقيدة الدينية الرافدينية القائمة على إنتاج الأساطير وتشبيه الآلهة بالبشر وتقديمها في طقوس شعائرية متعددة ، تمييزاً لتلك المظاهر عن الأوصاف الغربية لها مثل : ( ظواهر درامية ) أو ( أشكال مُجْهَضَة ) وغيرها من الأوصاف التي تثبّت النزعة المركزية الأوربية القائمة على الأصل الحضاري الواحد .
(3) جيمس فريزر : الغصن الذهبي – دراسة في السحر والدين ، تر : أحمد أبو زيد ، ج1 ، ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، 1971 ) ، ص 104 .
(4) محمد صبري صالح : المسرح العراقي القديم ، ( بغداد : مطبعة المعارف ، 1991 ) ، ص 11 .
** ينحت – الباحثان – مصطلح ( المُحجبات الفرعونية ) لوصف مظاهر ( الطقوس الجنائزية ) التي كانت تقام في مصر القديمة بالاعتماد على المرجعيات الأنثروبولوجية لتلك المظاهر وفي مقدمتها العقيدة الدينية الفرعونية القائمة على حجب أسرار الشعائر التي تقام للإله ( أوزوريس ) عن عامة الناس وأقتصار تلك الشعائر في الجزء الأهم منها على كهنة المعبد الذين لهم وحدهم الحق في معرفة تلك الأسرار ، تمييزاً لتلك المظاهر عن الأوصاف الغربية لها مثل : ( المسرحية الدينية المُحجبة ) و( العروض الدرامية ) أو ( الدراما الدينية ) ، وغيرها من الأوصاف التي تكرّس الرؤية الأوربية لمظاهر التعبير الفنية الفرعونية القائمة على القياس عبر النموذج الأرسطي للدراما .
(5) محمد غلاب : الفلسفة الشرقية ، ط2 ، ( القاهرة :مكتبة الأنجلو المصرية ، د . ت ) ، ص 47 .
(6) جفري بارندر : المعتقدات الدينية لدى الشعوب ، ترجمة : إمام عبد الفتاح إمام ، سلسلة عالم المعرفة 173 ( الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، 1993 ) ، ص 43 .
(7) السير وَلِس بَدْج : الديانة الفرعونية ، تر : يوسف سامي اليوسف ( عمّان : دار منارات ، 1985 ) ص 81 .
*** يستخدم الباحثان تعبير ( الناتيافيدا ) أو ( الدراما ) لوصف مظاهر التعبير الفني في الحضارة الهندية بالعودة إلى المرجعيات الأنثروبولوجية لهذه ( الناتيا = الدراما ) لكونها تمثل الكتاب المقدس الخامس الذي يُضاف إلى الكتب الأربعة من كتب ( الفيدا ) الهندوسية إذ إقتبست منها الفيدا الخامسة ( الناتيافيدا ) عنصرا من كل واحدة منها بحسب أسطورة نشأة ( الناتيا = الدراما ) ، وتعتمد اللغة السنسكريتية مرجعية لغوية لها في التعبير والكتابة ، يُنظر : نيميتشاندرا جين : المسرح الهندي – التراث ، التواصل ، والتغير ، تر : مصطفى يوسف منصور ، ( القاهرة : أكاديمية الفنون ، 2000 ) ، ص ص 12 – 13 .
(8) أحمد علي عجينة : دراسات في الأديان الوثنية القديمة ، ( القاهرة : دار الآفاق العربية ، 2004 ) ، ص 127 .
(9) المصدر نفسه ، الصفحة نفسها .
(10) فوبيون باورز : المسرح في الشرق ، ترجمة : أحمد رضا محمد رضا ( القاهرة : دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ، د : ط . ت ) ، ص 11 .
**** يستخدم الباحثان مصطلح ( الأوبرا ) لوصف الشكل اللاأرسطي الشهير المعروف في الصين بـ ( أوبرا بكين ) وهو من المصطلحات القارة في الأدبيات المسرحية ، على الرغم من أن هناك من وجد في هذا المصطلح تعبيراً غير دقيق عن ( المسرح الصيني ) فاقترح مصطلحاً آخر مثل ( تراجيديا موسيقية ذات فواصل كوميدية ) كما فعل المستشرق ( فوبيون باورز ) وواضح أن هذا المصطلح الأخير يتصل بالمرجعيات المسرحية الأرسطية المعروفة ومؤكداً في الوقت نفسه المنطلقات الغربية ذات النزعة الأستشراقية التي أعتمدها باورز ، إذ يرى الباحث : أن الأوبرا الصينية تختلف من حيث مرجعياتها الأنثروبولوجية وجمالياتها الفنية عن ( الأوبرا ) في المسرح الغربي .
(11)إتيان سوريو : الجمالية عبر العصور ، ترجمة : ميشال عاصي ، ط2 ( بيروت – باريس : منشورات عويدات ، 1982 ) ، ص 197 .
(12) فوبيون باورز : المسرح في الشرق ، مصدر سابق ، ص ص 314 – 315 .
(13) نزار سليم : من المسرح الصيني ( بغداد : مطبعة الجمهورية ، 1973 ) ص ص 21 – 22 .
* يستخدم الباحثان مصطلح ( النو ) لوصف مظاهر التعبير اللاأرسطية في اليابان ، وهو من المصطلحات القارة في الأدبيات المسرحية الغربية والشرقية على حدٍّ سواء لكونه يعتمد مرجعيات أنثروبولوجية قائمة على التراث الديني والأسطوري الياباني ، علاوة على محمولاته الجمالية ( الإسطاطيقية ) المعروفة .
(14) يُنظر : فوبيون باورز : المسرح الياباني ، تر : سعد زغلول نصار ( القاهرة : المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر ، 1964 ) ، ص 11 .
** للإطلاع على أسطورة نشأة المسرح الياباني يُنظر : المصدر نفسه ، ص ص 6 – 7 .
(16) المصدر نفسه ، ص 7 .
(17)إدوين ديور : فن التمثيل الآفاق والأعماق ج1 ، تر : مركز اللغات والترجمة – أكاديمية الفنون ( القاهرة : مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ، 1999 ) ص 167 .
(18) يُنظر : فوبيون باورز : المسرح الياباني ، مصدر سابق ، ص 20 .
* إعتمد الباحثان مصطلح ( الفرجة ) لوصف الأشكال الأدائية التي أنتجتها الحضارة العربية – الإسلامية ، والتي تتقاطع في مرجعياتها الأنثروبولوجية مع الشكل الأرسطي القائم ، لأنها تقوم أصلاً على المظاهر الإحتفالية والطقوسية التي سبقت ظهور المسرح الأرسطي أو جاورته إذ تعتمد على وجود حيزين هما : حيز اللعب ، وحيز المتفرجين ، دون الركون إلى نصوص مدوّنة ، إذ إنها تعتمد صفة ( المشهدية ) في إنتاج أشكالها ، ويكون فيها المتفرج متفرجاً ومشاركاً في الوقت نفسه .
** في اللغة العربية الفُرْجة بالمعنى العام هي الخلوص من الشِّدة والهَمّ . وهناك أيضاً معنى يقترب كثيراً من العرض المسرحي تدل عليه الكلمة المولَّدة سريانية الأصل فُرْجة ، وهي أسم لما يُتفرّج عليه من الغرائب ، سُمِّيت كذلك لأن من شأنها تفريج الهموم ، ومنها فعل فرّجه على شيء غريب لم يَرَه من قبل أي أراه إيّاه ، يُنظر : ماري إلياس وحنان قصاب حسن : المعجم المسرحي ، مصدر سابق ، ص 36 .
(19)المصدر نفسه ، ص 37 .
(20) عز الدين إسماعيل : الفن والإنسان ( بيروت : دار القلم ، يونيو 1974 ) ص 65 .
(2) يُنظر : أحمد شوقي قاسم : المسرح الإسلامي – روافده ومناهجه ( القاهرة : دار الفكر العربي ، 1980 ) ص ص 29 – 36 .
(3) علي شريعتي : مجموعة الآثار الكاملة (9) – معرفة الإسلام ، تر : حيدر مجيد ( بيروت : دار الأمير للثقافة والعلوم ، 2004 ) ص 33 .
* يعدّها ( الشيعة ) الأصل الخامس من أصول الدين ، بينما يرفضها جمهور المسلمين ، إذ يعتقد الشيعة أن الله قد نصّ على ضرورة وجود خليفة للمسلمين بعد وفاة النبي ، وفي ذلك يتفق المسلمون جميعهم ، إلا أنهم أختلفوا في صفات الخليفة وطريقة تعيينه ، ففي حين يرى الشيعة أن الله قد نصّ في كتابه على خلافة علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وكذلك فعل الرسول في مناسبات كثيرة عبر الكثير من الأحاديث التي يحتج بها الشيعة على جمهور المسلمين ، بينما يرى الجمهور أنّ الخليفة تنتخبه الأمة ، وقد كان هذا الأختلاف في تعيين خليفة النبي محمد سبباً لظهور الطائفة الشيعية على مسرح التاريخ ، ويعود أصل ( الشيعة ) إلى زمن النبي محمد ، إذ كانت هذه اللفظة تُطلق على أصحاب علي بن أبي طالب إبن عم النبي وزوج إبنته فاطمة الزهراء ، الذين كانوا يلتفون حوله نتيجة حديث النبي المستمر عن فضائله مثل ( علي مع الحق والحق مع علي ) وغيرها من الأحاديث النبوية التي كانت تهدف بالأساس إلى تهيئة المسلمين لقبول خلافة علي بعد موت النبي – كما يرى ذلك فقهاء الشيعة ومؤرخيهم – ولعل أهم تلك الأحاديث حديث ( غدير خُم ) الذي أعلن فيه النبي صراحة خلافة علي من بعده ، وقد ظل شيعة علي ملتفين حوله حتى بعد وفاة النبي وأنتقال الخلافة إلى أبي بكر الصدّيق في واقعة ( السقيفة ) المشهورة ، التي بايع فيها نفر من المسلمين أبو بكر خليفة للنبي . يُنظر : محمد الحسين آل كاشف الغطاء : أصل الشيعة وأصولها ، ط15 ( النجف الأشرف : منشورات المكتبة الحيدرية ، 1969 ) ص ص 82 – 96 .
(2) أيوجينيو باربا : زورق من ورق – عرض المباديء العامة لأنثروبولوجية المسرح ، تر : قاسم بياتلي ، ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2006 ) ، ص 31 .
(3) المصدر نفسه ، ص ص 32 – 33 .
(1) ماري إلياس وحنان قصاب حسن : المعجم المسرحي ، مصدر سابق ، ص 65 .
(2) المصدر نفسه ، الصفحة نفسها .
(3) المصدر نفسه ، ص 66 .
(4) يٌنظر : المصدر نفسه ، الصفحة نفسها .
(5) المصدر نفسه ، الصفحة نفسها .
(6) يُنظر : إيوجينيو باربا : زورق من ورق – عرض المباديء العامة لأنثروبولوجية المسرح ، مصدر سابق ، ص ص 33 – 34 .
(1) إيان واطسون : نحو مسرح ثالث – إيوجينيو باربا ومسرح أودن ، تر : منى سلام ، ( القاهرة : مطابع المجلس الأعلى للآثار ، 2000 ) ، ص 84 .
* الحوارات الموضوعة بين قوسين ومُميزة بالخط العريض مأخوذة عن نص عرض التعزية المُفرّغ من العرض مباشرة ، وأية أقتباسات ترد مرة أخرى للحوار مأخوذة من المصدر نفسه .
** أعدّ نص التعزية الكاتب جاسم أبو فياض عن كتاب ( مقتل الحسين ) للعلامة السيد عبد الرزاق المقرّم وقد جاء في الصفحة الأولى بأن النص ( سيناريو ) لواقعة الطف الخالدة ، وهو نسخة خطّية غير منشورة ، وجميع الاقتباسات التي سترد في الدراسة مأخوذة عن هذه المخطوطة التي يحتفظ الباحث بنسخة منها في أرشيفه الخاص .
مصادر البحث :
- القران الكريم
(1) ماري إلياس وحنان قصّاب حسن : المعجم المسرحي ( بيروت : مكتبة لبنان ناشرون ، 1997 )
(2) جيمس فريزر : الغصن الذهبي – دراسة في السحر والدين ، تر : أحمد أبو زيد ، ج1 ، ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، 1971 )
(3) محمد صبري صالح : المسرح العراقي القديم ، ( بغداد : مطبعة المعارف ، 1991 )
(4) فراس السوّاح : مغامرة العقل الأولى – دراسة في الأسطورة : سوريا وبلاد الرافدين ، ط11 ، ( دمشق : دار علاء الدين ، 1996 )
(5) قاسم الشوّاف : ديوان الأساطير سومر وأكاد وآشور: الكتاب الثاني – الآلهة والبشر ، ( بيروت : دار الساقي ، 1997 )
(6) محمد غلاب : الفلسفة الشرقية ، ط2 ، ( القاهرة :مكتبة الأنجلو المصرية ، د . ت )
(7) جفري بارندر : المعتقدات الدينية لدى الشعوب ، ترجمة : إمام عبد الفتاح إمام ، سلسلة عالم المعرفة 173 ( الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، 1993 )
(8) السير وَلِس بَدْج : الديانة الفرعونية ، تر : يوسف سامي اليوسف ( عمّان : دار منارات ، 1985 )
(9) أحمد علي عجينة : دراسات في الأديان الوثنية القديمة ، ( القاهرة : دار الآفاق العربية ، 2004 )
(10) فوبيون باورز : المسرح في الشرق ، ترجمة : أحمد رضا محمد رضا ( القاهرة : دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ، د : ط . ت )
(11) إتيان سوريو : الجمالية عبر العصور ، ترجمة : ميشال عاصي ، ط2 ( بيروت – باريس : منشورات عويدات ، 1982 )
(12) نزار سليم : من المسرح الصيني ( بغداد : مطبعة الجمهورية ، 1973 )
(13) إدوين ديور : فن التمثيل الآفاق والأعماق ج1 ، تر : مركز اللغات والترجمة – أكاديمية الفنون ( القاهرة : مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ، 1999 )
(14) جون رسل تيلر : الموسوعة المسرحية ، ج1 ، تر: سمير عبد الرحيم الجلبي ( بغداد : دائرة الإعلام ، 1990 )
(15) عز الدين إسماعيل : الفن والإنسان ( بيروت : دار القلم ، يونيو 1974 )
(16) أحمد شوقي قاسم : المسرح الإسلامي – روافده ومناهجه ( القاهرة : دار الفكر العربي ، 1980 )
(17) علي شريعتي : مجموعة الآثار الكاملة (9) – معرفة الإسلام ، تر : حيدر مجيد ( بيروت : دار الأمير للثقافة والعلوم ، 2004 )
(18) كولين كونل : علامات الأداء المسرحي ، تر : أمين حسين الرباط ( القاهرة : مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ، 1998 )
(19) جعفر السبحاني : العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت ، تر : جعفر الهادي ، ( بيروت : دار التعارف للمطبوعات ، د : ط . ت )
(20) فاطمة برجكاني : تاريخ المسرح في إيران منذ البداية إلى اليوم ، ( بيروت : مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي ، 2008 )
(21) محمد عزيزة : الإسلام والمسرح ، ترجمة : رفيق الصبان ( القاهرة : دار الهلال ، إبريل 1971 )
(22) بيتر بروك وآخرون : التفسير والتفكيك والأيديولوجية ، ، ترجمة : نهاد صليحة و سناء صليحة وسارة عناني ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2000 )
(23) إبراهيم الحيدري : تراجيديا كربلاء – سوسيولوجيا الخطاب الشيعي ، ( بيروت : دار الساقي ، 1999 )
(24) أحمد محمد خالد : مسرح العرب بين نص الإسلام وسيرورته ( دمشق : منشورات وزارة الثقافة – المعهد العالي للفنون المسرحية ، 1997 )
(25) أيوجينيو باربا : زورق من ورق – عرض المباديء العامة لأنثروبولوجية المسرح ، تر : قاسم بياتلي ، ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2006 )
(26) إيان واطسون : نحو مسرح ثالث – إيوجينيو باربا ومسرح أودن ، تر : منى سلام ، ( القاهرة : مطابع المجلس الأعلى للآثار ، 2000 )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق