مجلة الفنون المسرحية
قال المخرج والناقد المسرحي العراقي الدكتور صلاح القصب ان المثقف العربي يبحث عن ظلال آمنة تشهد فضائي السلام اولا، ثم الحوار مع الاخر .
واضاف القصب في حديث لوكالة الانباء الاردنية(بترا) انه من خلال هذين الفضائين، السلام، والحوار مع الاخر، سندخل الى مرحلة اخرى حيث فضاء آخر، وهو صوت الثقافة التي لا يمكن ان تنمو وتتجذر اذا لم يكن هناك ضفاف آمنة ، مشبها المشهد الثقافي العربي بالبحر الهائج في ظل امطار وعواصف فيما المثقف في زورق مطاطي أنى له ان يصل الى الضفة الامنة.
ولفت الى ان ما يشهده المناخ العربي القلق والمتعب هو انعكاس للصراع الدولي، وليس صراعا اقليميا، مبينا ان هذا البحر الهائج هو تلك الصراعات الدولية التي تجري الان في منطقتنا العربية وان الضفاف التي يبحث عنها الفنان والمثقف العربي ليؤسس مدنية جديدة ليست منفصلة عن الثقافات العالمية لان الفن والثقافة ليست حالة اقليمية وانما هي اممية وانسانية.
ورأى ان عولمة الثقافة مهمة جدا، ليس بمعناها الايدولوجي، ولكن من خلال توظيف الامكانات التكنولوجية العالمية، لافتا الى ان لدى البعض مفهوما خاطئا عن "العولمة" وكانها عملية "استيلاء".
واشار الى ان جميع المجتمعات العالمية بما فيها العربية تعيش الان في ظل العولمة "ونحن خاضعون لها ضمن سياقات علمية متعددة وجزء من هذه السياقات، وعلى سبيل المثال، لا يمكن ان نستغني عن جهاز الحاسوب الذي يعد جهازا "عالميا" ويدخل ضمن صناعة مشهدية لما نسميه بمصطلح "العولمة".
وتطرق الى جيل المبدعين ممن سبقوا جيله ومن جيله من الرواد العرب في مختلف الحقول الابداعية من شعر ومسرح ورواية وموسيقا وتشكيل، مشيرا الى ان الرواد من الروائيين والشعراء والتشكيليين والموسيقيين من امثال نجيب محفوظ وعبدالملك نوري والسياب والجواهري والبياتي وادونيس، اسسوا لمشروعات ثقافية مستقبلية وكذلك في المسرح العراقي ممن قادوا حركة تطويرية ابتعدت عن التجارب التقليدية ومنهم حقي الشبلي وابراهيم جلال وجعفر السعدي وقاسم محمد وعوني كرومي وسامي عبدالحميد، رغم ان البدايات في المسرح والسينما العربية كانت ضعيفة.
وقال ايقونة مسرح الصورة في الوطن العربي، "لو نظرنا الى السينما المصرية التي تعد اهم سينما عربية لوجدنا انها حاضرة من حيث الكم ولكن لو تم حصر كل هذا التاريخ السينمائي المصري الى يومنا هذا سنجد ان هناك حوالي 70 فيلما فقط على مستوى عالي متقدم بينما الباقي افلام بسيطة جدا"، مبينا ان هناك كما في الانتاج وقلة في النوعية.
ولفت القصب الذي حصل على عدد كبير من جوائز التكريم الرفيعة العربية، الى ان الحركة السينمائية المصرية بدأت تاخذ منحى تصاعديا اكثر مع مجيء المخرج العالمي يوسف شاهين الذي كان مختلفا عن سابقيه، اذ اولى التكوين البصري واللون والاضاءة اهمية بالغة، وادخل السينما العربية في مرحلة جديدة .
وفيما يتعلق بالمسرح لفت مؤلف كتابي "مسرح الصورة بين النظرية والتطبيق" و"الاشتغالات الفيزياصورية في مسرح الصورة"، الى ان هناك حركة ثقافية وفنية تتبلور الان ويقودها جيل من الشباب، وان جيل الشباب من المسرحيين العرب حاليا، ادخلوا الحركة المسرحية في حالة وفاق وعملوا على تأسيس نموذج حداثي للمسرح المرئي، منوها بمخرجين اردنيين لجأوا لهذا الاسلوب ومثلوا جيلا تغييريا في المسرح الاردني ومنهم غنام غنام وحكيم حرب "الذي يبحث دائما عن ضفاف جديدة"، وعبدالكريم الجراح. وقال إنه رغم هذه المحاولات الا ان المشهد الثقافي العربي الان يكتنفه الضباب، وعدم الوضوح، مشيرا الى ان هناك محاولات "افتراضية" مثل "الافتراض السياسي" السائد، لذلك لا بد ان يكون هناك وضوح في الرؤية.
ورأى استاذ الاخراج المسرحي في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، انه لا يمكن ان يكون هناك وضوح وهدف استراتيجي واعد اذا لم يكن هناك استقرار على المستوى العالمي وليس على المستويين المحلي والاقليمي فقط، مستدركا بانه رغم ضبابية المشهد العربي الا ان حالة "الثقافة والفن" العربية في حركة وتستطيع ان تحلق وما زالت تقدم منجزات.
ولفت الى ان الجمود الثقافي الذي يحول دون خلق حالة متميزة ليس حصرا على المنطقة العربية بل ان العالم والغرب تحديدا يعاني نفس الحالة، مشيرا الى انه لم تظهر اسماء في حقول الفكر من امثال ديكارت وفي الرواية مثل جيمس جويس والموسيقا مثل بيتهوفن وموزارت، وفي التشكيل من امثال مونيه وسيزان وبيكاسو وغيرهم، وانحسار موسيقا الاوبرا وجمهورها الذي اقتصر على كبار السن، وحلول ما يطلق عليه "الفن الاخر" او "موسيقا الحانات" التي تتميز بالضوضاء والصخب المرتفع عوضا عنها.
وقال انه رغم ظهور اسماء مهمة عالميا في حقول الرواية من امثال ماركيز وكانبيرا وغيرهما الا انهم لم يؤسسوا لمدارس وحالة تحول ثقافي ابداعي كالاجيال السابقة وكذلك في الفن التشكيلي الذي بدأ يبتعد عن الانطباعية والكلاسيكية والواقعية الى حالة "التجريد" التي وصفها بانها تعبير سيكولوجي لحالة اضطراب نفسي كبير ومخيف جدا وغير مدرك في ذات الان، ويعبر عن صوت اعتراض غير معلن، ويمثل هذا الاعتراض كامنا نفسيا وشعوريا يشكل قوة انفجارية جديدة ورد فعل يعاكس الراهن العالمي.
ورأى ان العالم مقبل على تشكل ثقافة جديدة في مختلف المستويات واتجاهات جديدة، معتبرا ذلك مسألة طبيعية اذ يعبر عن "دياليكتيكية" الثقافة والتي ستتمخض عن منجز خالص ما زلنا لا نعرف ملامحه، الا انه سيكون بعيدا عن اي تأثيرات بيئية اجتماعية وجغرافية سياسية، ويأتي نتيجة صراع الانسان مع المكان.
القصب الذي شارك عضوا في لجنة تحكيم مهرجان الابداع الطفولي الذي اختتم اخيرا في عمان بمشاركة عربية، اشاد بالمهرجان واصفا اياه بانه حلقة مضيئة ومشعة ومنجز مهم على المستوى العربي، ويمثل اول خارطة طريق علمية لمهرجانات الطفل العربي منطلقا من الاردن.
ودعا وزراء الثقافة العرب الى عقد اجتماع يناقشون فيه "مهرجان الابداع الطفولي" ومسرح الطفل، لان الطفل هو المستقبل الذي سينشيء حضارة تنويرية، كما دعا منظمة اليونسكو وجامعة الدول العربية ان تتبنى هذا المهرجان بالتعاون مع وزارة الثقافة الاردنية، مبينا ان الطفل الذي يمتلك وعيا كبيرا ومدربا ثقافيا تدريبا جماليا سيكون لبنة في بناء جيد لمجتمع حضاري.
واعرب عن امله بان تساهم وزارة الثقافة في تطوير هذا المهرجان الذي اعتبره مشروعا تنويريا استراتيجيا لمستقبل الاجيال.
والدكتور صلاح مهدي القصب اخرج ما يزيد على 20 عملا مسرحيا في العراق ودول عربية وعالمية منها الاردن وطوكيو، وقدم العديد من الورش النظرية والتطبيقية في عدد من الدول العربية والاجنبية، وله العديد من البحوث والدراسات، وما يزيد على 8 كتب تعد مرجعا للمشتغلين في المسرح العربي، وشغل عددا من المناصب الاكاديمية والثقافية.
-------------------------------------------------------------
المصدر : مجدي التل - بترا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق