مجلة الفنون المسرحية
احمد عادل القضابى
اللغة الجسدية للمثل علامة من علامات العرض المسرحى
-----------------------------------------------------
المصدر:جريدة مسرحنا العدد 176
احمد عادل القضابى
اللغة الجسدية للمثل علامة من علامات العرض المسرحى
فن الاداء التمثيلى احد الفنون التى يتركب منها العرض المسرحى ولا تحظى بعناية العديد من المخرجين على الرغم من ان الممثل واداءه هو محور اللعبة المسرحية قديما وحديثا وليس ثمة مسرح بلا ممثل والدراسات الاكاديمية التى تتناول فن الاداء التمثيلى تتفرع الى تيارين رئيسيين هما :
دراسات تبحث فى تاريخ التمثيل وجذوره والمشكلات العلمية والعملية التى صاحبت ظهوره وتطوره، دراسات تتعرض لجماليات فن الممثل وطبيعة عمله وتأتى دراسة الدكتور ( مدحت الكاشف ) بـ " اللغة الجسدية للممثل" لتجمع بين التيارين السابق الاشارة اليهما كما انها توضح للمخرجين كيف يمكن تصنيع الدلالة عبر جسد الممثل الذى يهمل فى الكثير من العروض المسرحية لحساب اشياء اخرى اقل جوهرية.
ويركز الكتاب على المحاولات المسرحية الحديثة التى حاولت تصنيف اللغة الجسدية للمثل بوصفها علامة من علامات العرض المسرحى كما ان الكاتب يقوم بتحليل اهم العناصر المكونة للتدريبات العملية التى تهدف الى تهيئة جسد الممثل للقيام بمهمة بناء الدلالات كما يحلل الكيفية التى يتم بها انتاج الدلالة على خشبة المسرح من خلال لغة جسد الممثل فى علاقتها وعلامات العرض المسرحى الاخرى.
ان فن الممثل فى جوهره يعيد انتاج حياة انسانية متخيلة مليئة بالرموز والصور الدلالية حيث يتم تحويل الممثل الى شخصية اخرى وتستند عملية التحول هذه كما يقول المؤلف الى اعتبار الجسد " دال مركب " يمكن تدريبه على توصيل الملامح والمشاعر المرغوبة من خلال مفردات لغته ، ويؤكد المؤلف على ان الاستخدلم المسرحى لجسد الممثل يتطلب وعيا بصورة الجسد النهائية حيث يؤثر استخدامه على اسلوب العرض تبعا لاسلوب التقنية التدريبية التى تشكله.
والكتاب يحتوى على ثلاثة ابواب يتكون كل واحد منها من ثلاثة فصول فى الباب الاول تناول المؤلف جسد الممثل باعتباره علامة من علامات العرض المسرحى كما استعرض مفهوم الجسد ومفردات لغته والتى يتمكن من خلالها الممثل من انتاج الدلالة ويوضح ان نظم تصنيف العلامات تقسم علامات العرض المسرحى الى نوعين رئيسيين هما النص المسرحى والعرض .
ويعتبر كل من النص والعرض هما الرسالة التى يقوم الممثل بتوصليها الى الجمهور حيث يصبح الممثل علامة على الشخصية الخيالية التى تتسم بخصوصية معقدة وفى ذات الوقت يظل محتفظا بالكثير من شخصيته الحقيقية ويقوم الممثل وفقا لـ " مارتن اسلن " بانتاج ثلاثة انواع من العلامات بجسده هى علامات جسده باعتباره كائنا فوق الخشبة وعلامات اللعب وتشمل التعبير الحركى ثم علامات صوتية يصدرها بجسده وتقوم هذه العلامات بخلق فضاء مستقل بذاته يتفاعل مع باقى العلامات المسرحية البصرية والسمعية لانتاج الدلالة لذلك يؤكد السيميوطيقيين على ان القيمة الحركية الجسدية للممثل ثلاثية الابعاد " ايقونى ، اشارى ، رمزى "وما بين فطرية حركة الجسد وعقلانيتها يقف علم الدلالة امام اتيارين منهجيين هما التعامل مع حركة الجسد باعتبارها نظاما للاتصال يهدف الى توليد معنى ما والتعامل مع الحركة بوصفها معنى فى حد ذاتها ومن ثم مولدة له.
اما الفصل الثانى فيغوص فى تاريخانية جسد اللمثل ومصطلحات الجسد فيتناول المؤلف دلالات الجسد فى الغريزة التمثيلية واستخداماته فى المسرحين اليونانى زالرومانى وكذلك تاريخ الجسد فى مسرح الشرق الاقصى ، اما الفصل الثالث فيستعرض استخدام جسد الممثل فى المسرح الحديث والمعاصر وتعامل مدارس التمثيل المختلفه معه ويتناول ( الكاشف ) فى الباب الثانى الاتجاهات التقنية واساليب التدريب لتوظيف جسد الممثل فى انتاج الدلالة ويقسمه الى ثلاثة فصول يتناول الفصل الاول منها ( جروتوفسكى ) كنموذج للاعتماد على الدوات الداخلية للجسد واساليبه فى تدريب الممثل وتهيئة جسده لانتاج الدلالة حيث يمر إعداد الممثل عنده للدور المسرحى بثلاثة مراحل هى مرحلة البناء الاولى وتهتم بإعداد نص العرض والتى تعبر فى بنائها عن مفهوم ايدولوجى معين يقصده المخرج ثم مرحلة التوسيع والتطوير ويتم فيها تدريب الممثل على مجموعة من التمرينات الصوتية والجسدية التى لها علاقة بالدور واخيرا مرحلة البناء النهائى للدور ويتم فيها تحويل الشخصية المسرحية الى مجموعة من الاشارات الصوتية والجسدية.
هذا ويتخذ الفصل الثانى من ( ايوجينو باربا ) نموذجا للاعتماد على الادوات الخارجية للجسد وهو ما يمثل الاتجاه الانثروبولوجى للمسرح حيث يتم التعامل مع الجسد بوصفه طاقة للتعبير ويخصص المؤلف الفصل الثالث للغة الجسدية فى كل من : المسرح الراقص وفن البانتوميم ... فيستعرض تعامل كل من ( مارتا جرهام ) و ( بينا باوش) مع الجسد حيث سعت ( مارتا جراهام ) الى محاولة اعادة اكتشاف الوظيفة التعبيرية للرقص حيث تشكل ايماءات وحركات الراقصين شبكة من الدلالات اما ( بينا باوش ) فترى ان الاشارة الايمائية تبنى دلالاتها من خلال نفسها بحيث لا يصبح الجسد وسيلة تؤدى الى غاية بل يصبح الجسد فى حد ذاته موضوعا للعرض.
فى الباب الثالث يتناول المؤلف طرق انتاج الدلالة ففى الفصل الاول منه يعرض للغة الجسد والصوت وعلاقتهما ببعضهما من منظور التحلي السيميوطيقى ليصل الى ان للمثل الدور الرئيسى فى ابتكار مظاهر النطق والحركة وهو وان كان مقيدا بقواعد اجتماعية الا انه يترجم فعل الخيال المسرحى ويقع على عاتقه مهمة تدبير الاسلوب المناسب للشخصية الى يؤديها وهذا يتطلب منه ثلاثة اشياء هى : ان يدرك ذاته وصوتا وجسدا اولا ان يدرك ذات الشخصية التى يقوم بادائها صوتا وجسدا وان تكون لديه القدرةالتعبيرية لجعل كل ما هو غير مرئى على خشبة المسرح مرئيا ومن ثم دالا.
الفصل الثانى يتناول جدلية علاقة جسد الممثل بالسينوغرافيا فى انتاج الدلالة يقسم المؤلف العناصر المرئية ( السينوغرافيا ) الى نوعيم من العلامات اولهما العلامات البصرية التى تقع خارج جسد الممثل كالديكور والمناظر والاضاءة و الاكسسوارات اما النوع الثانى فهو المتعلق بجسد الممثل : المكياج والملابس والاقنعة وتصفيفة الشعر.
ويختتم الدكتور ( مدحت الكاشف ) الفصل الثالث الذى يتناول فيه علاقة جسد الممثل بالمتلقى بقوله ان اهم ما يؤكد تلك الصلة الترابطية بين جسد الممثل وبين المتلقى هو تلك الطبيعة الحية للمسرح باعتباره حدثا اجتماعيا – يواجه فيه الممثلون الجمهور او يواجه فيه الجمهور الممثلين ويؤثر كل منهما فى الاخر.
المصدر:جريدة مسرحنا العدد 176
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق