مجلة الفنون المسرحية
الممثل والسينوغرافيا في العرض المسرحي
عبد العليم البناء
الممثل والسينوغرافيا في العرض المسرحي
عبد العليم البناء
لم تثر (السينوغرافيا) عبر مسارها الطويل، ما تثيره اليوم من اهتمام، محليا، وعربيا ودوليا، لأهميتها النابعة من أهمية المحرك الأساس لكل عناصر السينوغرافيا، (الممثل) والعلاقة التكاملية بينهما، التي توقف عندها بالدرس والتحليل، الفنان جواد الحسب، الذي عرفه المشهد المسرحي العراقي، مخرجا مسرحيا متميزاً، بأعماله التجريبية والحداثوية، التي مازالت راسخة في ذاكرة المعنيين بالمسرح، منذ ولوجه هذا العالم، وتتلمذه على أيدي عمالقته.
المكتبة المسرحية
استثمر الحسب منجزه الإبداعي هذا، ليرفد المكتبة المسرحية العراقية، بكتابه الموسوم (الممثل والسينوغرافيا في العرض المسرحي)، الصادر– مؤخرا - عن دار الروسم للصحافة والنشر والتوزيع في بغداد، وجاء في (346) صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وفاخرة.توشح الكتاب بمقدمة تحليلية مهمة، بعنوان ( السينوغرافيا.. أنساق يحققها الممثل) لمخرجنا القدير الدكتور فاضل خليل، المعروف بسعة علمه ومعرفته الأكاديمية بفنون المسرح، فضلا عن تنوع وتميز منجزه المسرحي، أكد فيها أن « أهمية التصدي لموضوع مهم كالذي اختاره مؤلف الكتاب، إنما هو الدليل على أهمية السينوغرافيا، وبالذات أهمية المحرك الأساس لها: الممثل «. ولكي يؤكد مذهبه هذا– كما يقول خليل- اكتفى بأنموذج حي واحد، وهو الممثل في مسرحية ماكبث، في عروض مختلفة لتجارب حيوية لمخرجين أكفاء. إذ استطاع من خلال أنموذجه تأكيد التعامل الرشيد مع كل المكونات التي تحقق العرض، ومنها التكنولوجيا التي تحقق بواسطتها العرض، أملا في تحقيق التكامل الفني في العرض المسرحي، مستعرضا – خليل - الفهم المتوارث والخروج على المألوف هنا، منذ ستانسلافسكي والى اليوم.
دعمائم العرض
يرى المؤلف الحسب «أن من أهم دعائم العرض المسرحي الممثل والسينوغرافيا والعلاقة التي تتمخض من ارتباطهما معا، مولدة ما يسمى بـ (المفهوم البصري) الذي نجده قد تطور تطورا ملحوظا في عصرنا الحالي، وذلك نتيجة تسارع ظهور الثورة التقنية مقرونا بكل وسائلها». فالمسرح – حسب المؤلف– يمتلك مهارات إنسانية متعددة: المؤلف بنصه، والمخرج برؤيته، والممثل بأدائه الصوتي والحركي، السينوغرافيا بتصاميمها واشتغالها في خلق صورة العرض المسرحي، بوصفه نصا ورؤية وتشكيلا وتكوينا وتصميما، والممثل لديه القدرة على أن يتكيف مع كل مايحيط به، سواء مع الفضاء أم الشخصيات الدرامية، من خلال تحفيز الجو المسرحي والفعل العام للمسرحية.
الترابط العضوي
المؤلف قسم كتابه إلى فصول عدة، لكي يوصلنا إلى هذا الترابط العضوي بين الممثل والسينوغرافيا في العرض المسرحي، في وقت بات فيه العرض المسرحي الراهن يهتم بل ويركز، بشكل كبير، على ما ينتجه الجسد، من دلالات، عبر الأداء والتجسيد، مما يزيح لغة الكلام، أو يقلل من شأنها في الإبداع الصوري .. ولهذا يجد المؤلف، وفقا لذلك، تضاعف دور السينوغرافيا، وزيادة اهتمام المتخصصين بالشأن الفني المسرحي، حيث انتهى عصر الديكور وأصبح جزءا منها، وبرزت هي بأنساقها وتشكيلاتها وعناصرها التي تتآلف وتنسجم، لتعمل مع بعضها من أجل هدف واحد هو تكامل العرض.في الفصل الأول توقف عند (ديناميكية جسد الممثل في العرض المسرحي)، بكل ما تنطوي عليه هذه الديناميكية من فعل إبداعي، انطلاقا من حقيقة أن جسد الممثل، هو أيقونة لجسده الآخر، الذي ينتمي إلى الواقع وإلى الحياة الطبيعية، وفقا للعبة الدرامية التي تحكمها قوانين خاصة، مستعرضا تلك العلاقة بكل تمظهراتها الزمانية، والمكانية، والعضوية، والعلاقاتية.وهكذا نجده في الفصل الثاني، يعرج إلى ( عناصر السينوغرافيا في العرض المسرحي)، ليستعرض نشوءها، وحداثة التعامل مع مصطلحها، واستخدامها في المسرح تحت إشراف (السينوغراف)، ويأتي دورها بعد المخرج، الذي غالبا ما يكون هو (السينوغراف)،لأنها تشكل العنصر الأكثر نضوجا لصناعة الصورة والمشهد.
عناصر السينوغرافيا
أما الفصل الثالث فكان عن (علاقة الممثل بعناصر السينوغرافيا في العرض المسرحي)، وهي علاقات، كما يبدو، متعددة للممثل في العرض المسرحي، كالإضاءة، والديكور، وصولا إلى المتفرج، الذي هو المتأثر والمؤثر في العرض، بشكل مباشر وغير مباشر، والعرض هو المؤثر في كل الاحيان.وينتقل المؤلف في الفصل الرابع إلى الجوانب التطبيقية، والفنية، والإبداعية، ليتوقف عند بعض الأعمال المسرحية، عن (ماكبث) لشكسبير، هذا النص الذي اهتم به مخرجون كثر، لأنه نص- كما يرى المؤلف- ينطوي على مضامين سياسية ونفسية معا، ويجدون في قراءتها ما يحقق اهدافهم برؤى مختلفة، وقد قدموه كما هو، أو مجتزءاً، أو معداً، ومنها:( المجنزرة الأميركية ماكبث) لجواد الأسدي، و( طقوس النوم والدم ) لسامي عبد الحميد، و( ماكبث) لصلاح القصب، ليصبح الكتاب محطة فكرية ونظرية مهمة، لا تخلو من رؤية تطبيقية، تنفع الهاوي والمحترف معا.
---------------------------------------------
المصدر : الصباح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق