تصنيفات مسرحية

الخميس، 10 نوفمبر 2016

سيبرنطيقا المعرفة الجمالية

مجلة الفنون المسرحية

سيبرنطيقا المعرفة الجمالية
د. جبار خماط 

كثيرا ما نُسأل عن السيبرنطيقا ؟ فيجيب مؤسسها  ((نوبرت فينر)) بأنها علم التحكم والاتصال في الأجهزة الحيوانية والآلية . اما المدرسة الفرنسية فتؤكد بأنها علم ضمانية فعالية العمل ، إذاً نحن أمام مفاهيم وظيفية مثل التحكم والاتصال والضمانية ، هل يكون لها نصيب من التأثير في واقع الأداء الفني ؟ 

سؤال لطالما كان مرادفا للمعرفة الجمالية وهي تبحث في حدود  مساحة العقل والعاطفة من العمل الفني ، وهل هما يشتركان في إيجاده ؟ أم أن إيجاد العمل الفني محض لحظة وجودية  خارج قيود المكان والزمان تنتظم مستقبلا بإمكانات الإنتاج المادية أو ما يعرف سيبرنطيقيا ، بالممكنات الموقفية التي تحقق ضمانية تحقيق فعالية العمل الفني ؟  ثم ما معنى منطقية ونظامية العمل الفني الذي يتبنى العقل عن غيره من الأعمال الفنية التي لا تؤمن بالعقل وتتخذ من العاطفة بابا لدخول تجربة الأداء الفني ؟  ثم هل بالإمكان أن يتحول العمل الفني إلى حقيقة تاريخية وهو يمتزج عمليا بالعاطفة والتعبير الجمالي ؟ وهل يساعد الفن على إيجاد تنويرية في التعامل مع البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية تؤدي الى شيوع الروح الايجابية  لدى المواطن فضلا عن زيادة منسوب الانتماء لديه الذي يمثل أساسا موضوعيا لمفهوم المواطنة  في الوقت الذي  نجد – لدينا - أن الأرض السياسية الرخوة  أوجدت مناسبة طيعة للإرهاب للدخول بستراتيجية شيوع الروح الطائفية بديلا عن الروح الوطنية التي معيارها الانتماء لحدود الوطن الواحد الذي يجمع ابناءه بعيدا عن مفاهيم الطائفية والمناطقية والحزبية الضيقة ، بالتالي هل نتوسم بالمسرح  العراقي مثلا ، أن يكون حاملا لما يحصل من متغيرات واقعية تهم المواطن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا ؟ أم انه ما زال يراوده حلم إعادة بناء العالم جماليا بعيدا عن المواجهة  مع متطلبات الواقع وقضاياه .. وفي المقابل ، هل تكون المعرفة الجمالية أقرب للمتلقي لأنها تنطلق من مسلمة الذوق التي يشترك الجميع بها كاستعداد عقلي ونفسي والاختلاف يكون بالدرجة بين هذا وذاك بحسب معيارية العلم بالفنون وتطبيقاتها الجميلة البصرية والسمعية والحركية ؟ ، فما نجده – مثلا-   في  الجمال فانه مقصد كل إنسان وفي متناول كل العامة مثلما هو في متناول الفلاسفة. فكيف السبيل إذن إلى تجاوز الاحتمالين الآتيين: إما حقيقة وإما جمال؟ أو هل نبني حكما في شأن الأثر الفني المسرحي من خلال ما يعكسه من جمال أم بموجب ما يكشفه من حقيقة؟ وهل ثمة عمل مسرحي يجمع الحقيقي – التاريخي بالجمالي – العاطفي في إطار من الضبط الداخلي يتيح لنا تفسير العالم أو معالجة الواقع في علمية التجربة وحيادية العالم .ولفهم هذا القصد بشكل أوضح نتناول  المفهوم الاجتماعي  للعلاقة المتبادلة بين الممثل والمكان بوصفه فضاء تعبيريا  يدخل في باب التفاعل الرمزي / التجريبي ، فالممثل (actor) يقوم بدوره الاتصالي مع المكان بوصفه عنصرا يساعد على التناغم الجسماني وتوازنه مع الموجودات المادية والبشرية على خشبة المسرح .لذلك تكون للمكان في العرض المسرحي ضوابط تكوينية تؤثر على سلوك الممثل معه ، فالسلوك المكاني لدى الممثل هو التفاعل مع المحيط بما يحتويه من أشياء ، وان سبب تحقق العلاقة بينهما هو وقوع المكان ضمن الجهاز الإدراكي الحسي ، حيث تعمل الطبيعة الإدراكية للإنسان (الممثل) على تحويل المثيرات الحسية وليس نقلها فقط كما هو موجود لدى الحيوان ، وهذا التغير في طابع المثيرات الحسية ، له ما يقابله لدى الممثل مع المكان  فهو يقوم بتحويل الصورة المادية الثابتة للمثير الحسي (المكان) التاريخي إلى مستوى فضائي له خصائصه الدلالية  التعبيرية الجديدة والناتجة عن انطباع أو استعمال أو علاقة الممثل معه . ويمكن أخذ مثال على ذلك غابة (برنام) من مسرحية (مكبث) أليست هي مكانا للخضرة ومسكنا  لبعض الحيوانات – كما هو معلوم لدينا- لكنه يتحول بدلالته حين نكتشف أن الغابة محض جنود تتحرك باتجاه القصر ، لذلك نرى مكبث يصيح : هذه غابة برنام تأتي .." تسلحوا ، تسلحوا ، تسلحوا  " إذن يكون المكان أمام الممثل مدخلا فنيا يتم نقل صورته من الحالة الفيزيائية المحددة إلى فضاء تعبيري  يساعد الممثل على تنظيم وحدات أدائه وبحسب فترات زمنية محددة ، ولأننا لا يمكن أن نرى الأشياء من دون مكان حاو لها ، لذلك تكون الموجودات المسرحية بمثابة السبب أو الباعث النفسي في جعل العلاقة مع المكان متوازنة وفعالة ، وهذا الاتصال بالمكان المسرحي لا يقصد به خلق الإيهام المسرحي أو جعله غير حقيقي لدى الممثلين ، بل يفسر بأنه ترابط سببي وواقعي ملموس بين الممثل والمكان يخضع لتصورات المعالجة المسرحية من هنا نسأل ما معيار بناء المعرفة الفنية العقل أم العاطفة لدى الممثل والمخرج ؟ هل الاعتباطية التاريخية المتداولة بوصفها حقيقة يعرفها اغلب الناس أم تراهما يميلان الى المبدأ الجمالي الذي يحقق المتعة الجمالية  ؟ ثم الا  تجانب المعرفة الجمالية معيارية الحقيقة لأنها ببساطة عاطفة منفعلة سرعان ما تتغير أو تنعدم بتغير المؤثرات الطارئة في عالم الواقع ؟  .ولنفصل القول لبيان القصد حول الفرق بين الحقيقي التاريخي من جهة والجمالي الفني  المسرحي من جهة أخرى من حيث بقاء أو انعدام الأثر بين الناس بوصفهما ضرورة يومية تنمو مع حاجات الناس العاطفية والعقلية .. إن معالجة مثل هكذا سؤال ، تقتضي  خطة البحث تبدأ من  لحظة الانطلاق في تحديد مفهوم الفن من جهة ،  وعلاقته بالطبيعة والصناعة والعلم والفلسفة والدين والأخلاق من جهة أخرى ، وبعد ذلك الانتقال للتطرق إلى مسألة الإبداع الجمالي والتساؤل عن دور ذاتية الفنان في التجربة الفنية، مع التوقف عند نقد الوعي الجمالي . صحيح أن الجمع بين الجمال والحقيقة هو ضرب من التميز الإبداعي لا يمتلكه إلا  الراسخون في الفن ، فالجمال هو حياة العاطفة والوجدان نصل إليه عبر الإحساس والتخيل والذاكرة والإلهام ، أما الحقيقة فهي نتاج التجربة العلمية والعقل نصل إليها عبر منهج يستند إلى جملة من المبادئ والشروط المنطقية أساسها التصديق والتطابق بين العقل والواقع في مستوى ما هو مادي وعياني بواسطة الإدراك والعقلانية.. وبإزاء ما ورد ، ما علاقة الفن بالحياة؟ وماهية أغراض الفنان؟ وأين توجد القوى التي تقف وراء إنتاج الأثر الفني؟ هل هي الإحساس والخيال أم الحدس والشعور؟ وما علاقة الفنان بالتجربة الجمالية؟ وهل يعكس الفن المرحلة التاريخية التي يعاصرها أم يسهم في تغييرها ؟  وكيف نميز في الإبداع الفني بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي؟ وهل تتحدد التجربة الفنية من جهة المبدع أم من جهة المتلقي؟ ما الذي يجعل العمل الفني عملا فنيا بحق؟ وهل كل جميل هو بديهيا حقيقي ؟ وهل أن الفن رؤية نفعية للإنسان تحقق التسلية وتملأ أوقات الفراغ أم أنه نشاط إبداعي لذاته وهو في حد ذاته غائية دون منفعة؟ مثل هكذا أسئلة ستحقق لدى المسرحي المسؤولية الفنية التي تحقق ضمانية الأداء الذي يمزج ما بين الحقيقي / التاريخي ، والجمالي / العاطفي وبالتالي نصل إلى ما يعرف بضبط الاتصال الفني بالمتلقي . وهنا يتبين  أن الاتجاه نحو الجميل يشبه اتجاه الإنسان نحو الحقيقي ، ولكن  بأدوات المعالجة التي تتباين عمليا ومعرفيا مع  تنوع أنماط الفنون.

-------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق