تصنيفات مسرحية

الأحد، 11 ديسمبر 2016

مسرحية "ما تردد من صدى الواقعة" تأليف حسين عبد الخضر

مجلة الفنون المسرحية

ما تردد من صدى الواقعة
( تمثيل رمزي لنهضة الإمام الحسين عليه السلام)


حسين عبد الخضر


المشهد الأول


الكوفة عام 60 هجرية 

بستان أحد الكوفيين. طفل يمد يده إلى ثمرة، يهرع أبوه إليه فيمنعه من أكلها. 
الطفل: الجوع.
الأب: لا تقل الجوع، لقد أكلت بالأمس. وهذه الثمار للخليفة.
الطفل: لكني أشعر بالجوع.
الأب: كم تردد هذه الكلمة السخيفة؟ كم مرة يجب عليّ أن أقول لك لا تجوع؟ الشعور بالجوع يا بني ليس من حق الفقير.
الطفل: لكني أشعر بالجوع يا أبي. هل أنجبتني لكي أجوع؟
الأب: لا، أنت لم يخلقك الله لكي تجوع. لكنها أوامر الخليفة، ليس لنا من محصولنا هذا العام إلا أن نجوع. تعال، تعال كي نذهب للمسجد، فهناك سوف ينسيك الساحر الجديد جوعك، أو تعال، تعال يا بني كي أقص عليك أسطورة الحاكم الذي لا يجوع في ملكه أحد.
يجلسان على الأرض.
الأب: كان يا ما كان. من قبل عشرين عام. كان هناك حاكم عادل، ينام كل ليلة جائع مخافة أن يكون الجوع قد زار أحد الرعية في الشام أو في اليمن، وكان ......
  يطوق الأب وابنه بمجموعة من الحرس، يصيح به أحدهم بلكنة فارسية:
ــ ماذا تقص على الغلام، أتريد أن تزرع الفتنة في روحه ليعصي الله ويغضب الخليفة؟!ٍٍ
الأب: لا سامح الله يا أخي، لست أريد أن أغضب الخليفة، إنما الأولاد يجبروننا أحيانا على الكلام فيما لا يليق، كي ننسيهم الجوع فقط.
يشير الآمر إلى جنوده بأخذ الاثنين إلى السجن، يتوجه صوب الجمهور، وينادي:
ــ ألا لعنة الله على كل من أغضب الخليفة، أو حاول العصيان في دولته، ألا لعنة الله على كل من تذكر الحياة في  الكوفة قبل عشرين عام. وغضبي أيضا عليه، والسجن والسوط والجلاد.


المشهد الثاني


 يدخل البستان جماعة من رجال ملثمين.

الأول: يقال أن الطاغية قد مات.
الثاني: وهل يموت الطغاة؟!
الثالث: سمعت من ثقاة أن الطاغية قد مات. صدقوني. الطغاة يهلكون أيضا، مثلنا أعمارهم لها نهاية مؤكدة. 
الثاني: وما الفائدة، سوف يقوم حاكم من نسله جديد، وسنقول عنه الطاغية، لكننا سنمضي في حروبه البعيدة، ونترك من خلفنا أطفالنا الجياع.
الأول: ولهذا جمعتكم هنا. 
الثاني والثالث بخوف: جمعتنا!
الأول: نعم جمعتكم، والأمر باختصار، إن لم نرد لهذا الذل أن يهلكنا من جديد، فلنرسل العهود للحسين.
الثاني: إلى الحسين.....
الثالث: نعم، نعم، إلى الحسين، فميعاد ما بيننا، أن يهلك الطاغية.

تدخل مجموعة أخرى من الشرطة، يلقون القبض على الثلاثة، يقيدونهم ويقودونهم إلى السجن.

آمر المجموعة: ( موجها نداءه للجمهور) أحذروا أن تكاتبوا الحسين أو تطلبوه! توجد عندي أصفاد من حديد، وطامورة لا يرجع من يغيب فيها غير ميت أو موشك على الموت... لا تكاتبوا الحسين.



المشهد الثالث


قصر الإمارة في الكوفة. الوالي مستغرقا في التفكير، والحاشية صامتون خشية منه، مطرقون برؤوسهم إلى الأرض. يحرك رأسه ببطئ ثم يوجه الكلام للحضور:
ــ وماذا تشيرون عليّ؟
الشمر: أن نكاتب الحسين نحن.
الجميع: نكاتب الحسين!
الشمر: نعم، نحن الذين نرسل الرسائل، ونأتي به لحتفه. إنها طريقة قديمة للغدر وأعذروني، فهذا هو الأمر الذي نقوم به، هذا اسمه. لسنا بحاجة للأقنعة، فكلنا يعرف ما نريد.
الوالي: ( للشمر) كأنك قد كنت في رأسي يا لعين.( للحضور) نعم، أنتم الذين سترسلون للحسين. قولوا له تعال، فقد أينعت الثمار، وأخضر الجناب.
شبث: لكنها الخيانة.
الوالي: وماذا كنا نقول؟ أصابك الصمم أم تريد أن تغضب الخليفة؟
شمر: خيانة أو غدر، لا فرق، كن واعيا يا شبث، فالخيانة ليست سوى وسيلة تبرر الغرض.
شبث: لكنني في آخر الأيام يا صديقي، أخاف أن أموت، ولا أريد أن أثقل الميزان بالخيانة.
شمر: لا عليك، لا عليك يا صديقي. ستقف هناك خالي اليدين، .. أنا الذي سيقتل الحسين.
شبث: أنت الذي ستقتل الحسين؟!
شمر: نعم، نعم، قدري يا صديقي العزيز أن أشرب الكأس مع الخليفة، وليس من ثمن سوى دم الحسين.
شبث: اتفقنا.
شمر: وهل لنا غير أن نتفق. الغدر والخيانة، وجهان للشيطان.
الوالي: لكم أن تخرجو الآن، ونفذوا ما أمرتكم به. سوف تكون خطة جيدة يتبعها نصر مؤزر.



المشهد الرابع



ديوان الوالي. نفس الوجوه التي شاهدناها في المشهد الثالث.

الوالي: تمهلوا، تمهلوا، لا تغضبوا. تغيير صغير في الخطة لن يضيرنا، لكننا سنعاني التأخير.
شمر: مسلم! ما كنت أتوقع من ابن فاطمة كل هذا الدهاء. 
شبث: نرسل له أن تعال، أينعت الثمار. فيرسل لنا بمسلم ليأخذ العهود!
شمر: لا ضير، لا ضير يا صديقي. سنخون مرتين، نغدر مرتين. . ليس هناك من داع لكل هذه الهواجس اللعينة.
يدخل رجل بلباس عصري:
ــ رسالة من الخليفة.
الوالي: هاتها.
يسلم الرجل رسالة الخليفة للوالي.
الوالي: إلى هنا وتنهتي مهمتي. أنا راحل عنكم غدا.
شمر: لماذا، الأمور تسير على ما يرام؟
الوالي: قد تكون ذكيا يا شمر. قد تكون شيطانا، لكنك لن تدرك ما يدور في خلد رئيس الشياطين. ( للجميع) الفاتحة لروح مولانا مؤسس الدولة الأموية.
يقرأون الفاتحة.
الرجل باللباس العصري للجمهور:
ــ لا أخفيكم سرا، لقد أطلعت على الرسالة. ويا لها من خطة جهنمية. بعد صباح الغد لن ترى الكوفة السلام. سوف يأتي رجل محمل بالبغض والضغينة تتبعه الكتيبة الحمراء. هل تعرفون الكتيبة الحمراء؟ عشرون الف قاتل هناك، عشرون ألف قاتل، غدا سيدخلون هذا البلد الحزين، ويسفكون دم كل من يقول لا. هيا ارحلوا، ارحلوا لقد حذرتكم. غدا ستصبح الكوفة نهرا للدماء.
الوالي: دعهم هنا، هؤلاء لا يريدون الرحيل.
شمر: متفرجون، سيخرجون من هنا إلى بيوتهم وكأن شيئا لم يكن.
شبث: أأخرج معهم؟
شمر: لا، كم مرة يجب عليّ أن أقول لا. أنت عنصر مهم من عناصر الحكاية. أنسيت أنك الخيانة.
شبث: لا، لكن هذا لم يكن حلمي.
شمر: لم يكن حلمك أن تشرب الكأس مع الخليفة!
شبث: لا، بل لم يكن حلمي أن أقتل الحسين.

الرجل باللباس العصري ( لشبث):
ــ أنت لست قاتلا، لن يكتب التاريخ عنك هذا، أنت فقط مكثر السواد، والسالب البغيض للأقراط من أذني طفلة الحسين. ( يضحك) أنت السالب الباكي.


المشهد السادس

أصوات معركة تدور في أزقة الكوفة. أصوات عالية.
ــ لك الأمان، لك الأمان. . . اقتلوه.
     تنكشف المعركة عن الديوان في قصر الإمارة. الوالي الجديد يمشي جيئة وذهابا أمام كرسيه. وعلى الجوانب يجلس المستشارون.
يدخل رجل برتبة ضابط:
ــ لقد قتلنا مسلما مولاي.
الوالي: والآخرون؟
الضابط: لم نجد إلا القليل منهم. كأنهم ذابوا في الأزقة، أو أن أحدا ما قادهم إلى الخروج قبل أن تبدأ المعركة العظيمة.
الوالي: سحقا لكم، سحقا. . يعمم الأمر على الجميع. يمنع المسير ليلا في أزقة الكوفة، وليس للناس سوى ساعة من النهار ليقضوا حوائجهم. من خالف الأمر قطعنا رأسه. طوقوا الكوفة وجردوا الناس من السلاح. 
     ينحني الضابط ويدير وجهه لينصرف.
الوالي: توقف. اربطوا مسلما وهانيا إلى الجياد. اسحبوهما غدا في الأزقة، مروا بجثتيهما على الأسواق، لينظر الناس نهاية العاصي.
الضابط: سمعا وطاعة لكم مولاي.
الوالي: (لمستشاريه) إلى أين فر الآخرون؟ 
شمر: إلى بيوتهم مولاي، فمن يفر في الكوفة من سطوة الخليفة، لا يجد من ملجأ غير أحضان النساء.
يضحك الجميع.
الوالي: أغبياء. لم يذهبوا إلى بيوتهم. . مستحيل. لن تسع الأحضان هذه الأعداد. لا يسع الجند سوى الميدان.. الميدان. ( يصرخ بصوت عال) الميدان، أيها القادة، يا جنود الله في الأرض ويا جند الخليفة، تجهزوا، تجهزوا جيدا، لنفتح الميدان منذ الآن.
الجميع: سمعا وطاعة مولاي.
شمر: ازرعوا الأزقة بالحرس. اقطعوا كل رؤوس المارقين وعلقوها فوق كل باب. علقوا الرؤوس في الأسواق، في المزابل. ازرعوا الكوفة بالرؤوس. واستجوبوا الأجنة في بطون الأمهات. استجوبوا الأطفال والعجائز. كل من يعشق الحسين، كل من تشكون بأنه كان يوما يعشق الحسين. . يموت.
شبث: أحسنت.
شمر: (يضحك) بان معدنك الرديء.
يرتفع صوت موسيقى حربية. صليل سيوف. صراخ.


المشهد السابع


ديوان الوالي.
يدخل الرجل باللباس العصري:
ــ الآن الكوفة معدة تماما لإرتكاب مجزرة. أقصد بعد هذه المجزرة.. المجزرة العظيمة، لكن شيئا واحدا تغير. فهذه الكوفة ليست مقصد الحسين، إنه يقصد كربلاء. لا تسألوني ما هي كربلاء.
يدخل ضابط في الجيش، ويكلم الوالي:
ــ مولاي، لقد استجد في الأمر جديد.
الوالي: نعم. قل ما لديك ولا تزد، فليس لدينا أي وقت فائض.
الضابط: الحسين. . إن الحسين يا سيدي لم يقصد الكوفة.
الوالي، وكذلك شمر وشبث: ماذا تقول؟!
الضابط: نعم، رأيته يساير الحر إلى كربلاء.
الوالي: يساير الحر؟
الضابط: نعم، يماشيه وكأنهما في نزهة، يتحدثان، يصليان، وربما. . أقول ربما، لأمر خطير يخططان.
الوالي: ليعلن النفير. الجميع إلى كربلاء. كل الجيوش، كل الناس، من الآن يمضون إلى كربلاء. إنه الزحف الكبير، ومن قال لا، قولوا له بالسيف لا.
الرجل باللباس العصري: ( للجمهور) ألم أقل لكم أن مجزرة عظيمة سوف تحدث!
الوالي: ( للرجل باللباس اللعصري) وأنت، أنت ما الذي يبقيك هنا. اذهب وحارب هناك. فالحروب لا تحدث في القصور، إنها تحدث هناك. اذهب هناك.
الرجل باللباس العصري: يا سيدي، أنا لست من هنا ولست من هناك. أنا شاهد، جئت كي أبحث في الزوايا وألاحق الأحداث. في المستقبل، بعد ألف عام، وربما أكثر من ألف عام، سوف يسأل الناس عما جرى في كربلاء.
الوالي: وأنت الذي ستنقل الحقيقة؟
الرجل باللباس العصري: نعم أنا من ينقل الحقيقة، وبعد أن سافرت وابتعدت، بعد أن تعبت، لن أقبل بالعودة إلا مع الحقيقة.
يسحب الوالي سيفه ويهجم على الرجل، لكنه لا يستطيع أن يضربه. يحاول ويكرر المحاولة حتى ينهك. ثم يسأل الرجل:
ــ من أنت؟
الرجل بالباس العصري: كان هنا الغدر والخيانة، وكنت أنا أيضا، أنا الحقيقة التي تتركها أخطاؤكم. فالعلم يحكي أن الجريمة الكاملة شيء مستحيل.
الوالي: حسنا، وماذا ستخبر الناس يا حقيقة؟!
الرجل باللباس العصري: عن كل ما جرى هنا، عن كل ما يجري هناك.
الوالي: أوضح كلامك، لا أطيق المبهمات.
الرجل باللباس العصري: ماذا جرى هنا، ماذا سيجري هناك. هوية الجنود، أعدادهم، من خسر الحرب، من المنتصر.
الوالي: هوية الجند، من المنتصر.( يصيح) يا حراس، أغلقوا الأبواب.
يهرع الحراس إلى الأبواب ويغلقونها.
الوالي: ربما لا أستطيع قتلك، لكن حبسك لن يكون مستحيلا.
الرجل باللباس العصري: حبسي مستحيل.
الوالي: لا لن يكون مستحيل. الحقيقة، يا رجل الحقيقة، تحبسها الأقلام وقد تقتلها. ( للحرس) لفوه بالأوراق، قيدوه للأقلام.
يأتي الحراس بأوراق كبيرة وأقلام على شكل أعمده، يلفون الرجل بعد مقاومة، لكنه يستمر بالصياح:
ــ هنا جرت مؤامرة، هنا ألتقى المكر مع الخيانة. ومن هناك كان سرجون يدير الأمور، ومن هناك، من هناك جاء الأمر من يزيد. ومن هناك. . . .
الوالي: أغلقوا فمه.
يسرع الحراس إلى إغلاق فمه.


المشهد الثامن



     جنود منهكون، تدل هيأتهم وحالهم أنهم عائدون من معركة خاسرة. 
جندي1: ما الذي جرى هناك؟
جندي2: لم يجر شيء.
جندي1: هل كانت معركة؟
جندي2: لا لم تكن معركة.
جندي1: ماذا كان إذا؟
جندي2: كان كابوسا.
جندي1: نعم، كان كابوسا. وهل كنت أيضا في الكابوس؟
جندي2: نعم، وهل كنت أنت أيضا هناك؟
جندي1: نعم، كنت أنا أيضا هناك. وهل رأيت ما رأيت؟
جندي2: نعم، رأيت ما رأيت.
جندي1: إذا كان هذا كابوس، فلماذا لا نستقيظ منه؟
جندي2: غبي، نحن مستيقظان، لكننا لم نغادر الكابوس.. هذا الكابوس لا ينتهي بيقظة ولا بموت.
جندي1: أتقصد أننا سنعيش طول العمر في الكابوس؟
جندي2: كنت أظنك ذكيا. يا الهي، كيف أذهب للمعركة مع غبي؟
جندي1: هل قلت المعركة؟
جندي2: لا، لم أقل المعركة.
جندي1: لا، لقد سمعتك.. سمعتك تقول المعركة. . المعركة، الطبول، و.......
جندي2: لا,لا، لم تكن معركة.
جندي1: لقد.....
جندي2: لقد ماذا. قلت لك إنه كابوس. المعارك تنتهي، أما الكوابيس فلا تنهتي، خاصة إذا كنت في الطرف الذي قطف العار منها... كنا نحصد العار، وعندما يحصد العار جندي، فإنه لم يكن قط في معركة.
جندي1: تذكرت، تذكرت الآن.
جندي2: ماذا تذكرت؟
جندي1: تذكرت أننا كنا نقف هناك. ساحل طويل من الجنود، والخيول. عالم من اللغات والألوان، وكانوا هناك ثلة قليلة. وعندما نفخ البوق ولاح السيف، اضطربنا مثل موج لكنهم ظلوا ثابتين، ثم انقضضنا مثل موج، لكنهم ظلوا ثابتين، ثم انحسرنا مثل موج، لكنهم ظلوا ثابتين، ثم .. ثم قتلناهم، لكننا عدنا.....
جندي2: عدنا خاسرين.

يغادران إلى جهة مجهولة.
يظهر الرجل باللباس العصري، متعب جدا، ممزق اللباس. يخاطب الجمهور:
ــ أنهكني السفر، لكنه لم يقتلني. في كل عصر كان رأسي مطلوبا، المؤرخون، الأدباء، الوعاظ، السلاطين، السفلة. كلفتني مراوغة السجون كثيرا. رأيت بعيني كيف يغتال صحابي، يحبسون بين السطور أو في الرؤوس حتى يموتوا. للحقيقة عندما تموت صوت مؤلم جدا، منظر رهيب لا يصمد أمامه بشر. الحمد لله أنني نجوت. وبقائي أكثر غرابة من موت بعض أصدقائي، فالمطلب الأول للطغاة أن يموت الحسين بعدما صار دليلا في دروب الرافضين. لقد رأيت .. رأيت ما يملأ الدنيا فخارا من جيوش الرافضين، وكلهم، كلهم يرفعون راية كانت إلى جنب الفرات يوما، خفاقة، ثم طارت.. طارت كصوت ثائر يخترق السنين.

ستار
حسين عبد الخضر
husayna3@gmail.com‏


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق