مجلة الفنون المسرحية
"سِفر الخروج" هل سَيُخرِج شعبَنا من محنته؟
"سِفر الخروج" هل سَيُخرِج شعبَنا من محنته؟
سفر الخروج , عنوان لعمل مسرحي جديد قدمته فرقة مسرح قرة قوش ( بغديدا ) للتمثيل , للأديب جوزيف حنا يشوع كاتباً والفنان وسام نوح الجميل مخرجاً , وتمثيل : إخلاص متي , عماد صبيح , وعد توماس.
سفر الخروج , تتمحور أحداثه حول شخصية "عثمان علي العبيدي"، وهو شهيد عراقي ذو الثمانية عشر ربيعاً قضى غرقاً بعد أن أنقذ سبعة أشخاص في حادثة جسر الأئمة في بغداد التي راح ضحيتها بحدود ( 1300 ) شهيد , في 31 آب 2005 , وهو الجسر الرابط بين منطقتي الاعظمية ذات الغالبية السنية والكاظمية الشيعية , الذين تدافعوا وسقطوا في النهر بعد أن أشيع بأن حزاماً ناسفاً موجوداً بين الجماهير التي كانت تعبر الجسر في طريقها لإحياء ذكرى وفاة الإمام موسى الكاظم . وقد أدت شخصية "أم عثمان" إخلاص متي , هذه العراقية التي كانت تعد الشاي لابنها الوحيد عثمان في بيتها القريب من الجسر , في يوم الحادث عندما سمع نداء المسجد بضرورة مساعدة إخوانهم الغرقى , ، فجأة جاء شخص وصاح :(لقد مات عثمان) ، نزل الخبر على(أم عثمان) نزول الصاعقة ، فخارت قواها وسقطت على الأرض ، ومر أمام عينيها شريط الذكريات سريعا منذ أن كان عثمان طفلا صغيرا تلاعبه وتعتني به إلى أن أصبح شاباً قوياً ودوداً يغبطها أهل منطقتها عليه ، نزلت الدموع من عينيها بغزاره ، انتبهت عندما صاح احد الذين كانوا حولها : "عثمان بطل ... عثمان بطل .... أنقذ سبعة أشخاص ثم استشهد ". في حين أدى الشخصية الثانية "سائق السيارة" عماد صبيح ،وهو مسيحي أصر البقاء في الوطن , رغم ما تعرض له من تهجير قسري , يحب الجميع ويعمل بمبدأ ما تعلمه من دينه وكنيسته في حب الآخر , ومتلهف لان تعمل ( سيارته ) ليقودها مع إخوانه في المواطنة إلى شاطئ الأمان والاستقرار .
فيما كانت الشخصية الأخرى من حصة وعد توماس "حسن الميكانيكي" أو الفيتر والذي فشلت كل محاولاته في إصلاح عطب السيارة , هذا العراقي الطيب الذي استمات في تصليح العطل للخروج من هذا المستنقع الآسن , ولكن يبدو أن كل ما تعلمه من هذه المهنة لم يسعفه في تشغيل المحرك , وكان الجمهور يكتم أنفاسه كل مرة عندما "يدير السلف"، وربما أراد الكاتب بهذا السلف أن لا يعمل , فقد اختتم العمل ليقول للجمهور : إن المأساة ستستمر إلى حين .
جوزيف حنا يشوع في سفر الخروج هذا , اختار إحدى المآسي التي تعرض لها العراق في محنته مع الإرهاب وهي يومية من خلال شخصية عثمان , هذا الـ "سنّي" الذي تمكن من إنقاذ إخوانه غرقا، ولكن ربما الجموع التي تدافعت فوقه في محاولة منها للنجاة لم تمكنه من الاستمرار في محاولاته فاستشهد نتيجة اندفاعه , وسائق السيارة "المسيحي" الذي يعمل المستحيل لكي ينقذ ما تبقى من هذا الوطن , إلى شاطئ الأمان والاستقرار , ولكن محاولاته باءت بالفشل بعد أن فشل "حسين" (الشيعي) الميكانيكي البارع الذي لم يمر عليه محرك إلا وتمكن من إصلاحه .
سفر الخروج , هي حالة تلاحم بين مكونات الشعب العراقي للخروج من محنته , ورغم تلاحم شخصيات المسرحية الثلاث للوصول بـ "السيارة" إلى حيث الأمان وتخطي هذه المأساة التي باءت بالفشل، فالوطن مثخن بالجراح وكل المحاولات في العبور به نحو الأمان لم تجد نفعاً.
( أم عثمان : لن أترك ولدي .. لن أترك عثمان .. لن ادع عثمان روحه تائهة عند أفق التيه..
سائق التاكسي : ولا أنا سأدع صليبي يموت وحده ..سأموت معه حيثما كان ..سأُصلب على خشبته ..إن كان قدراً فليكن ..إن كان نحيباً فليكن..
حسين : ولا أنا تارك هذا المحرك بلا حياة .. سأجعله يدور أيا كان الثمن ..سأضع وسطه قلبي ليضخ في الروح ولتغادرني روحي ..).
ولا ادري ما أراد به يشوع عندما ربط العمل بسقوط أريحا ( مكان القمر , أو الرائحة الطيبة ) التي يصفها الكتاب المقدس: "وكانت أريحا مغلقة مقفلة بسبب بني إسرائيل، لا أحد يخرج ولا أحد يدخل" في سقوط أريحا لم يستخدم الله التدبيرات العسكرية والحكمة البشرية ولا رجال الحرب ولا الأسلحة، ليؤكد لهم منذ البداية أنه وإن كان يُقدّر الحكمة البشرية ويستخدم العمل البشري متى تقدّس، لكن يبقى الله وحده سرّ نصرتنا على الخطيئة! يدخل فيها. إنها منعدمة الحب! أما الإنسان المتسع القلب بالمسيح محب البشر، فإنه يعيش بفكر منفتح يفتح أعماقه لكل إنسان بحكمة إلهية، ويخرج من قلبه كل محبة مشبعة للآخرين.
ولكن مشكلة هذا "المحرك" قد تبدو خارج إرادتهم , وقد فرضت إرادات أخرى في أن يستمر العطل هذا , ويبقى هذا الشعب تائهاً , يدور في حلقة مفرغة , وعثمان قد ضاع ولا أمل يرتجى لعودته إلى حضن أم عثمان , لقد اثبت "عثمان" أن العراقيين هم بيت واحد وأسرة واحدة في الشدائد والمحن ، وان ما يطلقه الخائبون من نعرات وثقافات طائفية إنما هي بالونات يتفنن في صنعها رجال الطوائف والأغراب ، "أم عثمان" أرضعت ولدها حليباً طاهراً خالياً من العرقية والطائفية ، ومهما حاول بائعو الشعارات المفبركة والتاريخ المزيف من جهد فلن يغيروا من سلوك المواطن العراقي من شيء ، سيبقى "درس الشهيد" يدرّس في كل مدن ومدارس العراق ، وسيتعلم منه العراقيون أنهم شعب واحد وان لهم مستقبلاً واحداً .
جوزيف حنا يشوع , جاءت سفر الخروج تتمة لما كتبه سابقا في طرح مأساة بلده وبلدته من خلال استعارات تختزنها ذاكرته , رغم الأسئلة التي تركها للجمهور عن الشخصيات التي مثلت العمل وحواراتها , ورغم ان الحيرة أيضا كانت السمة الأبرز على متابعي العمل , يبقى سفر الخروج وردة تضاف إلى باقة يشوع .
الفنان وسام نوح حاول بتقنية الحرفي المتمكن من صنعته في الوصول بالنص الى الجمهور تاركا في الوقت ذاته الأسئلة ذاتها والتي أرادها مؤلف العمل ... شكرا لروعتكم .
إخلاص متى , ككل أعمالها كانت محور الحدث , ومع كل انفعالاتها يترقب الجمهور حدثا آخر يضيف للعمل طعما آخر , كنت وردة عطرت المسرح .
عماد صبيح , ينسى الجمهور انه أمام ممثل فصرخاته حينا وهدوءه أحيانا أخرى يجعل العمل أكثر واقعية .
وعد توماس , الكوميدي في أكثر الأدوار صرامة , كنت جادا مع سفر الخروج , وردة لعينيك .
وشكرا بحجم الحب للفنيين : كرم خضر " مساعد مخرج " أثير زورا " مدير المسرح " , نورس خدو : ديكور " , وسام نوح " اضاءة " , وعد توما " أزياء " , رغيد ننوايا " تصميم " .
مقدمو العرض : كرم خضر , إبراهيم الياس , وجيه سالم , رامي قريو , سلوان صبيح , نشوان عبدالغني , يوسف باسل , ستيفان فتح الله , سرمد سعيد , يوسف بسام , نصير عبدالله .
العمل قدم بدعم من منظمة سالت ( SALT ) الهواندية ومنظمة الرسل الصغار .
العرض الأول : قاعة جمعية الثقافة الكلدانية - عينكاوا في 28 تشرين الثاني 2016.
-------------------------------------------------------------
المصدر : أربيل/ نمرود قاشا - المدى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق