مجلة الفنون المسرحية
مسرحية «سرقة حلال» في عرضها الأول: نقد.. سخرية.. جرأة وإثارة بفنية عالية
مسرحية «سرقة حلال» في عرضها الأول: نقد.. سخرية.. جرأة وإثارة بفنية عالية
قدمت شركة «المختار للإنتاج الفني» مسرحية «سرقة حلال» عن نص لزهير الرايس وإخراج محمد أحمد الكشو في عرضها الأول مساء أول أمس بفضاء المركز الوطني لفن العرائس.
وقد جسد المسرحية على الركح الثنائي زهير الرايس والممثلة منيرة الزكراوي وذلك أمام حضور عدد كبير من أهل الثقافة والمسرح والفنون باعتبار أن هذا العرض المدعم من وزارة الشؤون الثقافيةكان في إطار الحصول على تأشيرة العرض من طرف اللجنة التي حضرت للغرض في نفس العرض.
وما يجلب الانتباه في هذه المسرحية، التي تعتمد على ديكور بسيط، هو قدرة الممثلان، على امتداد ما يقارب ساعة وربع، على شد المتفرج وتشريكه في عوالمها الخيالية التي كانت في واقعيتها الركحية أقرب ما تكون إلى الواقع المجتمعي اليوم وتغيير المفاهيم والقراءات لبعض القضايا والممارسات في الراهن. وقدمتها المسرحية في شكل قراءة فنية تحمل شعار «الجرأة»، تجمع بين النقد والهزل والتجسيد الساخر بطريقة صاغ تفاصيلها وحبكتها صاحب النص زهير الرايس الذي خبر الركح وتمرس على الفعل الثقافي و»التمثيل».
فكانت مشاهدها عبارة عن تصوير مسرحي كاريكاتوري لظاهرة كانت تصنف في خانة الجرم قانونيا ومرفوضة ومنبوذة أخلاقيا ولكن تفشي هذه الظاهرة وتحولها إلى عنوان لسياسات وأنظمة على نحو أصبحت تمثل تقريبا واقع المجتمع التونسي ويومي المجتمعات العربية لتتحول المفاهيم وفق التغيرات السياسية والاجتماعية التي عرفتها بلادنا في هذه المرحلة لاسيما في ظل التوظيف الإيديولوجي السائد مما أوجد لهذا الجرم تبريرات على نحو أصبح للسرقة المحرمة تصنيف في خانة «الحلال» في بحث البعض عن «غطاء» للإفلات من العدالة. فمن خلال التوقف عند قصة الزوجين «محرزية» و»علي» تحلق المسرحية بالمتفرج في عالم السرقة والسطو والتحيل ومعركة «الجباية» أو الضرائب ومحاولات البعض للإفلات منها. خاصة أن بطلي المسرحية يحاولان إيجاد مخرج اجتماعي أخلاقي لعالم السرقة الذي يعتنقانه من أجل دخول «جنة» الغنى والقطع الجذري مع عالم الفقر والاحتياج. وذلك بعد أن اختارا التبرع ببعض من «مسروقهما» لفائدة المحتاجين فيما خططا لنقل ثروتهما لخارج تونس لاستثمارها بعيدا عن أعين الرقابة والقانون وهروبا من «البوليس» وهاجس مطاردته الذي يتكرر في كل عملية سطــو.
وقد برع الممثل زهير الرايس في هذا العمل رغم أنه العرض الأول للمسرحية فبدا متمرسا على الدور وصانعا للفرجة في أغلب المشاهد، خاصة أنه صاغ وكتب نص المسرحية بخط جريء غير مألوف بالنسبة للممثل.
ولكنها كانت جرأة موظفة في سياق المسرحية التي تنقد واقعا وتحاولتعرية حقيقة ما يدور في كواليسه من ملابسات ونوايا ومشاريع تستثمر في «ثروات الآخر» عادة ما تكون على حساب ضحايا وأبرياء. فيما بدت الممثلة منيرة الزكراوي غير منسجمة مع الدور بعد والذي برز بالأساس في ارتباكها المتكرر في هذا العرض الأول. ومن المنتظر أن تتدارك ذلك بدخول العمل حيز العروض خاصة أنه دور محرزية «قُدّ» على مقاسها.
واعتمد كاتب النص في المسرحية مصطلحات كانت بقيمة مفاتيح وعناوين لملفات فساد متفشية في المتجمع أراد وضع الإصبع عليها بلغة مسرحية جريئة من حيث النص والمشهدية. وقد اعتمد المخرج تقنية خاصة تعتمد إضاءة وموسيقى منتقاة كانت خادمة للعمل وتتماشى ومضمونه.
إذ جسد زهير الرايس دور الرجل المتشبه بالمرأة أو «المتخنث»، ليعرج من خلال مرحلة أخرى من مراحل تطور قصة المسرحية، وهي دخول السجن بعد القبض عليهما وهما في حالة تلبس «بالثروة» المسروقة عندماكانا يستعدان لمغادرة البلاد، ويطرح واقع السجون التونسية والقضايا المطروحة في عالم السجن بالنسبة للسجون الخاصة بالنساء أو بقية السجون من جنس وحرمان وفقدان للحرية وانتهاك لكرامة الانسان وظروف جد صعبة.
وقد أبدع زهير الرايس في تجسيد دور «متخنث» إلى درجة أن بعض الحاضرينفي العرض ادعى أن شمس الدين باشا يجسد بعض المشاهد على الركح ولا يمكن لزهير الرايس أن يقدم ذلك بتلك الكيفية والحرفية خاصة فيما يتعلق بمشاهد الرقص.
لذلك فإن هذا العمل مرشح لـ»الإثارة» على أكثر من صعيد وليكون في قائمة العرض المسرحي الأكثر طلبا لعرضه في المهرجانات والمناسبات الثقافية نظرا لكونه عملا يجمع بين الفرجة والجرأة بالتطرق للمسكوت عنه بطريقة فنية قادرة على شد المشاهد وإمتاعه رغم ما سجلته الساحة المسرحية من أعمال اعتمدت نفس الأسلوب. خاصة أمام نزعة فريق العمل من مخرج وممثلين لإدخال تحويرات على العمل في المستقبل.
------------------------------------------------
المصدر : نزيهة الغضباني - الصباح التونسية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق