تصنيفات مسرحية

السبت، 24 ديسمبر 2016

المسرح المصري يتوارى وراء ركام نصوص بسيطة

مجلة الفنون المسرحية

المسرح المصري يتوارى وراء ركام نصوص بسيطة

فجوة شاسعة تفصل بصرامة ووضوح ما بين واقع المسرح العربي، والمصري على وجه الخصوص، الذي لا يزال مشغولا بنصوص مسرحية زاخرة بتفاهات مضحكة تنُم عن سذاجة فكرية وغياب لنص مسرحي مؤثر، وبين ما هو مأمول منه في أن يعبر عن وجدان شعب في لحظات فارقة ومصيرية كتلك التي نحياها في الوقت الراهن.

في السنوات الأخيرة، طفت على سطح المسرح المصري ظاهرة “مسارح الفضائيات” التي اتخذت من تجربة الفنان أشرف عبدالباقي في”تياترو مصر” الذي تحول في ما بعد إلى اسم “مسرح مصر” أثرا تقتفيه، ليشهد في عام 2016 عددا من التجارب المسرحية في هذا الإطار، منها “تياترو الوطن”، و”مسرح النهار”، وهي تجارب لمسارح الفضائيات حققت انتشارا واسعا وقبولا جماهيريا وسط انتقادات من نقاد مسرحيين كونها تعتمد على الاسكتشات المضحكة، ولا تمت لفكرة المسرح بأي صلة.

وعرف هذا العام عودة لمهرجان القاهرة للمسرح المعاصر والتجريبي في دورته الثالثة والعشرين، بعد توقف دام خمس سنوات، وهو مهرجان مسرحي دولي تقيمه وزارة الثقافة المصرية، وشاركت في دورته 17 عرضا عالميا و13 عرضا مصريا، كما شهدت هذه الدورة تجربة خاصة في تقديم عرض مسرحي بعنوان “العطر” شاركت فيه مجموعة من الفنانين من الصم والبكم.

ومن جهة أخرى، أقيمت فعاليات الدورة التاسعة من المهرجان القومي للمسرح بمشاركة ما يقرب من 36 عرضا من عدة محافظات مصرية، للمنافسة على الجوائز التي خصصت لها ميزانية تقارب 340 ألف جنيه مصري (حوالي 30 ألف دولار).

وشهد المسرح المصري خلال العام عددا من العروض البارزة، مثل “ليلة من ألف ليلة” بطولة الفنان يحيى الفخراني، و”أهلا رمضان” للفنان الشاب محمد رمضان، و”حوش بديعة” للفنانة انتصار، وغير ذلك من العروض التي اعتبرها البعض دلالة على انتعاشة مسرحية خلال العام، فيما اعتبرها آخرون كما سيئا لا يدلل بالضرورة على تطور في حال المسرح المصري الذي بات يعاني من نصوص ركيكة أو إهمال بيّن.


عام مسرحي حزين

يتحدث الناقد المسرحي عمرو دوارة عن حال المسرح خلال هذا العام، قائلا “لا أجد وصفا أدق من وصف عام 2016 مسرحيا سوى أنه عام مسرحي حزين، وذلك بالرغم من أنه قد شهد بعض الومضات المضيئة التي أسعدتنا كمسرحيين ولعل من أهمها عودة “مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي” بعد توقف لمدة خمس سنوات، واستمرار انتظام كل من “مهرجان المسرح العربي” الذي تنظمه “الجمعية المصرية لهواة المسرح” برعاية وزارة الثقافة، و”المهرجان القومي للمسرح المصري”، فضلا عن عودة مشاركة النجوم سواء بمسارح الدولة أو فرق القطاع الخاص وتحقيق عروضهم لأرقام ضخمة مثل يحيى الفخراني بالقطاع العام (المسرح القومي)، ومحمد رمضان بالقطاع الخاص، وعودة ظهور لافتة كامل العدد لأيام وأسابيع متتالية، وذلك ليس بالنسبة إلى الفرق الاحترافية وعروض النجوم فقط، بل وأيضا بالنسبة إلى فرق الدولة التجريبية وبعض عروض الهواة (من أهمها عرض “روح” بمسرح الطليعة)، بالإضافة إلى تعاظم دور فرق الهواة ومشاركتهم الفعالة في الحركة المسرحية، واعتماد الكثير من التجارب المتميزة بمسارح الدولة على فرق الهواة ونجومهم، وحصولهم أيضا على المراكز الأولى “بالمهرجان القومي للمسرح المصري”، ومن بين هذه العروض “الرمادي”، “الزومبي والخطايا العشر” من إنتاج “مركز الهناجر”، و”القروش الثلاثة” من إنتاج “جامعة طنطا”.


عودة مسرح القطاع الخاص بمسرحية "أهلا رمضان"
ويضيف دوارة “أما دواعي الحزن والأسى هذا العام فهي كثيرة ويمكن إجمالها في عدم قيام المسرح بدوره المنشود؛ إذ لم تحقق الكثير من الأنشطة والفعاليات المسرحية الأهداف المنشودة منها، وبالتالي فقد كانت نتائجها، وكما يقال في الأمثال العربية -ضجيجا بلا طحن-، حيث تضاعف عدد العروض التجريبية الصغيرة التي فشلت في تحقيق تواصلها مع الجمهور، كما تضاعف عدد المهرجانات المسرحية وتداخلت مواعيدها، وأصبحت أغلبها مجرد أنشطة احتفالية ودعائية سنوية، فضلا عن انحسار، بل واختفاء مشاركات فرق القطاع الخاص”.

ومنذ ثورة يناير 2011، انحسرت تقريبا عروض الفرق الخاصة كرد فعل تلقائي لارتفاع أسعار التذاكر كضرورة منطقية لتحقيق متطلبات العروض ومن أهمها ميزانيات الدعاية الضخمة وأجور النجوم، واستمر هذا الوضع أيضا عام 2016، فلم يتم من خلال الفرق الخاصة سوى تقديم عرضين كبيرين وهما “حارة العوالم” لفيفي عبده، و”أهلا رمضان” لمحمد رمضان، وللأسف لم يشارك هذا العام أيضا كبار نجوم المسرح وفي مقدمتهم عادل إمام ومحمد صبحي وسمير غانم، وكذلك نجوم الجيل التالي محمد هنيدي وأحمد آدم ومحمد سعد.

ويتحدث دوارة عن انهيار القيم الفنية بمسارح الفضائيات، قائلا “هي ظاهرة خطيرة تحتاج إلى التوقف أمامها والتصدي لها، تلك التي قدمتها بعض القنوات الفضائية الخاصة خلال هذا العام سواء تحت مسمى ‘تياترو مصر’ أو ‘مسرح مصر’، أو ‘مسرح النهار’، والحقيقة أن عروض كل منها لا تنتمي إلى ‘مصر’ ولا إلى فن ‘المسرح’، فهي ردة فنية وعودة إلى الاسكتشات التي كانت تقدم بالصالات أو إلى ‘النمر’ الضاحكة التي كانت تقدم بين المسرحيات في أوائل القرن العشرين، وللأسف فقد حققت هذه العروض رواجا تجاريا هذا العام، كما حققت الشهرة لبعض المهرجين الجدد الذين أسرفوا في الارتجال وفي تقديم الكوميديا المبتذلة، تلك التي قد تتضمن أيضا بعض الإيحاءات الجنسية”.

ويختم دوارة حديثه عما يدعو إلى الحزن خلال العام قائلا “رحلت عن عالمنا هذا العام نخبة متميزة من رموز الفن المسرحي بمختلف مجالات التأليف والإخراج والتمثيل بمصر، وهم المخرج محمود الألفي، وكل من المؤلفين: يسري الإبياري، فكري النقاش، أسامة نورالدين، ومجموعة من الممثلين الفنانين: حمدي أحمد، سيد زيان، محمود عبدالعزيز، محمد كامل، وائل نور، ممدوح عبدالعليم، حمدي السخاوي ونيفين رامز”.

ومن جانبه، يلفت الناقد المسرحي محمد الروبي إلى أن هذا العام شهد عددا من الأحداث الهامة في الساحة المسرحية المصرية، وكانت على رأسها إعادة ترميم وتطوير مسرح المعهد العالي للفنون المسرحية، وتدعيمه بأحدث الأجهزة التكنولوجية، وأيضا إقامة مهرجان نوادي المسرح التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة وهو من المهرجانات المسرحية الهامة في مصر، باعتباره يعتمد على الشباب وعلى فكرة الحرية في الكتابة وإقامة عروض بتكلفة قليلة، وقد أقيم مهرجان هذا العام بمدينة الإسماعيلية، كما أقيم ولأول مرة مهرجان نقابة المهن التمثيلية لشباب أعضائها.

أيضا شهد هذا العام عودة لمسرح القطاع الخاص، وإن كان بمسرحية وحيدة هي “أهلا رمضان” من بطولة الفنان الشاب محمد رمضان، وكتابة وليد يوسف، وإخراج الفنان خالد جلال.

وهكذا يكون عام 2016 عام المسرح بامتياز، بحسب الروبي، لتعدد فعالياته المسرحية، لكن وعلى جانب آخر، شهد هذا العام بعض المشكلات التي حاصرت المسرح، وكان على رأسها إغلاق عدد كبير من دور العرض التابعة للدولة في إطار خطة تجديدها وترميمها، الأمر الذي أعاق الكثير من الفعاليات الأخرى وتأجيل عدد كبير من المسرحيات التي كان يفترض أن تقدم هذا العام.

وشهد العام كذلك مأساة مسرحية كبيرة تمثلت في هدم إحدى أقدم دور العرض، وهي دار “الشاطبي” بمدينة الإسكندرية، الأمر الذي أغضب المسرحيين، خاصة بعد علمهم بأن الهدم كان لصالح إقامة منشأة تجارية كبرى.

يقول الناقد والكاتب المسرحي علاء الجابر “مستوى العروض المسرحية متذبذب من موسم/مهرجان إلى آخر، وفي المقابل هناك تجارب مميزة لا يمكن التغاضي عنها، وبالتالي أستطيع أن أقول إن هناك مخرجين ومؤلفين متطورين، ولا أستطيع أن أقول إن هناك حركة مسرحية متطورة، لأن الفعل التراكمي هو الذي يؤدي إلى التطور، في حين أن الحركة المسرحية بشكل عام تنضم إليها الكثير من الأسماء الجديدة التي لم يسبق لها الاشتغال من قبل”.


الفعل التراكمي

عن أبرز المشكلات التي عانى منها المسرح، يلفت الجابر إلى أنه رغم أن كثرة المهرجانات تنعش الحركة المسرحية، إلاّ أن نتائجها مازالت دون المستوى لأن الكثير من تلك المهرجانات يغلب عليها الاستعراض وعدم الاحترافية وسيطرة الكثير من ضيوف الفيسبوك والشو الذين يتنقلون بينها دون أي تأثير أو أثر، لا للمهرجان ولا لمحبي المسرح.

ومن أبرز الإشكاليات أيضا؛ ضعف دور العرض المسرحي من النواحي التقنية والفنية في أغلب الدول العربية، فأغلب تلك الدور متهالكة وفقيرة وقميئة، إلاّ ما ندر، وكذلك بالنسبة إلى مسرح الطفل، حيث يفتقر للاهتمام والدعم ، ودور العرض لا تتناسب ومعطيات هذا المسرح، وأهمية الفئة الموجه إليها.


يحيى الفخراني في"ليلة من ألف ليلة"
وأخيرا يعد توقف مجلة “المسرح المصرية” من أسوأ أحداث العام المسرحية، فقد كانت رئة المسرح والمسرحيين في مصر والوطن العربي، وللأسف تم قتلها بصورة لا تليق بمشوارها الطويل وتاريخها العريق ودون إيجاد أي بديل حتى اليوم.

وفي السياق ذاته، تقول الناقدة المسرحية جهاد عزالدين إنه “على مستوى العروض والكتابات المسرحية خلال عام 2016، يمكننا رصد التطور الذي شهده المسرح في مصر؛ فالمسرح القومي تدب فيه الروح من جديد ويتم افتتاحه مرة أخرى بعد فترة طويلة من التوقف –بسبب التجديدات الحتمية- وتصدح سماؤه بالعرض المسرحي ‘ليلة من ألف ليلة’ للنجم يحيى الفخراني، أيضا في شهر رمضان، نجد خشبة القومي تتألق بالأمسية الدينية ‘في مديح المحبة’ بطولة خالد الذهبي وسوسن بدر وبهاء ثروت وإخراج محمد الخولي، وتفتح أبواب المسرح للجمهور بالمجان”.

وتضيف “مسرح الطليعة كان له نصيب الأسد في التطور والازدهار اللذين بدآ يدبان في أوصال المسرح المصري من جديد، ففي بداية العام شهد الطليعة مشروعا جديدا -رغم قِدم فكرته- وهو (صالون الطليعة الثقافي) برعاية مدير المسرح آنذاك المخرج محمد الخولي، حيث كان يُقام في المسرح صالون ثقافي كبير في الثلاثاء من كل أسبوع –وهو يوم إجازة المسرح- وكان رواد الصالون كوكبة من الأدباء والمثقفين والفنانين والنقاد، فضلا عن شرائح مختلفة من الجمهور الذي كان يحرص على حضور هذا الصالون والاستمتاع بكل ما يقدم فيه من عروض مسرحية ومناقشات وندوات مهمة تثري الشأن الفكري والثقافي”.

ومع ذلك، تسترسل عزالدين متأسفة “صدر القرار بوقف الصالون الثقافي ومنع إقامة الصالونات الثقافية في مسارح الدولة باستثناء صالون المسرح القومي الذي يكتفي فقط بقراءة بعض النصوص المسرحية كلما تسنى ذلك، أيضا شهد مسرح الطليعة تنفيذ عرض مسرحي غاية في الشجاعة والجرأة وهو مسرحية ‘العطر’، ليكون العطر هو أول مسرحية خاصة بالصم والبكم تعرض على مسرح من مسارح الدولة، وقد شهدت المسرحية نجاحا كبيرا على مستوى الكتابة والتمثيل والإخراج، وتناقش المسرحية هموم تلك الفئة (الصم والبكم) وحقهم في أن يعيشوا حياة طبيعية كبقية الناس، وهي خطوة شجاعة وجريئة جدا تحسب للمسرح المصري بوجه عام، وأعتبرها بداية جادة لظهور فئة جديدة من الممثلين الموهوبين على الساحة”.

كما ترى عزالدين أن الحالة الاقتصادية في مصر تعد سببا مباشرا في قلة الإقبال الجماهيري على المسرح، فسعر التذكرة الواحدة ربما يقدر عليه البعض، وإن خرج لمشاهدة عرض مسرحي، فستمنعه الحالة الاقتصادية من الخروج لمشاهدة بقية العروض، ومن هذا المنطلق، ظهرت فكرة “كارنيه المسرح” لتحل هذه المشكلة، ويمكن للجميع الحصول على “الكارنيه” بسعر رمزي من البيت الفني للمسرح لحضور كافة العروض المسرحية في مسارح الدولة على مدار العام، بموجب عرض واحد لكل مسرحية، ويتم استثناء ذوي الاحتياجات الخاصة، ويسمح لهم بدخول كافة العروض مجانا.

أما عن أبرز المشكلات التي عانى منها المسرح، فلخصتها عزالدين في عدم وجود رؤية حقيقية تعمل على تطوير المسرح بشكل عام، مع غياب الثقافة الجماهيرية التي كان من الممكن أن تحل محلها فكرة “الصالون الثقافي”، وعدم رعاية الدولة للمسرح بالشكل الأمثل، كما كان يحدث سابقا، وعدم بناء مسارح جديدة في المدن والمحافظات، إذ تقول “بالعكس، فالاتجاه الملحوظ الآن هو هدم المسارح العريقة، وعدم الاهتمام بالفرق المستقلة التي تمتلئ بالموهوبين والمتحمسين من جيل الشباب الذي من المفترض أن تأتي النهضة على أكتافه”.

“لم يحدث جديد يذكر في المسرح المصري خلال العام، ولا أتوقع أي ازدهار أو تطور على المدى القريب مع خضوع المسرح لأنظمة بيروقراطية على صعيد المسارح الحكومية، وحتى المسارح الحرة مازالت ترسخ للتفاهة والفن الرديء وهمها الأول هو البحث عن الجمهور”، هكذا قيم الناقد المسرحي عبدالغني داود السنة المسرحية المصرية.

ويضيف “لم ألمح خلال العام أي تطورات على مستوى الكتابة أو العروض المسرحية، بل على العكس هناك الكثير من الانحدار في مستوى الكتابة والعروض المسرحية، وهو ما رسخت له بقوة مسارح الفضائيات التي انتشرت في الفترة الأخيرة والتي لا تمت للمسرح بأي صلة”.

ويختم داود حديثه، قائلا “ليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل في مستقبل المسرح، خاصة مع عدم توفر مناخ الحرية للتفكير، وإن كان ثمة مسرحيون حقيقيون يحاولون التغلب على العقبات التي تواجه أي مسرحي حقيقي في مصر أو العالم العربي”.

----------------------------------------------------------
المصدر : حنان عقيل - جريدة العرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق