تصنيفات مسرحية

الاثنين، 30 يناير 2017

في أزمة النصّ المسرحيّ

مجلة الفنون المسرحية

في أزمة النصّ المسرحيّ

نجوى بركات

شاركتُ، في الأسبوع المنصرم، في ملتقى الشارقة للمسرح العربي الذي أقيم ضمن الدورة الثانية من مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي، ما بين 15ـ 19 يناير/ كانون الثاني الجاري، تحت شعار المسرح والرواية الذي اختير "بسبب الشعبية الواسعة التي كسبها الأدب الروائي في الفضاء الثقافي العربي، حيث بات مادةً بارزةً في وسائل الإعلام والبحث الجامعي والمسلسلات التلفزيونية وغير ذلك"، بحسب ما قال مدير إدارة المسرح في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، أحمد بو رحيمة، مضيفاً أن الملتقى يحاول النظر في "انعكاس هذه الوضعية الجديدة للرواية في مرايا المسرح العربي". 
وبالفعل، عرفت الرواية العربية انفجاراً كبيراً في العقود الأخيرة، وهو انفجار طاول تقريباً كل البلدان العربية، وتطرّق إلى أزمنةٍ مختلفةٍ تاريخيةٍ وحديثةٍ، وإلى موضوعاتٍ متنوّعة، اجتماعية، سياسية، خيالية علمية، بوليسية، نسوية، إلخ، حتى أنها كانت قادرة أحياناً، أي الرواية، على التقاط إرهاصات التحوّلات التي عصفت، أخيراً، ببعض دول المنطقة، قبل سنواتٍ من حدوثها. 
في المقابل، عرف المسرح العربي أيضاً نقلاتٍ نوعية، أبرزت تقدّماً وتنوّعاً في المعالجات وأساليب المسرحة والإخراج، إلا أن هناك مقولة ما زالت تُسمع وتُردَّد، منذ نشوئه وإلى يومنا هذا، وهي افتقاره إلى نصوص محلّية منتشلة من واقعه، تحمل همومه وتخاطب جمهوره بشكل مباشر. وهو ما يضطر المسرحيين العرب عامةً إلى ارتجال نصوصهم، وكتابتها فرديا أو جماعياً (وقد يكون هذا خياراً مسرحياً إيجابياً في الأساس)، أو إلى "تعريب" مسرحيات عالمية، وهو بحدّ ذاته أمر جيّد، إنما غير كافٍ لخلق تقليد كتابةٍ مسرحية محلية، أو إلى خوض مغامرة إعادة الكتابة النصّية، في حين أن مهمتهم تتركز، في الأساس، على ترجمتها دراميا، أو إعادة كتابتها بأدوات عملية أخرى. 
والحال، لستُ أعرف الكثير عن مدى تعاون المسرح العربي مع الرواية العربية، باستثناء تجارب هنا وهناك، بحيث يجوز التساؤل إن كان هناك في الأصل رغبة حقيقية تدفع في هذا الاتجاه، لحلّ الأزمة الأزلية المتعلقة بنقص النصوص المسرحية العربية وندرتها. بل إنني أستغرب كثيرا واقع الحال، خصوصاً أن المسرح قد عرف، منذ بداياته ثم طوال تاريخه، اقتباسَ نصوصٍ من أنواع أخرى، لا تمتّ إليه دائما بصلة. 
استلهمت التراجيديا الإغريقية، على سبيل المثال، ملاحمَ هوميروس، ومسرحياتُ القرون الوسطى جاءت تمثيلاً حيّا للكتاب المقدّس، في حين استوحى شكسبير معظم أعماله من حواديت ووقائع وأخبار. ولقد وصل الأمر، في العصر الروماني، حدَّ إعادة كتابة بعض المسرحيات الإغريقية القديمة، وهو ما بلغ أوجه في الفترة الكلاسيكية الفرنسية. أما في القرن العشرين، فلم يتوانَ المسرحيون عن اعتماد الاقتباس وإعادة الكتابة في إنتاج أعمالهم المسرحية، من أمثال جاك كوبو، غاستون باتي، شارل دوللين، جان – لوي بارّو، إروين بيسكاتور، هاينر موللير، بيتر بروك، روبيرت ويلسون، كارميلو بيني وسواهم. من هنا، لا بدّ للمتفكّر في الأمر من طرح سؤالٍ بديهي: ما الذي دفع ويدفع بأهمّ مسرحيي القرن العشرين، على الأقل، إلى إعادة قول ما قد سبق قوله؟ 
اكتشف أهلُ المسرح عامة أن الانتقال من لغة إلى أخرى، أي من لغة الرواية إلى لغة المسرح، يجبرهم على اكتشاف أساليب سردية جديدة، واختبار تقنياتٍ مستحدثة، وابتكار تجهيزات مسرحية أخرى. "يمكننا مسرحة كل شيء"، كان يقول المسرحي الفرنسي، أنطوان فيتاز، وهي ربما المقولة الأفضل تعبيراً عن رغبة المسرح بتوسيع آفاقه ومصادره، بالشكل الذي اختبره أوّلا المسرحُ التجريبي، ومن ثم المسرحُ المعاصر بكل تعبيراته ومدارسه. وبما أن الرواية من أكثر الآداب اقترابا في العمق من النص الدراميّ، لاعتمادها على شخصياتٍ وحواراتٍ وعقدةٍ ما، فقد شكّلت وقتاً طويلاً مصدر إلهام للمسرحيين. 
بتعبير آخر، هذي دعوة صريحة إلى المسرحيين العرب، للنظر أخيراً في الرواية العربية، علّهم يجدون فيها النصّ الذين يبحثون عنه منذ أمد طويل.

--------------------------------------------
المصدر : العربي الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق