مجلة الفنون المسرحية
نحـو مسـرح بسيـط
نحـو مسـرح بسيـط
زهيــر موســاوي
لا يخفى على أحد الأزمة التي يعيشها مسرحنا المغاربي بشقيه الأمازيغي و العربي، هذه الأزمة راجعة بالأساس إلى تقليد أغلب الفرق المسرحية لأشكال مسرحية غربية بعيدة كل البعد عن ما يعيشه المواطن المغاربي البسيط من أفراح واحتفالات و هموم و أحزان. لذا نرى أنه من الضروري على الفرق المسرحية الراغبة في مواصلة ابداعها أن تستعمل تقنية المسرح البسيط لكي تعمل على خدمة الفن المسرحي الأمازيغي و العربي و لكي تعمل أيضا على خدمة الإنسان البسيط.
تنبني تجربة المسرح البسيط حول فكرة تقديم عروض مسرحية بأبسط الامكانات المتوفرة لدى الفرقة و بموارد مالية بسيطة. فتوظيف العلامات و الرموز والأشياء البسيطة بالإضافة إلى بساطة مكونات العرض المسرحي الاخرى كافي لوحده أن يخلق لنا فرجة مسرحية. هذا يعني أنه لم يعد من الضروري تقديم مسرح طبيعي يحاكي الواقع كما هو. لأن ذلك يتطلب موارد مالية ضخمة زد على ذلك أن الفرقة ستجد صعوبة في نقل قطع الديكور الضخمة من مكان إلى آخر. اذن، أصبح من الواضح أن هذا المسرح لن يخدم المسرح المغاربي و العربي. ذلك أن بعض الفرق المسرحية تقع سنويا في فخ الدعم المسرحي و لا تنتج أعمالها المسرحية بحجة عدم حصولها على دعم مسرحي، كما أن الكثير من الفرق المسرحية تحتضر في مهدها و لا تستطيع أن تقدم أي عرض مسرحي للجمهور، بل و أن بعض الفنانين يتركون الفن المسرحي و يتجهون نحو قطاعات فنية و ثقافية أخرى كالسينما مثلا. هكذا فالمسرح البسيط بتقنيته البسيطة قادر على خلق فرجة مسرحية و قادر أيضا على خلق روح الاستمرارية لدى الفرق المسرحية لجعلها تواصل ابداعها المسرحي دون توقف وبلا ملل.
يعمل المسرح البسيط على تقديم أعمال مسرحية بسيطة باستعمال أبسط الامكانات المتوفرة لدى المبدع المسرحي. ذلك أنه يمكن إنجاز فرجة مسرحية انطلاقا من طاولات و كراسي و قطع ديكور و ملابس و مصابيح إنارة و أدوات موسيقية وأشياء أخرى بسيطة تتوفر لدى المبدع المسرحي. هذا يعني أنه ليس من الضروري أن يتوفر المبدع على إمكانات ضخمة لانجاز عمل مسرحي. كما أن المسرح البسيط لا يعمل على إقصاء كل الأشياء الخارجة عن عالم المسرح و التي تنتمي إلى الفنون الأخرى كالسينما و التشكيل و لا يعتبر الممثل و جسده محور العمل المسرحي كما فعل مايور هولد في تجربة المسرح الشرطي و غروتفسكي في تجربة المسرح الفقير، بل تقوم فكرة المسرح البسيط على خلق عمل مسرحي بأبسط الامكانات المتوفرة لدى المبدع المسرحي. فالمسرح البسيط لا يلغي بصفة تامة مكونات العرض المسرحي الأخرى كالسينوغرافيا و الملابس و الديكور و الإنارة ... بل يمكن توظيف هذه المكونات في العمل المسرحي إن وجدت شرط أن يكون هذا التوظيف بشكل بسيط كي يكون العمل المسرحي بسيطا كذلك. إذن، فالمسرح البسيط يعمل على انجاز عمل مسرحي بسيط يحقق فرجة مسرحية بما لدى الفرقة من امكانات سواء أكانت ضخمة أم بسيطة، فإذا توفرت لدى الفرقة امكانات ضخمة فانها تنجز عملا مسرحيا بسيطا، كما انه يمكن أن تنجز عملا مسرحيا بسيطا أيضا يحمل فرجة مسرحية في حالة ما إذا لم تتوفر إلا على إمكانات بسيطة فقط.
هكذا، يجب أن تعتمد سينوغرافيا العرض المسرحي على البساطة في عناصرها الاساسية، و هذا يعني أنه لا يجب أن تكون فقيرة أو منعدمة. فبساطة السينوغرافيا تحول فضاء الخشبة إلى مجال للعب و الحركة الجسدية التلقائية. غير أن هذه البساطة يجب أن تسمح بتحديد الفضاءات المشهدية للعرض المسرحي كي يسهل التمييز بين الأمكنة و كي لا تتداخل فيما بينها.
تعطى الأهمية في المسرح البسيط للأفكار التي يطرحها العمل المسرحي و التي تلقى تعاطف المتلقي / الجمهور. ذلك أن هذه الأفكار تتطلب قالبا مسرحيا بسيطا فقط. فالممثل المسرحي يستغل كل الإمكانات البسيطة الذاتية المتوفرة لديه من خيال و تركيز و حركة جسدية و صوت و ايماءات و الإمكانات البسيطة المحيطة به كالديكور واللباس و الإنارة و الاكسسوارات ... ويشكل بكل هذه الإمكانات، البسيطة و المنسجمة فيما بينها، رسالة تحمل مجموعة من الأفكار حيث يكون المتلقي مدعواً إلى تفكيك رموزها و إعطائها معنى. هكذا، تساهم هذه الأفكار التي تُطرح في فضاء العرض في تحقيق نوع من التشارك المباشر و الفعال مع المتلقي. إذن، فالمسرح البسيط يوجد بوجود عنصرين أساسين و هما المتلقي و الأفكار التي يطرحها العرض المسرحي بمكوناته المختلفة.
إن الفرجة المسرحية الهادفة يمكن أن تصنع حتى بأبسط الأشياء المتوفرة لدى الفنان المسرحي، هكذا فكل شيء على خشبة المسرح يجب أن يكون بسيطا، فالمنظر المسرحي المعقد لم يعد ضروريا، كما يجب الاستغناء عن قطع الديكور الضخمة و الاعتماد على الدلالة فقط و الاستغناء عن كل الأشياء السطحية التي لا تحمل أي علامة في فضاء العرض المسرحي. و على الممثل أن يعتمد على ذاته و مواهبه و الأشياء البسيطة المحيطة به كما يجب الابتعاد عن الزخارف و كل الاشياء الغير الضرورية. و يجب الاستغناء عن التعقيدات اللغوية و الأسلوبية على مستوى الكتابة الدرامية. فالجمهور المسرحي المغاربي و العربي لم يعد يرغب في حضور عروض مسرحية ضخمة تحمل في طياتها أفكار و لغة معقدة و بعيدة عن مشاكله اليومية، و إنما الجمهور يريد مسرحا بسيطا يعكس همومه و انشغالاته البسيطة و المعقدة في الوقت ذاته. هكذا، فالمسرح البسيط يعمل على تقديم عمل فني في شكل مسرحي بسيط يحمل قضايا ومواضيع اجتماعية و سياسية و بيئية... الخ.
هكذا، يتمحور المسرح البسيط بالأساس حول حياة الإنسان وما يعيشه يوميا من أفراح وأحزان. فهو يعمل على تقديم قضايا و معاناة و اهتمامات وهموم الإنسان. لذلك يستخدم هذا المسرح تقنيات بسيطة كي يتمكن من إنجاح فعل التواصل حتى مع القاعدة الشعبية البسيطة. فهذه التجربة المسرحية تحاول أن ترد الاعتبار لبساطة الإنسان و إنسانية الإنسان و تقرب الجمهور العريض أكثر إلى حياة الإنسان و تُسلط الأضواء على مشاكله وانشغالاته اليومية. لذلك، يمكن أن يتخذ المسرح البسيط مواضيعه من الساحات و الأسواق العمومة و الفرجات المسرحية الشعبية المغربية الأمازيغية و العربية التي تشكل المرآة الحقيقية للإنسان البسيط.
بالاضافة إلى ذلك، يؤسس المسرح البسيط للهوية و الانتماء انطلاقا من المحلية. فالألبسة و الموسيقى و الأهازيج و كل عناصر السينوغرافيا يجب أن تكون مستوحاة من الثقافة المغربية الأمازيغية و العربية. كما يهدف الى تحقيق التفاعل الحضاري و الثقافي. بمعنى أنه ينفتح على الحضارات و الثقافات الأخرى و يتجلى هذا الانفتاح مثلا في توظيف أحداث و شخوص مسرحية تنتمي إلى حضارات و ثقافات أجنبية. و ينفتح أيضا على التراث إذ يوظفه و يقدمه في أعمال مسرحية جادة لخدمة القضايا المعاصرة. كما ينفتح المسرح البسيط على كل المدارس و التوجهات المسرحية ويأخذ منها ما يخدم الانسان بصفة عامة والفن المسرحي بوجه الخصوص.
و في الختام، يمكن تلخيص تجربة المسرح البسيط في إنجاز أعمال مسرحية بسيطة سواء توفرت للمبدع المسرحي إمكانات ضخمة أم بسيطة. وذلك بتوظيف كل الاشياء و الامكانات المتوفرة لدى المبدع توظيفا بسيطا يحمل دلالة و معنى. فعناصر العمل المسرحي ببساطتها تحمل رموزا و دلالات و تعمل على تقديم أفكار وقضايا للجمهور المسرحي و بالتالي يتحقق فعل التشارك و هكذا تتحقق الفرجة المسرحية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق